}

وودي آلن ليس بولانسكي تماماً

سناء عبد العزيز 24 مارس 2020
تغطيات وودي آلن ليس بولانسكي تماماً
وودي ألن في متحف الفن الحديث في نيويورك (14/11/2017/Getty)

في عام 2006، حكت فتاة في سن الثالثة عشرة للناشطة تارانا بيرك عن تعرضها لاعتداء جنسي، فأرادت بيرك أن ترد عليها ببساطة "أنا أيضاً"، ولكنها بدلاً من ذلك صاغت ردها في عنوان منحته لفيلمها الوثائقي.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2017، على خلفية الفضيحة الجنسية لمنتج ومخرج الأفلام، هارفي واينشتين، شجعت الممثلة أليسا ميلانو على نشر هاشتاغ#MeToo، متوسلة بحملة واسعة من البوح، انطلقت في أقل من أربع وعشرين ساعة كالنار في الهشيم، فاستخدمه أكثر من 4.7 مليون شخص في 12 مليون مشاركة، كاشفاً عن الحجم الحقيقي لتلك الكارثة الأزلية.
لم تكن ظاهرة التحرش الجنسي خافية بأي حال من الأحوال على أي مجتمع من المجتمعات، لولا اقترانها بالصمت المطبق والتواطؤ، حتى من ضحاياها، ولكن ما لم يكن متوقعاً حقاً هو أن يكون للبوح كل هذه السطوة في الإطاحة برموز ونخب فنية وسياسية، وفضائح ظلت تلاحقهم حتى الآن.

 

مقاطعة شرسة لمخرج عالمي
في خضم هذا البوح الجماعي غير المسبوق، ادعت ديلان فارو، ابنة المخرج وودي آلن بالتبني، أنه تحرش فيها في عام 1992، وهي ما زالت في السابعة، ودعمها في ادعائها كل من والدتها ميا فارو، وشقيقها الصحافي، رونان فارو. على إثر ذلك تعرض آلن لحملة مقاطعة شرسة، كان أكثرها ضراوة مقاطعة الموزعين له في الولايات المتحدة، وإلغاء "أمازون" صدور فيلمه "يوم ممطر في نيويورك" في الولايات المتحدة. وكان رد المخرج البالغ من

العمر 83 عاماً هو: "الناس الذين يهاجمونني يخطئون. لكن الناس يرتكبون الأخطاء على الدوام، وهذا ليس بمأساوي. بطبيعة الحال، ينبغي عرض فيلمي في الولايات المتحدة، ووقف مهاجمتي، وإدراك الحقيقة".
في الآونة الأخيرة، أعلنت دار هاشيت عن نشر مذكرات آلن "بخصوص لا شيء Apropos of Nothing". وكما كان متوقعاً، قامت الدنيا ولم تقعد؛ فارو الابنة بالتبني جددت دعواها ضد آلن، واستنكر نجله رونان فارو، الذي نُشر كتابه "Catch and Kill" في دار هاشيت، القرار، وأعلن أنه لن يتعامل مع هاشيت بعد الآن. كما قام العاملون في الدار بتنظيم تظاهرة في نيويورك أدت إلى تراجع دار النشر عن قرارها، ورفض نشر مذكرات آلن، في تصريح لها بأن القرار "صعب".
وفقاً لما نشرته صحيفة الغارديان البريطانية مؤخراً، فإن مذكرات وودي آلن المثيرة للجدل سيتم نشرها في فرنسا، على الرغم من تراجع ناشرها الأميركي، بعد أن أعلن ناشره الفرنسي أن "الموقف الأميركي ليس موقفنا". وصرح رئيسها التنفيذي، مانويل كاركاسون، لمجلة "لو بوان" الفرنسية بأنه غير متأكد من أنه سيكون قادراً على الاستمرار في خطة النشر - بعد أن ألغت هاشيت في أميركا النشر، عادت الحقوق إلى آلن -، لكنه قال إنه سيبذل قصارى جهده لإصدار الكتاب. "نحن في حاجة لاستعادة الحقوق التي أعيدت إلى المؤلف. وقبل كل شيء، دعونا نكون صريحين، المؤلف وحده هو من سيقرر". ووصف كاركاسون قرار هاشيت الولايات المتحدة بإسقاط الكتاب بأنه "مفجع لحرية التعبير، لكنه مفهوم تماماً في السياق الأميركي".
 

لا حق لك في الكلام هنا
لم يعترف آلن بالتهمة قط، رغم إصرار ابنته على إدانته، وامتثاله للتحقيق مرتين من دون أن تتم إدانته. يؤكد كاركاسون لـ"إنتر إنترناشيونال" بأن آلن "تمت تبرئته تماماً"، وأعتقد أنه

بريء تماماً مما اتهم به... وودي آلن ليس رومان بولانسكي. بعض الحقائق التي اتُهم بها رومان بولانسكي مثبتة ومعترف بها من قبله. وهذا ليس هو الحال على الإطلاق مع آلن، الذي مازال ينكر تهمته، وأثبت براءته بالعدالة الأميركية".
وفي تغريدة للكاتب ستيفن كينغ، أعرب فيها عن قلقه من أن هذه الخطوة "تجعلني أشعر بعدم ارتياح. لا من أجله؛ أنا لا أعير اهتماماً لشخص آلن. إن ما يقلقني حقاً هو من يكون الشخص التالي الذي سيتم تكميمه". كما انتقدت منظمة "قلم أميركا Pen America" هذا الإلغاء، على لسان سوزان نوسيل، الرئيس التنفيذي: "إذا كانت النتيجة النهائية أن يختفي هذا الكتاب، بصرف النظر عن جدارته، دون أثر، فإن القراء سيحرمون من فرصة قراءته وإصدار أحكام بشأنه".

