Print

رحيل إدنا أوبراين: صوت نسوي جريء

1 أغسطس 2024
تغطيات

 


توفيت مؤخرًا الكاتبة الأيرلندية الشهيرة إدنا أوبراين عن عمر يناهز 93 عامًا، تاركة وراءها إرثًا أدبيًا ثريًا وتأثيرًا عميقًا في الأدب العالمي. وأعلن ناشرها خبر وفاتها، واصفًا إياها بأنها "واحدة من أعظم الكُتّاب في عصرنا". 

ولدت أوبراين عام 1930 في تيوغراديل بمقاطعة كلير في غرب أيرلندا. نشأت في بيئة ريفية محافظة، وهو ما انعكس لاحقًا في كتاباتها التي تناولت بجرأة قضايا المرأة والمجتمع الأيرلندي. درست في دير الراهبات المحافظ قبل أن تنتقل إلى دبلن لدراسة الصيدلة في الكلية الملكية للجراحين. بدأت مسيرتها الأدبية بنشر روايتها الأولى "فتيات الريف" عام 1960، والتي أثارت عاصفة من الجدل في المجتمع الأيرلندي المحافظ آنذاك. تناولت الرواية موضوعات جريئة مثل الجنس والزواج خارج إطار الكنيسة، مما أدى إلى حظرها وحرق نسخ منها علنًا. هذه الحادثة لم تثن أوبراين عن مواصلة الكتابة، بل زادتها إصرارًا على معالجة القضايا الاجتماعية الحساسة في أعمالها اللاحقة. 

على مدى أكثر من ستة عقود، أنتجت أوبراين مجموعة متنوعة من الأعمال الأدبية، بما في ذلك الروايات والقصص القصيرة والمسرحيات والسير الذاتية. من أبرز أعمالها "ليلة أغسطس" (1979)، و"الفتاة ذات العيون الخضراء" (1988)، و"في الغابة" (2002). تميزت كتاباتها بأسلوبها الصريح والجريء في تناول مواضيع مثل الجنسانية والدين والسياسة في أيرلندا.

كانت أوبراين من أوائل الكتاب الأيرلنديين الذين تناولوا قضايا المرأة بصراحة وعمق. في روايتها "الزمن والمد والجزر" (1992)، قدمت صورة قوية لامرأة تواجه صعوبات الطلاق وحضانة الأطفال في مجتمع محافظ. كما تطرقت في أعمالها الأخرى إلى مواضيع مثل الإجهاض والعنف المنزلي، مما جعلها رائدة في الأدب النسوي الأيرلندي. لم تقتصر كتابات أوبراين على القضايا النسوية فحسب، بل تناولت أيضًا الصراعات السياسية والاجتماعية في أيرلندا. في روايتها "بيت العزلة الرائعة" (1994)، عالجت موضوع الصراع في أيرلندا الشمالية من خلال قصة صداقة غير متوقعة بين إرهابي وأرملة مسنة. هذا العمل أظهر قدرتها على تناول القضايا السياسية المعقدة بحساسية وعمق. 

حظيت أوبراين باعتراف دولي واسع خلال حياتها. في عام 2001، فازت بجائزة الأيرلندية للخيال عن روايتها "في الغابة". كما حصلت على جائزة بوب هوب للأدب الأيرلندي في عام 2009، وجائزة فرانك أوكونور للقصة القصيرة في عام 2011. في عام 2018، نالت جائزة نابوكوف للإنجاز في الأدب الدولي، تقديرًا لمجمل أعمالها وتأثيرها في الأدب العالمي. تأثرت أوبراين بشكل كبير بالكتاب الروس مثل تشيخوف وتولستوي، وكذلك بالكتاب الأميركيين مثل همنغواي وفيتزجيرالد. هذا المزيج من التأثيرات ساهم في تشكيل أسلوبها الأدبي الفريد الذي يجمع بين الواقعية الاجتماعية والعمق النفسي للشخصيات. 

على الرغم من الانتقادات والرقابة التي واجهتها في بداية مسيرتها، أصبحت أوبراين في نهاية المطاف واحدة من أكثر الكتاب الأيرلنديين احترامًا وتقديرًا. ساهمت أعمالها في فتح نقاشات مهمة حول قضايا المرأة والهوية الوطنية والتغير الاجتماعي في أيرلندا. في السنوات الأخيرة من حياتها، واصلت أوبراين الكتابة والمشاركة في الحياة الثقافية. نشرت مذكراتها "بلد الفتيات" في عام 2012، والتي قدمت فيها نظرة صادقة وعميقة على حياتها وتجاربها كامرأة وكاتبة في إيرلندا. 

وذكرت وسائل الإعلام في أيرلندا أن رحيل إدنا أوبراين يمثل خسارة كبيرة للأدب الأيرلندي والعالمي. لكن إرثها الأدبي سيظل حيًا، يلهم الأجيال القادمة من الكتاب والقراء. وستبقى أعمالها شهادة على قوة الكلمة في مواجهة الظلم الاجتماعي وأهمية الصوت النسائي في الأدب.