}

"الرسم شعر صامت والشعر رسم يتكلم".. اللوحة شعرًا

دارين حوماني دارين حوماني 4 يناير 2022
استعادات "الرسم شعر صامت والشعر رسم يتكلم".. اللوحة شعرًا
درع أخيل كما رسمه أنجيلو مونتسيلي عام 1820



"الرسم شعر صامت والشعر رسم يتكلم"- كتب الفيلسوف اليوناني بلوتارخ هذه العبارة قبل ألفي عام، وقد تكون هي نفسها تجسيدًا للكثير من اللوحات والقصائد، فالعلاقة بين العمل الفني والقصيدة قديمة منذ أن كتب هوميروس عن درع أخيل في الملحمة الشعرية "الإلياذة"؛ هذا الدرع الذي يصوّر الحياة كلها في ذلك الزمن في عمل فني واحد. وفي نظرية أرسطو عن المحاكاة التي وضعها في كتابه "فن الشعر"، يعتبر أن الشعر والرسم ينطلقان في تشابههما من محاكاة الطبيعة والواقع.


ولطالما كانت الأعمال الفنية مصدر إلهام للشعراء، ويُطلق مصطلح Ekphrasis على كتابة الشعر عن الأعمال الفنية، لوحة كانت أم منحوتة، وهو ما قد يدفع الرائي للعثور على ما هو مخفي في العمل الفني وقد يضيف إليه جوانب جديدة ومعنى أعمق. نعرض هنا بعض القصائد المستلهمَة من أهم اللوحات العالمية، وبالتأكيد يمكن العثور على العديد من القصائد الأخرى عالميًا وعربيًا المرتبطة بأعمال فنية.

"الشارع"، بلتزار كلوسوڤسكي (بالتوس)، 1933



"الشارع"، بلتزار كلوسوڤسكي (بالتوس)، 1933

في لوحته "الشارع" طوّر الفنان البولندي الفرنسي بالتوس نوعًا شخصيًا وفريدًا من الفن الطليعي وأسلوبًا تصويريًا يتحدى التصنيف. تجمع لغته التصويرية الخاصة مع استخدامها للأشكال الصلبة والخطوط العريضة المحددة بدقة، بين إجراءات الأساتذة القدامى وجوانب معينة من السريالية. تنطوي اللوحة على تناقضات عديدة جنبًا إلى جنب مع الهدوء والتوتر الشديد، الخيال والغموض مع الواقع، والشهوة الجنسية بالبراءة، وفي لوحته يظهر التفاعل الفكري بين أبعاد المكان والزمان، العلاقة بين الشكل والشيء ما يشير إلى جوهر أعماله الغامضة.

قصيدة "الشارع"، ستيفن دوبنز

على الجانب الآخر من الشارع، يحمل النجار قطعة ذهبية
لوح على كتف واحد
بقدر ما يتحمل الأعباء في حياته
مرتديًا البياض، ضعفه الوحيد
وساوس. الآن يقوم ببناء جدار آخر لحجبها.

 

تلاحق الفتاة كرتها الحمراء السيئة، فتضربها مرة واحدة
بمضربها الأزرق، تضربها مرة أخرى. يجب عليها
تلقين الكرات القواعد التي يجب أن تتبعها
وهي تديرها على نحو جامح
لنرى كيف تتطلع لها، ثم تتغاضى عنها.

 

يريد الزوجان الشرقيان دائمًا الرقص هكذا:
يحوم عبر شارع مزدحم،
بينما هو يمسك بخصرها
وهي تنزلق على ركبة واحدة،
وترتفع الموسيقى
من الأحجار المرصوفة بالحصى
في بعض الأيام موسيقى لـ"رافيل"، في بعض الأيام "بيزيت".


المغادرة تغني لنفسها.
هي ترى خلاص العالم نائمًا في مهد،
معلقًا في شجرة.
أغنية الفتاة تصنع ضوء الشمس
تصنع النسيم الذي يهز المهد.


كان لدى الخباز نصف فكرة. الآن يقف مثل العمود
في انتظار آخر. يرى الدقيق الأبيض يتساقط مثل الثلج
يغطي الأشخاص الذين يحاولون المشي أولًا ثم الزحف،
ثم يصبحون أشكالًا مستديرة: الكثير من أرغفة الخبز.


