}

ذكرى آسيا داغر.. "أم السينما المصرية" و"صانعة النجوم"

سليمان بختي سليمان بختي 1 يونيو 2021

لعل أكثر ما وطّد مكانة آسيا داغر وريادتها في السينما المصرية هو جرأتها أولًا، وإيمانها العالي بشغفها بالسينما ثانيًا. كانت آسيا داغر (1901-1986) أول فتاة لبنانية تظهر في السينما المصرية. وانطلقت من التمثيل إلى الإنتاج مثبتة صوابية اختياراتها ونجاح أفلامها حتى لقّبت بأم السينما المصرية.

ولدت داغر في قرية تنورين في لبنان. كانت مولعة بالأفلام السينمائية، مشاهدة وخفايا وأسرار. متزوجة ولديها ابنة وتعيش حياة هانئة. ولكن مع دخول الإنكليز والفرنسيين إلى لبنان والطلب على حداثة معينة تتفاعل مع الروح الغربية، بدأت مغامرتها وانطلقت كممثلة وقدّمت فيلمها القصير" تحت ظلال الأرز" (1920). توفي زوجها عام 1923 فشدّت رحالها نحو القاهرة، عاصمة الفن في العالم العربي آنذاك. سافرت إلى مصر برفقة ابنة شقيقتها ماري وابنتها إلين. أقامت في الإسكندرية لدى ابن عمها أسعد داغر (1881-1951) الصحافي المتفوق واللامع في جريدة الأهرام. وبعد أربع سنوات حصلت على فرصتها الأولى وكان دور ثانوي في أول فيلم مصري صامت وهو "ليلى" (1927) من إنتاج عزيزة أمير. لم يصنع لها هذا الفيلم شهرة أو انتشارًا في عالم التمثيل. وذلك بسبب أدائها المتكلف في الأفلام الصامتة وكذلك لهجتها اللبنانية التي لم تلق قبولًا عند المصريين. لكنها عرفت على نطاق أوسع في عالم الفن السينمائي. بقيت جذوة السينما والفن والأفلام متقدة لديها وراحت تفكر بأساليب وطرق لأجل تحقيق أحلامها في السينما المصرية.

عام 1927 أسّست مع المخرج أحمد جلال وابنة شقيقتها الفنانة ماري كويني شركة لوتس لإنتاج الأفلام وتوزيعها. استمرت آسيا داغر في إنتاج الأفلام بقوة وثبات في حين توقفت تباعًا شركات إبراهيم وبدر لاما وعزيزة أمير وبهيجة حافظ. ولذلك استحقت عن جدارة لقب عميدة المنتجين وباتت شركتها لوتس للأفلام الأقدم والأعرق بين شركات الإنتاج المصري.

بداية اعتمدت آسيا داغر على الجهد والذكاء ودعم الأقارب والأصدقاء في إنتاج الأفلام. فقد كانت هنالك مشكلة دائمة هي تأمين الأموال. ولكنها استطاعت تجاوزها إذ كانت تعمل حوالي 20 ساعة يوميًا وكانت تعلّق أشرطة الأفلام على السطح لتجفّ. ومع أنها لم تعرف القراءة والكتابة إلا أنها امتلكت بداهة وحدسًا ورغبة في تجاوز العقبات. كانت ابنة شقيقتها ماري كويني تقرأ لها نصوص الأفلام لكي تكوّن رأيًا ولتستطيع إعلام المخرج فيما بعد إذا خرج أحدهم عن النص.


