}

القائمة الطويلة لجائزة الكاتبات 2018: رداء حقيقي للمعرفة

سناء عبد العزيز 24 مارس 2018
تغطيات القائمة الطويلة لجائزة الكاتبات 2018: رداء حقيقي للمعرفة
القائمة الطويلة للكتب 2018 (صورة من صفحة الجائزة)

في عام 1992 قامت الكاتبة البريطانية "كيت موس" بإجراء إحصائية عن عدد الروايات التي رشحت للبوكر بأقلام النساء. وذلك بعد أن ظهرت قائمة البوكر دون اسم كاتبة واحدة عام 1991، وخرجت بنتيجة صادمة حسبما صرحت آنذاك لصحيفة الغارديان البريطانية، إذ لم يتعدَ نصيب المرأة من الجوائز حسب إحصائية موس نسبة العشرة في المائة!


جائزة تخص المرأة وحدها

كانت تلك هي الإرهاصة الأولى، لإطلاق جائزة "تخص المرأة وحدها"، بعد عقود من الصمت والتجاهل، فضلاً عن التلمز -بين الحين والآخر- بشأن قدرة النساء على الخلق والابداع! وفي عام 1996، انطلقت الجائزة، كنوع من رد فعل ضد الهيمنة الذكورية التي وجدها البعض، تشكل السواد الأعظم في منظومة النشر والتوزيع والترشيح والتحكيم في الجوائز، أي أن الموضوع خرج عن نطاقه الأدبي ودخل في نطاق النوع. ويعزز ذلك تصريح سارة تشورشويل؛ إحدى المحكمات في البوكر: "نقرأ ما يقدمه لنا الناشرون... إذا لم يقدم الناشرون سوى عدد قليل من الكاتبات، فإن ذلك يعد دالة على التحيز المؤسسي في ثقافتنا."

على الرغم مما يبدو من تخصيص جائزة لأدب المرأة من تحيز جندري لا لبس فيه، يستدعي فكرة الاقصاء للنصف الآخر، كما يستدعي هاجسًا حول ما يحمل الحظر في ساحة التنافس في طياته من تعزيز لوجود ثقل ما في كتابة الرجل قد يطيح بكتابة المرأة، على الرغم من كل ذلك، فقد نأت الجائزة بنفسها عن التحيز عدا فيما يخص النوع واللغة، وعملت عبر تاريخها على تخطي موطن الكاتبة وبلد الإقامة، مرشحة كاتبات تميزن بالبراعة والأصالة وسهولة التلقي، مثل إليانور ماكبرايد، وآلي سميث وأندريا ليفي.

 

من "القتلة" إلى "حوريات البحر"

تميزت القائمة الطويلة لجائزة الكاتبات بقدر وافر من الثراء والتنوع كما يتضح من العناوين وأسماء الكاتبات، هذا التنوع الذي رصدته أليسون فلود في الغارديان من "القتلة" وإلى "حوريات البحر"، يبرهن وفق تصريح رئيسة التحكيم سارة ساندز، على عدم صدق ما يقال عن "الصورة النمطية لكتابة المرأة". فقد تضمنت القائمة 16 عنوانًا: "شاطئ مانهاتن" للأميركية الفائزة بجائزة بوليتزر للأدب عام 2011، جينيفر إيغان عن روايتها "زيارة من فرقة الحمقى". و"وزارة السعادة القصوى" للكاتبة الهندية الشهيرة الفائزة بجائزة بوكر 1997، أرونداتي روي عن روايتها "إله الأشياء الصغيرة". وفيها توثق أرونداتي -بعد عشرين عامًا من روايتها الأولى- لظاهرة العنف في بلدها على المستويين الخاص والعام، لذا فقد أثارت الرواية  الكثير من البلبلة عقب صدورها بين مواطنيها في الهند.

