ترجمة: دارين حوماني
يشرح جون شاند، في هذا المقال، لماذا الإرادة الحرة أساسية للإنسانية.
لقد كُتب الكثير حول ما إذا كنا نتمتع بالإرادة الحرّة أم لا. ويبدو أن كوننا أحرارًا أم لا هو أمر مهم جدًا بالنسبة لنا.
لنفترض أولًا أننا لسنا أحرارًا ـ وأن الإرادة الحرة غير موجودة. ولنأخذ هذا على أنه يعني ضمنًا أننا لا نتحمل المسؤولية عن أفعالنا، تمامًا كما لا نتحمل المسؤولية عن سقوط شجرة أو صخرة على رؤوسنا. إما أن يقع ذلك بسبب سبب سابق، أو لا يقع. إنها مسألة واقعية بحتة، خالية من أي حكم معياري حول ما إذا كان ينبغي أن يحدث ذلك أم لا. ولنفترض أيضًا أن الأسباب هي كل ما يمكن أن يقال عن الأمر. وفي هذه الحالة، يمكن تلخيص الكون بأكمله في وصف لما هو موجود وما يحدث وما لا يحدث. فالأحداث إما أن تحدث أو لا تحدث. وهذا كل شيء. وكما يقول لودفيج فيتغنشتاين، فإن العالم هو مجموع الحقائق (رسالة منطقية فلسفية، 1.1، 1921).
لتجنّب أي اعتراض قد يتبادر إلى ذهن أحدهم هنا، يجب أن نكون حذرين في استخدام لغتنا، وننتبه إلى الطريقة التي نستخدم بها الكلمات المعيارية مثل "يجب" أو "ينبغي". نحن أحيانًا نستخدم هذه الكلمات بمعنى غير معياري؛ لكن المعنى في هذه الحالات يكون مختلفًا تمامًا. فقد يشير، على سبيل المثال، إلى جهل بالأسباب. افترض أن صائغي المجوهرات قد أعادوا لك ساعتك بعد تنظيفها وصيانتها. وبعد بضعة أيام توقفت الساعة عن العمل؛ قد نقول عندها إنه "لم يكن ينبغي" أو "ما كان يجب" أن تتعطل الساعة. ما نعنيه هنا هو أنه، بالنظر إلى الصيانة التي خضعت لها الساعة، لا ينبغي أن يكون هناك سبب لتوقفها عن العمل. ومع ذلك، لا ننكر ضمنيًا أن هناك سببًا للعطل، فقط أننا لا نعرف ما هو. ولكن لا يوجد لوم أخلاقي على الساعة؛ فلا يمكن القول إنها ارتكبت خطأ، أو قامت بشيء غير صحيح بمعنى أنها اختارت بشكل سيء بين عدة خيارات. فالساعة ببساطة تقوم بما تقوم به الساعات (أو في هذه الحالة، لا تقوم بما يُفترض أن تقوم به). أما عن صانع الساعات، فيمكننا القول إنه ربما قد ارتكب خطأ في عمله.
بعد توضيح هذا الجانب، سنستخدم مصطلح "معياري" في ما يلي للإشارة إلى أنه من المنطقي القول إن القيام بشيء معين بطريقة ما يمكن أن يكون صحيحًا أو خاطئًا، وأن القاعدة التي تحدد الطريقة الصحيحة للقيام به ليست وصفية بل إلزامية: فهي تضع قواعد حول كيفية القيام بشيء ما، بغض النظر عما يتم فعله بالفعل. فلا يمكن للأشجار أو الصخور أو الساعات أن "تفعل الأشياء بشكل صحيح" أو "ترتكب أخطاء"؛ فهي ببساطة تفعل ما تفعله. إذا لم يتوافق ما تفعله مع قانون طبيعي مفترض يصف ما "يجب" أن تفعله بمعنى وصفي، فهذا يعني إما أننا أخطأنا في فهم ما حدث أو أننا بحاجة إلى تغيير تصوّرنا لقوانين الطبيعة؛ لأن إحدى هاتين الحالتين هي التي تكون خاطئة أو غير دقيقة، وليس ما يحدث بالفعل.
