}

سينكلير لويس.. إعصار مينيسوتا الأصهب وأول أميركي يحوز "نوبل"

سمير رمان سمير رمان 6 مارس 2020
استعادات سينكلير لويس.. إعصار مينيسوتا الأصهب وأول أميركي يحوز "نوبل"
هاري سينكلير لويس في شيكاغو/ إلينوي (1922/Getty)
بعد عقد الكساد الكبير، بين عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، رأى كثير من الأميركيين أنّ نمو الأعمال، وازدهار المدن، هو أساس الاستقرار. ومثّل نجاح بعض أفراد الطبقة الوسطى في صنع أنفسهم صورة النجاح الأميركي. كما مثَّل ذلك نوعاً من الترويج لـ"الحلم الأميركي"، في مواجهة المخاوف المتصاعدة من الشيوعية. وقتها، كان ينظر إلى مدن الغرب الأوسط الأميركي المرتبطة بالإنتاج الواسع، وظهور المجتمع الاستهلاكي، كنماذج للتقدم الأميركي. وأفضل من عبر عن ذلك في الأدب هو الروائي والقاصّ الأميركي هاري سينكلير لويس.
ولد سينكلير لويس عام 1885 لوالدٍ طبيب في إحدى بلدات الوسط الأميركي الصغيرة في مينيسوتا، وتوفي عام 1951 وحيداً متأثراً بمضاعفات إدمانه على الكحول.
لخصت المدونة الأميركية "نيللي سيمبسون" حياته بالنص على الحقائق التالية:


ــ هرب من المنزل في عمر الثالثة عشرة:
هرب من المنزل على أمل الانضمام إلى الحرب الإسبانية – الأميركية كقارع طبول. فشل

مخططه، وألقى الوالد القبض عليه في محطة القطارات، وأجبره على العودة إلى البيت.


ــ روَّج  أفكار مؤامرات:
عندما كان طالباً في جامعة "يالي"، التقى سينكلير لويس بالكاتب الأميركي جاك لندن الذي جاء الجامعة لإلقاء محاضرة حول الاشتراكية. وبفضل موهبته في ابتكار مخططات إبداعية، تمكن سينكلير لويس عام 1910 من بيع جاك لندن أفكاراً لأربعة عشر قصة قصيرة بـ 70 دولاراً عن كلّ قصة. واحدة من هذه المخططات أصبحت موضوع رواية لم تكتمل من روايات جاك لندن "الشركة المحدودة.. مكتب الاغتيالات".

ــ تزوج من امرأتين ناجحتين:
في المرة الأولى، تزوج عام 1914 من ليفنستون هيجين المحررةٍ لدى مجلة Vogue، بعد أن التقيا في مصعد في مبنى مكتب نيويورك، حيث كانا يعملان في المبنى نفسه. أثمر الزواج طفلاً واحداً (ويلز لويس)، ورغم ذلك تطلق الزوجان عام 1925. وفي عام 1928، تزوج سينكلير لويس من الصحفية المعروفة دوروثي طومسون، التي كانت تدير مكتب صحيفة نيويورك بوست في برلين. كانت طومسون عدواً لدوداً لهتلر، مما جعلها تنال شرف كونها أول صحفية أميركية تطرد من ألمانيا بقرار أصدره هتلر بنفسه. ظهرت الصحفية عام 1939 على غلاف مجلة تايم، التي صنفتها واحدة من أكثر النساء نفوذاً في أميركا. أنجب الزوجان ابناً واحداً أيضاً (مايكل لويس) لينفصلا عام 1942.

ــ كان أباً لبطل حرب:
قُتل ابنه ويلس خلال الحرب العالمية الثانية. بعد تخرجه من جامعة هارفارد، تطوع ويلز في الجيش، وشارك بنشاط في معارك المغرب، تونس، صقلية، وإيطاليا، وفرنسا. ترقى في الجيش ليبلغ رتبة ملازم أول، ونال نجمة فضية وبرونزية. في عام 1944، وإلى الجنوب من باريس، أطلق عليه قناصٌ رصاصة أردته قتيلاً على الفور.

