Print
سناء عبد العزيز

لأول مرة: استحواذ المرأة على قائمة بوكر

27 سبتمبر 2024
تغطيات

من المعروف أن "جائزة المرأة للخيال/ Women's Prize for Fiction" تأسست خصيصًا كرد فعل على قائمة البوكر لعام 1991 التي أثارت جدلًا واسعًا بعدم تضمينها أي كاتبة في قائمتها القصيرة، وها هي تثير جدلًا أوسع هذا العام بإدراج خمس كاتبات في قائمتها القصيرة المؤلفة من ستة عناوين، في حدث يعد الأول من نوعه في تاريخ البوكر الممتد على مدار 55 عامًا، فما أبعد اليوم عن البارحة!
شملت القائمة الفريدة كاتبات من خمس دول مختلفة، بمن في ذلك أول كاتبة هولندية يتم ترشيحها في القائمة القصيرة، وأول أسترالية منذ 10 سنوات، بالإضافة إلى أسماء من بريطانيا وكندا وأميركا. كما تضمنت قصصًا صاخبة من ساحات المعارك في الحرب العالمية الأولى، وما بعد الحرب العالمية الثانية، إلى دير في الريف الأسترالي بسكونه المريح، ومن أعماق الجنوب الأميركي في القرن التاسع عشر إلى منزل هولندي بعيد في الستينيات، ومن محطة دولية في الفضاء الشاسع، إلى شبكة كهوف مظلمة أسفل ريف فرنسا.  

صوتان من أميركا
تضمنت القائمة ثلاثة أسماء سبق أن ترشحت للفوز بالجائزة، منهم اثنان من أميركا، هما بيرسيفال إيفرت وراشيل كوشنر، في حال فوز أحدهما سيصبح أول كاتب أميركي منذ فوز جورج سوندرز عام 2017 عن روايته "لينكولن في البرزخ". ترشح إيفرت عام 2022 في القائمة القصيرة عن روايته "الأشجار / The Trees"، وتعد روايته الجديدة "جيمس/ James" إعادة تصور لـ "مغامرات هكلبيري فين" لمارك توين ولكنها تُروى من منظور عبد هارب يدعى "جيم"؛ صديق هكلبيري في رحلاته.
على الرغم من أن الكتاب يستلهم رواية كلاسيكية فإنه لا يتبع السرد الخطي ولا المنطقي للأحداث، وإنما يتحرّك بحرية عبر الزمان مازجًا السحري بالواقعي في حبكة جريئة ومؤلمة، تضفي طابعًا إنسانيًا على الشخصيات وتعمل على تفعيل اللغة التي تتخذ مستويات عدة بدءًا من لهجة العبيد إلى محادثات مع فلاسفة التنوير وإن كانت تدور في قلب الحلم.



إلى جانب أهوال العبودية، يتناول كتاب إيفرت المولود في جورجيا، موضوعات عالمية تتعلق بالهوية والحرية والعدالة، كما يتطرق إلى قضايا الاغتصاب والعنف والقتل والعنصرية، وهي من القضايا الملحة في وقتنا الراهن، لا سيما تجسيده للطبيعة غير الآدمية للاستعباد عندما يكتشف جيم أن زوجته وابنته تم بيعهما في سوق النخاسة ولا مجال لاستردادهما وجمع شمل الأسرة. وهو المشهد الذي يمثل لحظة تنوير لجيم تجعل منه ثائرًا حقيقيًا يناهض الاسترقاق الذي يفضي إلى تمزيق الأسر من خلال التعامل مع البشر الذين كرمهم الله، كممتلكات!
ويبدو أن موضوع إيفرت لفت انتباه صناع السينما حيث نجحت شركة Universal Pictures في الحصول على حقوق الرواية وأعلنت ستيفن سبيلبرغ كمنتج منفذ للفيلم.
أما راشيل كوشنر، فقد ترشحت لجائزة بوكر عام 2018 عن روايتها "غرفة المريخ / The Mars Room" وتعتبر واحدة من أكثر المؤلفين براعة في جيلها. تنتمي روايتها الجديدة "بحيرة الإبداع/ Creation Lake" إلى الكوميديا السوداء وتدور حول امرأة أميركية تدعى "سادي سميث" وهي عميلة غامضة تتسم بالسادية مثلما يبدو من اسمها كما تتصف بقدرات خارقة تجمع بين إغواء الأنوثة وعنف الذكورة، وصفتها لجنة التحكيم بأنها "رواية إثارة تجسسية مثيرة".
وبعيدا عن الاسم يتم تكليف سادي من قبل منظمة مجهولة لتندس بين جماعة من ناشطي البيئة في فرنسا لتعطيل مشروعهم الزراعي التعاوني الذي أقاموه احتجاجًا على جهود الحكومة لبناء "حوض ضخم" لدعم الزراعة المؤسسية واسعة النطاق. تتطرق رواية كوشنر إلى الحضارة والرأسمالية لتحط من قدرهما بينما ترفع من شأن إنسان نياندرتال لقدرته على التكيف مع الطبيعة وتفوقه على الإنسان العاقل الذي أسهم في تدهور بيئته على نحو يصعب إصلاحه.
ترشحت أيضًا الكاتبة سامانثا هارفي في قائمة البوكر الطويلة عام 2009 عن روايتها "البرية/ Wilderness"، وأدرجت هذا العام لروايتها "مداري / Orbital" التي يقتصر زمنها على يوم واحد في حياة ستة من رواد الفضاء، بينما يتسع المكان ليشمل الفضاء بأكمله، وهو ما بلورته لجنة التحكيم بقولها "إن هذه الرواية تعمل على طمس الفوارق بين الحدود والمناطق الزمنية وقصصنا الفردية. كما أن نقطة الرصد لم نصادفها من قبل في الرواية، وهي مشبعة بالرهبة والاحترام حتى أنها تبدو وكأنها رسالة حب، أو فعل عبادة".