ولكن عندما نقول عن شخص ما إن وضع "7" بعد "2+3=" غير صحيح، فإننا نقترح من الناحية المعيارية أنه كان ينبغي له أن يكتب الرقم 5 ولكنه اختار أن يكتب الرقم 7، وأنه بذلك لم يتبع قواعد الحساب بشكل صحيح. وبشكل عام، عندما يحدّد مدرّس الرياضيات للطالب مجموعًا لحله، فإنه لا ينتظر فقط ليرى ما سيحدث بعد ذلك، حيث تكون إحدى النتائج جيدة مثل أي نتيجة أخرى، ولا يمكن ارتكاب أي خطأ في ما سيحدث. بل إنه في الحالة المعيارية يريد أن يرى ما إذا كان الطالب قادرًا على تقديم إجابة صحيحة أم لا.
بالطبع، ليس التفكير في الحسابات الرياضية هو ما يشغل أذهان الناس عندما يفكرون في مسألة كوننا أحرارًا أم لا، بل الأخلاق؛ وكذلك الجماليات أيضًا، أي مسائل الذوق أو الحسّ الجمالي. وبشكل أعم، عندما نفكر في الحرية، فإننا نفكر في إطار مجموعة واسعة من القيم، والتي ترتبط بشكل وثيق بالمعنى. يبدو أن القيمة والمعنى هما ما سيتلاشى من الكون إذا انتفت الإرادة الحرة، إذ بدونها سنجد أنفسنا أمام عالم توجد فيه الأشياء وتحدث فيه الأمور أو لا تحدث، ولكن بدون أن تحمل هذه الأحداث أي قيمة أو معنى.
أولًا، الوعي ضروري للمعنى والقيمة. إذا كنت تعتقد أنه في غياب المراقبين الواعين، قد تظل الأشياء والأحداث في الكون ذات قيمة ومعنى، فربما لا تفكر في غيابنا التام، بل ربما تتخيل أننا ما زلنا نراقب في شكل غامض. ولكن لنفترض أننا لسنا هناك حتى بهذا المعنى، وأن أي كائنات أخرى لا تقدر حقًا أي شيء أو تنسب له معنى. هذا يعني أن لا شيء أكثر أهمية، أو دلالة، أو قيمة، أو أفضل، أو أسوأ، من أي شيء آخر. إذا لم يكن هناك قيّمون بشريون، فلن تكون هناك قيم. (تكون هناك كائنات فضائية قادرة على تقدير الأشياء، لذا ربما لا يزال للكون قيم ومعنى لشخص ما. ومع ذلك، حتى الآن، لا نعلم بوجود كائنات فضائية، لذا فإن الاعتماد على استمرار القيم والمعنى في ظل هذه الإمكانية سيكون أملًا هشًا حقًا).
ثانيًا، ومع ذلك، فقط إذا كانت هناك حرية الاختيار، يمكن اعتبار أي شيء صحيحًا أو خاطئًا، وبعض الأشياء أفضل أو أسوأ، وبعض الأشياء لها معنى لأنها أكثر دلالة أو أهمية من غيرها. لذا يبدو أن حرية الإرادة هي شرط ضروري آخر لوجود القيم، حيث إن الكائنات التي تتمتع بالإرادة الحرة فقط هي التي يمكنها الاختيار بين الخيارات المتعلقة بما يجب أو لا يجب أن يحدث.
فقط مع الإرادة الحرة تكون هناك إمكانية ليس فقط للتصرّف وفقًا لقاعدة، بل اتباع قاعدة. لذلك فقط إذا كانت هناك حرية، يمكن أن تكون هناك أخلاق وجماليات. حسنًا، بدون حرية، قد نكون محصورين في حقائق تفضيلاتنا وأذواقنا، ولكن بدون أي دلالة معيارية – لا يمكنك أن تكون على صواب أو خطأ فيما يتعلق بها؛ ستكون ببساطة حالات إما موجودة أو غير موجودة. إما أن تحب الجبن أو البطاطا أو الدجاج، أو لا تحبها – لا جدوى من الجدال مع شخص ما بأنه ليس على حق إذا لم يحب ما تحبه، أو التأكيد على أنه ارتكب خطأ، وأنه ينبغي عليه أن يحبه.
ولكن فيما يتصل بالقيم والمعنى، هناك مثل هذه النقطة، لأن الحكم (الجيد) على القيمة أو المعنى يتبع عملية عقلانية، مما يعني إمكانية الحكم المعياري على وجهة نظر صحيحة أو خاطئة. وهذا لا يعني بالضرورة أن المرء يستطيع أن يصل إلى استنتاج نهائي، وهذا أمر لا جدال فيه، بل يعني فقط أن المناقشة أمر منطقي، لأنها قد تؤدي إلى وجهة نظر واحدة بدلًا من أخرى.