عام 1929 أنتجت أول أفلامها وباكورة إنتاجها وأول بطولة لها وهو "غادة الصحراء". واستعانت بالمخرج التركي داود عرفي لإخراجه. ثم تعاونت مع إبراهيم لاما الذي أخرج لها فيلم "وخز الضمير" (1931). وتعرّفت الى السينمائي والروائي والصحافي أحمد جلال فأخرج لها كل ما أنتجته من أفلام بين 1933-1942 وتعدّ حوالي عشرة أفلام. حقّقت آسيا داغر في تلك الفترة شهرة واسعة وعرضت أفلامها في القاهرة وبيروت. ولكن فيلم "عيون ساحرة" (1934) المستند إلى الخيال العلمي وحقيقة الحياة والموت، أثار جدلًا ورفضته الرقابة وعرضها لخسائر. إلا أن تدخل رئيس الوزراء المصري أعاده إلى العرض وأنقذ آسيا من الخسائر، وكان ذلك أول تعاون لها مع الحكومة المصرية. استطاعت آسيا النفاذ من هذه المشكلة، ولكن المسألة التالية كانت أصعب فقد تزوج أحمد جلال من ابنة شقيقتها ماري كويني وأسسا استوديو جلال وتفرّغ هو لإخراج أفلام شركته الخاصة. اتجهت آسيا إلى مساعد المخرج الشاب هنري بركات صاحب الأصول الشامية وكان في الـ 28 من عمره لإخراج فيلم "الشريدة"، 1942. قدّم بركات معها العديد من الأفلام مثل "قلبي على ولدي"، و"من القلب للقلب" (ليلى مراد وكمال الشناوي)، و"يا ظالمني" مع صباح وحسين صدقي، و"اللقاء الثاني" مع أحمد مظهر وسعاد حسني، و"ساعة لقلبك" (شادية وكمال الشناوي).

عام 1945 قدّمت صباح في أول فيلم لها في السينما المصرية "القلب له واحد" وكرّت معها سبحة الأفلام الغنائية والإستعراضية والدرامية. أنتجت عام 1954 فيلم "حياة أو موت" وهو أول فيلم مصري تم تصويره كاملًا في الشارع المصري. وكان فيلم "رد قلبي، 1951، الأول الذي صوّر بالألوان بتقنية السينما سكوب.

أولت آسيا داغر الأفلام التاريخية إهتمامًا خاصًا فأنتجت"شجرة الدر" 1935 و"أمير الانتقام" 1950، وتوجّت إنتاجاتها بفيلم "الناصر صلاح الدين" 1963 الذي كلّف إنتاجه مائتي ألف جنيه لأعلى ميزانية لفيلم مصري. واستمر الإعداد له خمس سنوات وانتقل من إخراج عز الدين ذو الفقار إلى يوسف شاهين كأول تعامل لها معه. قدّمت آسيا العديد من المخرجين في مسيرتها مثل حسن الإمام وإبراهيم عمارة وأحمد كامل مرسي ويوسف معلوف وعز الدين ذو الفقار وحسن الصيفي وحلمي رفلة وكمال الشيخ. كما قدّمت فاتن حمامة في أول بطولة لها لفيلم " الهانم" 1947. عام 1969 أنتجت داغر آخر فيلم لها في مسيرتها وهو "يوميات نائب في الأرياف" وانصرفت فيما بعد للعمل بالهيئة المصرية العامة للسينما حتى وفاتها في عام 1986.


ويضم سجّل آسيا داغر في التمثيل والإنتاج حوالي 70 فيلما نذكر منها: " نداء الرب" (1927)، "عندما تحب المرأة" (1933)، "بنكنوت" (1936)، "زوجة بالنيابة" (1937)، "بنت الباشا المدير" (1938)، "البحث عن المرأة" (1939)، "زليخة بنت عاشور" (1939)، "فتاة متمردة" (1940)، "العريس الخاص" (1941)، "امرأة خطيرة" (1941)، "المتهمة" (1942)، "لو كنت غنيّ" (1942)، "أما حنان" (1944) وغيرها.

نالت داغر العديد من الجوائز والأوسمة: وسام الإستحقاق اللبناني، والجائزة الأولى في الإنتاج السينمائي 1950، وجائزة جامعة الدول العربية عن فيلم "الناصر صلاح الدين"، وجائزة الدولة للرواد في اليوبيل الذهبي للسينما المصرية لريادتها في التمثيل والإنتاج، وجائزة الرواد عن جمعية كتاب ونقاد السينما، والجائزة الأولى في الإنتاج في مسابقة الدولة للسينما عن فيلمي "حياة أو موت" و"رد قلبي".

بقيت داغر ماثلة وظاهرة في تاريخ السينما المصرية وبدونها، على ما تقول الناقدة منى غندور، ما كان للسينما المصرية أن تكتمل. كما كتب عنها الناقد وجيه ندّى دراسة بعنوان "آسيا داغر المنتجة والممثلة".

تبقى آسيا داغر بعد 120 سنة على ولادتها و35 سنة على رحيلها صانعة النجوم والمخرجين وعميدة المنتجين ورائدة السينما وصاحبة الفضل على جزء من تاريخ مجهول لرواد السينما المصرية، بحسب الكاتب عمرو الجوهري.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.