الطفل، الذي حملته أم بلا قلب، كبير في السن
ولسنوات تألق في الأفلام الصامتة
يحاول أن يشرح
أنه قد تم استبداله بطفل رضيع بطريق الخطأ في حافلة،
لكنه لا يستطيع أن يجد أي كلمات
لأنه سينتقل مرة أخرى إلى المنزل حيث حمامه الرهيب.


أولًا، يستحضر عامل البصيرة قاعة كبيرة، ثم
يضع نفسه على المسرح، موضحًا، موضحًا:
حيث ترحل الشمس ليلًا، والذباب يرحلون في الشتاء،
بينما حشود الكلاب والقطط اليقظة تصغي في أكوام هادئة.


غير مدركين لبعضهم البعض، هؤلاء التسعة أشخاص
يدورون حول بعضهم البعض في أحد شوارع المدينة الضيقة
كل واحد منهم يركز باهتمام شديد على الخطوات القليلة التي تسبقه،
يمكن أن يرى جاره يحوّل طريقه بشكل مختلف تمامًا،
لكن الدوائر المتشابهة من حولهم: حياة متطابقة
تبدأ بمفردها، تمضي بمفردها، تنتهي بمفردها
منفصلة كنقاط ضوء في سماء الليل، منفصلة كالنجوم
مع كل تلك المساحة السوداء الهائلة بينهم.

 

"عازف الغيتار العجوز"، بيكاسو، 1903



"عازف الغيتار العجوز"، بيكاسو، 1903

أنجز الفنان الإسباني هذه اللوحة خلال "المرحلة الزرقاء" التي امتدت بين عامي 1901 و1904، وأعقبت انتحار الرسام كارلوس كاساجيماس؛ الصديق المقرب لبيكاسو، وقد طغى عليها اللون الأزرق بشكل شبه كامل، وأصبح هذا اللون علامة فارقة لأعمال الفنان الإسباني في تلك الفترة، وقد اعتبر النقاد أن لجوء الفنان لهذا الفن يعكس حالة الحزن والسوداوية التي كان يعيشها آنذاك. تصوّر اللوحة عجوزا شاحبا ونحيل الجسم بثياب رثة، وتنقل لنا اللوحة حالة الانكسار والفقر البادية عليه، ومن وضعية الجلوس أيضًا يبدو العجوز غير مبالٍ لما يدور في هذا العالم. ويُجمع النقّاد على أن لوحة "عازف الغيتار" من الأعمال التي تعكس جليًَّا براعة بيكاسو في وصف التدهور النفسي والمعنوي، وحتى الجسدي للشخصيات التي تتمحور حولها لوحاته. نقدّم هنا أول مقطعين من القصيدة التي كتبها والاس ستيفنز والتي تمتد إلى 29 مقطعًا متأثرًا بلوحة بيكاسو. تتأمل قصيدة ستيفنز في طبيعة الواقع وسعي الفنانين لتغييره بعمق، "الأشياء كما هي/ يتم تغييرها على الغيتار الأزرق"، والامتناع عن "الأشياء كما هي". تأثر ستيفنز بشكل كبير بعمل الفنانين الحداثيين الذين قاموا بتسوية وتقسيم المساحة التصويرية، وكتب أن عازف الغيتار الأزرق هو "جزاز من نوع ما".

قصيدة "الرجل ذو الغيتار الأزرق"، والاس ستيفنز، 1937

1

انحنى الرجل على غيتاره،
جزاز من نوع ما.
كان اليوم أخضر.
قالوا، "لديك غيتار أزرق،
أنت لا تلعب الأشياء كما هي".
أجاب الرجل: "الأشياء كما هي
يتم تغييرها عند العزف على الغيتار الأزرق".
وقالوا بعد ذلك، "لكن إلعب، يجب عليك ذلك،
ثمة نغمة ترتفع عنا، عن أنفسنا،
لحنٌ على الغيتار الأزرق
للأشياء كما هي تمامًا".


