}

المرايا المتعاكسة لجبران خليل جبران.. صُور شتى لمبدع واحد

صقر أبو فخر صقر أبو فخر 31 مايو 2020
استعادات المرايا المتعاكسة لجبران خليل جبران.. صُور شتى لمبدع واحد
جبران خليل جبران بريشة التشكيلي اللبناني منصور الهبر

لماذا يكذب الأدباء؟
يُروى عن النبي محمد قوله إن امرئ القيس هو قائد الشعراء إلى النار. وعلى القياس نفسه يمكننا القول إن جبران خليل جبران هو قائد الأدباء الكذّابين إلى المجد الأدبي. والشائع، لدى النقاد، أن أعذب الشعر أكذبه، بيد أن الشعراء الكذّابين ليسوا بالضرورة أعذب الشعراء. لكن، لماذا يكذب الشعراء إذًا ويفشطون؟ وكلمة "الفشّاط" عامية أصلها سرياني بحسب المنجد في اللغة، وتعني الكذّاب. ويقولون في الأمثال إن ثلاثة لا يمكن تصديقهم: شاب تغرّب ثم عاد، وجندي رجع من الحرب، ورجل مات مجايلوه؛ فهؤلاء يفشطون كثيرًا أو قليلًا، ولا يمكن ردّ أقوالهم لأن شهود الإثبات غير متوافرين. وجبران خليل جبران كان "فشاطًا" بلا ريب، مع أنه لم يكن شابًا تغرّب ثم عاد إلى قومه ليتحدث عن غزواته ونسائه، بل كان شابًا غريبًا وجد العناية لدى امرأة تدعى ماري هاسكل فتوفرت على رعايته وأنفقتْ عليه بعض أموالها، ونسجت معه علاقة غرامية متوترة وغير مكتملة. وهذه المرأة كانت تتعالى عليه في أحيان كثيرة، وتعامله بعجرفة مكشوفة. وقد أراد جبران أن يقول لها إنه ليس مجرد مهاجر فقير بائس (وهو كان كذلك حقًا)، بل إن له ولعائلته تاريخًا من الجاه ومقادير من المال ومكانة مشهودة ومقامًا رفيعًا. وهو، بهذه الطريقة، كان يريد أن يُقيم توازنًا، ولو موهومًا، في علاقته غير المتوازنة بماري هاسكل، وبغيرها من النساء اللاتي عبرن في مراحل حياته القصيرة، خصوصًا أن هاسكل كانت تكبره بعشر سنين حين التقته أول مرة، وأطول منه بثلاثة عشر سنتميترًا (التقته في سنة 1904 حين كان في الحادية والعشرين، وكان طوله 163 سم فيما كان طولها 176 سم). وسيرة جبران فيها كثير من الحكايات والخبريات والشائعات التي لا يمكن الركون إلى صحتها البتة في أي مبحث تاريخي استقرائي. وجبران، في نهاية المطاف، ليس قديسًا، وعصر القديسين ولّى منذ موت القديسين الأوائل. وحين نستعيد جوانب من سلوك جبران خليل جبران، خصوصًا مع النساء، فنحن لا نجرّح مكانته الأدبية ولا حتى الشخصية، إذ لا علاقة بين الإبداع والأخلاق في كثير من الأحيان. فعباس محمود العقاد، على سبيل المثال، أحبّ إحدى الفتيات في أربعينيات القرن العشرين حبًا ملك عليه حواسه. ولأن تلك الفتاة صارت ممثلة مشهورة جدًا، أنكر تلك العلاقة، وأغفل ذكرها في كتاباته. وعباس محمود العقاد نفسه أحبل امرأة كانت تقوم على خدمته، وولدت له فتاة أسماها بدرية. وكان العقاد يحب بدرية حبًا جمًا، لكنه لم يعترف بها رسميًا.
وعندما توفي في سنة 1946 جاءت بدرية ملتاعة إلى منزله، وراحت تصرخ وتناديه "بابا، بابا"، فانتهرها أقاربه وطردوها من المنزل، فعزّت عليها نفسها وانتحرت بابتلاع الحبوب المنوّمة التي كان يتعاطاها العقاد. وكارل ماركس كذلك أحبل خادمته على ما يُروى في بعض سيره. وماو تسي تونغ كان مولعًا بالفتيات الكاعبات. ثم إن مثلية أوسكار وايلد أو والت ويتمان لا تستطيع البتة أن تهدم مكانتهما الأدبية على الإطلاق، تمامًا مثل الشاعرة الإغريقية سافو، حسناء جزيرة ليسبوس، التي صار اسمها مرادفًا للمثلية الأنثوية. وينطبق الأمر على كثيرين من المبدعين أمثال لورد بايرون وماكس جاكوب ورامبو وبول فيرلين وبودلير وجورج صاند وغيرهم من ذوي السلوك المتفلت. واليوم، هل نقرأ أشعار عمر بن أبي ربيعة وأبو نواس وحماد عجرد وحماد الراوية استنادًا إلى مسلكهم الخليع، أم إلى جماليات الشعر وفنونه التعبيرية؟ ومن المؤكد أن كشف جوانب خفية أو مستورة من حياة مفكر أو شاعر أو أديب لا يؤثر قط في قيمته الفكرية أو الشعرية أو الأدبية، بل يتيح أدوات تحليلية لفهم روافع الإبداع لدى ذلك المبدع ودوافعه أيضًا. فالإنسان – بحسب أندريه مالرو – ليس ما يُعتقد أنه عليه، بل ما يُخفيه.

