لقب الشاعر الغنائي المصري حسين السيد (1916-1983) بشاعر موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وقد كتب أكثر من ثلثي أغاني عبد الوهاب منذ فيلم "يوم سعيد" وأغنية "اجري اجري". ولقبه أحمد رامي بأنه شاعر "السهل الممتنع" بعد سماعه كلام أغنية "بافكر باللي ناسيني". كتب التنوع في كل أبعاده وعلى مدى أكثر من أربعين سنة ولأجمل الأصوات في العالم العربي ومن محمد عبد الوهاب إلى إسماعيل ياسين وفؤاد المهندس وثلاثي أضواء المسرح. كما كتب الكلمات التي تواكب الأفراح والأحزان والمشاعر الوطنية والعائلية. يعد مع مرسي جميل عزيز ومأمون الشناوي الامتداد الطبيعي والتاريخي لبيرم التونسي وأحمد رامي. كتب القصة الغنائية مثل "ساكن قصادي" لنجاة و"فاتت جنبنا" لعبد الحليم حافظ. ومع إحساسه الرومانسي العالي فإنه كتب الأغاني الشديدة الالتصاق بالروح الشعبية مثل أغنية "حارة السقايين" لشريفة فاضل وفيها ذلك المقطع النادر: "لك ماضي كله سوابق في الحب مالوهشي أمان/ أنا عايزة حب يطمن مش حب يودي لومان (أي السجن)".

ولد حسين السيد في طنطا من أب مصري وأم تركية. أقامت أسرته عند خاله في مدينة طنطا الذي كان شيخا لأحد تكايا الدراويش وعنهم أخذ الطفل حسين السيد إحساسه بالموسيقى والتواشيح والأذكار والإيقاع والشعر وبقيت مترسبة في نفسه. أتم دراسته الأولى في طنطا ثم انتقل إلى القاهرة إلى مدرسة الفرير وأظهر تفوقًا في اللغة العربية. حتى أن الدكتور زكي مبارك، مفتش المدارس آنذاك، أثنى عليه وعلى نبوغه المبكر. نال الثانوية عام 1937 وأراد الالتحاق بكلية الآداب ولكنه اضطر لأن يحل مكان والده في تموين الجيش والمستشفيات الحكومية. قرأ ذات مرة في "الأهرام" إعلانًا أن شركة أفلام محمد عبد الوهاب تطلب وجوها جديدة في التمثيل. أخذته الوسامة إلى التمثيل ولأن يحاول، ولكن نجاحه في عالم الفن كان في الشعر وبتدبير من الأقدار. وبالصدفة سمع أنهم يبحثون عن نص أغنية تناسب موقفًا سينمائيًا في فيلم "يوم سعيد" (1939) فعرض عليهم كتابة الأغنية. ووعد المخرج محمد كريم وعبد الوارث عسر وسليمان نجيب ومحمد عبد الوهاب بإحضار كلماتها في صباح اليوم التالي. وهكذا كان، ولكن بعد ليلة سهرته حتى الفجر، حظيت الأغنية بإعجاب عبد الوهاب والذي حياه وطلب منه أن يصرف النظر عن التمثيل ودعاه إلى الغداء ثم إلى بيته ليرى ويسمع كيف يلحن عبد الوهاب أغنية "اجري اجري وديني قوام وصلني". رفض حسين السيد أن يتقاضى أجرًا عن الأغنية ونسي نجومية التمثيل مكتفيًا بأن يقترن اسمه باسم محمد عبد الوهاب الذي كان يناديه السيد بـ"صديق العمر". وبادله عبد الوهاب الصداقة وأصبح مستشاره الأدبي لكل الأغاني التي لحنها لغيره. وكان يزوره أسبوعيًا صباح كل أحد. أزهرت الصداقة واستمر التعاون لأكثر من 43 عامًا. وهكذا انطلقت رحلة الشاعر حسين السيد في دنيا الغناء العربي. وكتب في مواضيع الحب والوطنية والعائلة لأهم الأصوات في العالم العربي وكان رائدًا في كتابة أغاني الأطفال مثل: "ذهب الليل" و"ماما زمانها جاية" و"كان دان" لمحمد فوزي، وكتب لصباح "أكلك منين يا بطة" و"حبيبة أمها" و"أمورتي الحلوة" و"سماح يا ماما سماح".  وكتب أهم أغنية للأم وأشهرها وهي "ست الحبايب" لفايزة أحمد و"يا حبيبي يا خويا" و"خي خي" لعبد الوهاب. وكانت له طريقة مبتكرة في كتابة الديالوغ الغنائي من نسيج سيناريو الفيلم بدلًا من الحوار مثل "حكيم عيون" و"ح قولك إيه" بين عبد الوهاب وراقية إبراهيم، و"حاجة غريبة" و"إحنا كنا فين" بين شادية وعبد الحليم حافظ. وأعطى لنجاح   سلام" عايز جواباتك" وقدم أجمل استعراض في السينما "اللي يقدر على قلبي" لليلى مراد و"شحات الغرام" لمحمد فوزي وليلى مراد. وكتب أوبريت "مصر بلدنا" لفايزة أحمد. وفي مجال الأغنية الدينية كتب "إله الكون" لرياض السنباطي. ومزج بين الديني والوطني كما في أغنيته "الصبر والإيمان" لمحمد عبد الوهاب. وفي مجال الأغنية الوطنية كتب: "دقت ساعة العمل الفوري" و"ناصر" و"وعرفنا الحب" و"المسؤولية" و"حكاية شعب" لعبد الحليم حافظ. و"صوت الجماهير" و"كل أخ عربي أخي" و "الجيل الصاعد" و"المارد العربي" لفريد الأطرش. وكتب لعبد الحليم حافظ رائعته "أهواك" و"قول لي حاجة" و" جبار" و"عشانك يا قمر" و"ظلموه" و"اللي نشغلت عليه" و"عقبالك يوم ميلادك" وغيرها.