2

لا أستطيع أن أجلب عالمًا تمامًا،
على الرغم من أنني أصححه قدر الإمكان.
أنا أغني عن رأس بطل، عين كبيرة
والبرونز الملتحي، هو ليس إنسان،
على الرغم من أنني أقوم بتصحيحه قدر الإمكان
وكاد يصل من خلاله إلى أن يكون إنسانا.
لحن سيريناد للإنسان
هو لفقد الأشياء كما هي،
إنها فقط لحن سيريناد
لرجل يعزف على الغيتار الأزرق.

 

"صورة الحداد"، إدوين رومانزو إلمر، 1890



"صورة الحداد"، إدوين رومانزو إلمر، 1890

رسم إدوين رامانزو إلمر هذا العمل بعد وفاة ابنته إيفي البالغة من العمر 9 سنوات إثر إصابتها بالتهاب الزائدة الدودية. يرسم إلمر ابنته مع حملها الأليف والقط الصغير ولعبتها أمام المنزل الذي بناه والدها في ولاية ماساتشوستس الغربية. يظهر الفنان وزوجته بملابس الحداد يتأملان طفلتهما من بعيد. ترك الفنان لوحته بلا عنوان وقد تم عنونة اللوحة بعد عقود. الصوت السردي في قصيدة إلمر هو صوت الطفلة إيفي، وكانت الطفلة الوحيدة للزوجين. تقارن القصيدة بشكل رائع بين عروق خريطة كل ورقة ليلك وبين عروق يد والدها..

قصيدة "صورة الحداد"، أدريان ريتش، 1965

لقد حملوا كرسي الماهاجوني وعصا القصب الهزاز
تحت شجيرة الليلك،
يجلس أبي وأمي في الظلام هناك بملابس سوداء.
يقف منزلنا على تلة،
دميتي ممددة في عربتها المصنوعة من الخيزران
التحديق في غرب ماساتشوستس
هذا كان عالمنا.
يمكنني إعادة صنع كل عشبة من الأعشاب
أشعر بها بين أصابعي،
وأن أرسم خريطة كل ورقة ليلك
أو شبكة أوردة يد أبي الحزينة
من رأسي، نصف متفجرة،
لا يزال يملؤني، تكثّف الحلم،
الظلال، البلورات، الأسقف، المروج، كرات الندى.
تحت اللون الأخضر الباهت لشجيرة الليلك، في الضوء
عجلات عربة الأطفال المنحوتة، وأعمدة الرواق المنحنية،
تحت السحب العالية في أوائل الصيف،
أنا "إيفي"، مرئية وغير مرئية،
أتذكر ويتذكرونني.

"ليلة النجوم"، فان غوخ، 1889 



"ليلة النجوم"، فان غوخ، 1889

كتبت الشاعرة آن سيكستون قصيدة "ليلة النجوم" بإلهام من لوحة فان غوخ التي تحمل الاسم نفسه. تمنحنا لوحة فان غوخ إحساسًا بالحركة المضطربة وفي الوقت نفسه جوًا من الصفاء وهدوء المدينة؛ تشع النجوم في سماء مضطربة، وتنقل لنا قدرة الطبيعة الغائرة في الكون. تتحدث آن سيكستون عن مدينة صامتة تحت سماء الليل للتعبير عن رغبتها بالموت. سيكستون التي انتحرت عام 1974 تشبّه شجرة السرو بامرأة "ذات شعر أسود"، ويشير النقاد إلى رغبة فان غوخ بالموت من خلال شجرة السرو في اللوحة والتي تُزرع عادة في المقابر، علمًا أن فان غوخ كان قد أقدم على الانتحار أيضًا عام 1890.

قصيدة "ليلة النجوم"، آن سيكستون

المدينة غير موجودة
إلا إذا انزلقت شجرة واحدة، ذات شعر أسود،
تصعد مثل امرأة غارقة في السماء الحارة.
المدينة صامتة. يغلي الليل بإحدى عشرة نجمة.
أه، أيتها الليلة المرصعة بالنجوم!
هذه هي الطريقة التي أريد أن أموت بها.
إنها تتحرك.
كلهم أحياء.
حتى القمر يُبرز معادِنَه البرتقالية، كالإله،
لإبعاد الأطفال عن عينه.
الأفعى العجوز غير المرئية تبتلع النجوم.
آه، أيتها الليلة المرصعة بالنجوم! هذه هي الطريقة
التي أريد أن أموت بها:
داخل وحش الليل السريع،
يمتصني ذلك التنين العظيم، لأنقسم
من حياتي بلا عَلَم،
بلا إشارة،
ولا صرخة.