صورة لجبران خليل جبران ضمن مجموعة الجمعية الملكية للتصوير الفوتوغرافي/ لندن (تصوير فريد هولاند (1864-1933))

















الفشّاط
السيرة الذاتية التي يروي شذراتها جبران خليل جبران لماري هاسكل في رسائلهما المتبادلة بين 1908 و1931 والمودعة في مكتبة جامعة نورث كارولينا (325 رسالة من جبران و300 رسالة من ماري) كلها تقريبًا كذب بكذب. فتارة يقول لها إنه هندي مولود في بومباي، وطورًا يؤكد أن عائلته كلدانية تدعى "جبرون" ثم تحولت في سورية إلى جبران. وحينًا يحدثها عن الأصول الدمشقية لأجداده الذين كانوا – بحسب تفشيطاته – حكامًا أشداء حكموا جبل لبنان بالبأس، وقُتلوا بالسيف.

والصحيح في ذلك كله أن عائلة جبران دمشقية الأصول، ثم هبطت إلى بعلبك، ثم إلى بشعلة في أعالي البترون، فإلى بشري في أواخر القرن التاسع عشر. وما الأصل الكلداني لجبران إلا إحدى خرافاته، أما الأصل السوري فهو الصحيح والثابت. ويتمادى جبران في الكلام على جده لأبيه الثري والأرستقراطي الكبير الذي يحتفظ في داره بعدد من الأسود كما يحتفظ الانسان العادي بالكلاب. ويقول عن جده لأمه إنه كان مطرانًا معروفًا بسعة اطلاعه، ويتكلم الإغريقية واللاتينية والفرنسية والإيطالية والعربية. أما جدته لأمه فكانت ابنة أغنى رجل في لبنان، وأن أمه كانت رفيعة الثقافة تتكلم الفرنسية والإيطالية والاسبانية والإنكليزية والعربية (راجع: توفيق صايغ، أضواء جديدة على جبران خليل جبران، لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 1990، ص 63 و64)، وأن منزله الوالدي في بشري يحتوي قطعًا أثرية نادرة جدًا. وزعم جبران في رسالة إلى ماري هاسكل في سنة 1914 أن الأتراك نفوه عن وطنه، وأنه سيذهب إلى سورية حين تشتعل الحرب، لأنه يأمل أن يكون عاملًا فاعلًا في حمل السوريين على الثورة ضد الأتراك (توفيق صايغ، المصدر السابق، ص66). وتروي ماري هاسكل في مذكراتها أن جبران أراها ندبة في ذراعه، وأخبرها أنها آثار جرح ناجم عن رصاصة أُطلقت عليه حينما كان في باريس يخطب ضد الأتراك، وأن محاولة اغتياله هذه دبرها الأتراك للخلاص منه، وأن النار أُطلقت عليه من مسافة قريبة جدًا (توفيق صايغ، المصدر السابق، ص 75). وادعى أنه عرف الإمبراطور غليوم (ولهلم) حين زار سورية، وكان والده أحد أفراد حاشيته، وأن قصائده يغنيها المئات في سورية ومصر، وأنه تلقى تهنئة من خديوي مصر بعد صدور كتابة "الأرواح المتمردة".

