}

حصاد القصة القصيرة في 2021.. الشباب وأسرار الطبيعة البشرية

سناء عبد العزيز 30 ديسمبر 2021

انشغلت القصة القصيرة، هذا العام، بتقلبات الشباب، وجموحهم البالغ، ورغباتهم الغامضة في سن المراهقة، تلك المرحلة سريعة الزوال بكل ما تختبره من علاقات غريبة ورومانسية زائدة وقسوة غير مبررة تجاه الآباء. كما انشغلت بالروابط الأسرية والطبيعة البشرية، بكل أسرارها وضعفها وهشاشتها. كذلك بالمناظر الطبيعية وجغرافيا البلدان وموجات الحر وحرائق الغابات وتغير المناخ الذي بات يهدد الكوكب بأكمله.  

كوميديا الصخب والحزن

تصدرت المجموعة القصصية "بعد الحفلات / Afterparties" للأميركي أنتوني فياسنا سو (28 عامًا)، أكثر من قائمة للكتب المفضلة هذا العام. وليس هذا بسبب رحيل كاتبها إثر جرعة زائدة من المخدرات، بل لحضوره الحيّ وطريقته المضحكة والمتعاطفة في الآن ذاته، وهي سمات نادرًا ما تتوفر في عمل واحد. اشتهر سو بقصصه القصيرة المستمدة من نشأته كطفل لمهاجرين كمبوديين، وهذه المجموعة التي لم تنشر إلا بعد وفاته بعام، كانت موضع مزايدة بين الناشرين؛ وفازت بها دار النشر إيكو مقابل مبلغ من ستة أرقام.

وصفتها "النيويورك تايمز" بأنها "كوميديا سوداء تضج بالطاقة والحركة"، وكأن الشخصيات تقف قبالتك وأنت تقرأ، علاوة على نفاذ بصيرتها وحسها الفكاهي وإحساسها العميق. وتدور حول تقلبات الشباب؛ قسوتهم وحنانهم تجاه الآباء، رومانسيتهم المفرطة، مخاوفهم الغامضة بشأن المستقبل، ذلك الركام من الأسئلة الملحة والمحيرة التي قد لا تقتصر على تلك الفئة العمرية وحدها، بقدر ما تمتد لكل الأعمار.

هناك كتاب ثان من تأليف سو، يحمل عنوانا مبدئيًا "أغاني تتكرر بلا نهاية Songs on Endless Repeat"، من المقرر نشره في عام 2023. وسوف يتضمن أجزاء من رواية غير مكتملة كان يعمل عليها قبل وفاته بالإضافة إلى كتابات غير روائية.

قصص الأرجنتينية ماريانا إنريكيز مسكونة أيضًا بمراهقين بالغي الجموح، وساحرات محدودبات، وأشباح بلا مأوى، ونساء نهمات لا يشبعن، يسيرون جميعًا في طريق غير مستقر بين الواقع والرعب على خلفية الأرجنتين المعاصرة.

هؤلاء بالإضافة إلى سكان الأحياء الفقيرة بثيابهم الرثة والأطفال المعدمين، كما ذكرت "واشنطن بوست"، هم من يمارسون القوة غير المقدسة في مجموعتها "مخاطر التدخين في الفراش The Dangers of Smoking in Bed"، ويبدو أنهم غير مهتمين بأن يكونوا عقلانيين. إنريكيز ماهرة بشكل خاص في القبض على أفكار الفتيات المراهقات التي تصل إلى ذروة العدوانية، وكأنها تجد متعة في الكتابة عن الطباع الشاذة.

متتاليات قصصية

في أكثر من نصف كتابه "حيوانات قذرة / Filthy Animals" يعتمد براندون تايلور على الثلاثي ليونيل وتشارلز وصوفي والعلاقة الغريبة بينهم بكل ما فيها من حرج واستياء، وكأننا بإزاء نوفيلا تقوم على وجهات نظر مختلفة؛ كل قصة تسرد جانبًا من حكاية الثلاثي لتكون في النهاية صورة جماعية لشباب منغمسين في الرغبة والعنف في الغرب الأوسط الأميركي. في المقابل، يطرح تايلور لحظات حقيقية من الضعف الإنساني محافظًا ببراعة على إيقاعه المثالي، إذ لا يندفع بنغمة قصصه إلى الذروة كما لا يميل إلى البطء بغرض الحصول على مزيد من الإعجاب بصوته. في النصف الآخر من الكتاب الذي يتضمن إحدى عشرة قصة، يسرد قصصًا لشخصيات مختلفة، قائمة بذاتها، لكنها تتفق معها في استكشافه للميول الشاذة والرغبات الغامضة للشباب في سن المراهقة والعشرينيات. وصفته "الغارديان" في إحدى مراجعاتها بأنه كاتب يتمتع ببراعة هائلة ورباطة جأش تتجاوز سنواته.