وفي مواجهة جينيفر إيغان وأرونداتي روي، وردت ستة عناوين في القائمة لأول مرة. منها "اليانور أوليفانت بخير تماماً" لغايل هانيمان، وكانت غايل قد فازت بجائزة كوستا لأفضل رواية، و"حورية البحر والسيدة هانكوك" لأميوجن هيرميس، وفيها تتناول فكرة التقاط حورية بحر من شاطئ بلندن، أيضًا رواية "فرحان" لنيكولا باركر، الكاتبة المعروفة بمعالجتها لموضوعات استثنائية على مدى عقدين من الكتابة، وتتخيل عبرها المستقبل البعيد في يوتوبيا واضحة، وهناك  صورة لزواج عنيف للكاتبة مينا كانداسامي، عندما كنت أضربك: أو صورة للكاتبة كزوجة شابة، كما تقدم سارة شميدت إعادة لتصوير جرائم القتل في ليزي بوردن، بروايتها "انظر ماذا فعلت".


أبعاد الصورة غير حقيقية

تبدو هذه العبارة المصاغة بأقل قدر من الكلمات، مناسبة تماماً في سياقنا هذا،  فما قيل ويقال عن نتاج المرأة عبر العصور لم يكن سوى انعكاس لإرث طويل لا علاقة له بالأدب بقدر صلته الوثيقة بصورة المرأة كنوع. "فكل امرأة لديها القدرة على الوصول إلى النهر الواقع أسفل النهر" حسب تعبير كلارسا بنكولا، وهو ما ظهر جليًّا كما ذكرت الغارديان في رصدها لمدى التنوع الحقيقي وجرأته في الموضوعات وفي أسماء الكاتبات هذا العام. تقول ساندز "يمكن للمرأة التعامل مع أي موضوع حسبما قرأت؛ بإمكانها بالفعل معالجة موضوعات كبيرة. فلا يخالجك شعور ما بأن القائمة ينقصها شيء، أو بأنها مجتزأة، إذ تعتقد مثلاً أنك بحاجة إلى الرجال لتشيد العالم؛ فالعالم مشمول جيدًا في هذه القائمة".

وبعد قراءة ما يقرب من 200 كتاب للتوصل إلى القائمة الطويلة، لاحظت أن العديد من العناوين التي قدمتها الكاتبات في هذا العام تتميز بـ "جانب المغامرة ... يبدو أن هناك الكثير من النساء يتوغلن في البرية". "لقد كنت مهتمة حقًا بعدد من الكاتبات اللواتي يكتبن لا لمجرد كونهن كاتبات محترفات، ولكن لأن لديهن تجارب إضافية. سواء في علم النفس أوفي أمانة المكتبات، أو العمل في متاحف. لقد حصلنا على ثروة واسعة من التجارب المقدمة في سرد مشوق. إنه ثراء حقيقي بكتابة تتطلع للخارج... فالنطاق الهائل مثير بالفعل".

غاب عن القائمة عدة عناوين، بما في ذلك أحدث رواية للفائزة السابقة "إلي سميث"، والعمل الأول لسالي روني الذي لاقى نجاحًا كبيرًا، "محادثات مع الأصدقاء". وبدلاً من العملين السابقين، اختارت لجنة التحكيم "إلميت" الرواية التي دخلت القائمة القصيرة لفيونا موزلي، إلى جانب "حريق في البيت" لكاميلا شامسي وكانت بدورها في قائمة البوكر الطويلة. وكانت شمسي قد دعت منذ ثلاثة أعوام إلى تخصيص عام 2018 لنشر كتب النساء فقط بمناسبة مرور مائة عام على منح المرأة في بريطانيا حق التصويت، وصرحت للغارديان بأن دعوتها لا تقتصر على دور النشر فقط، ولا تعني أن يتوقف الكتاب من الذكور عن تقديم أعمالهم للنشر، بل كل ما ترجوه أن ينتظروا مدة 12 شهراً ليس إلا، وأن يظهروا اهتمامًا بقراءة كتب بأقلام النساء، وتقديم مراجعات وتقييمات فضلاً عن ترشيحها للجوائز، مبررة دعوتها بعدم وجود توازن في النشر، ولا بد من حملة لمواجهته. لم يستجب لدعوة شامسي سوى ناشر واحد؛ صاحب دار "آند أذر ستوريز".

ورد في القائمة الطويلة أيضاً، "خدعة لوقتٍ ما"، لكيت دي وال، حيث تلتقي فتاة إيرلندية بصبي أيرلندي في إحدى ليالي برمنغهام في سبعينيات القرن العشرين. لتدمرها سنوات مأساوية فيما بعد.