رومان بولانسكي ووودي ألن (Getty)

وأضافت: "باعتبارنا مدافعين عن حرية التعبير، نأمل ألا تؤدي تلك النتيجة إلى تخلي الناشرين عن المخطوطات التي يعتقد المحررون أنها جديرة بالاهتمام، ولكنها تتعلق بأشخاص، أو كتبها أشخاص، يجدهم المجتمع مدعاة للازدراء". أيضاً، نشرت صحيفة "الأوبزرفر" مقالاً كتبته جو غلانفيل، رئيس تحرير مجلة "إندكس أون سنسورشيب"، قالت فيه: "إنني أشعر دائماً بالخوف عندما تمارس جماعة من الغوغاء، سواء كانت صغيرة، أو كبيرة، السلطة من دون أي مساءلة، أو تصويب. هذا الأمر يخيفني أكثر بكثير من توزيع السيرة الذاتية لوودي آلن في المكتبات". واصفة قرار هاشيت بأنه "مقلق للكتاب والقراء على السواء".
وفي مقال لها في الغارديان البريطانية، كتبت هادلي فريمان: خلفية صغيرة عن أحدث فصل في ملحمة وودي آلن وعائلة فارو. إنها أقل متعة بكثير من فيلم "هانا وأخواتها" للمخرج المتهم، على الرغم من توافر الممثلين، وطاقم العمل.
وتتساءل فريمان: هل تم التواصل مع آلن للرد على تصريح فارو في كتابه بأن والده "اخترق [ديلان] بإصبعه"؟ لقد ظل آلن ثابتاً على نفيه، كما ظلت ديلان على اتهامها. ومن المفهوم تماماً أن عائلة فارو قد يغضبها نشر مذكرات آلن، ولكن من غير المقبول بالنسبة للغرباء أن يؤججوا الغضب، معبرين عن آراء مضللة. عندما انتشرت الأخبار حول مذكرات آلن، خرج عشرات من موظفي هاتشيت احتجاجاً على ذلك. وقال أحدهم: "نحن نؤمن بقوة بأن من حق كل فرد أن يسرد قصته الخاصة، لكننا لا نوافق على منح وودي آلن منصة توزيع وتسويق ودعاية لما يقوله". وأعربت فريمان عن السابقة التي يقرها الناشر بتراجعه ومشاركة من يعملون في دار النشر في حظر الكتاب! فإذا كانوا مقتنعين حقاً بجرم آلن، فعليهم السماح له بالتحدث.

 

ماذا إن كنت لم أفعلها!
تتطرق فريمان في مقالها إلى الدعم المذهل من صناع السينما لرومان بولانسكي، على الرغم

من كونه أدين بالفعل بجرائم جنسية، وهناك اقتباسات من مذكراته، تصف اعتداءه على سامانثا غيمر، البالغة من العمر 13 عاماً، وهي أكثر التفاصيل إدانة له. وبالمثل، عندما قابلت عائلة رون غولدمان، بشأن كتاب "أو. جيه. سيمبسون": "إن كنت قد فعلتها"، الذي يصف فيه لاعب كرة القدم السابق الموصوم قتل زوجته السابقة، نيكول براون سيمبسون وغولدمان. بخلاف عائلة فارو، قررت عائلة غولدن نشر كتاب "إن كنت قد فعلتها" عندما وصلهم المخطوط كجزء من أصول سيمبسون. لقد كانوا واثقين بما فيه الكفاية من جرم سيمبسون، وعلى وعي بأن أي شيء يقوله لن يؤدي سوى إلى إلحاق مزيد من الضرر بسمعته، وكانوا على حق تماماً.
ولكن من العبث التحدث عن آلن وبولانسكي، في الوقت نفسه، ناهيك عن سيمبسون. إن كثيرين يشيرون إلى آلن كما لو أنه متهم بجرائم جنسية، لكنه لم يتهم قط، بل إنه، على الرغم من التحقيق، لم توجه إليه أية إدانة. علاوة على ذلك، على عكس بولانسكي - وبيل كوسبي، وهارفي واينشتين، وآر كيلي، ومايكل جاكسون، كل ما اتهم به هو ادعاء واحد تم التحقيق فيه مرتين، ولم توجه إليه اتهامات. ومن ثم فإن الحديث عن آلن كما لو كان وحشاً مفترساً ينبغي الكف عنه، لأنه يتعارض مع أدنى فكرة عن الإجراءات القانونية الواجبة.
في خضم هذه التداعيات، أما زال يرى آلن، الفيلسوف المتشائم، أن السلاح الوحيد المناسب لمقاومة هذه التفاهة هو بأن يكون الإنسان ساخراً ولا مبالياً تجاه ما يحدث أمامه؟!

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.