Print
سمير رمان

في رحيل ماغي سميث: أسطورة المسرح والسينما البريطانية

7 أكتوبر 2024
تغطيات

عن عمر ناهز تسعين عامًا، تُوفيت أسطورة المسرح والسينما البريطانية، ماغي سميث، الحائزة على جائزتي أوسكار، وسبع جوائز بافتا، وثلاث من جوائز "غولدن غلوب"، والحاملة لميدالية الإمبراطورية البريطانية من رتبة فارسة.
"لا أطيق الأغبياء، وهم بالطبع لا يطيقونني، وعندها سأبدأ بالوخز، ولهذا بالتحديد أجيد لعب أدوار العجائز السيئات". هكذا اعترفت ماغي سميث في مقابلةٍ لها قبل عشر سنوات، عندما كانت تناضل ضدّ مرض السرطان، وضدّ آثار العلاج الكيميائي، متحملةً آلامًا مبرحة، ولكنّها بقيت مع ذلك مخلصةً لمهنتها، مستمرةً بالسخرية حتى آخر لحظات حياتها.
من الصعب، في حقيقة الأمر، تذكّر أفضل العجائز السيئات في السينما الناطقة بالإنكليزية. بالدرجة الأولى، يستذكر المشاهد دورها مينيرفا ماك غوناغال، معلّمة التحوّل، ونائب مدير مدرسة للطاقة والسحر في هاري بوتر: لعبت ماغي دور مينيرفا في سبعة أفلام من هاري بوتر من عام 2001 حتى عام 2011. من "هاري بوتر وحجر الفيلسوف" (2001) للمخرج كريس كولومبوس، وحتى فيلم "هاري بوتر والأقداس المهلكة (2011) للمخرج ديفيد إيتيس عن سلسلة روايات الكاتبة جوان رولينغ. إنّها مينيرفا نفسها، التي تجيد التحول إلى قطةٍ مخططة، وتشجع الخارج عن القانون هاري على الطيران على المكانس، تعلّمه فنون الظلامية/ Obscurantism، وأخيرًا تترأس الدفاع عن هوغوورتس في مواجهة جيش أكلة الموت، وبكلمة واحدة إنّها عجوز مقاتلة.
كما تعود إلى ذاكرة المشاهدين الأمّ العليا في الفيلم الكوميدي "تصرفي أيتها الأخت الراهبة" للمخرج إيميل آردولينو (1992)، وكذلك دورها بيللا ديوك "تصرفي أيتها الأخت 2" (1992)، امرأة متهورة عملت على إيواء واحتضان نجمةً البوب السوداء الهاربة من رجال العصابات في بيتها. كما لعبت دورًا مهمًا في فيلم مأخوذ عن رواية بوليسية للكاتبة أغاثا كريستي "متنزه غوسفورد" (2001)، من إخراج الأميركي روبرت ألتمان. يحكي الفيلم قصة تاريخية تعود إلى ثلاثينيات القرن العشرين، عن توارد ضيوفٍ من الطبقة الراقية الإنكليزية والأميركية مع خدمهم إلى قصر اللورد المحترم ويليام ماكوديل وزوجته الليدي سيلفي لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، والتي تنتهي بجريمة قتل ضحيتها اللورد المضيف.
وبالطبع، لدينا دورها في مسلسل "دير داينتون" (أعوام 2010 ــ 2015 ــ 2019 ــ 2022)، وهو عبارة عن مخطوط كتب بخط اليد عن انهيار الإمبراطورية، عند أعتاب الحرب العالمية الأولى لغاية بداية صعود الفاشية في أوروبا.




عند تحليل كلّ هذه الأدوار الساحرة التي لعبتها ماغي سميث، يصبح من الصعب مقارنة مظهرها المألوف لدى عشّاق السينما بما كتبه النقاد عنها. في هذا الإطار، يشار إلى ما سبق وكتبه الناقد المسرحيّ ميلتون شولمان عام 1964: "إنّها تهيمن على المسرح، وكأنّها صورة عملاقة بريشة الفنان الإيطالي أميديو موديلياني، تظهر جلدها المرمري المشدود وكأنّه يخفي أحزانًا عميقة". وتابع شولمان، وقد نزل عليه الإلهام، قائلًا عن دور ديدمونة الذي لعبته ماغي سميث وهي في عمر الثلاثين في دويتو مع لورانس أوليفييه: أولًا على المسرح الوطني الملكي، وبعدها بعامٍ واحد على الشاشة في فيلم "جون دسكتر"،
كان ظهور ماغي سميث على خشبة المسرح قبل وقتٍ طويل من ظهورها على الشاشة الفضية عام 1958. كانت ماغي سميث ابنة بروفيسور في جامعة أوكسفورد، وظهرت للمرة الأولى على خشبة مسرح محلّي في سنٍّ مبكرة. عام 1952، لعبت دور فيولا في مسرحية شكسبير "الليلة الثانية عشرة"، وبعد أربع سنوات دخلت مسرح برودواي في نيويورك في عرض "وجوه جديدة". وعملت الفنانة الشابة في المسرح الأسطوري أولد فيك/ Old Vic، وفي مجموعة شكسبير الملكية. كما ظهرت ماغي على خشبة المسرح في مهرجانٍ أسطوري آخر هو مهرجان سترانفورد في دور كليوباترا، والليدي ماكبث نفسها، والملكة إليزابيث في مسرحية "ريتشارد الثالث". كانت مسيرة ماغي سميث تاريخًا من العمل مع المخرجين والممثلين العظماء، وتركت في الذاكرة العالمية أدوارًا مميزة لا تنسى! في هذا الصدد، يكفي أن نذكر دور باتريشيا الذي لعبته سميث في فيلم "جعجعة بلا طحن"/ Much Ado About Nothing للمخرج فرانكو دزيفيريللي (1967) والمأخوذ عن مسرحية لشكسبير تحمل العنوان نفسه، أو دورها في مسرحية "هيدا غابلر"، من تأليف هنريك إبسن، وإخراج السويدي إنغمار بيرغمان (1970).
غير أنّ أول أوسكار كممثلة مساعدة استحقته الفنانة عن مشهد في كوميديا هربرت روس في فيلم "فندق كاليفورنيا" (1978)، وعن دور البطولة في فيلم المخرج رونالد نيم "فجر السيدة جين برودي" (1969). جين برودي ممثلة تقدمية في مدرسة خاصّة بالبنات في اسكتلندا في ثلاثينيات القرن العشرين، كانت تصرفت بحرية في علاقاتها الجنسية، وتروّج لأفكار ومثل الفاشية الإيطالية. كانت امرأة بارعة في المناورة، ولكنّ النجاح لم يكن يحالفها دومًا، فقد حكمت على إحدى تلميذاتها بالموت في إسبانيا في أثناء الحرب الأهلية.
وبعد ثلاثين عامًا، مثّلت ماغي سميث في فيلم فرانكو ريفيريلي "شاي مع موسوليني" (1999).
هذا ليس سردًا عشوائيًا لمصائر بطلات مميزات، وللأدوار التي لعبتها ماغي سميث، بل هو خيط رفيع يمرّ عبر حياتها، إنّه بريق وبؤس الإمبراطورية البريطانية، والذي حفر عميقًا في جميع الأدوار التي لعبتها الممثلة الأسطورة.