حسين السيد ومحمد عبد الوهاب

يروي حسين السيد في مذكراته أنه كان يشكو لعبد الوهاب مبلغ عذابه بتشييد عمارته الصغيرة فقال له عبد الوهاب "عقبال العمارة الثانية"، فقال حسين: "توبة توبة يا أستاذ".  فرد عبد الوهاب: "دي تنفع مطلع أغنية". وبالفعل كانت أغنية "توبة" التي غناها عبد الحليم ولحنها عبد الوهاب. وأعطى لعبد الوهاب الأغاني الأجمل والأقرب إلى ذائقة الناس مثل "ساعة ما بشوفك جنبي" و "يا مسافر وحدك" و"قلبي بيقولي كلام" و"كان أجمل يوم" و"علشان الشوك" و"قل لي عملك إيه" و"فين طريقك فين" و"لا مش أنا اللي أبكي" و"عاشق الروح". قال عنه عبد الوهاب "له أذن تغني وهو يكتب". ومن أشهر أغانيه لفريد الأطرش: "إرحمني وطمني" و"أبو ضحكة جنان" و"قالت لي بكرا" و"الحبيب المجهول" التي لها ذكرى خاصة لديه إذ كانت سببا لارتباطه بزوجته، وغيرها. وأعطى لليلى مراد أحلى أغانيها مثل: "الحب جميل" و"عيني بترف" و"أبجد هوز" و"إتمختري يا خيل" و"الدنيا غنوة"  و"دوس عالدنيا" و"يا رايحين للنبي الغالي" وغيرها. ومن كلماته لنجاة الصغيرة كتب "شكل ثاني" والتي كادت أن تكون لأم كلثوم وأعجبتها لكنها ذهبت لنجاة الصغيرة ولحنها محمد عبد الوهاب، و "ع اليادي اليادي" و"ساكن قصادي" و"القريب منك بعيد" والرائعة "آه لو تعرف". وكانت لفايزة أحمد حصة من أغانيه وأهمها "ست الحبايب" و"قدرت تهجر" و"تراهني" و"حمال الأسية" و"يا غالي عليّ" وغيرها. ومع شادية أبدع حسين السيد في رسم كلمات الأغنية الشعبية مثل "مين قلك تسكن في حارتنا" و"فارس أحلامي" و"بسبوسة" و"ما تقولشي بكرة". وكتب لوردة الجزائرية: "عمري كله حبيتك" و"لازم نفترق" و"في يوم وليلة" والتي يقال إنه كتبها بالأصل لأم كلثوم. كتب لصباح في فيلم "نار الشوق" "سلمولي على مصر" وغيرها من الأغاني مثل "أحبك ياني" ودويتو مع وديع الصافي "حب الدنيا سيب الدنيا" و"بين الأهلي والزمالك" و"ملحق ملحق طبعة جديدة" والأغنية الشهيرة التي تذاع في رمضان مع فؤاد المهندس بعنوان "الراجل ده حيجنني". وخص وديع الصافي بأجمل أغانيه المصرية: "على رمش عيونها" و"دار يا دار" و"بعد الفن ما فيش". وكتب لسيد مكاوي "ما تفوتنيش انا وحدي". وأعطى لمحمد رشدي "كعب الغزال" ولشريفة فاضل "حارة السقايين" وعايدة الشاعر "كايده العزال أنا من يومي" وياسمين الخيام "خدني معاك" ولسعاد حسني أغاني فيلم "صغيرة على الحب" مثل "الحلوة لسه صغيرة" وسعاد محمد "العمر ليلة" وميادة الحناوي "ساعة زمن" ووصولا إلى ثلاثي أضواء المسرح "كتموتو يا حلوة يا بطة" و"ماتش الكورة" والفوازير وغيرها.