لوحة رسمها جبران خليل جبران لعائلته 


















ملتقطات من سيرة الشاعر
يذكر معظم المصادر أن جبران ولد في قرية بشري، وهي قرية ثلجية يسكنها عدد وافر من رعاة الماعز. لكن فؤاد أفرام البستاني يؤكد، نقلًا عن رئيس مجلس النواب اللبناني الأسبق صبري حمادة، أن جبران وُلد في قرية وادي الرطل في الهرمل، وهي من القرى الشتوية التي كان رعيان بشري يهبطون إليها في أشهر الشتاء الصقيعية، وهناك يمارسون حياتهم في الرعي والاهتمام بقطعان الماعز، علاوة على الأعمال الحرفية والبيع والشراء، حتى إذا حلّ الربيع عادوا إلى بشري ليجزّوا شعر الماعز وصوف الغنم (أنظر: فؤاد أفرام البستاني، مع جبران، بيروت: منشورات الدائرة، 1983)، وكان والد جبران يمتلك زريبة ودكانًا في مزرعة مرجحين في الهرمل حيث وُلد جبران في 6 كانون الأول/ديسمبر 1883. وفي ما بعد، كتب جبران مقالة بعنوان "يوم مولدي" ونشرها في 6 كانون الأول/ديسمبر 1908 في مناسبة مرور 25 سنة على ميلاده. غير أنه، ولمزيد من "التفشيط" والمفاخرة، قال لماري هاسكل إنه والمسيح مولودان في اليوم نفسه. ولما نبهته هاسكل إلى أن المسيح مولود في 25 كانون الأول/ ديسمبر وليس في 6 كانون الأول/ديسمبر عاجلها بالقول إن المسيح، في الحقيقة، مولود في 6 كانون الثاني/يناير، وهو عيد الغطاس، أي يوم عمادة المسيح في نهر الأردن بيدي يوحنا المعمدان. والغطاس، بحسب بعض التفسيرات المسيحية، هو الولادة بالروح، فيما يوم 25/12 هو الولادة بالجسد. ويؤكد ميخائيل نعيمة أن جبران مولود في 6/12 لا في 6/1/1883. ومهما يكن الأمر، أَكان السادس من كانون الأول/ديسمبر هو تاريخ ميلاده الحقيقي، أم 6 كانون الثاني/يناير، فإن التاريخين يقعان في الشتاء؛ وفي الشتاء تكون عائلته في مشتاها في وادي الرطل. ويكثر اسم "المشتى" في تلك المناطق السورية – اللبنانية على غرار مشتى حسن ومشتى حمود ومشتى الحلو والمشتاية.



والد جبران يُدعى خليل، وعائلته تنتمي إلى آل العبد، وهم فرع من آل فتال في حلب (راجع: فؤاد أفرام البستاني، مع جبران، مصدر سابق، ص 29). وكان خليل جبران ملتزمًا ضريبة الماعز في بشري وجوارها في أواخر العهد العثماني (...) وكان مدمنًا الخمر (أنظر: خليل حاوي، جبران خليل جبران، بيروت: دار العلم للملايين، 1982، ص90). وقد اعتُقل في سنة 1891 بتهمة الاختلاس، فحُجزت أملاكه ومقتنياته، علاوة على بيته، ولم يُطلق إلا في سنة 1894. أما والدة جبران فتدعى كاملة أسطفان عبد القادر رحمة. واسم عبد القادر غير شائع البتة لدى الموارنة في لبنان. والراجح أن عبد القادر ذاك كان مسلمًا، وقد اعتنق المسيحية، وتزوج إحدى النساء المارونيات فولدت له أسطفان الذي أنجب كاملة وصار خوريًا. وكاملة كانت مزواجة؛ فتزوجت في البداية حنا عبد السلام رحمة، وهاجرت معه إلى البرازيل، وولدت ابنها البكر بطرس. ولما توفي زوجها عادت إلى بشري. ثم تزوجت يوسف الياس جعجع في سنة 1880، وكانت أصغر منه بسنتين. ولم يدم الزواج غير شهر واحد، فطلبت فسخ الزواج لعلة عدم اكتماله وانتفاء ممارسة الجنس مع زوجها، مع أن الإشبينة حنة رحمة أكدت أمام المحكمة الروحية المارونية الناظرة في قضايا فسخ الزواج أنهما تساكنا ومارسا الجنس معًا. وبعد ذلك تزوجت خليل جبران وولدت له جبران وسلطانة ومريانا، وهاجرت إلى الولايات   المتحدة الأميركية مع أولادها، وبينهم بطرس رحمة، في سنة 1894 حين كان زوجها في السجن، وإلا ما تمكنت من مغادرة لبنان من دون إذنه وموافقته. وقد بقي زوجها في بشري يعمل في دكانه، ويلعب الداما ويشرب العرق حتى توفي في سنة 1909 (أنظر: جان داية، والدة جبران خليل جبران مسترجلة، جريدة "الشرق الأوسط"، 2/8/2006).


