}

فلسطين 2024: راحلون من أعلام الفكر والأدب والصحافة والفنّ

أوس يعقوب أوس يعقوب 10 يناير 2025
شهد العام الفائت 2024، رحيل عدد من أعلام الفكر والأدب والصحافة والفنّ الفلسطينيّين، ممّن قدّموا إبداعات فكريّة وثقافيّة وجماليّة وأخلاقيّة، عكست هواجس عصرهم الفلسطينيّ العربيّ وأسئلته، فكان أن أثروا مسيرة النهوض الوطنيّ الفلسطينيّ والعربيّ بأفكارهم ونضالاتهم، منذ النصف الثاني من القرن العشرين، وبرحيلهم خسرت فلسطين والأمّة العربيّة جزءًا هامًّا من قيمتها وإرثها الفكريّ والثقافيّ والفنّيّ، فكلّ اسم من هذه الأسماء ترك غيابه أثرًا كبيرًا وشكّل فقدًا حقيقيًّا على الصعيد الفلسطينيّ في جغرافيّته الممزّقة (الداخل المحتلّ عام 1948، والقدس، والضفّة الغربيّة)، وفي الشتات والمنافي البعيدة، وعلى الصعيد العربيّ أيضًا.
نخصّص هذه المقالة، لاستذكار شذرات من سيرة ومسيرة أبرز من غادر دنيانا من المبدعين في حقول الفكر والكتابة والأدب والفنون، خلال العام الفائت؛ عام الإبادة الجماعيّة، مع إدراكنا أنّ المساحة المتاحة هنا لا تتّسع إلّا لذكر اليسير من مواسم عطاءاتهم الحافلة بالإبداع...

سلامة ودقّة أبرز الراحلين

في مجال الفكر والأدب والصحافة فقدت الساحة الأدبيّة الفلسطينيّة والعربيّة الكاتب والباحث الأكاديميّ يوسف سلامة (1946 ـ 2024)، الذي توفي في الرابع من مارس/ آذار الماضي، في مدينة مالمو السويدية، عن عمر ناهز 78 عامًا.



سلامة، المولود في قرية أم الزينات بالقرب من مدينة حيفا المحتلّة، والتي هُجّر منها قسرًا مع عائلته إلى دمشق عام 1948، أصيب في الرابعة من عمره بمرض الرّمَد الطبيعيّ، ما أفقده البصر بشكلٍ شبه كلّيّ، فأنهى مراحل دراساته الابتدائيّة والإعداديّة والثانويّة في مدارس المكفوفين بطريقة بريل. ولم تحل حالته الصحّيّة دون متابعة دراسته الأكاديميّة، فنال عام 1969، درجة البكالوريوس في الفلسفة من جامعة دمشق، ثمّ انتقل إلى العاصمة المصريّة حيث حاز سنة 1975 درجة الماجستير من جامعة القاهرة، عن أطروحته "المنطق عند إدموند هوسرل"، ثمّ استحق من الجامعة نفسها في عام 1985 درجة الدكتوراه عن أطروحته "السلب واليوتوبيا: دراسة في هيغل وماركيوز".
انحاز الراحل إلى الثورة السوريّة منذ بداياتها، فاضطّر إلى مغادرة سورية إلى منفاه في السويد، ليعمل أستاذًا للفلسفة والدراسات العليا والبحث العلميّ في الأكاديميّة العربيّة بالدنمارك منذ عام 2015. وهو يُعدّ أحد أبرز أساتذة الفلسفة الغربيّة المعاصرة في سورية.
ترك سلامة العديد من المؤلّفات والدراسات الفلسفيّة والفكريّة، من بينها: "الإسلام والتفكير الطوباوي، هل الإسلام يوتوبيا؟"/ 1991، و"مفهوم السلب عند هيغل"/ 2001، و"فينومينولوجيا المنطق عند إدموند هوسرل"/ 2002، و"من السلب إلى اليوتوبيا... دراسة في هيغل وماركيوز"/ 2008، كما شارك مع مجموعة من الباحثين في إصدار كتاب "العلمانيّة العربيّة"/ 2009، بتحرير عطية مسّوح، بالإضافة إلى دراساته المنشورة باللغتين العربيّة والإنكليزيّة.
