}

عن أغاني المقاومة في فلسطين قبل النكبة

يوسف الشايب 29 يونيو 2024
استعادات عن أغاني المقاومة في فلسطين قبل النكبة
مشاركون في ندوة أغاني الثورة والمقاومة الفلسطينية
شاركت نخبة من المطربين والمغنيّن والأكاديميين الفلسطينيين في الندوة الأولى ضمن سلسلة ندوات فعالية "الياسمين"، والتي خصصها معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى هذا العام لأغاني الثورة والمقاومة الفلسطينية. فعالية "الياسمين" ضمت ندوات، وفعاليات موسيقية ذات طابع وطني، يذهب ريعها إلى قطاع غزة، عبر جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وإنتاجات مشتركة ينتجها المتحف، تخرج عن ورشات عدّة تجمع الأجيال المتعددة للفنانين من مقدمي الأنماط الموسيقية المختلفة، وتوحدهم حول ثيمة المقاومة في أغنياتهم، أو جلها.
وإن كانت الندوة الأولى التي انعقدت، أخيرًا، في مقر المعهد بمدينة رام الله، تطرقت إلى عدد من المراحل الزمنية المرتبطة بتطور أغنية المقاومة في فلسطين، إلا أنها ركزت بشكل كبير على الأغنية الوطنية والثورية والمُقاومة منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين، في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وحتى نكبة عام 1948، وتداعياته على الحياة الثقافية والفنيّة الفلسطينية، وخاصة الموسيقية والغنائية منها، وحيوات الفنانين، الذين تشردوا وعائلاتهم لاجئين في عدد من دول العالم، لا سيما في الدول المجاورة كالأردن، ولبنان، وسورية، ومصر، والعراق.
وأشار الفنان الفلسطيني إميل عشراوي إلى أن أغنية المقاومة تقوم على الترابط مع الواقع للشعوب المضطهدة، أو الواقعة تحت الاحتلال كما في الحالة الفلسطينية، وعكسها على شكل أغنية، ولها دور محوري في التحفيز والصمود في الوقت نفسه، فالتفاعل بين الأغنية المُقاوِمة والواقع هو الأساس في كينونتها.
ولفت عشرواي إلى أنه، ومنذ ما يزيد عن القرن، ومنذ الاستعمار البريطاني وما رافقه من قهر واضطهاد، أبدع الفلسطينيّون أغاني المقاومة التي لازمتهم أفرادًا وجماعات، خاصة في الثورات ضد الصهيونية والتوسع الاستيطاني اليهودي قبل عام 1948، أو إبان الأشهر المشتعلة ما بين قرار تقسيم فلسطين وحتى سيطرة العصابات الصهيونية على الأرض الفلسطينية، وإعلان "دولة إسرائيل"، وبقيت تلازمهم ما بعد النكبة، داخل وخارج فلسطين، كظلهم، وتتغلغل في أرواحهم، وترافقهم في الأفراح كحفلات الزفاف، والأتراح لا سيما في جنازات شهدائهم، موثقة حبّهم وارتباطهم للبلاد، أو شوقهم إليها حال كانوا خارجها، يسردون فيها قصصهم التاريخية وأحداثًا تاريخية، ويروون قصص تشرّدهم، وأحزانهم، وبطولاتهم، وتوقهم إلى العودة والتحرير، وتطلعهم إلى نيل الحرية.

المطربة الفلسطينية والباحثة في التراث الموسيقي سناء موسى

كما اشتملت أغنيات المقاومة الفلسطينية، وفق عشراوي، ومنذ ما قبل النكبة إلى اليوم، على تقديم رسائل إلى المقاومين، وتعزيز المعنويات والثقة بالنفس، فأصحابها يحرّضون ويحفزون، ويشحذون الهمم، ويُقاتلون، ويتفاءلون، ويتفاخرون، مشيرًا إلى أن موضوعات هذه الأغاني لم تقتصر على السياسة والنضال فحسب، بل أيضًا توسعت لتشمل في إطار الثورة على المُحتل ومقاومته، أغنيات مرتبطة بالحب والغزل والحزن والفرح والصمود والتجذّر، ومقاومة جميع شروط الاضطهاد السياسي والاجتماعي، وغيرها، مشددة على أن الأغنية، وخاصة المُقاوِمة، هي بمثابة مرآة لحيوات الناس.