وحدة الوجود والنساء وعبد البهاء
وصل جبران خليل جبران وأمه وأخوته إلى أليس أيلاند في نيويورك في 17/6/1894، ثم انتقلوا بالقطار إلى بوسطن، وأقاموا في ساوث أند South End في الحي الصيني الذي كان أقذر أحياء المدينة. وهناك، في مدرسة كوينسي، بدأ جبران دراسته في العالم الجديد. ومن مصادفات أيامه التي دمغت اسمه بدمغة عميقة لا يمحوها الزمن لقاؤه ماري هاسكل في معرض للصور أقامه المصور فريد هولاند داي في سنة 1940. ومنذ ذلك الوقت صارت هاسكل راعية جبران في الكتابة والحياة، فنظمت معرضًا لرسومه في المدرسة التي كانت تديرها، والواقعة في شارع مارلبورو. وفي ذلك المعرض تعرف إلى شابة فرنسية جميلة تدعى إميلي ميشال التي اشتُهرت باسم "ميشلين". وميشلين هذه راحت تتوضع لجبران عارية كي يرسمها، وارتبطا بعلاقة لم تدم غير شهور قليلة. وثمة كلام على أن جبران قد أحبلها، ثم أرغمها على إسقاط حملها (راجع: توفيق صايغ، أضواء جديدة على جبران، مصدر سابق، ص 35). أما ملهمة جبران في تلك المرحلة، أي قبل لقائه ماري هاسكل وإميلي ميشال، فكانت جوزفين بريستون بيبودي التي استعار من مسرحيتها The Wings (1907) عبارة "الأجنحة المتكسرة" وجعلها عنوانًا لكتابه الصادر في سنة 1912. وقد عانى جبران من عجرفة جوزفين بيبودي وتعاليها، وعلى الأرجح أنه أحبها من طرف واحد، وكانت سعيدة بحبه لها. واللافت أن ميشلين كانت تكبر جبران بنحو السنة، وبيبودي تكبره بثماني سنوات، وشارلوت تيلر تكبره بسنتين، وماري هاسكل تكبره بعشر سنوات. وفي سلسلة النساء اللاتي عرفهن جبران كانت حلا الضاهر التي تكبره بسنتين، وسلطانة ثابت التي تكبره بثماني سنوات، وماري قهوجي التي تكبره بأربع سنوات، وماري عزيز الخوري بتسع سنين، وكورين روزفلت بثلاث سنوات.
ماري هاسكل، وحدها من بين أولئك النساء، هي التي جعلته يكتشف الحياة في أميركا، ويندمج في غمارها. ومعها، بل وعلى يديها في بوسطن أولًا ثم في نيويورك، عرف ضروبًا من النساء ما كان في إمكان شاب سوري (أو لبناني) مهاجر أن يختبرها في حي ساوث إند. وفي خضم ذلك الاختبار وقع جبران بين قطبين مغناطيسيين متنافرين: العلاقة المثالية شبه الرومانسية مع ماري هاسكل، والعلاقة الشهوانية مع ميشلين وغيرترود باري. وهذه الأخيرة التي تعرف إليها جبران في سنة 1906، كانت شهوانية جدًا، لذلك لم تستمر علاقتهما إلا قليلًا. أما ماري هاسكل التي بدأت تساعده في تصحيح رسائله وتحسين لغته الإنكليزية، والتي صارت محررة كتبه، فقد اعترفت له بأنها ساحقت امرأة تدعى (ل). ويُظن أن (ل) إنما هي شارلوت تيلّر التي كانت هاسكل تفضلها على جبران، وسببت له صدًا عاطفيًا مؤذيًا (راجع: توفيق صايغ، المصدر السابق). وشارلوت تيلّر هذه صارت، في سنة 1912، عشيقة أمين الريحاني الذي اعتنق مذهب وحدة الوجود والدين الكوني والسلام الإنساني، وهو ما يتقارب، بصورة أو بأخرى، مع البهائية. والمعروف أن شارلوت تيلّر، وكذلك جولييت طومسون، كانتا بهائيتين، والاثنتان كانت لهما صلة قديمة بجبران خليل جبران. وقد التقى جبران عبد البهاء (ابن بهاء الله) في أميركا سنة 1912 ثلاث مرات، ولازمه في بعض جولاته، وسُحر به ورسمه. وكانت جولييت طومسون، جارة جبران، هي مَن عرّف جبران إلى عبد البهاء. وكذلك كان ألكسندر مورتن وزوجته مارغوري، وهما بهائيان، صديقين لجبران وماري هاسكل، وبالطبع لشارلوت تيلّر. لكنني، هنا في هذا الميدان، أُرجّح أن تكون شارلوت تيلر وجولييت طومسون ومارغوري مورتن، علاوة على ألكسندر مورتن نفسه، من تيار "الثيوصوفية" الذي يؤمن بوحدة الوجود، أي حلول الله في الكون والمخلوقات، لا من أتباع الديانة البهائية. ومع ذلك، ربما كانوا بالفعل بهائيين مُحدثين.