ــ رفض جائزة بوليتزر، وقبل جائزة نوبل:
في عام 1930، أصبح سينكلير أول أميركي يفوز بجائزة نوبل في الأدب. ونال الجائزة عن رواياته الخمسة التي كتبها في العشرينات: (Dodsworth - Elmer Gantry Arrow smith- Babbitt - Main Street).
في عام 1926، حصلت روايته "آرو سميث" على جائزة بوليترز. لكنّ لويس رفضها، كون

المسابقة تعتبر مؤلفاً أفضل من الآخر. وعندما سئل عن سبب قبوله جائزة نوبل، ورفضه بوليترز، أجاب إنّ جائزة نوبل كانت تجارية اقل بكثيرٍ، وأنها تمنح كجائزةٍ عن مهنة، وليس عن كتاب. بعد وفاته، نشرت روايته الأخيرة "العالم واسع جداً - World So Wide".
على الرغم من مسيرته الطويلة والناجحة ككاتب روائي رائع، أنهى سينكلير حياته تماماً كما بدأها: وحيداً.
مع تدهور صحته، أصبح محاطاً برفقة من السكرتيريين، استعان بهم ليرافقوه في مشواره. توفي سينكلير لويس في 10 يناير عام 1951 نتيجة مضاعفات إدمانه على الكحول التي كان يصارعه جلّ حياته.

سينكلير لويس الكاتب
ألَّف سينكلير لويس 23 قصة، وعدداً من القصص القصيرة، بالإضافة إلى مقالات ومسرحيات وقصائد.
كتب H. L. Mencken عن سينكلير: "(إذا) كان بين روائيينا يوماً ما أحد يمتلك موهبة مهنية حقيقية... فسيكون ذاك الإعصار الأصهب من براري مينيسوتا".
نشرت أولى أعمال سينكلير لويس الإبداعية، من أشعار رومانسية، واسكتشات متنوعة، في مجلة Yale Literary Magazine الأدبية، ليصبح في ما بعد محرراً فيها. بعد تخرجه، انتقل من عملٍ إلى آخر في محاولةٍ لكسب رزقه، وسعى إلى نشر قصصٍ خيالية تخلصاً من الملل والضجر. وبينما كان يعمل في الصحف ودور النشر، قام بتطوير منشأة لإخراج القصص الشعبية التي اشترتها منه مجلات متنوعة.


البدايات
كان كتاب "هايك والطائرة" باكورة أعماله المنشورة عام 1912، تحت الاسم المستعار (توم غراهام).
أما أول رواية جدية لسينكلير لويس فكانت "سيدنا رين/ Our Mr. Wrenn" (عام 1914): وتحكي مغامرات رومانسية لرجلٍ مهذب. تلتها (عام 1915) رواية "Trail of the Hawk"، وهي كوميديا عن جديّة الحياة. من ثمّ جاءت رواية "The Job" (1917). شهد العام نفسه ظهور "The Innocents/ الأبرياء"، وهي  قصة عاشقين.

 

أسلوبه الأدبي الثوري
اتصف أسلوب سينكلير لويس بالثوريّة في الكتابة. ففي عام 1920، وهو العام الذي نشرت فيه قصته "الشارع الرئيسي/ Main Street"، كانت الولايات المتحدة الأميركية لا تزال تحت وطأة آثار الحرب العالمية الأولى. في تلك الفترة، كان الأميركيون يشعرون بالمجد والفخار داخل بلادهم، وعلى الساحة الدولية، واعتبرهم الآخرون نموذجاً مثالياً لمواطنين من بلدٍ عظيم. في هذه الحقبة، اتخذ سينكلير لويس موقفاً جريئاً، وحملت أعماله بذور تفكيك أسطورة

أميركا باعتبارها مدينةً صغيرة. فقصته الرائعة "الشارع الرئيسي" (1920) لم يكن تركيزه على بلدةٍ قي الغرب الأوسط الأميركي، هو ما ميّزه عن الكتّاب الذي سبقوه، بل هو أسلوبه الذي صوّر فيه هذه المدن. فالشارع الرئيسي في بلدة Gopher Prairie/ مينيسوتا ليس شارعاً رئيسياً في بلدة ما فحسب، بل هو نموذجٌ يمثل كل مدينة أميركية. فالصور، والأصوات، والناس، أُعطوا أسماءً وهوياتٍ لا يقتصر أيٌّ منها على سهول مينيسوتا وحدها. يفتح الشارع الرئيسي ذاك المقطع الذي أراد لويس توضيحه بالضبط في كتابه. فهو يركّز على عالمية شخصياته ومفاهيمه: هذه هي أميركا - مدينة يبلغ سكانها بضعة آلاف، وتقع في مناطق القمح والذرة والألبان والبساتين الصغيرة. المدينة، في قصتنا تسمّى "Gopher Prairie Minnesota"، غير أنّ شارعها الرئيسي هو استمرار لأي شارع في أيّ مكان آخر. فالقصة هي نفسها تتكررفي أوهايو، أو مونتانا، في كنساس، أو  كونتاكي، أو إيلينوي، ولن تكون مختلفةً كثيراً عن قصص ولاية نيويورك، أو هضاب كاليفورنيا.
الشارع الرئيسي هو ذروة الحضارة. إنها سيارة الفورد نلك التي قد تقف أمام متجر "Bon Ton"، هي هانيبال الذي سيغزو روما. يقول (أولي جونسون) البقال لـ(إزرا ستو بدي) إنّ المصرفي هو القانون الجديد في لندن، وبراغ، وفي كل مكان. و(إيزرا) يقاطع أيّ شيءٍ لا