وحتّى تاريخ رحيله، ترأس يوسف سلامة، الذي نال في عام 2007، وسام السعفة الأكاديميّة من مرتبة فارس من الحكومة الفرنسيّة، تحرير مجلّة "قلمون" الفصليّة للأبحاث والدراسات، التي تصدر عن "مركز حرمون للدراسات المعاصرة" في إسطنبول.
في السابع من أبريل/ نيسان الماضي، رحل الكاتب والأسير وليد دقّة (1961 ـ 2024)، في سجون الاحتلال الإسرائيليّ، عن عمر ناهز 62 عامًا، وقامت السلطات الإسرائيليّة باحتجاز جثمانه، ولا يزال الجثمان محتجزًا حتّى يومنا هذا!
واجه دقّة المولود في 18 يوليو/ تمّوز 1961 في بلدة باقة الغربية في المثلث الفلسطينيّ المحتلّ عام 1948، خلال سنوات اعتقاله في سجون الاحتلال، قرارًا غير معلن بإعدامه، من خلال الإهمال الطبّيّ، الذي زاد حدّة في الأشهر الستّة الأخيرة، على الرغم من أنّه أمضى وأنهى حكم السجن الأوّل (37 عامًا)، واستمرّ في الأسر بحكم انتقامي لعامين إضافيّين، بتهمة تزويد أسرى آخرين بهواتف محمولة. وتنكّرت المؤسّسة الإسرائيليّة الحاكمة لكلّ الدعوات المحلّيّة وحتّى العالميّة لإطلاق سراحه، ليمضي ما تبقى له من عمر في حضن عائلته، وهو يعاني من مرض السرطان في النخاع الشوكي.
كان لصاحب "حكاية سرّ الزيت"، حضور فكريّ وثقافيّ وأدبيّ وفنّيّ غني بإبداعات قلّ نظيرها بتأثيرها على حياة آلاف الأسرى والمناضلين الفلسطينيّين، وهو ذو تجربة تمتاز بمعانيها وثوريّتها ومآثرها، وقَدّمَ الراحل للمكتبة الفلسطينيّة دراسات فكريّة وأدبيّة مهمّة، وانصبّ تركيزه في مجمل كتاباته على الإنسان الفلسطينيّ، وارتبط إنتاجهُ للمعرفة عمليًّا في وعيه السياسيّ، كما اهتمّ بمعاناة الأسرى، وحجم المخاطر التي تحيط بهم، ومهمّتهم التاريخيّة.
إلى جانب سلامة ودقّة، غادرنا من الشعراء والكتّاب والصحافيّين الفلسطينيّين، من صنّاع الذاكرة وحراس الحكايات الذين تركوا بصمات جماليّة في الرواية والقصّة القصيرة والشعر والصحافة. نذكر من هؤلاء الروائي رشاد أبو شاور، الذي توفي في نهاية العام الفائت. ومنهم الصحافيّ والكاتب والسياسيّ، بلال الحسن، الذي غادرنا في الثامن من أغسطس/ آب الماضي، في مدينة باريس، عن عمر ناهز 85 عامًا. والراحل من مؤسّسي الصحافة العربيّة الجديدة، وعمل صحافيًّا وكاتبًا في عدّة مؤسّسات صحافيّة فلسطينيّة وعربيّة، أبرزها صحيفة "المحرّر" التي كان يترأس تحريرها الأديب الشهيد غسان كنفاني. وأشرف على مجلّة "اليوم السابع" التي صدرت من باريس بين عامي 1983 و1991، وضمّت في هيئة تحريرها نخبة من أبرز المثقّفين والكتّاب العرب.