"ليستاك"، بول سيزان، 1883  

 

"ليستاك"، بول سيزان، 1883

رسم بول سيزان الطبيعة الصامتة في أكثر من 20 لوحة عن مدينة ليستاك الفرنسية، وهي قرية صيد تقع غرب مرسيليا. تظهر هذه اللوحات التغيّرات في الفصول وأنماط الضوء المتغيرة في أوقات مختلفة من اليوم. ومع ذلك، سعى الفنان لتحقيق إحساس بالآثار الخالدة التي شعر أنها مفقودة من أعمال الانطباعيين. كان سيزان يبحث في لوحاته عن الروح الخالدة، وعن حقيقة الأشياء وجوهرها، فكان يرى الطبيعة أكثر غورًا مما تُظهره لنا، وما يفعله ألِن جينسبيرج أنه ينظر إلى ما هو أبعد من مشهد انطباعي ويقدّم لنا الحقيقة العميقة للجنة والخلود التي "لا تظهر على القماش".

قصيدة "موانئ سيزان"، ألِن جينسبيرج

في المقدمة نرى الزمن والحياة
اكتسحت في سباق
باتجاه الجانب الأيسر من الصورة
حيث يلتقي الشاطئ بالشاطئ
لكن مكان اللقاء
غير معلَن
لا يحدث على القماش
وعلى الجانب الآخر من الخليج
هناك الجنة والخلود
بضباب أبيض قاتم فوق جبالها
ومياه "ليستاك" الهائلة تعبر
بين قوارب التجديف الصغيرة.
 

"بورتريه ذاتي في سن 63"، رامبرانت، 1669



"بورتريه ذاتي في سن 63"، رامبرانت، 1669

هي صورة ذاتية للفنان الهولندي رامبرنت، كانت آخر اللوحات من سلسلته المكونة من 80 صورة ذاتية، تم رسمها في الأشهر التي سبقت وفاته عام 1669. على الرغم من اقتراب وفاته، والتركيز على وجهه المتقدم في السن، يترك رامبرانت انطباعًا عن فنان واثق من نفسه. تتحدث إليزابيث جينينغز في قصيدتها عن الصدق اللاذع في صور رامبرانت الذاتية المتأخرة، "الاعتناء بالفرشاة تعمل بمعرفة الذات"، والتي تساعدنا على تجريدنا من "الخوف من الموت" من خلال التصوير الثابت لتغييرات الطبيعة القاسية.

قصيدة "الصور الذاتية المتأخرة لرامبرانت"، إليزابيث جينينغز، 1975

أنت تواجه نفسك
كل سنة تمتلئ الأكياس، يصبح الجلد قبيحًا
أنت تعطِها كلها بلا تردد
أنت تحدق في نفسك، أبعد من ذلك
الاعتناء بالفرشاة تعمل بمعرفة الذات
هنا التواضع في مكان واحد مع الحرفية
لا يوجد غطرسة
الكبرياء منفصل من هذا التدقيق الذاتي
أنت تجعل الضوء ينجرف بالطريقة التي تريدها
وجهك مجروح ومتألم
ولكن لا يزال هناك حب متبقٍ
حب الفن وغيره
حتى التجربة الأخيرة
تحدق وراء عمرك، الزمن..
أنت أيضًا التقطت الماضي
وخففت منه
الصور الذاتية تفهم ذلك
والشيخوخة، مع التغييرات الحقيقية،
يمكن أن تعرّينا
من خوفنا من الموت
انظروا، معاناة جديدة
هناك الأنف المنتفخ
الحزن والفرح
أن ترسم يعني أن تتنفس
وتتجرأ على الظلمات
أنت تختار
ما يجب أن يحسب له كل حساب.

 مراجع:

https://mseffie.com/assignments/paintings%26poems/titlepage.html

https://www.readpoetry.com/4-powerful-poems-inspired-by-famous-paintings/

https://theartsdesk.com/visual-arts/listed-poems-inspired-paintings

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.