على جانب آخر تتناول هارفي في رؤيتها لكوكبنا مدى عبثية الصراعات الإقليمية الدائرة على أشدها الآن، ومدى حاجتنا إلى احتضان بعضنا البعض واحترام إنسانيتنا المشتركة. جدير بالذكر أنه في حال فوز هارفي، ستصبح أول فائزة بريطانية منذ دوغلاس ستيوارت عام 2020.

ظهور أوّل في قائمة البوكر
إلى جانب الأسماء السابقة، أدرجت الكاتبة الأسترالية شارلوت وود لأول مرة في قائمة البوكر عن روايتها "تأملات ستون يارد / Stone Yard Devotional"، ولكنها ليست المرة الأولى التي تترشح فيها شارلوت لجائزة، سبق أن فازت بجوائز أخرى، منها جائزة ستيلا التي تبلغ قيمتها 50 ألف دولار، كما ترشحت كتبها لأكثر من اثنتي عشرة جائزة أخرى.
تدور أحداث روايتها في دير في ريف أستراليا، وهي عبارة عن استجواب شرس وفلسفي للتاريخ والذاكرة والطبيعة والوجود البشري يكشف عن قدرة العقل على الاستيعاب حتى في حيز خانق ومزعج، ويدمج القارئ كشريك في إنتاج النص وليس مجرد كمتلق سلبي للأحداث. كما تظهر القضايا المعاصرة مثل تغير المناخ والوباء العالمي ضمن ما يدور في الدير من عنف يصل إلى حد القتل.
مثل شارلوت تعتبر آن مايكلز من الأسماء الجديدة في قائمة البوكر، مع أن روايتها "قطع هاربة/ Fugitive Pieces" فازت وحدها بـ 12 جائزة دولية، بما في ذلك جائزة أورانج للرواية. تبدأ روايتها "عالق / Held" بجندي مصاب في ساحة المعركة، لتشمل مجموعة واسعة من الصور والذكريات التي تمتد لأربعة أجيال من عائلة واحدة عبر قرن من الزمان، منهم جون الذي يصبح مصورًا فوتوغرافيًا بعد الحرب، ويجتهد في التقاط صور للجنود العائدين، كدليل أكيد على انتهاء الحرب والعودة إلى الوطن لاستئناف حيواتهم، فإذا بصورة سلبية تتمثل في أم جندي ميت، تبلور نوعا مؤسفا من العودة.

حكاية من هولندا
تختتم القائمة بالرواية الأولى للكاتبة يائيل فان دير وودن المعنونة بـ "الحفظ الآمن/ The "Safekeep وهي أول كاتبة هولندية تترشح في القائمة القصيرة لجائزة بوكر.



وتدور أحداثها في هولندا عام 1961، حيث نلتقي بإيزابيل المرأة المنطوية على نفسها والتي تتحمل عبء الحفاظ على ميراث الأسرة من أطباق وملاعق وستائر ومفروشات على نحو مدهش، تقول عنها فان دير وودن: "كانت تنتمي إلى المنزل بمعنى أنها لم يكن لديها أي شيء آخر، ولا حياة أخرى غير المنزل". ثم نلتقي بإيفا، التي تثير حفيظة إيزابيل في البداية، ربما لكونها المرشحة لتصبح سيدة البيت حين تتزوج من شقيق إيزابيل الأكبر باعتباره الوارث الحقيقي ومن ثم ستحل تلك المرأة محلها. وسرعان ما يتحول الصراع والشك إلى علاقة جنسية جامحة بين المرأتين على نحو غير متوقع، كما يتحول المشهد الساكن إلى قصة عن الهولوكوست تروى من خلال علاقة مثلية بين امرأتين.
هذا وقد تألفت لجنة التحكيم هذا العام من الفنان إدموند دي وال (رئيسا)، إلى جانب الروائية سارة كولينز؛ والمحررة في صحيفة الغارديان، جوستين جوردان؛ والكاتبة المشهورة يي يون لي؛ والملحن والمنتج نيتين سواهني. وسيعلن عن الفائز النهائي في حفل يقام مساء الثلاثاء 12 نوفمبر / تشرين الثاني في لندن حيث يتم بثه على راديو بي بي سي والقنوات المخصصة للجائزة، وفيه تحصل الأسماء المدرجة في القائمة القصيرة على مبلغ 2500 جنيه إسترليني وطبعة خاصة من الكتب المرشحة، بينما يحصل الفائز على ما قيمته 50 ألف جنيه إسترليني بالإضافة إلى كأس يحمل اسم إيريس (على اسم الفائزة إيريس مردوخ)، لينضم إلى كوكبة الفائزين السابقين بالجائزة المرموقة.