نساءٌ يركضن مع الذئاب

تصرح ساندز بمدى التردد الذي وقعت فيه اللجنة أثناء التحكيم، ما بين نعم ولا وربما،  أمام هذا القدر من الثراء. لكن في النهاية لم يكن الأمر صعباً. "لقد التزمنا بمعايير" إذا كان عليك فقط اقتراح كتاب لشخص ما، ماذا سيكون؟ "... ربما تكون هذه ميزة جائزة المرأة مع محكمات من النساء: فأنت تميل إلى أن تكون كريماً إلى حد كبير تجاه بعضكما البعض. لقد كان تعاونًا حقيقيًا. "مع الصحافية أنيتا أناند، الكوميديانة كاتي براند، المؤسسة لحزب المساواة للمرأة كاثرين ماير والممثلة إموجين ستوبس، ووجهت ساندز اهتمامًا خاصًا يضمن تنوع "النطاق الجغرافي" في العناوين الطويلة: فهناك ثمانٍ من بريطانيا، وأربع من أميركا، واثنتان من الهند، وأسترالية واحدة وكاتبة باكستانية / بريطانية في قائمة هذا العام.

ربما يسترعي الانتباه تخصيص جائزة للمرأة كرد فعل على عدم وجود كاتبة واحدة في قائمة البوكر 1992، أو وفق النسبة الهزيلة التي رصدتها موس، ما يجعلنا بصدد التحدث عن جائزة باعتبارها نوعًا من المطالبات الخاصة، وهذا ما تنفيه ساندز بقولها: يتضح من عناوين القائمة الطويلة هذا العام أن الجائزة لم تكن ناجمة عن مطالبات خاصة، لكاتبات لا يستطعن تحقيقها في ظروف أخرى. فليس حقيقياً الادعاء بأننا مضطرون إلى الاعتناء بمجموعة من الأشخاص يحتاجون إلى الدعم، هذا الأمر عاري الصحة، فلا شك مطلقاً في أن هؤلاء الكاتبات جديرات بالاحتفاء والتكريم".

فما قرأته في تلك الأعمال ينم عن مقدرة هائلة على الغوص في مواضيع جريئة ومدهشة وتتسم بالثراء والتنوع ينفي الصورة المطروحة عن نمطية كتابة المرأة، هناك ثقة عالية وخيال واسع وجرأة في التناول: "لا يبدو أن هناك أي موضوع تشعر به المرأة بأنه يتجاوزها ... بعض هذه الكتب تتعامل مع الضحية، لذلك تجد ضحايا العنف الأنثوي، ولكن بعد ذلك تجد الجناة كذلك. إنه شعور متعدد الجوانب للغاية وهذا ما يمنحه ثقته. لا يمكن أن تكون المرأة مهملة بأي شكل من الأشكال. لقد شعرت برؤية واسعة بحق".

تبلغ قيمة جائزة الكاتبات 30000 جنيه إسترليني وتمنح عن "التميز والأصالة وسهولة التلقي" للكاتبات فقط من جميع أنحاء العالم، وجائزة هذا العام مدعومة من قبل ثلاثة شركاء: Baileys و Deloitte و NatWest. سيتم الإعلان عن الفائزة، التي ستنضم إلى الأميركية ليونيل شرايفر، ونعومي ألدرمان وسادي سميث، في 6 يونيو.

لقد شهد عام 2017 تحولاً غير مسبوق في عالم الكتابة، وتصدرت النساء قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في أميركا، حسب احصائيات منافذ البيع وباعترافهم، وتحضرني هنا كلمات كلاريسا بنكولا في كتابها البحثي المتفرد "نساء يركضن مع الذئاب: "دعينا ننطلق الآن، ونتذكر أنفسنا في الماضي، في روح المرأة الوحشية، دعينا نغني كي ينمو لحمها على عظامنا مرة أخرى، انزعي عنك أي رداء زائف ألبسونا إياه، وتدثري بالرداء الحقيقي للحدس الغريزي والمعرفة، نقي عوالم الروح التي كانت يوماً ملكاً لنا".

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.