}

رائدات مشرقيات في النهضة العربية

ميشلين مبارك ميشلين مبارك 23 مارس 2022
استعادات رائدات مشرقيات في النهضة العربية
من اليمين: زيادة، فواز، عجمي، أنطون، مراش، واليوسف

 

شهر آذار/ مارس هو شهر المرأة والربيع وعيد الأم في بعض الدول. المرأة مناضلة في كل الميادين، في البيت والتربية، في العمل والعلم، في الفكر والأدب. هذا الاتجاه الأخير سيكون موضوع بحثنا وخاصة عن الأديبات المهاجرات من بلاد الشام عمومًا إلى جمهورية مصر العربية. فيما يلي إضاءة على أبرز الرائدات "الشوام" واللبنانيات تحديدًا، بحيث سترد تباعًا أهم الأسماء التي برزت في القرن الماضي (وذلك بحسب سنة الولادة) لا سيما تلك التي نادت بضرورة حصول المرأة على حقوقها بما فيها التحصيل العلمي، وما من شأن ذلك أن يساهم في ارتقاء المجتمع والوطن. وفي الحقيقة، إنّ هذه المطالبة أتت قبل مطالبة أبرز الكتّاب الرجال في هذا المجال.

مما لا شك فيه أن التأثر بالأفكار النهضوية أتى من الغرب ومن أفكار الثورة الفرنسية تحديدًا واطلاع المرأة العربية على هذه الأفكار، إلاّ أننا وأثناء الغوص في حياة المرأة الشخصية، نقتفي أثر وتأثير رجل ما في مسيرتها. على سبيل المثال، في حياة الأديبة مي زيادة، نجد أثر الصحافي والأديب إلياس زيادة (أي والد ميّ، وصاحب مجلة "المحروسة"). وفي حياة الصحافية روز اليوسف، نلمس تشجيع ودعم المهندس محمد عبد القدوس لزوجته روز. أمّا في حياة روز أنطون، فنعثر على تأثرها بالفكر النهضوي للأديب فرح أنطون (أخوها وصاحب مجلة "الجامعة") إضافة إلى العلوم العالية والثقافة العميقة التي كان يتمتع بها الكاتب نقولا حداد (زوجها).

 



زينب فواز (1844-1914)

هي أديبة وشاعرة لبنانية وتسمى الأديبة العاملية (نسبة إلى جبل عامل في لبنان)، يقال إنها تعلمت القراءة والأدب من خلال نساء آل الاسعد. تعدّدت الروايات في سبب ذهابها إلى مصر، بعضها يقول بأنها ذهبت مع والدها لمتابعة علومها، والبعض الآخر ينسب زواجها إلى ضابط في العسكر المصري تعرّفت اليه في دمشق، تزوجته وذهبت معه إلى الاسكندرية. هناك، كتبت زينب فواز الرسائل والمقالات ونشرتها في صحف "المؤيد"، "النيل" و"اللواء"، وكانت تتخذ في مقالاتها مواقف جريئة في الدفاع عن حقوق المرأة، من ضرورة تعليمها، حرية اختيارها للزوج، وحق المرأة في الطلاق، إضافة إلى مواضيع مثل تنظيم الأسرة وتربية الأولاد. بذلك، شغلت زينب فواز الحياة الثقافية في مصر خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، فإضافة إلى رسائلها التي عرفت بـ "الرسائل الزينية"، كتبت روايتين ونشرتهما. غير أنّ كتاب "الدر المنثور في طبقات ربات الخدور" نال الشهرة الأكبر لكونه شكّل بحثًا موسوعيًا عن 456 امرأة مشهورة من الشرق والغرب، كتبت فواز عنهن وترجمت بعض أعمالهن.

لا شك بأنّ زينب فواز سبقت بكتاباتها عديدين عبر دفاعها عن المرأة وحقوقها، كما في روايتها "غادة الزاهرة" أو "حسن العواقب" التي تعتبر أول رواية عربية متكاملة تكتبها امرأة. باحت زينب فواز على لسان أبطال الرواية ما لم تقله امرأة في مجتمعها عن حق المرأة في تقرير حياتها بنفسها سواء كان بالزواج أو بالعلم أو بالحكم السياسي إلى جانب الرجل.
 