بالنسبة لإليزابيث مكراكين في "متحف التذكارات"/ The Souvenir Museum، يلعب الثنائي جاك وسادي الدور نفسه، حيث تتبعثر قصصهم في خمس من 12 قصة في مجموعتها التي تستهلها بواحدة من أطرف القصص القصيرة "الزفاف الإيرلندي"، وتختتمها بحفل زفاف آخر، بعد ما يقرب من 20 عامًا من الزفاف الأول، وما بين الحفلتين تنطلق بشخصياتها في رحلات تعمل على تغييرهم بشكل كامل، لتختبر الروابط الأسرية الغامضة وتحولها وتشظيها وتقويمها بذكاء حاد وحس فكاهي يفجر الضحك.

تصدرت المجموعة القصصية After parties" للأميركي أنتوني فياسنا سو أكثر من قائمة للكتب المفضلة هذا العام وليس هذا بسبب رحيل كاتبها بل لحضوره الحي



حين تتحدث الذات عن نفسها

نادرًا ما نقرأ مجموعة قصصية رائعة بأكملها، لكن الكاتب الياباني هاروكي موراكامي استطاع أن يحقق ذلك في مجموعته "ضمير المفرد المتكلم First Person Singular"، أول كتاب يترجم له إلى اللغة الإنكليزية منذ "رجال بلا نساء"  في 2017 .

يعتمد موراكامي بشكل أساسي على ضمير المفرد المتكلم، "نادرًا ما أرتدي بدلات"، لكنه يستمتع أحيانًا بارتداء ملابسه الفخمة "فقط لأرى كيف تبدو".

قصص موراكامي دائمًا ما تكون مشحونة بالهواجس، بموسيقى الجاز والموسيقى الكلاسيكية والبيتلز والبيسبول وذكريات حب الشباب المحير. وفي تلك المجموعة نجد أصداء انشغالات موراكامي المعهودة: الحنين إلى الماضي؛ التوق إلى اللحظات المشحونة والمفعمة بالذكريات في مرحلة الشباب؛ قوة الذاكرة وهشاشتها؛ كيف تتشكل الهوية من القرارات العشوائية والحوادث الصغيرة والصدفة؛ طبيعة "الذات" المتصلبة والهشة في الآن ذاته؛ الشعور بالذنب والعار والندم على الأخطاء التي ارتكبت والأشخاص الذين تضرروا من الخيارات الطائشة.

في السياق نفسه يطرح الكاتب الإيرلندي كيفن باري في مجموعته "موسيقى الريف القديمة That Old Country Music" وجوهًا مختلفة للحب، لكن تفرده الخاص يظهر في صياغة الشخصيات وإدارة الحوار وتكوين المشهد حيث يستحضر كلًا من المناظر الطبيعية لإيرلندا الغربية وللطبيعة البشرية كذلك. باري يدرك تمامًا الطرق التي تعمل بها نفسيتنا الجماعية، لديه حس فطري بالأسباب الكامنة خلف طريقتنا في التصرف على هذا النحو، وما نحن قادرون عليه بالضبط، سواء كان جيدًا أو سيئًا.

ضربات فرشاة دورثي نورس

نتعرف على شخصيات "البرية تعوم Wild Swims" للكاتبة الدنماركية دورثي نورس، في أماكن شتى، من سيدفيست ومينيابوليس ولوس أنجلوس ومانيتوبا ونيويورك ولندن والنرويج إلى الدنمارك. مشاعرهم التي تتبدى في المشاهد على الرغم من مراوغتها لعدسة الكاميرا، تكشف عن دوافعهم الداخلية بومضات سريعة، ضربة فرشاة تحدث فيهم تغييرات طفيفة. أصواتهم تتبدل، بعضها يتحدث بضمير المتكلم والبعض الآخر بضمير الغائب. معظم قصصها أقصر من أن تتعمق في الزمن أو في وعي الشخصيات، بمجرد ظهورها على الصفحة تعود إلى الصمت.