روى حسين السيد في إحدى المقابلات أن محمد عبد الوهاب طلب إليه أن يختار بعض الأبيات الشعرية الغزلية التراثية والمعاصرة تحت عنوان "عاشق الروح" ليختتم فيها فيلم "غزل البنات". حضر له حسين السيد مجموعته من الأبيات لشعراء مختلفين وعمد إلى وضع كلمات أغنيته وسط الأوراق. وفوجئ السيد بعد لقائه بعبد الوهاب أنه طلب منه قصيدته قائلًا: "أنا عاوز دول اللي من غير توقيع".

حسين السيد ولبنى عبد العزيز

عام 1964 أصيبت تجارته بالكساد والإفلاس فقرر احتراف كتابة شعر الأغاني. ولكن التمثيل لم يغب عن حياته بحسب سناء البيسي في كتابها "سيرة الحبايب" (2009)، فقد ظهر خمس مرات في مشاهد متباعدة كان أولها في "يوم سعيد" في دور المذيع وحذفت مشاهده كلها. والمرة الثانية كانت مع شادية في فيلم "امرأة مجهولة". والثالثة مع لبنى عبد العزيز في "رسالة من امرأة مجهولة". والرابعة في مقطوعة شعرية مصورة بعنوان "انتي مسافرة". والمرة الخامسة كانت حين قدم محمد عبد الوهاب في سهرة تلفزيونية بعنوان "البيانو الأبيض". ولكن ما يأسى له حسين السيد حقًا هو أنه كان هناك مشروع أغنية بينه وبين أم كلثوم ولم تكتمل. وكان يتجنب اللقاء مع أم كلثوم لتوجسه من أنها تغير وتتدخل في الكلام. وذات يوم اتصل به محمد عبد الوهاب وطلب إليه الاتصال فورًا بأم كلثوم لأنها "استمعت إلى مقدمة أغنية دينية وطلبت أن تلتقيك". قابل حسين السيد أم كلثوم في فندق الشيراتون لأن فيللتها في الزمالك كانت قيد الصيانة. كان ذلك قبل وفاتها بأربعة أشهر. خشي السيد من أي تغيير قد تطلبه أم كلثوم لكنها طمأنته: "لا ما فيش تغيير، لكن إنت طعّمت الأغنية بالعربية الفصحى مع الزجل وأتمنى لو تضيف شطرين ولا داعي تعرضهما عليّ". وكتبت على ورقة النص للأستاذ محمد عبد الوهاب أن يلحن نص الأغنية كما هو. وأضاف حسين السيد الشطرين وهما: "وأعوذ بك من غفلة نفسي/ وأعوذ بك من لحظة يأسي". ولم يكتمل المشروع ورحلت أم كلثوم.

حصل حسين السيد على وسام العلوم والفنون في عهد الزعيم جمال عبد الناصر. كما كرمه الرئيس أنور السادات في عيد الفن. في 27 آذار/ مارس 1983 أصيب حسين السيد بأزمة قلبية أودت به. دخلت ابنته حامدة إلى مكتبه لتجد قلمه فوق الأوراق، ويده الثانية مفتوحة كالدعاء وليرحل الشاعر الذي أثرى بالأفكار الجديدة والأبعاد الجديدة أغاني عصره والتي أطربت كلماته زمانه وعصره وساهمت في تشكيل الذائقة العربية. كان متدفقا كنبع أو شلال، كعطاء الحب بلا حدود. أعطى ومشى ومضى. وسنظل نذكره كأحد الفنانين الكبار في عالم الغناء والطرب والشجن في زمن الكبار وفي عز زمنهم الجميل.