اليتيم الأندروجيني المعذّب
من المحال أن يجزم أحد من الباحثين أو يبت أو يقطع بالهوية الجنسية لجبران خليل جبران. ومع أن قصة الهوية الجنسية أمر هامشي في نهاية المطاف؛ فالأساس هو أدبه، غير أن دراسة أي شخصية من عيار جبران خليل جبران ستقود الباحث إلى مثل هذه الدروب الظليلة أو المكشوفة لأنها ربما تفسر دوافع الكتابة أو الرسم لديه، وتكشف الروافد الغائرة في وعيه الباطن والغرائز المكبوتة في اللاوعي. ومهما يكن الأمر، فإن كثيرين ممن درسوا سيرة جبران وأدبه يقولون إنه كان زير نساء، وأقام علاقات جنسية متشعبة مع نساء شبقات وباردات. ويقول آخرون إنه كان يحب رفقة النساء ويفضلها على مصاحبة الرجال. ويعتقد غير هؤلاء أنه لم يكن ذا همّة جنسية، وأن عدد المرات التي ضاجع فيها نساء كان معدودًا. وجبران نفسه أخبر ماري هاسكل، في إحدى رسائله إليها في سنة 1912، أن تجاربه الجنسية لم تتعدَ المرات القليلة جدًا (أنظر: توفيق صايغ، المصدر السابق، ص28). وهناك رأي يدّعي أن جبران كان مثليًا، وهو يستند في هذا الاعتقاد إلى علاقته بالمصور المثلي فريد هولاند داي (أنظر: ماجد عبد السلام، حقيقة الشذوذ الجنسي عند جبران، مجلة "الناقد"، العدد 37، تموز/ يوليو 1991). والشاهد على ذلك أن جبران، وكان لا يزال يافعًا، ربطته بالمصور الفوتوغرافي داي، المشهور جدًا في مثليته، علاقة وثقى. وكان داي يساعد جبران ماليًا، ويختار له ثيابه، ويصطحبه إلى ندواته الفنية، ويعيره إلى أصدقائه الفنانين كموديل، ويبالغ، في الصور التي التقطها له، في تصوير أنثويته الشرقية. وهنا لا بد من التساؤل: كيف تمكن جبران، الصبي المهاجر الفقير الذي كانت أمه "كمول" وأخوه بطرس وشقيقاته سلطانة ومريانا يعملون ليل نهار لكسب عيشهم، من أن يسافر عائدًا إلى بيروت في سنة 1897 لدراسة العربية في مدرسة الحكمة؟ ومَن دفع تكاليف تلك العودة؟ ولماذا داوم داي على إرسال الأموال إلى جبران في بيروت؟

من اليمين إلى اليسار: ميخائيل نعيمة ـ عبد المسيح حداد ـ جبران خليل جبران ـ نسيب عريضة 


















المؤكد والثابت أن علاقة جنسية محدودة نشأت بين جبران وماري هاسكل، لكنها لم تستمر ولم تتطور، والسبب في ذلك كان جبران نفسه (أنظر: توفيق صايغ، أضواء جديدة على جبران، مصدر سابق، ص 105). ولم يتورع جبران عن الاعتراف لماري هاسكل في إحدى رسائله في سنة 1912 بالقول "إني أعيش بدون وصال جنسي" (المصدر السابق، ص 28). أما ماري هاسكل فتقول: "إنها مشيئته هو ألا يحصل جماع بيننا (...) كنا نتألم ألمًا شديدًا من التشوق إلى الجنس والامتناع عنه" (المصدر السابق، ص 107). ولم يكن جبران معطوبًا جنسيًا تجاه المرأة كالمثليين، فقد خاطب هاسكل مرة وهو يحلق ذقنه: "إنك تهيجينني جسديًا (...)، غالبًا ما كانت الرغبة ألمًا عظيمًا جدًا" (المصدر السابق، ص 106). وتكشف هاسكل أن جبران قبلها في إحدى المرات في فمها بشهوة، وتهيّج، ثم عراه الشحوب (المصدر السابق، ص 113). ويجوز لي، هنا في هذا الحقل الاستقرائي، أن أقول إن جبران لم يكن مثليًا، بل عِنّينًا. والعِنّين يستطيع المضاجعة أحيانًا ومواقعة النساء، لكنه قليل الهمة وفاتر المبادرة، لذلك يلتهب بالهياج والغلمة، لكنه يُحجم عن المتابعة خوف الفشل الذي ينتظره. وهذه الحال معروفة في تاريخ المبدعين، فسبينوزا أحب، وهو في الثانية والعشرين، معلمته للغة اللاتينية، لكنها لم تلبث أن هجرته، فأصيب بالعنة وكتب مأثرة حياته "مقالة في الأخلاق"، ومات في الخامسة والأربعين. وعمانوئيل كانط لم يُعرف عنه قط أي حياة غرامية أو جنسية. والإمام الشافعي لم يتزوج، أي أنه لم يتمم نصف دينه كما يدعو الإسلام إليه، ولم يُذكر عنه أنه امتلك جارية أو غلامًا. والعظيم أبو العلاء المعري عاش مترهبًا رهين المحبسين.
تعرض جبران لليتم الأبوي مبكرًا، الأمر الذي سبب له، على الأرجح، عنّة عاطفية تطورت إلى عنّة فيزيولوجية. كان يقول عن والده: "لقد آذاني كما لم يؤذني إنسان من قبل" (أنظر: باسكال ثابت، رهين الأم والحب الأوديبي، جريدة "النهار" – بيروت، 25/1/2008)، وكثيرًا ما تحمل جبران سخرية والده منه، وإهماله إياه، فضلًا عن شراسته مع والدته وأخيه بطرس. وقد حلّت والدته "كمول"، القوية المسترجلة، في محل والده، فكانت المرأة الحامية والحانية في آن، والمرأة الطاهرة العفيفة (مع أنها مزواجة وفسخت زواجها الثاني لعلة عدم الجنس)، أي أنها كانت لدى جبران، الصورة الثانية لمريم العذراء، ما يحيلنا إلى حكاية سعيد عقل مع النساء، ووالدته المتماهية مع مريم العذراء، وامتناعه عن الحب والغرام والجنس، حتى أن المرأة الوحيدة التي تجرأ وتزوجها، أي الشاعرة آمال جنبلاط، انتحرت في 23/5/1983 بعد خمسين يومًا من الزواج. وكان سعيد عقل خطب في سنة 1952 فتاة تدعى سعاد أبي صالح، ودامت الخطوبة سنتين، لكنه أنهى تلك التجربة بفسخها.


