}

"القصيدة السيّابية" وحضورها في الخارطة الشعرية العربية

استعادات "القصيدة السيّابية" وحضورها في الخارطة الشعرية العربية
بدر شاكر السيّاب

 

 

مرت قبل أسابيع الذكرى الثامنة والخمسون لرحيل الشاعر العراقي بدر شاكر السيّاب، الذي ترك أثرًا كبيرًا وتأثّرت به أجيال عديدة من الشعراء الذين وجدوا ضالتهم في الحداثة الشعرية في حينه، وأحدثوا ثورة خلخلت العمود الشعري الذي ظلّ ثابتا لقرون. والسؤال الذي يمكن أن يطرح بعد أكثر من خمسة وسبعين عامًا على ولادة هذا النوع الشعري هو: هل ما زالت قصيدة التفعيلة أو كما يطلق عليها "القصيدة السيّابية" صامدة ولها رواد وشعراء وقراء؟ أم أنها تراجعت وصارت العودة الى الشعر العمودي هي الأقرب إلى الشعراء مثلما صار الذهاب باتجاه قصيدة النثر هو الأكثر شيوعًا؟ 

الأسئلة الملحة

لا أحد بإمكانه نكران التغيّر الذي طرأ على كلاسيكية القصيدة العمودية من خلال ما سطّره السياب ومعه نازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري ومن رافقهم في تلك الحقبة التي خرجت من دار المعملين العالية ببغداد أواخر العقد الأربعيني من القرن العشرين، والتي أطلق عليها في جمعها وتوصيفها بـ"القصيدة السيّابية" لاعتبار أن السيّاب صاحب الفكرة وأنه كان الأنشط والأكثر شهرة في حينها.

فاضل ثامر  



في البدء يضعنا الناقد العراقي فاضل ثامر أمام أسئلة ملحة في معرض الرؤية الشاملة لفعالية الشعر العربي المعاصر والحديث: أين تقف اليوم حركة الحداثة الشعرية العربية عمومًا، والعراقية بشكل أخص؟ هل هي حقًا في منطقة جمود وأزمة، أو تراجع وتعثر، كما يوحي بذلك بعض النقاد؟ أم هي في مرحلة مراجعة لمعرفة الإنجازات والإخفاقات ولتلمّس حدود الخطوة القادمة؟ أم إنها ما زالت متعافية ومعطاءة وحيّة، وقادرة على مواجهة مختلف التحديات التي يفرضها العصر، ومنها تحدي الأجناس الأدبية الأخرى؟ ويضيف أن الإنجاز الأبرز الذي اقترن بمشروع قصيدة التفعيلة أو الشعر الحر يتمثّل بالسعي لخلق شعرية بديلة عبر الاعتماد على مبادئ المغايرة وتفجير اللغة واللعب الحر بالدوال وتعويم المعنى وتشتيته أو تمويهه وخرق المألوف وتحقيق الصدمة والتلاعب بأفق توقع القارئ ومباغتة بصيرته وخلق مناخ شعري ضاج ومدهش وصادم. ويقول إن علينا الاعتراف بأن قصيدة الحداثة الشعرية العربية، بشكل عام، لم تصعد إلى أبراج شعرية عاجية ولم تستمرئ اللعب الحر الكولاجي بالكلمات والصور الذي بشرت به النزعة الدادائية أو انفلاتات اللاوعي التي أسّست لها النزعة السوريالية، بل بقيت إلى حدّ كبير قريبة من الهم الإنساني ولواعج الذات المجروحة وانكسارات الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي.

منذر عبد الحر  

 

قصيدة نادرة

يرى الشاعر والناقد منذر عبد الحر أن قصيدة التفعيلة حطّمت نظام الشطرين على أيدي روادها، وفتحت آفاقًا واسعة لاستثمار مديات التفعيلة ووفرة بحور الشعر التي تحرّرت عند هذه التجربة من إطار ظلّ ضاغطًا عليها قرونًا من الزمان.. ويرى أيضًا أن القصيدة الحرة ربما تطوّرت تطوًرا بسيطًا وبطيئًا عند الأجيال اللاحقة التي لم تجرؤ على المزيد من التجديد ضمن ميدان التفعيلة وإمكانية انفتاحها على رؤى جديدة، وهو ما تسبب بقلّة عدد المشتغلين بها في الأجيال الشعرية الحديثة وباتت التجارب محصورة إما بقصيدة العمود التي يحاول كتّابها الخروج بها من نفقها التقليدي، أو بقصيدة النثر التي صارت مجالًا متاحًا للجميع، ممّن يعرفون مبرّر كتابة هذه التجربة، لكنه ينتقد الذين  يجهلون أبسط الأسس والقواعد اللازمة لإنجاز قصيدة تنتمي فعلًا للشعر من خلال مقوماتها التي تعتمد على اللغة الاستثنائية السليمة أولًا، وعلى البناء الفني للقصيدة التي يجب أن تكون مزدانة بالصور والخيال والانزياحات الموفقة، لا العبثية والمجانية. ويعود ليؤكد أن قصيدة التفعيلة أصبحت نادرة الحضور بين الشعراء، ومن يكتبها منهم فعلى طريقة السياب، وهذا أمر فيه نكوص فنّي وتراجع، داعيًا الشاعر لأن يحيي مسار قصيدة التفعيلة وأن يستثمر إمكانات البحور واللغة وأن يجرؤ على وجود مخارج جديدة تكمل ما بدأه الرواد.


 

 
زهير الجبوري 


أما الناقد زهير الجبوري فيرى أن "القصيدة السيّابية" ما تزال تعيش مع الواقع بوصفها بنية تجديد. ويضيف أنه مع كسر قيود النص الشعري العمودي أخذت القصيدة الحرّة تغور في تفاصيل البناء الشعري برخاء كبير، كون الأمر يتعلّق بمواكبة التحديث وسلاسة الكتابة الشعرية، ويعتقد أن القصيدة الحرّة ارتبطت بالسيّاب كعنوان أساسي رغم معاصرة العديد من الأسماء المهمة والبارزة معه. وبحسب اعتقاده فإن القصيدة الحرّة حاضرة بدرجة لائقة بها، وقدّمت مشاريع كثيرة وواسعة ما تزال حاضرة ومهيمنة ومؤثّرة. لكنه يستدرك فيؤكد أنه مع ما جرى في واقعنا من جوانب أثّر على المتلقّي فاتّجه إلى قصيدة النثر لتكون هي المهيمنة أكثر في ظلّ التحولات الكبيرة في الذائقة الثقافية والمعرفية. ويفاضل الجبوري بين العمودي والحر بقوله إن القصيدة العمودية ظلّت تراوح مكانها لأن أهم شعرائها لم يتجاوزوا الفن القديم فيها، ويرى أن "القصيدة السيّابية" (الحرة) حاضرة ودليلنا ما يقدّمه الكثير من الشعراء والتجارب المتواصلة، إضافة الى المشاريع الأكاديمية التي تعتمد في الكليات المختصة.

 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.