Print
سمير رمان

في "أشياء سيئة" للمخرج يورغوس لانثيموس: العالم مرعب

19 فبراير 2024
ضفة ثانية

من ضمن أهمّ الأفلام المرشحة لجائزة الأوسكار هذا العام فيلم "أشياء سيئة/Poor Things" للمخرج الأميركي ـ اليوناني يورغوس لانثيموس/ Yorgos Lanthimos، الذي سبق له أن حاز على جوائز عدة مهمة، منها: جائزة الفيلم الأوروبي لأفضل كاتب سيناريو (2015)، عن فيلمه "جراد البحر"، وجائزة أفضل فيلم (2019) عن فيلم "المفضّلة".
وفي عام 2023، نال فيلمه "أشياء سيئة" جائزة الأسد الذهبي لمهرجان فينيسيا. الواقع في أفلام لانثيموس هو عالمٌ مُزاح من مكانه، كما في فيلم "ناب الكلب"/ Dogtooth (2009)، حيث لا يسمح الوالد لأطفاله "المروضين" باجتياز أسوار المزرعة التي تعيش فيها الأسرة، ولكنّهم يخالفون أمره، فتقع أحداث مرعبة. أما في فيلم "جراد البحر"/ The Lobster (2015) فقد ابتدع المخرج ليس أسرةً قبيحة، بل بلدًا قبيحًا بأكمله، حيث لا يمكن أن يكون في هذا البلد أناسٌ وحيدون، فتقوم السلطة بجمعهم في سجنٍ هو عبارة عن مصحّ، يجبرونهم فيه على الزواج، من دون أن يتوافر الوقت لبعض هؤلاء كي يتعارفوا. هنا، يقع بطل الفيلم في الحبّ، ولكن في الزمان والمكان غير المناسبين.
وفي فيلم "قتل غزالة مقدسة"/ The Killing of a Sacred Deer (2017)، يقوم طبيب جراح مخمور أثناء إجرائه عمليةً جراحية بقطع عنق المريض. بعد الواقعة، يتنبأ ابن الميت بمرض يصيب الطبيب الجراح، وكذلك بموت أطفاله وزوجته.
في جميع هذه الأفلام، التي كتب المخرج نفسه سيناريوهاتها، يتفاجأ المشاهد بالعالم المرعب الذي خلقه المخرج. اقترح أولئك الذين حاولوا فك أحاجي لانثيموس خيارات عدة، قاسمها المشترك هو أنّ أفلامه تفضح، وعبر وسيلة أصلية للغاية، العلاقات الزوجية والقيم الأسرية، وبالتالي فهي أفلامٌ توجّه حرابها، قبل كلّ شيءٍ، إلى مؤسسة الزواج في حدّ ذاتها.




سيناريو فيلم "المفضّلة"/ The Favourite (2018) كان الأول للانثيموس. وهو دراما تاريخية تتحدث عن بعض جوانب حياة القصر الملكي الإنكليزي في القرن الثامن عشر، حيث تتنافس امرأتان من محظيات البلاط على التقرب من الملكة. تفوز في هذه المنافسة محظية شيطانية خبيثة، قامت بدورها حاملة الأوسكار الممثلة إيما ستون، التي ظهرت لاحقًا في فيلم "كرويللا" كشيطانة نادرة. في الفيلم، تلتقي الدوافع الشيطانية لدى كلٍّ من المخرج لانثيموس، ولدى الممثلة ستون، فتشهد الشاشة تجسيدًا لرواية "فقراء ـ تعساء" للروائي الإسكتلندي ألاسدير غراي الشهيرة.
فيلم "أشياء سيئة" فيلمٌ غريب كبقية أفلام المخرج، ويدفع إلى ربطه مع أيقونات الأدب. وهذا يعود في الدرجة الأولى إلى أسطورة بيجماليون، وإلى رواية ماري شيللي عن خالق الوحوش لدى الدكتور فرانكشتاين الجديد، الذي يلفظ اسم غودوين، والوجه القبيح المخفي بقطع جلدٍ خِيط كيفما اتفق، يستطيع المشاهد أن يخمّن أنّها تخفي تحتها وجه الممثل وليام ديفو، الذي سبق له أن لعب شخصيات متنوعة بدءًا من المسيح، وصولًا إلى غوبلين الأخضر.
لم يكشف الفيلم على الفور عمّا قام به الدكتور غودوين، ويتجاهل المخرج لانثيموس بحكمة الدخول في تفاصيل هذه العملية الجراحية، بينما يقدّم للمشاهد على الفور المرأة الجديدة التي جاءت نتيجة العملية، والتي تؤدي دورها الممثلة إيما ستون (التي أعلن أنّها الممثلة الأعلى أجرًا في عالم السينما عام 2017).
بيللا، هو الاسم الذي أطلقه الدكتور غودوين على مخلوقه، تتصرف في البداية كطفلة بلا عقل، تعبث بالجثث التي يقوم صانعها بتشريحها، وتدخل رأسها تحت تنورة الخادمة، تطقطق بلسانها، وتصبح هستيرية إذا منعت من القيام بأمرٍ ما تريده. ومع ذلك، وفي حين تتحسّن تصرفات بيللا بمرور الوقت، وتصبح أكثر تحضرًا، فإنّها تحافظ على البساطة والصراحة. وبمعنى آخر، أمامنا نوعٌ من حكاية نشأة طفلٍ، ولكن من دون تربية، وكأنّنا أمام نموذج بطلة تتمتّع بروح كنديد، بطل قصة فولتير.
يحتوي الفيلم كثيرًا مما يستحق المشاهدة فعلًا: مشاهد جميلة، ومشاهد غير متوقعة، كالبحّار طائر النورس، أو المشهد الراقص الذي يكشف فيه روفالو وشخصيته عن خفّة حركة غير متوقعة. وهنالك بشكلٍ خاصّ أداء الفنانة إيما ستون التي تدهش المشاهد ببراعتها في إظهار الإحراج الطفولي الذي تشعره بيللا، والذي يمنح حركاتها سحرًا خاصًّا. ومع ذلك، يحقّ للمشاهد أن يتساءل هل كان هذا الفيلم يستحق فعلًا أكبر الجوائز التي تمنحها أهمّ مهرجانات السينما الأوروبية، وهل يستحق فعلًا أن يكون على قائمة أفضل فيلم للعام، التي يتولى إعدادها، كما هو معروف، عدد كبير من أهمّ النقاد السينمائيين؟