تقول ماري هاسكل إن ما يُبقي جبران عفيفًا ليس الفضيلة وإنما المزاج (راجع: توفيق صايغ، مصدر سابق، ص 28). وما المقصود بكلمة "مزاج" في هذه العبارة؟ لعمري، إن المقصود هو "العنّة" وليس المثلية. وكانت علاقة جبران بماري هاسكل قد مرت بمصاعب جمّة، وكثيرًا ما كان يعاتبها على معاملتها له وراح، في إحدى المرات، يذكّرها بأنها قالت له مرّة: "إن صغر حجمه عامل يجعل فئة من النساء الأميركيات لا تحس به" (توفيق صايغ، المصدر السابق، ص 123). والواضح أن لدى جبران، علاوة على ضآلة حجمه، سمات أندروجينية Androgynic، كما يظهر في صوره الفوتوغرافية، أو ربما نزعة خنثوية تتمثل في رسومه. ففي إحدى المرات صوّر فريد هولاند داي موديلًا متسربلًا برداء أورفيوس، فتأثر جبران أيما تأثر بتلك الصورة، ورسم أورفيوس عاريًا يحمل قيثارة. وحين عاد جبران من باريس إلى بوسطن في سنة 1910، أي بعد سنتين من افتراقه عن ماري هاسكل، قابلته هاسكل بكل برود وبكل سخرية (توفيق صايغ، المصدر السابق، ص 118). لهذا راح جبران يعاتبها على معاملتها له، وعلى تفضيل شارلوت عليه، وحمّلها لاحقًا عقمه الفني بين سنتي 1910 و1911 جراء "تعذيبك لي طيلة الوقت" (توفيق صايغ، المصدر السابق نفسه، ص 121)، وباح لها بآلامه كالتالي: "لقد آذيتني كما لم يؤذني إنسان آخر قط. ليس لأحد ما لكِ أنتِ من قوة على إيذائي. لقد قلتِ لي أشياء مُرّة جدًا لم يقلها لي أحد قط. لقد جعلتني أتألم أكثر تقريبًا مما جعلني أي شيء في حياتي" (توفيق صايغ، المصدر السابق، ص 118).
في معمعان هذا الألم الإنساني كان التسامي sublimation ملاذًا من العذابات التي كابدها جبران خليل جبران، وأمكنه أن يسمو بغرائزه المكبوتة إلى مراتب رفيعة من الإبداع الأدبي والفني. واتخذ التسامي لدى جبران صورًا عدة أبرزها التعملق الوهمي أو تضخيم الأنا، وهي حال معروفة جدًا في التحليل النفسي للمبدعين، وهي تشير إلى وطأة الإحساس بعدم الرضا جراء الكبت والغربة، وإلى التوق إلى مجتمع خالٍ من القمع والاضطهاد، وتشير كذلك إلى المكابدة العسيرة التي ما انفك جبران محاولًا الإفلات منها نحو عالم لذيذ من السمو والتعالي. ومن محاسن أيام جبران أن أدبه جاء في أواخر المرحلة الرومانسية في الأدب الأميركي. وكان العالم الغربي، بعد الحرب العالمية الأولى، قد راح ينجرف نحو ضروب جديدة من الفن والأدب والتعبير. وفي هذا السياق ظهرت الدادائية والسريالية. ولم يطل الأمر كثيرًا حتى دهمت الغرب أزمة الكساد الكبير (1929-1933)، وظهرت الحاجة الأدبية إلى معالجة ندوب تلك المرحلة. وفي تلك المرحلة بالتحديد التفت الغرب إلى كتابات جبران، ولا سيما كتاب "النبي". وقد مثّل الأدب الجبراني استمرارًا لأدب وليم بطلر يتيس الذي تأثر به جبران كثيرًا، وكان أحد دعاة العودة بالشعر والفن إلى منابع الروح ومصادر الحكمة والرومانسية في سبيل السلام والوحدة الإنسانية. كما تأثر جبران بالشاعر والرسام والنحات الانكليزي وليم بلايك الذي تعرف إلى أعماله من خلال فريد هولاند داي وجوزفين بيبودي. ومثلما كان زرادشت صوت نيتشه صار "النبي" صوت جبران. ولا بد من الإشارة إلى أن ثمة شركاء لجبران في "النبي"؛ فلغة "النبي" ليست لغة جبران وحده، فقد حررت ماري هاسكل الكتاب بالإنكليزية، وتولى المطران أنطونيوس بشير ترجمته إلى العربية في سنة 1926 بلغة وهّاجة وجميلة جدًا.