في 27 يناير/ كانون الثاني 2024 الماضي، رحلت الشاعرة المغتربة سعاد مرقس، في منفاها في العاصمة النيكاراغويّة ماناغوا، عن عمر ناهز 78 عامًا، بعد مسيرة نضاليّة حافلة بالعطاء الإبداعيّ. وقال الاتّحاد العامّ للكتّاب والأدباء الفلسطينيّين في رام الله، في بيان النعي: "نودع اليوم المناضلة الشاعرة مرقس، ونسجّل في صفحة التاريخ الممهور بالتضحيات اسمها من نور، في محطّة مفصليّة من محطّات النضال الوطنيّ، ومواجهة القبح الاحتلاليّ ووحشيّته في الوطن... ونسجّل لها فعلها الثوريّ وإبداعها في مسيرة الثورة الفلسطينيّة وحركة (فتح)، وكذلك حضورها الوازن في المشهد الثقافيّ والنضاليّ النيكاراغويّ الذي احتضنها رمزًا ثوريًّا عاليًا".
في دمشق، رحل في 12 فبراير/ شباط الماضي، الشاعر والروائيّ والمخرج السينمائيّ وليد عبد الرحيم، عن عمر ناهز 60 عامًا. تميّز صاحب "الموت في الحياة"، بين مجايليه كاتبًا ومخرجًا متعدّد المواهب، وهو ذو إنتاج ثري ومتنوّع في مجالات الشعر والأدب الفنّ.
وفي 22 سبتمبر/ أيلول الماضي، توفي في دمشق الشاعر محمود حامد، عن عمر ناهز 83 عامًا، بعد رحلة حافلة بالعطاء. نذكر من مجموعاته الشعريّة: "موت على ضفاف المطر"، و"أغان على شفاه الصنوبر"، و"شهقة الأرجوان"، و"الريح والزيتون"، و"بيسان"، و"عابرون في الدمعة الأخيرة".
في العاصمة الأردنيّة عمّان، رحل في الخامس من مايو/ أيّار، الكاتب والقاصّ محمد عارف مشّه، عن عمر ناهز 67 عامًا. أصدر مشّه عدّة مجموعات قصصيّة، من بينها: "همسة في زمن الضجيج"، و"الولد الذي غاب"، و"مولاي السلطان قطز"، و"عصافير المساء تأتي سرًّا"، و"شارع سقف السيل".
بعد خمسة أيام (10/05)، توفي الروائيّ والفنّان مازن سعادة، عن عمر ناهز 65 عامًا، بعد مسيرة عامرة بالإبداع والفنّ. من أعماله: مجموعة من الجداريّات في شوارع مدينتي رام الله والبيرة، أبرزها جداريّة "سقط الحصان عن القصيدة" المستلهمة من قصيدة الشاعر الفلسطينيّ الراحل محمود درويش. وصدر له من الروايات "السنديانة"، و"رائحة النوم"، و"أطوار الغواية".
وفي الثامن من سبتمبر/ أيلول الماضي، غيب الموت الشاعر والكاتب زهير زقطان، عن عمر ناهز 73 عامًا، تاركًا خلفه ثلاث مجموعات شعريّة؛ "فصول قلقة"، و"جسور خفيّة"، و"سكن متبادل". كما أصدر عام 1995 دراسة نقديّة بعنوان "العلاقة الجريحة: دراسة نفسيّة لنماذج من القصّة القصيرة في الأردن"، والتي يدرس فيها نماذج من القصّة الأردنيّة من خلال نظريّات النقد الأدبيّ وعلم النفس.  