إن أولئك الذين يتصورون أن الحرية مجرد وهم يمكننا أن نعيش من دونه بسعادة، يقولون أيضًا إن قبول هذا الموقف من شأنه أن يزيل اللوم والاستياء من المسؤولية، مما يؤدي إلى طريقة أكثر برودة وعقلانية للتعامل مع المواقف والأفعال التي نتخذها ونعتبرها خاطئة.
سواء كان من الممكن أو لا رؤية الناس كخالين من الحرية، ومن الصعب رؤية كيف يمكن أن يكون ذلك، فإن فكرة أن إزالة الإرادة الحرة من حياتنا ستكون جيدة تتجاهل الجانب الآخر من العملة – وهو أنها ستقضي في الوقت نفسه على المدح والإعجاب اللذين يأتيان أحيانًا مع المسؤولية.
وكما أن حرية اختيار السيِّء ستكون خالية من الإرادة الحرة، فإن حرية اختيار الخير، وأي شعور بالإنجازات الجديرة بالثناء التي يمكن أن ننال الثناء عليها ونفخر بها، ستكون خالية أيضًا من ذلك. فلا يمكن أن نُنتقد بشكل عقلاني على السيء الذي نفعله، ولا أن نُمدح على الخير: فكل شيء سوف يحدث فقط، أو لا يحدث. وهذا لن ينطبق فقط على الأمور الأخلاقية. فالأفعال التي نمدحها أو نلومها لن تكون كذلك. إن الإنسان إذا بذل تضحيات كبيرة، لنقل من أجل خلق عمل فني عظيم كان رائعًا في حد ذاته ومنح الملايين الراحة أو التحفيز، أو إذا توصل إلى اكتشاف علمي بعد جهد شاق، فلن يكون من الممكن أن نشيد به، سواء على النتيجة أو على الجهد المبذول: فكل شيء حدث ببساطة. ولن يكون الثناء أكثر ملاءمة من الثناء على الشمس لأنها تشرق وتتحد مع الطقس لإنتاج صباح ربيعي جميل.
إن إنكار الإرادة الحرة، وبالتالي المسؤولية الأخلاقية، يبرّر أيضًا الاحتمال الرهيب المتمثل في عدم محاسبة المجرمين ومعاقبتهم على الأخطاء التي يختارونها، بل التعامل معهم باعتبارهم مجرد آليات معطلة تحتاج إلى إصلاح (انظر على سبيل المثال "البرتقالة الآلية" لأنتوني بورغيس، 1962).
إن غياب الحرية عن حياتنا، أو ربما ينبغي لي أن أقول الاعتقاد الراسخ بأننا لسنا أحرارًا، وأننا لا نملك القدرة الحقيقية على توجيه حياتنا من خلال الاختيارات المدروسة بحرية ــ من شأنه أن يقودنا إلى أسلوب حياة مختلف تمامًا، بما في ذلك تجريدنا من كل القيم والمعنى. ولن نملك أيًا من هذين الأمرين أكثر من تجريد الصخرة من معناها عندما تتدحرج إلى أسفل التل حتى تصطدم بشيء ما فتتوقف. وهذا من شأنه أن يشكل في واقع الأمر عدم أهمية كاملة، منذ ولادتنا إلى مماتنا: فلن نكون أكثر من صخور معقدة تتدحرج إلى أسفل التل حتى تتوقف. وهذا الاحتمال الرهيب القاحل هو السبب وراء أهمية الحرية بالنسبة لنا.
جون شاند: زميل فخري في الفلسفة في "الجامعة المفتوحة" (الولايات المتحدة). من بين كتبه "الفلسفة والفلاسفة: مقدمة إلى الفلسفة الغربية" (2002)، و"الجدال الجيد" (2000)، كما كان محررًا لعدد من الكتب منها "رفيق فلسفة القرن التاسع عشر" (2019).
*نُشر هذا المقال في عدد تشرين الأول/ أكتوبر- تشرين الثاني/ نوفمبر من مجلة "الفلسفة الآن" Philosophy Now. عن موقع:
https://philosophynow.org/issues/164/Why_is_Freedom_So_Important_To_Us