في عام 1893 أصدرت مريانا مرّاش ديوانها الشعري بعنوان "بنت فكر" وبذلك تكون أول امرأة عربية تصدر ديوانًا في ذلك العصر  



مريانا مرّاش (1848-1919)

هي شاعرة وكاتبة سورية ولدت وترعرعت في حلب يوم كانت سورية تابعة للإمبراطورية العثمانية. والنفوذ الفكري والسياسي لفتح الله المرّاش، والد مريانا، ساعدها على التحصيل العلمي، إضافة إلى امتلاكه مكتبة ضخمة، الأمر الذي زرع في داخل الفتاة توقًا لاكتشاف كنوز تلك الكتب. مع الإشارة إلى أنّ عائلة والدتها تنحدر من عائلة "الأنطاكي" الشهيرة في ذلك العصر، لذا فإنّ خلفية الأم أيضًا على قدر من الثقافة والعلم. هذا هو الجو التي تربت عليه مريانا مراش في حلب، ثم تابعت دروسها في بيروت فتفوقت في اللغتين العربية والفرنسية والرياضيات إضافة إلى العزف على آلتي البيانو والقانون. وبدأت بكتابة المقالات والقصائد ونشرهما في جريدة "لسان الحال" في بيروت. في كل أعمالها الأدبية كانت مريانا تشجع المرأة على التحصيل العلمي وضرورة تخطي الظروف الصعبة من أجل العلم. في عام 1893 أصدرت مريانا ديوانها الشعري بعنوان "بنت فكر" وبذلك تكون أول امرأة عربية تصدر ديواناً في ذلك العصر، كما أصدرت فيما بعد كتابًا بعنوان "تاريخ سورية الحديث" وهو أول كتاب يتحدث عن تاريخ سورية خلال الحكم العثماني. كما اشتهرت بفتح صالون أدبي في بيتها في حلب ضمّ نخبة من الأدباء والشعراء من كلا الجنسين.

 



روز أنطون (1882-1955)

أو روزا أنطون، ولدت في طرابلس (شمال لبنان)، وهي الشقيقة الثالثة للمفكر النهضوي فرح أنطون الذي كان يكبرها بثماني سنوات. نشأت روز في عائلة تحب العلم والأدب، ولما أتمّ أخوها فرح أنطون دروسه في معهد كفتين في الكورة، قادته طموحاته الصحافية والأدبية للهجرة إلى الإسكندرية (في مصر)، فعمل بالترجمة ونشر المقالات في عدة صحف أبرزها جريدة "الأهرام". في عام 1899، أنشأ فرح أنطون مجلته الشهيرة "الجامعة العثمانية" التي أصبح اسمها فيما بعد "الجامعة". أوردنا بعضًا من سيرة المفكر فرح أنطون لارتباطها الوثيق بسيرة أخته روز، فهذه الاخيرة التي هاجرت إلى مصر لتعلّم في مدرسة المرسلين الأميركيين للبنات، سرعان ما انضمت إلى جانب شقيقها في العمل الصحافي في مجلة الجامعة. في عام 1903 وأيضًا في الإسكندرية، أسّسا معًا مجلة "السيدات والبنات" وقد أوكل فرح إدارة المجلة إلى روز. أضاءت روز أنطون، في مجلتها، على أهمية تعليم المرأة مشدّدة على تحريرها بما يتناسب مع دورها البيتي والاجتماعي والإنساني، وخصّصت بابًا في المجلة المذكورة للكاتبات النساء ليبحثن معها، من خلاله، في طرق تحسين وضع المرأة والعائلة في الشرق.



لاحقًا، أصدرت روز مجلة "السيدات" التي تغيّرت تسميتها في عام 1925 إلى مجلة "السيدات والرجال" وكان شعارها "نهضة الشرق بنهضة نسائه". لا بدّ من الإشارة إلى أن روز ألّفت كتابًا واحدًا بعنوان "مقام المرأة الاجتماعي في التاريخ" غير أنه ولأسباب عدة لم يرَ النور.
يقول الباحث أحمد الاصفهاني في كتابه الصادر حديثًا بعنوان: "روز أنطون: كاتبة نهضوية مجهولة": "لا شك بأنّ شهرة الأخ (المفكر فرح أنطون) وسمعة الزوج (الأديب والصيدلي نقولا زيادة) أحاطا بالأديبة روز أنطون منذ بداية حياتها المهنية، إلاّ أنها امتلكت قلمًا حكيمًا وجريئًا في مقالاتها، وإن ذابت شخصيتها في خضّم ما أنتجه فرح ونقولا على حساب ما قدّمته هي نفسها في حقل الصحافة والأدب".