غياب "صوت القدس الملتزم" و"فان كوخ غزّة" وصاحب "عتبة الألم"

في مجال الفنون السمعيّة والبصريّة، نعت الساحة الفنّيّة والثقافيّة الفلسطينيّة، الفنّان الملتزم مصطفى الكرد (1945 ـ 2024)، ابن البلدة القديمة في القدس المحتلّة، الذي غادرنا في 19 فبراير/ شباط الماضي، وقالت "جمعيّة الكمنجاتي" برام الله، في بيان نعيها للراحل: إنّه "أحد أهمّ الموسيقيّين الفلسطينيّين، وصاحب مسيرة حافلة على مستوى النهضة الثقافيّة في فلسطين".
الكرد فنّان ومغنّ وعازف، وهو يُعدّ من أوائل المبادرين للأغنيّة السياسيّة الحديثة في فلسطين والوطن العربيّ، ويرى مختصّون بالموسيقى العربيّة أنّه امتدادٌ طبيعيٌّ لمؤسّسي المدّ الإبداعيّ الموسيقيّ والشعريّ والغنائيّ في العالم العربيّ منذ سيد درويش والشيخ أمام، لما له من حضور موسيقيّ وغنائيّ خاصّ ميّزه أسلوبه الفنّيّ الملتزم في الأداء. وهو أحد مؤسّسي "مسرح الحكواتي" في القدس، ومعهد القدس للفنون والمسرح، وكان مديرًا لمركز الموسيقى العربيّة، وشغل منصب مدير دائرة الموسيقى في هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينيّ.
غنّى الكرد لشعراء المقاومة الفلسطينيّة؛ وكان أوّل إنتاج فنّيّ له بعنوان "الأرض"، نشر في القدس عام 1979، وأعيد تحريره مرّة أخرى في فرنسا عام 1977، وصدرت أوّل أسطوانة له في القدس عام 1974.



عندما اعتقلته سلطات الاحتلال الإسرائيليّ في 28/12/1976 خُيِّر بين البقاء في السجن أو الإبعاد الطّوعي فاختار الإِبعاد إلى الأردن، ومنها إلى بيروت. وكان قد بدأ بالفنّ الملتزم وظهرت أغنيته التي أصبحت شعارًا لتلك المرحلة: "هات السكّة وهات المنجل اوعى بيوم عن أرضك ترحل".
وقد تعاملت سلطات الاحتلال مع الكرد بتعسف، حيث سُجن عدّة مرّات بعد عام 1967 عندما كان عمرهُ 22 سنة، وقد عُذّبَ كثيرًا في السجن لأجل أغانيه الوطنيّة ومواقفة السياسيّة. ورغم تحوّلات القضيّة الفلسطينيّة بقي الفنّان المقدسيّ صامدًا ثابتًا لم يترك الفنّ الملتزم.
قبل أيّام قليلة من وفاته أطلّ علينا الفنّان التشكيليّ فتحي غبن (1947 ـ 2024)، الذي يُطلق عليه النقّاد والأصدقاء "فان كوخ غزّة"، عبر مقطع فيديو مصوّر، مناشدًا الجهات المعنيّة بإخراجه من قطاع غزّة لتلقي العلاج اللازم، بعد تفاقم حالته الصحّيّة مكتفيًّا بالقول: "أطالب بنفسي، بدي أتنفس، مخنوق بدي أتنفس"، قبل أن يتمكن منه السعال الحادّ ويمنعه من استكمال مناشدته العاجلة. وفي الخامس والعشرين من شباط/ فبراير الماضي، رحل بعد معاناة كان العالم بأسره شاهدًا عليها.
وقالت وزارة الثقافة الفلسطينيّة في بيان نعي الفنّان الراحل: إن "رحيل غبن يشكّل خسارة للفنّ الفلسطينيّ الذي شهد على يده انتقالات مهمّة تّجاه تجسيد الحياة الفلسطينيّة، واللجوء الفلسطينيّ، والمخيّم، وتقاليد الحياة في البلاد التي نذر حياته لتخليدها في فنه".