وتراوحت قوالب أغنيات المقاومة الفلسطينية، كما أشار عشراوي، ما بين الزجل، والدحية، والسحجة، والدلعونا، إلى الأناشيد الحماسية، والأغاني الشعبية، وصولًا إلى قوالب حديثة تجريبية تتواصل وتتطور منذ عقود، بعضها لحن بالاتكاء على قصائد شعراء فلسطينيين، أو عرب معروفين، وبعضها كتب خصّيصًا للأغنية، فأغاني المقاومة جزء لا يتجزأ من أدب المقاومة، الذي لعب دورًا محوريًا في تعزيز الروح النضالية لدى الشعب الفلسطيني.
الفنانة الفلسطينية القديرة ريما ترزي، التي عاصرت أغنيات المُقاومة في ثلاثينيّات القرن الماضي، قبل تهجيرها وأسرتها عام 1948، أشارت بدورها إلى حوادث اعتقال وإعدام المناضلين ضد الاستعمار البريطاني، وفي مواجهة المشروع الصهيوني التوسعي، مشيرة إلى أن من بين أكثر الأغنيات انتشارًا في تلك الفترة، أي ما قبل النكبة، كانت "يا ظلام السجن خيّم"، مرجحة أن تكون من بين الأغنيات التي كان يغنيها شهداء ثورة البراق: محمد جمجموم، وعطا الزير، وفؤاد حجازي، وهم يساقون إلى حبل المشنقة، تبعًا لما نقله عشراوي عن صحيفة "مرآة الشرق" الفلسطينية، بأنهم كانوا ينشدون أغنيات وطنية، من دون تحديدها، خلال اقتيادهم لإعدامهم من قبل سلطات الاحتلال البريطاني.
ولفتت ترزي إلى أنها تتذكر حضورًا طاغيًا ما قبل النكبة لنشيد "موطني" للشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، وأناشيد وطنية أخرى، من قبيل: "نحن الشباب"، و"نشيد الضاد"، وغيرهما.
الباحث المتخصص في الشأن الموسيقي، نادر جلال، أوضح أن القصيدة الشهيرة "سجن عكا"، التي وثقت إعدام وما بعد إعدام الشهداء الثلاثة، في يونيو/ حزيران 1931، ولا تزال حاضرة إلى يومنا هذا، ليست كما تم تداوله على مدار عقود، ولا يزال مُتداولًا لدى كثيرين، بأنها من كلمات الشاعر نوح إبراهيم، وأحيانًا الشاعر إبراهيم طوقان، مؤكدًا أنه بالبحث والتدقيق تبيّن أنها للشاعر عبد الرحمن البرغوثي، من قرية دير غسانة، شمال غربي رام الله.

الفنانة الفلسطينية القديرة ريما ترزي عاصرت أغنيات المُقاومة منذ ثلاثينيّات القرن الماضي

وكشف جلال أن ثمة كتبًا وكتيّبات فلسطينية وثقت أناشيد وطنية، منها كتاب عثر عليه مطبوعًا في عام 1934، ويحوي عشرات الأناشيد، ما يعني أن عددًا منها كتب في سنوات سابقة لتاريخ النشر، مشددًا على أن عام 1929 شكل نقطة انطلاق لتمظهر أحاسيس الثورة في فلسطين، مشيرًا إلى أن عديد المؤسسات والجمعيات والمدارس ما قبل النكبة كانت تقدّم أناشيد وطنية، من بينها، على سبيل المثال، نشيد للنادي الأرثوذكسي في بيت لحم وصفه بالنشيد الوطني القومي ذي الطابع المقاوم، حاله كحال الأناشيد كافة التي تعزفها الفرق الكشفية الفلسطينية قبل عام 1948.
بدورها، أشارت المطربة سناء موسى، وهي الباحثة في التراث الموسيقي أيضًا، إلى أن الأغنية الشعبية الفلسطينية شكلت نواة لأغنيات المقاومة والتمرّد على واقع الاضطهاد، منذ "السفر برلك"، فالأمهات كتبن ضد تجنيد أبنائهن لحرب لا ناقة لهم فيها ولا بعير، مشيرة إلى جدّ والدتها، الذي كان أحد المفقودين في الحرب، حيث تم تجنيده قسرًا وإرساله إلى اليمن، مرجحة استشهاده هناك، لافتة إلى أن هذا التمرد في الأغنية الشعبية الفلسطينية بدأ في أواخر الحكم العثماني، وهي أغنيات مُقاوِمة للاضطهاد والظلم، وقتذاك، مدللة على ذلك بأغنيات كتب كلماتها الفارّون من الخدمة العسكرية العثمانية، ومن بينهم جدّ جدها سعيد العاليل، وغيره كثيرون، مشبهة يومياتهم بحال الثوار والمقاومين الفلسطينيين حتى يومنا هذا.
وأشارت موسى إلى أن أناشيد المقاومة كانت تُغنى في الأفراح أكثر من غيرها، باعتبارها مكانًا لتجمعات كبيرة ومحتشدة، ولا يمكن لسلطات الاحتلال البريطاني، ما قبل النكبة، إيقافها، لذا ساهمت ساحات الأفراح، وخاصة في أربعينيات القرن الماضي، أي السنوات التي سبقت النكبة بقليل، في نقل أغنيات وأناشيد المقاومة الفلسطينية، وقتذاك، وانتشارها، مدللة على ذلك بمجموعة "الفتوة والنجادة"، التي عممتها إلى قطاع كبير من الناس، عادة هذه المجموعة الفنية الكشفية الرياضية نموذجًا يجب أن يدرس على أكثر من صعيد، بما في ذلك دورها في إنجاز وتعميم الأغنيات المُقاوِمة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.