مي زيادة (1886-1941)

ميّ زيادة (واسمها الأصلي ماري زيادة) ولدت في الناصرة من أب لبناني وأم سورية ذات خلفية ثقافية. هي ابنة المربي والصحافي إلياس زيادة صاحب مجلة "المحروسة". وبين الناصرة وحيفا في فلسطين وعينطورة في لبنان، درست ميّ اللغات وأجادت العزف على آلة البيانو، وبدأت بكتابة المقالات وراسلت العديد من الصحف. بعد هجرة العائلة إلى مصر، عملت ميّ في التدريس ثم في الصحافة واشتهرت بأسلوبها الشيق وقلمها النقدي المتميز، حتى كتبت في أشهر الصحف آنذاك.

تعتبر ميّ زيادة من أهم رائدات عصر النهضة في الكتابة والندوات والمحاضرات التي طالبت فيها بإنصاف المرأة وضرورة التحرّر من القيود التي تكبّل النساء وبالتالي عدم استغلالهنّ. وقد أصدرت في عام 1923 كتابها بعنوان "المساواة" وفيه تقول: "لا أطلب للمرأة المساواة بالرجل لاعتقادي أنها تفوقه سمّوًا بقلبها. والنظريات التي ترمي إلى تسويتها بالرجل، تحول حتمًا بينها وبين عالمها الخاص الذي به وحده تظلّ محلقة فوق كل أفق يستطيع الرجل في جدّه وعبقريته أن يبلغه. فالمساواة هبوط لها، لا صعود". وكانت ميّ قد أصدرت العديد من الكتب ودواوين الشعر باللغتين الفرنسية والعربية، إضافة إلى كتب عن رائدات التنوير في ذلك العصر، أمثال عائشة التيمورية ووردة اليازجي وغيرهما من السيدات.

اشتهرت ميّ بأنها صاحبة أحد أبرز الصالونات الثقافية في أوائل القرن الماضي، بحيث كانت تستقبل نخبة من أهل الفكر والصحافة في المجتمع المصري، بل وفي العالم العربي. ولعل أبرز ما ساهم في شهرة ميّ فيما بعد الرسائل المتبادلة بينها وبين جبران خليل جبران والتي استمرت طوال عشرين عامًا، وانتهت بموت جبران في عام 1931، وقد اعتبرت رسائلهما من أحد أهم الأعمال الأدبية في "فن الرسالة".
 

أنشأت ماري عجمي أول مجلة نسائية باللغة العربية في سوريا في العام 1910 تحت اسم "العروس"  



ماري عجمي (1888-1965)

ولدت ماري عجمي في دمشق القديمة بمحيط الكاتدرائية المريمية، والدها هو يوسف عبده عجمي أحد أعضاء المجلس الأرثوذكسي البطريركي الدمشقي، وكان رجلًا محبًا للعلم والأدب. كانت عائلتها على قدر عالٍ من النفوذ المالي والديني والفكري. فتلقت ماري دروسها الابتدائية في مدرسة البطركية الأرثوذكسية للبنات التي كانت معروفة بالمدرسة الروسية (تحت إدارة فلسطينية- روسية). ثم تابعت علومها في المدرسة الأيرلندية البروتستانية للبنات في دمشق. لذلك أتقنت ماري، إلى جانب اللغة العربية، اللغات الإنكليزية، الروسية واليونانية، إضافة إلى إلمامها بالفرنسية. بعد ذلك، وفي عام 1906 انصرفت إلى التدريس فعلّمت في مدارس زحلة (في لبنان)، وفي الإسكندرية وبور سعيد (في مصر). وفي عام 1909 مارست التعليم في معهد الفرنسيسكان للبنات في دمشق وبعدها في مدارس البنات في فلسطين والعراق. خلال تلك المسيرة، كانت ماري عجمي تكتب المقالات الصحافية إضافة إلى القصائد الشعرية وتراسل العديد من الصحف تحت اسم مستعار بداية ثم عادت إلى التوقيع باسمها الاصلي. بعد ذلك، قامت بإنشاء أول مجلة نسائية باللغة العربية في سورية في عام 1910 تحت اسم "العروس". فأحدث قلم ماري عجمي ثورة في نظرة المجتمع إلى المرأة. أتت "العروس" كمجلة أدبية تربوية تستهدف المرأة، فتعددت موضوعاتها من تربوية إلى أدبية وصحية، واستمرت في طباعتها حتى عام 1914. وقد أسست ماري عجمي مع المناضلة السورية والقيادية النسوية نازك عابد بيهم "النادي النسائي الأدبي" في دمشق في عام 1922. كما انتخبت عضوًا في الرابطة الأدبية التي أسّسها الشاعر خليل مردم بيك وكانت المرأة الوحيدة في هذه الرابطة.