يُعدّ غبن من الرواد في الفنّ التشكيليّ الفلسطينيّ بعد النكبة، وهو من الفنّانين الذين طغت موهبتهم على التقنيّات، وتميّزت لوحاته بإبراز جمال الطبيعة الفلسطينيّة والتراث الفلسطينيّ، بمضامين هادفة تعبّر عن حياته اليوميّة ومعاناة شعبه تحت الاحتلال. في رصيده عشرات المعارض الفرديّة والجماعيّة في فلسطين وفي دول عربيّة وعالميّة، كما قام بتدريب عدد كبير من الهواة في القطاع على أساسيّات الرسم.
اعتقل الفنّان الراحل أكثر من مرّة بسبب رسوماته، خصوصًا لوحة "الهوية" التي رسمها عام 1984، وتنبأ فيها باندلاع الانتفاضة، عبر مشهد يصوّر المقلاع ورمي الحجارة، وتمّ - حينها- منعه من السفر والاستيلاء على أعماله، وملاحقة مقتنيّيها.
منحه الرئيس الفلسطينيّ وسام الثقافة والعلوم والفنون مستوى الإبداع في عام 2015. كما حصل على وسام هيروشيما، ووسام اتّحاد الجمعيّات العالميّ بطوكيو، وحاز على لقب "فنّان فلسطين" عام 1993. وهو أحد مؤسّسي جمعيّة التشكيليّين في قطاع غزّة، ورابطة التشكيليّين الفلسطينيّين في الضفّة والقطاع.
وفقد المشهد الثقافيّ والأدبيّ والفنّيّ في قطاع غزّة العديد من المبدعين في مجالات مختلفة قتلوا في القصف الصهيوني المستمرّ على القطاع، نذكر منهم: الفنّانة التشكيليّة الشهيدة محاسن الخطيب، التي استشهدت في التاسع عشر من تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، جراء استهداف طائرات الاحتلال الإسرائيلي لمنزلها في جباليا شمالي قطاع غزّة، وقد عُرفت بريشتها التي حملت قضايا الوطن والإنسان، حيث عبّرت من خلال لوحاتها عن حياة الفلسطينيّين وصمودهم في وجه الاحتلال.




ومن الشخصيّات البارزة التي قضت نحبها في قطاع غزّة في عام 2024، جراء مواصلة جيش الاحتلال الصهيونيّ لحربه الإبادية الوحشيّة المعلنة ضدّ القطاع، منذ السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023، "مؤرّخ غزة" سليم عرفات المبيّض، الذي رحل في 28 فبراير/ شباط الماضي، وهو يُعدّ من أبرز المؤرّخين الفلسطينيّين المعاصرين، لا سيما في تناوله تاريخ غزّة وشخصيّاتها على مدار قرون. وللراحل العديد من المؤلّفات الهامّة، من أبرزها: "غزّة وقطاعها: دراسة في خلود المكان وحضارة السكون من العصر الحجري الحديث حتّى الحرب العالميّة الأولى"، و"ملامح الشخصيّة الفلسطينيّة في أمثالها الشعبيّة"، و"النصرانيّة وآثارها في غزّة وما حولها"، و"البنايات الأثريّة الإسلاميّة في غزّة وقطاعها"، و"مكتبة الجامع العمريّ الكبير بمدينة غزّة"، و"الجغرافيا الفولكلوريّة والأمثال الشعبيّة الفلسطينيّة".
في الخامس والعشرين من أبريل/ نيسان الماضي، رحل الفنّان المسرحيّ خليل طافش، أحد أبرز مؤسّسي المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ في الشتات. تخرّج طافش من "المعهد العالي للفنون المسرحيّة" بالقاهرة عام 1969، وهي السنة التي بدأ فيها نشاطه المسرحيّ في عمّان مع "فرقة حركة فتح المسرحيّة". أخرج الفنّان الراحل العديد من المسرحيّات منها مسرحيّة بعنوان "الكرسي" عام 1973، والتي اقتُبست من مسرحيّة "العصافير تبني أعشاشها بين الأصابع" لمعين بسيسو، وتولّى طافش إخراجها. وإلى جانب "فرقة المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ"، كان طافش من مؤسّسي "المسرح الجامعيّ" في دمشق عام 1972، والمسرح الموريتانيّ الذي استفاد من تجربته بين 1977 و1994. وفي تلك السنة تولّى إدارة دائرة المسرح في وزارة الثقافة الفلسطينيّة حتى تقاعده عام 2003.