هل كان جبران أرزقيًا؟
تخلص جبران خليل جبران من الفاقة والعوز بالتدريج. وبمرور الزمن وتغيّر الأحوال أصبح ميسور الحال. ففي سنة 1915 قرر شراء أسهم في إحدى الشركات، وفي سنة 1924 اشترى حصة في بناية. ومع ذلك لم يتورع عن قبول المساعدة المالية من ماري هاسكل، علاوة على هداياها (أنظر: باسكال ثابت، مصدر سابق). أما ميخائيل نعيمة فيؤكد أن جبران كان يرغب في دوام المساعدة المالية من ماري هاسكل، فأبقى على صلته بها حتى بعد أن أنهت تحريرها كتاب "النبي"، وتزوجت في 7/5/1926 ج. فلورنس مينيس، وكانت في الخمسين. ثم تولت الناقدة الأدبية باربرة يونغ (اسمها الأصلي هنريتيا بوتون)، ابتداء من سنة 1925 فصاعدًا، مساعدة جبران في تحرير مقالاته وطباعتها وتنظيم أمسيات له. ونشرت له بعد وفاته كتابي "التائه" و"حديقة النبي".

ومن غرائب مسلك جبران ما حدث له مع هيلانة جرجس قسطنطين بعقليني، التي أُغرمت به لكنه لم يبادلها ذلك الغرام، والتي كانت قد هاجرت إلى الولايات المتحدة الأميركية في سنة 1917، وراحت تكتب في جريدة "الهدى" النيويوركية التي كان يصدرها خالها نعوم مكرزل (أنظر: جان داية، المرأة التي أحبته دون أن يبادلها شغفه، جريدة الشرق الأوسط، 10/1/2007)، فقد طلب جبران منها أن تشتري له مظلة كي يرسلها إلى أخته مريانا في بوسطن، فاشترت له هيلانة المظلة، لكنها فوجئت ذات يوم بسيدة لبنانية تحمل المظلة نفسها، فسألتها هيلانة من أين أتت بتلك المظلة، فأجابت أن جبران هو الذي قدمها لها (جهاد فاضل، لغز جديد في السيرة الجبرانية، جريدة "القبس" الكويتية، 11/1/2007، واسكندر نجار، أوراق جبرانية، بيروت: دار النهار، 2007).
ومن غرائبه أيضًا أنه قال لميخائيل نعيمة وهو في مرضه الأخير: "ميشا لقد ذكرتك في وصيتي". وأخبر نسيب عريضة ميخائيل نعيمة أن جبران قال له: "لقد ذكرتك في وصيتي يا نسيب". وروى عبد المسيح حداد لميخائيل نعيمة أن جبران قال له قبل وفاته بأربعة أيام: "لا تخف على مستقبل أولادك يا عبد المسيح. إذا مدّ الله بعمري فأنا سأهتم بأمر تعليمهم، وإلا فإنني قد تركت لهم في وصيتي ما يكفيهم. ووصيتي في تلك الخزنة"، وأشار إلى الخزانة الصغيرة بجانب سريره. وبعد وفاة جبران قُرئت وصيته بحسب الأصول، ولم يرد فيها أي ذكر لميخائيل نعيمة أو نسيب عريضة أو عبد المسيح حداد، وفيها أوصى برسومه إلى ماري هاسكل، وبأمواله إلى شقيقته مريانا التي كرست حياتها لتعيله؛ فهو لم يعمل قط، بل كان يكتب ويرسم من دون أن تدر عليه رسومه ومقالاته في البدايات أي دخل. وقد بقيت مريانا المولودة في سنة 1885 في قيد الحياة حتى وفاتها في 28/3/1972.