صرفت ماري عجمي معظم وقتها في الصحافة والترجمة والأدب في سبيل تثقيف وتعليم المرأة في المجتمع العربي، وقد تركت ديوانًا شعريًا بعنوان "دوحة الذكرى". إلاّ أن معاناتها مع الجيش العثماني خاصة أثناء سجن خطيبها بيترو باولي وتعذيبه، جعلتها تناضل ضد العثمانيين في قلمها وتشحذ بمقالاتها الهمم في سبيل مناهضة العدو. ووصل بها الأمر إلى كتابة الرسائل إلى جمال باشا فتحلّت بالجرأة وواجهته، طالبة منه الإفراج عن خطيبها. غير أن الرياح تجري أحيانًا بما لا تشتهي السفن، فقضى خطيبها يوم 6 أيار/ مايو 1916 شنقًا مع العديد من الشهداء الوطنيين الأحرار آنذاك.

يقول عنها رئيف خوري "نذرت حياتها نذرًا للأدب، حتى ليمكن القول إنها ترهبت للأدب ولم تكن عروسًا لغير القلم". والحقيقة، إنّ كبار الأدباء في عصرها كتبوا عنها وعن إنجازاتها، من جبران خليل جبران، إلى ميخائيل نعيمه، وعباس محمود العقاد وأحمد شوقي وغيرهم، إضافة إلى الأديبة مي زيادة التي كانت على صداقة معها.



روز اليوسف (1897-1958)

روز أو فاطمة اليوسف هي ممثلة وصحافية لبنانية، نشأت يتيمة وتولتها عائلة صديقة لوالدها. قررت تلك العائلة الهجرة إلى أميركا، وفي الطريق وعندما رست الباخرة في ميناء الإسكندرية، طلب الفنان والمسرحي اللبناني إسكندر فرح من العائلة أن يتولى رعاية الطفلة وتربيتها. حصل هذا في أوائل القرن الماضي، فكبرت الفتاة وعملت في التمثيل. بعد ذلك تعرفت في المسرح إلى المهندس والفنان محمد عبد القدوس، وعلى الرغم من تناقض البيئتين، انتهت قصتهما بالزواج الذي نتج عنه الأديب المصري إحسان عبد القدوس. كانت روز امرأة متحرّرة تفتح بيتها للصالونات الثقافية والفكرية والسياسية. وقد أسّست مجلة شهرية أسمتها "روز اليوسف" إضافة إلى جريدتها اليومية، ومجلة صباح الخير. ولعل شهرة المجلة والجريدة أتت عبر شهرة الأقلام التي كتبت فيها أمثال عباس محمود العقاد، ونجيب محفوظ وغيرهما...

لا شك في أنّ الدور الإبداعي والتنويري الذي لعبته الرائدات العربيات هو على قدر كبير من الأهمية، الأمر الذي ساهم في صحوة مجلات وصحف موجهة للمرأة ومنها للعائلة وللمجتمع، ومن جملة ما ساهم فيما بعد، حصول المرأة على حقوقها الاجتماعية والسياسية وإلى ما هنالك. في السياق نفسه، لا بدّ من الإشارة إلى رائدات أمثال: بتسي نعوم كبابة (1924) اللبنانية وزوجة الصحافي بشارة تقلا (مؤسس جريدة الأهرام) والتي أدارت جريدة الاهرام منفردة بعد وفاة زوجها طيلة أحد عشر عامًا قبل تخليها في عام 1912عن إدارة الجريدة إلى ابنها جبرائيل، وقد دعت كبابه على صفحات "الأهرام" إلى حق المرأة في العلم والعمل، إضافة إلى التآخي ونبذ الأحقاد الطائفية. كما لا ننسى جوليا طعمه الدمشقية (1882-1954) التي تلقت علومها في مدرسة البروتستانت وبدأت التدريس في فلسطين وهي في عمر الثامنة عشرة، إضافة إلى مقالاتها الصحافية المدافعة عن حقوق المرأة. وأيضًا نجلاء أبي اللمع اللبنانية التي أصدرت في عام 1919 مجلة "الفجر" وأدارتها عبر مقالات تشجع فيها المرأة على التعلم. كذلك عفيفة صعب، المدرسة والصحافية اللبنانية صاحبة مجلة "الخدر" التي أسستها عام 1919. والصحافية المعروفة سلمى صايغ، والسورية هند نوفل التي أسست أول مجلة نسائية في القاهرة في عام 1892 بعنوان "الفتاة".

أخيرًا، قد نكون غفلنا عن بعض الأسماء، وذلك لضيق المساحة أولًا، ولكن بالأساس لسعة إبداع المرأة العربية المشرقية في كل المجالات. 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.