في العاشر من أغسطس/ آب الماضي، استشهد الأكاديميّ يوسف الكحلوت، أستاذ الأدب والنقد، في مجزرة مروّعة ارتكبها جيش الاحتلال في مدرسة "التابعين" بشارع النفق في حيّ الدرج شرقي مدينة غزّة، راح ضحيتها أكثر من مائة شهيد. وقد انشغل الكحلوت بموضوع أساسيّ خصّص له أكثر من كتاب ودراسة خلال العقدين الماضيين، يتمثّل في توثيق أدب المقاومة في فلسطين، ودرْس مضامينه واتّجاهاته وأبعاده الفنّيّة.
في السادس عشر من تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، استُشهد صاحب "الشوك والقرنفل" يحيى السنوار (رئيس المكتب السياسيّ لحركة حماس)، في اشتباك مسلّح مع قوّات الاحتلال في حيّ تل السلطان داخل مدينة رفح جنوب قطاع غزّة.
اعتقلت سلطات الاحتلال السنوار عدّة مرّات، وحكمت عليه بأربع مؤبّدات قبل أن يفرج عنه بصفقة تبادل أسرى عام 2011، وخلال تلك الفترة التي قضاها في السجن، كتب روايته الوحيدة "الشوك والقرنفل"، وكتاب "المجد" الذي أصدره في 2010، والذي رصد فيه عمل جهاز الأمن الداخليّ الإسرائيليّ "الشاباك" في جمع المعلومات وزرع العملاء وطرق التحقيق، وله كتاب آخر بعنوان "حماس التجربة والخطأ". كما ترجم كتاب "الشاباك بين الأشلاء"، وهو من تأليف كرمي غيلون (الرئيس السابق لجهاز "الشاباك")، وكتاب "الأحزاب الإسرائيليّة"، الذي صدر عام 1992، وهو يُعرِّف بالأحزاب السياسية في كيان الاحتلال وبرامجها وتوجّهاتها.



ينتهي العام 2024، وقد قتل جيش الاحتلال الصهيونيّ، 201 من الصحافيّين والصحافيّات في قطاع غزّة، منذ بدء حرب الإبادة، في محاولة لوقف التغطيّة الإعلاميّة للحرب، كان آخرهم خمسة صحافيّين هم: فيصل أبو القمصان، وأيمن الجدي، وإبراهيم الشيخ خليل، وفادي حسونة، ومحمد اللدعة، الذين قتلهم جيش الاحتلال معًا بعد قصف سيارة البثّ الخارجيّ التابعة لقناة "القدس اليوم" الفضائيّة في مخيّم النصيرات وسط القطاع.
بحسب الأرقام الرسميّة الصادرة عن "المكتب الإعلاميّ الحكوميّ" في غزّة مع مرور 450 يومًا على الحرب، فإنّه وإضافة للصحافيّين الشهداء، فقد جُرح 399 من الصحافيّين والإعلاميّين.
ومن بين الصحافيّين والإعلاميّين الذين قتلهم جيش الاحتلال خلال العام المنصرم، نذكر: حمزة وائل الدحدوح، وسائد رضوان، وإسماعيل الغول، ومحمد جاسر، وحمزة أبو سليمة، وعمرو ناهض أبو عودة، وحسن حمد، وممدوح إبراهيم قنيطة، وبلال رجب، ومحمد خريس، وخالد أبو زر، وحنين بارود، ومهدي حسن المملوك، وميسرة صلاح، وإيمان الشنطي، ومحمد القريناوي.