سوري من لبنان
ولد جبران في وادي الرطل في منطقة الهرمل في سنة 1883. حينذاك لم يكن لبنان قد ظهر بعدُ كدولة؛ فتلك الدولة احتاجت 37 سنة إضافية لتظهر على أيدي الفرنسيين الذين رسموا حدودها استنادًا لا إلى رغبة السكان بل إلى مصالح فرنسا الاستعمارية. أما لبنان، بالنسبة إلى جبران، فهو مكان مثل حمص للحمصيين، أو الشام للدمشقيين، وليس هوية سياسية قط. ثم إن جبران سافر إلى أميركا في سنة 1894 كسوري (يحمل جواز سفر عثمانيًا)، وعاد جثمانه إلى لبنان في سنة 1931 حين لم يكن إحصاء نفوس اللبنانيين قد جرى بعد، أي أن سجل النفوس بموجب إحصاء سنة 1932 لم يشمله.

وقد هاجمه "القوميون اللبنانيون" لأنه كان يعتبر نفسه سوريًا، وفي المرات القليلة التي تحدث فيها عن لبنان كوطن أو كتعبير سياسي، فإنه كان يعبر عن قنوطه من تطورات الأحوال في سورية كلها. وكذلك هاجمه رجال الدين الموارنة الذين كان لهم سطوة كبيرة على رعاياهم، لأنه كثيرًا ما انتقدهم بشدة، ولأنه قبيل وفاته رفض الاعتراف والمناولة أمام الكاهن، وهما طقسان ضروريان لاعتبار المتوفي مسيحيًا حقًا. ومن المؤكد أن جبران كان يحذو حذو فريدريك نيتشه الذي أوصى أخته حين شارف على الموت بقوله: "عديني إذا مت ألا يقف حول جثماني إلا الأصدقاء، وألا يدخل عليّ الفضوليون من الناس. لا تدعي قسيسًا ينطق بالأباطيل والأكاذيب على قبري في وقت لا أستطيع الدفاع عن نفسي".  لكن، غداة وفاة جبران، بعد أن أصاب شهرة كبيرة في الغرب وفي العالم العربي، راح معظم الذين كانوا يهاجمونه يمتدحونه، بمن في ذلك رجال الدين المنافقون الذين ظلوا حتى الأمس القريب يتهمونه بالمروق من الدين والكفر، وانعطف كذلك معظم مروّجي مزبلة "القومية اللبنانية" إلى امتداحه باعتباره أحد معالم الإبداع اللبناني في المهجر.
ماتت شقيقته سلطانة بالسل في سنة 1902، ومات أخوه بطرس في سنة 1903، ثم ماتت أمه في سنة 1903 أيضًا، وتوفي والده في سنة 1909. أما جبران فقد توفي في مستشفى القديس فنسنت في 10/4/1931 بسرطان الكبد جراء إدمانه الخمر، علاوة على بداية للسل في إحدى رئتيه (أنظر: ميخائيل نعيمة، جبران خليل جبران، بيروت: دار صادر، 1964، ص 17). وقد نُقل جثمانه من نيويورك إلى بوسطن ليُسجى في قاعة جمعية المساعدة للسيدات السوريات. وجاءت ماري هاسكل لحضور الجنازة، والتقاها ميخائيل نعيمة الذي لم يقرأ في وجهها حزنًا ولا سمع في صوتها غصّة (ميخائيل نعيمة، المصدر السابق، ص 272). ولم يحضر الجنازة أيضًا صديقه فريد هولاند داي، لأن علاقتهما انقطعت بعد وفاة والدة داي في سنة 1912، فتوارى عن الحياة العامة، وتناساه الناس، وتوفي في سنة 1933. لكن غيرترود ستيرن، الموظفة في إحدى شركات الملابس، حضرت الجنازة. وكانت ستيرن، وهي يهودية على الأرجح، قد التقت جبران مع أيزاك هوروفيتز الذي ترجم "النبي" إلى العبرية. وقد أحبها جبران، مع أن علاقتهما كانت عابرة.
وصل جثمان جبران إلى بيروت في 21/8/1931، ودفن في مدافن مارسركيس في أعالي بشري ليكفّ قلمه بعد ذلك عن الإبداع، ولتبدأ الأقلام في استجلاء كل صغيرة وكبيرة في حياته القصيرة والصاخبة والغنية. وما دوام الاهتمام بهذا الأديب، حتى بعد نحو تسعين عامًا على رحيله، إلا برهان على فرادته الأدبية، وعلى غرابة بعض جوانب أيامه وتفصيلاتها اللاهية واللاهبة معًا، وعلى شخصيته الحائرة ذات المزيج المعقد والمتشابك والمتداخل والمنسوج من جروح وخيبات وآلام ونفي وغربة وفقر وموت وأحلام غائرة وجسد مُنتهك ونساء باحثات عن اللذة وعن سحر الشرق وأسراره كما تخيلنه في حكايات ألف ليلة وليلة وقصص الرحالة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.