يعرفه، أيّاً كان هذا الشيء، فهو بالنسبة إليه هرطقة لا يستحق أنْ يُعرف، لأنه شرّ أكيد. أمّا مبنى محطة قطارات البلدة فهو قمة الهندسة المعمارية. وكذلك الأمر بالنسبة لتجهيزات شركة Sam Clark السنوية، فهي لا نظير لها، وهي موضع حسدٍ من قبل المقاطعات الأربع التي تشكِّل أرض الله. هذه هي تقاليدنا التي نرتاح إليها، وهذا هو إيماننا الراسخ. ألن يخون نفسه الأجنبي الساخر الذي قد يرسم صورة مختلفة للشارع الرئيسي، أّلا يزعج المواطنين التكهّن في ما إذا لم تكن هناك من عقائد أُخرى؟
هكذا صوّر سينكلير لويس واقع مزاج المواطنين الأميركيين في تلك الفترة!
بالإضافة إلى قدرته على ربط جوهر أميركا الصغرى، يوضح هذا المقطع مساراً آخر ملازماً لطبيعة كتابة سينكلير لويس. فعلى الرغم من أنّ كتاب "الشارع الرئيسي" ليس كتاباً فكاهياً بأيّ معيار، فقد كُتِب بلغةٍ بالغة السخرية تماماً. في القصّة، يصف بلدة "غوفر بريري"، كما تراها أعين كلٍّ من "ويل"، و"كارول كينيكوت". فـ"ويل" طبيب ريفي، استوحيت شخصيته على ما يبدو من شخصية والد سينكلير لويس نفسه. ويمثّل هذا الطبيب الأميركي العادي السائد، الذي يكدُّ في عمله، ويرى مدينته مدينة واحدة. وفي اعتقاده بجلال أعمدة مبنى البنك، ورؤيته المد في ألوان فصل الخريف، وقناعته بتفرّد كلّ مواطنٍ من سكان مدينته الصغيرة، يرى ويل كينيكوت في مدينته غوفر بريري "ذروة الحضارة" بالفعل. أمّا كارول كينيكوت فتلعب دور داعية الشيطان، لتبيّن للقارئ مهزلة الشارع الرئيسي. فهي تدرك، كما يدرك لويس نفسه، أنّه لا شيء غير عاديّ في شأن هذه الصفوف القليلة من المنازل، وأنّه لا شيء غير عادي في هذه البلدة يميزها عن غيرها من البلدات الأُخرى المنتشرة في سهول مينيسوتا، أو في مكانٍ آخر

من الغرب الأوسط. كان الإحساس بالمفارقة والتناقض، مقترناً بالقدرة على تصوير السمة العالمية لأميركا المصغّرة، هو ما قاد سينكلير لويس إلى الفوز بجائزة نوبل في الأدب. أجل، لقد نال هذا الشرف "لفنّه الوصفي القوي المتميز، وقدرته الإبداعية، بذكاء متقد وفكاهة متميزة، وابتكاره أنماط شخصياتٍ جديدة".
أمّا روايته التي حصل بفضلها على جائزة "بوليتزر" فهي رواية "RABBIT". وبفضل سينكلير لويس دخلت كلمة RABBIT، الأرنب، اللغة الإنكليزية كتعبيرٍ عن: شخصٍ، أو رجل أعمالٍ، أو مهنيٍّ، ينسجم، من دون تفكير، مع معايير الطبقة الوسطى (أي أن يبقى واحداً من خرفان القطيع).
ظاهرياً، يتضح من كلمات "رابيت"، رجل الأعمال الناجح والواثق من نفسه، أنّ كلّ شيء على ما يرام. أمّا في حقيقة الأمر، فإنّ جورج رابيت ليس سوى مجرد رجلّ متوسط العمر يشعر بالوحدة والحنين إلى الحرية والرومانسية. فشل رابيت حتى في فهم عائلته، وباءت جميع محاولاته في مجال الأعمال بالفشل واحدة بعد الأُخرى، فقد كانت مشاريعه تنهار مالياً لمجرّد إظهاره قليلاً من التعاطف مع بعض إضرابات العمال. لذلك لم يجد رابيت بداً من الانضمام إلى القطيع، لأنها الطريقة الوحيدة ليشعر بالأمان في المجتمع الأميركي الذي لا يرحم من يبتعد عن قطيعه.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.