وننتقل من غزّة إلى دمشق، التي ودعت في الثاني من أغسطس/ آب 2024، الكاتب والسيناريست حسن سامي يوسف (1945 ـ 2024)، ليترك خلفه إرثًا إبداعيًّا غنيًّا، وبصمة لا تنسى من ذاكرة الدراما السوريّة والعربيّة.
أثرى يوسف، وهو الشقيق الأصغر للناقد الأدبيّ الراحل يوسف سامي اليوسف، الساحة السوريّة بعشرات الأعمال التي حقّقت نجاحًا كبيرًا على مستوى السينما، والتلفزيون، منها مسلسلات "شجرة النارنج"، و"أسرار المدينة"، و"نساء صغيرات، و"الانتظار"، الذي تحوّل إلى علامة فارقة في الدراما الاجتماعيّة السوريّة، والمسلسلات الثلاثة الأخيرة شاركه في كتابتها الكاتب والسيناريست السوريّ نجيب نصير، إضافة إلى مسلسل "فوضى" وهو آخر أعماله الدراميّة في عام 2018.
كما كتب يوسف منفردًا، مسلسلات "الانتظار"، و"الغفران"، و"زمن العار"، و"السراب"، و"الندم"، وغيرها، وفي أكثر من مرّة، استندت سيناريوهاته إلى رواياته، فأخرج من رواية "الغفران – فتاة القمر" مسلسلًا حمل عنوان "الغفران"، بتوقيع المخرج الراحل حاتم علي، كما أخرج من رواية "عتبة الألم" مسلسل "الندم".
كذلك كتب للسينما عددًا من الأفلام، كان أبرزها "قتل من طريق التسلسل"، و"الاتّجاه المعاكس"، و"غابة الذئاب"، و"يوم في حياة طفل"، و"بقايا صور". وجميعها أفلام روائيّة طويلة حقّقها كلّ من المخرجين محمد شاهين وسمير ذكرى، لتكون هذه التجارب شبه الوحيدة في مجال الكتابة للفنّ السابع. كما أشرف على المعالجة الدراميّة لعدد من الأفلام السينمائيّة التي شكّلت نقلة في السينما السوريّة، مثل "نجوم النهار" لأسامة محمد، و"الطحالب" لريمون بطرس، و"صعود المطر" لعبد اللطيف عبد الحميد.
من الفنّانين التشكيليّين الفلسطينيّين الذي رحلوا في عام 2024، الفنّان التشكيليّ والناقد عبد الرؤوف شمعون، الذي توفي في عمّان، في 27 فبراير/ شباط الماضي، عن عمر ناهز 79 عامًا. على مدار خمسة عقود شارك الراحل ونشط في الملتقيات والمؤتمرات التشكيليّة في الأردن، وفي عدد من الدول العربيّة، وأقام 15 معرضًا شخصيًّا منذ عام 1972، كما صمّم ونفّذ العديد من الملصقات واللوحات لمهرجانات أردنيّة رسميّة، واقتنت أعماله بعض المتاحف الدوليّة المعروفة. ولشمعون العديد من الكتب والمقالات والدراسات النقديّة، ساهم من خلالها في إثراء الكتابات النقديّة للحركة الفنّيّة الأردنيّة والعربيّة. وكان أن حاز على "جائزة الدولة في الفنون" في الأردن عام 1990، وعلى "الجائزة التقديريّة لبينالي الشارقة" في دورته الأولى عام 1992.
في 18 أبريل/ نيسان الماضي، رحل الفنّان التشكيليّ والنحّات عماد رشدان، في مدينة مالمو السويديّة، عن عمر ناهز 56 عامًا، تاركًا خلفه إرثًا فنّيًّا يتجسّد في أعماله المبدعة والمتنوّعة. بدأ رشدان تجربته ضمن المشهد التشكيليّ السوريّ خلال تسعينيات القرن الماضي، واستحوذت ثيمات الوطن والمنفى والمقاومة على معظم أعماله، التي وظّف فيها عناصر الخطّ العربيّ والمنمنمات الإسلاميّة وغيرها من الرموز التي تعكس الحضارات القديمة في المنطقة العربيّة للتعبير عن السرديّة الفلسطينيّة منذ عام النكبة.