أشاد النقاد ببراعة نورس في تصوير الغضب الأنثوي، دون انفجار مدو، "بل هو نوع من الانهيار الداخلي؛ شخصياتها تقاوم بجهد شديد في مواجهة غضبهم حتى يستفحل ويهاجم أجسادهم... إن الشعور بالاندفاع المتزامن والغاضب في النص والتراجع إلى الخجل أو التحفظ يمنح القصص تيارًا خفيًا قويًا، كما لو أنهم يتصارعون باستمرار مع أنفسهم"!  

مجموعات أولى هي الأفضل هذا العام

تقع أحداث المجموعة القصصية الأولى لدانتيل دبليو مونيز "حرارة الحليب في الدم Milk Blood Heat"، بين مدن وضواحي ولاية فلوريدا. وأهم ما يميزها صدقها وحيويتها وهشاشتها في قصصها التي تتعمق في عوالم عادية لفتيات ونساء ورجال يجدون أنفسهم في مواجهة لحظات غير عادية من العنف؛ طفلة في الثالثة عشرة من عمرها تفكر في مدى بؤسها وما يميز بينها وبين صديقتها البيضاء المقربة عند وقوع مأساة غير متوقعة؛ امرأة تتعافى من إجهاض تجد نفسها غير قادرة على نسيان ما حدث – فتتراءى لها أجزاء من جسد ابنتها طوال الوقت؛ مراهقة تقاوم سطوة عائلتها المتدينة وتتهم بمغازلة الشيطان؛ خدم في ملهى يلبون رغبات زبائنهم الأثرياء؛ شقيقان يخوضان رحلة ومعهما رماد والدهما.

تغطي المجموعة القصصية الأولى للكاتبة الكاميرونية الأميركية نانا نكويتي "المشي على الأصداف Walking on Cowrie Shells"، عددًا من الموضوعات المهمة وجغرافيا البلدان، الموضحة بالصور والرسومات. أسلوبها الذي يجمع بين الكوميديا الصاخبة والعمق المذهل كان موضع استحسان من القراء والنقاد في 2021. تفتتح المجموعة بقصة فتاة كاميرونية تخلت عنها عائلتها لتتيح لها فرصة النمو في أميركا. عائلة الفتاة بالتبني، كاميرونية أيضًا، تسخر من الصعود الأميركي، ولكنهم يلحقون ابنتهم في كل نشاط، تقول أمها بالتبني في الجزء الأول من القصة: "لقد بذلنا قصارى جهدنا بواسطة فتاتنا"، التي "تم استيرادها من الوطن".

توظف جوسلين نيكول جونسون التاريخ في مجموعتها الأولى "بلدي مونتايسلو" لتستكشف الميراث المرهق والسعي المحموم من أجل الانتماء. تدور أحداث مونتايسلو في المستقبل القريب حول مجموعة متنوعة من جيران شارلوتسفيل الذين يفرون من العنصريين البيض، ملتمسين اللجوء إلى مزرعة جيفرسون في محاولة يائسة لتجاوز الانهيار العنصري والبيئي الوشيك. وعلى مدار القصص نتبع هؤلاء اللاجئين في رحلة مروعة، حيث يتحرك الخطر الدائم في أعقابهم، ما يجعل لهذه المجموعة صدى خاصًا هو أنها لا تبتعد عن الحياة كما نعرفها اليوم، فهناك موجات الحر وحرائق الغابات التي تفضي إلى تغير المناخ، وهناك تداعيات من انتخابات مشحونة، لكن حياة شخصيات جونسون الغنية بالألوان - قصصهم الشخصية - هي ما تستحوذ على بؤرة الاهتمام، مثل قصة الشابة حفيدة توماس جيفرسون وسالي همينجز التي طردتها الميليشيا البيضاء من الحي الذي تعيش فيه، والأستاذ الجامعي الذي يفحص العنصرية بإجراء تجربة سرية على ابنه، وكذلك قصة الأم العزباء التي تسعى جاهدة لشراء أول منزل في حياتها في الوقت الذي يندفع فيه العالم نحو كارثة.

 

 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.