في اليوم الأوّل من نوفمبر/ تشرين الثاني الفائت، رحل في مدينة الشارقة، الفنّان التشكيليّ أحمد حيلوز، عن عمر ناهز 75 عامًا، بعد مسيرة حافلة بالعطاء الفنّيّ. قَدّمَ حيلوز العديد من المشاركات في المعارض الجماعيّة، بالإضافة إلى إقامته باكورة معارضه الفرديّة في الكويت العاصمة عام 1977، بلوحات عبّرت عن مأساة شعبه، وتنوّعت أسلوبيًّا في الثيمات التي حملتها. ووفقًا للنقّاد، فإنّ لوحاته ظلّت تتّسم بطابع تعبيري، متأثّرة في سبعينات القرن الماضي بانعكاسات القضيّة الفلسطينيّة، كما احتلّت المرأة مكانة مهمّة في تجربته، مُعبِّرة عن معانٍ متعدّدة مثل الحبّ والأمومة والتحدّي والحزن والأرض. وفي وقت لاحق أصبحت أعماله أكثر ميلًا إلى اختزال الموضوع، حيث تميّزت لوحاته التصويريّة بالعفويّة والتلقائيّة، ونقل فيها معالم طبيعة بلاده التي عاشها في طفولته.
في فجر يوم الأحد 22 ديسمبر/ كانون الأوّل المنصرم، توفي الفنّان التشكيليّ زكريا شريف، الملقب بـ(زيكوف)، في مخيّم اليرموك بدمشق، عن عمر ناهز 62 عامًا. انخرط الراحل في العمل الثوريّ الفلسطينيّ مبكرًا، وأبدع في تصميم ملصقات (بوسترات) الثورة الفلسطينيّة، وأتقن الإخراج الفنّيّ للمجلّات والصحف قبيل برامج التصميم على الحاسوب، وترك بصمته على الكثير من مجلّات وكتب الثورة الفلسطينيّة التي كانت تصدر في دمشق وبيروت، وهو عضو الاتّحاد العامّ للفنّانين التشكيليّين الفلسطينيّين.
آخر الفنّانين التشكيليّين الذي فقدتهم الساحة الفلسطينيّة في عام 2024، هو ياسر الدويك، الذي غادرنا يوم الخميس 26 ديسمبر/ كانون الأوّل الفائت. ينتمي الدويك إلى مرحلة السبعينيات التشكيليّة التي شهدت نقلةً نوعيّة تمثّلت في بروز الجانب الأكاديميّ مع وصول فنّانين من بلدان عربيّة وأوروبيّة بشهادات عليا في الفنون التشكيليّة؛ إذ حصل الدويك على بكالوريوس في الرسم والتصوير من "أكاديميّة الفنون" من جامعة بغداد عام 1968، ودبلوم في الفنّ والتربية من "كلّيّة برايتون" في بريطانيا عام 1973، قبل أن يعود إلى عمّان، حيث أسهم هناك في إرساء المشهد التشكيليّ مع عدد من فنّاني جيله، من خلال معارضهم ومشاركاتهم في ملتقيات عربيّة ودوليّة، إلى جانب تأسيسهم "رابطة التشكيليّين الأردنيّين" عام 1977.
وعلى امتداد تجربته لأكثر من نصف قرن، أنجز الدويك مئات من الأعمال الفنّيّة التي توزّعت بين الرسم والتصوير والحرف اليدويّة والحفر والطباعة والسيراميك والطلاء، وأقام أكثر من خمسة عشر معرضًا فرديًّا، إضافةً إلى كتاباته النقديّة في الصحف، ومشاركته في إعداد وتقديم برامج تلفزيونيّة. 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.