}

الرواية الفائزة بجائزة "أونداتجي": الخرافة في مواجهة الرأسمالية الحديثة

سناء عبد العزيز 17 مايو 2021
تغطيات الرواية الفائزة بجائزة "أونداتجي": الخرافة في مواجهة الرأسمالية الحديثة
روث غيليغان وغلاف روايتها "الجزارون"
فازت الكاتبة الإيرلندية، روث غيليغان، بجائزة "أونداتجي" (جائزة الجمعية الملكية البريطانية للآداب) هذا العام عن روايتها "الجزارون"، وهي جائزة أدبية سنوية تمنحها الجمعية المذكورة لأفضل كتاب يستحضر "روح المكان"، أيًا كان نوعه (رواية، مجموعة قصصية، ديوان شعر)، أو غير ذلك، شرط أن يكون مؤلفه مواطنًا أو مقيمًا في دول الكومنولث، وجمهورية إيرلندا.
ولدت غيليغان في دبلن عام 1988، وتعمل أستاذة للأدب في جامعة برمنغهام، بالإضافة إلى مساهماتها بمراجعات أدبية في عدة صحف بشكل منتظم، منها صحيفة الغارديان، الإندبندنت الإيرلندية، وملحق التايمز الأدبي. صدرت لها خمس روايات؛ "تَناسى" التي تصدرت قائمة الأكثر مبيعًا عام 2006، و"في مكان ما بين بين" (2007)، و"هل بإمكانك رؤيتي؟" (2009)، و"تسع طيات تصنع بجعة ورقية" (2017)، وأخيرًا روايتها الفائزة بجائزة أونداتجي هذا العام "الجزارون" (2020)، متغلبة بذلك على مذكرات جيمس ريبانكس عن مزرعة عائلته، ومجموعة ماجنوليا الشعرية لنينا مينجيا باولز.



لحظة توتر هائلة تصنع خلفية مثيرة



تدور أحداث "الجزارون" في براري إيرلندا القوطية، وتتمحور حول جريمة قتل تقع على حدود إيرلندا عام 1996؛ العام الذي شهد نقطة تحول خطيرة في التاريخ الإيرلندي، حيث جرى تقنين الطلاق، وحقق النمر "السلتي"، نسبة إلى السلالة السلتية التي ينحدر منها سكان إيرلندا الحاليون، صعودًا غير مسبوق، وهو ما أدى إلى نمو اقتصادي تجاوز توقعات وأحلام الشعب الإيرلندي. وفي العام نفسه، ظهر وباء جنون البقر (BSE)، الذي أدى إلى نفوق قطعان بأكملها من الماشية في جميع أنحاء بريطانيا، وحرقها في محارق عملاقة منعًا لانتشار المرض. وعلى الرغم من أن الوباء لم يتفشَ في إيرلندا سوى على نطاق محدود جدًا، فقد أتاح لها فرصًا واسعة للثراء على حساب بريطانيا المنكوبة، فنشطت تجارة تهريب الماشية، وصفقات السوق السوداء، وعمليات الاحتيال المتعلقة بغسيل الأموال؛ أي أن غيليغان اختارت، على حد قولها، لحظة توتر هائلة لصنع خلفية مثيرة لروايتها.



قصة إيرلندا مع جنون البقر
تبدأ الرواية الغارقة في أجواء أسطورية بلعنة قديمة تنص على أنه إذا لم يلمس ثمانية رجال كل بقرة في إيرلندا أثناء موتها، فسوف يحل الوباء على الأرض، وتجعلها الكاتبة بمثابة نبوءة على لسان أحد الجزارين يدعى كوتش بأن عام 1996 سيكون مختلفًا، فيتم العثور على جثة معلقة من قدميها كالذبيحة بخطاطيف صدئة!



إنها الرواية الأولى التي تصور حقًا قصة إيرلندا خلال أزمة مرض جنون البقر، من خلال قصص حميمة للغاية لأربعة أشخاص محاصرين في هذا الاضطراب؛ أم وابنة وأب وابن، لكل منهم قصة تخصه، تنطوي على كثير من الأسرار والرغبات. كما تتبع ثمانية رجال يشكلون معًا ما يسمى بالجزارين، وهي مجموعة تتجول من مزرعة إلى أخرى، لتعيد إحياء الطرق القديمة في ذبح الماشية، ومن خلال ترسيخ القتل الشخصي الدقيق والمكثف من قبل هؤلاء الجزارين ضد المزارع الصناعية التي يحركها الربح المادي فحسب، فأدخلت مرض جنون البقر في السلسلة الغذائية، تخلق تباينًا لاذعًا يقوي الحبكة.



إيرلندا بين الحاضر والماضي
ترسم الرواية صورة مزعجة للريف الإيرلندي الذي تتجاور فيه الحداثة والقدم جنبًا إلى جنب، فمع الطفرة الحداثية، وهرولة إيرلندا مترنحة نحو القرن الواحد والعشرين، لا يزال كثير من الناس متمسكين بتقاليد قديمة تتعلق بالأسطورة والخرافات، منها عائلة أونا، التي يكتنف حياتها نوع من السرية لأجيال طويلة، ففي كل عام، تستعد أونا لرحيل والدها عنها. سيرحل في وقت مبكر من صباح أحد الأيام الذي لا تستطيع تحديده بدقة، ثم يختفي مع سبعة رجال آخرين لاجتياز الريف الإيرلندي. لكن إيرلندا الحديثة لم تعد تثق في التقاليد القديمة، ولذلك فإن القليل منهم يهتم بأمر الجزارين، الذين تواجه طقوسهم حول الجزيرة صعوبات بسبب التوتر مع السكان المحليين المتشككين.



تنتقل "الجزارون" بين أحداث عام 1996 والحاضر، من خلال صورة معلقة على حائط معرض قام بالتقاطها المصور رونان، منذ ما يقرب عقدين من الزمن، حيث كان يجد في الجزارين موضوعًا مثاليًا للتناول؛ إنهم ممثلو إيرلندا القدامى، والأكثر فولكلورية، وهم من يتم الآن اختبار بقائهم على قيد الحياة. وبينما يتنقل في الريف، يلتقط رونان صورته الأكثر لفتًا للانتباه: أحد الجزارين معلق من قدميه في حالة عنف لا توصف. وتجعل غيليغان شخصياتها قابلة للتصديق والتعاطف، بالنسبة لأونا الفتاة البالغة من العمر 12 عامًا، كونها ابنة جزار يعني حياة من الطموح المعقد والوحدة المذهلة، وهي الفتاة التي ستكبر لتحمل سكينًا مثل والدها، وتنتقم أخيرًا للرجل الذي يظهر في الصورة. وبالنسبة لأمها غرا، فهي تعيش حياة الإيمان والتوق الشديد، والوفاء بوعد قد تكون أو لا تكون قادرة على الوفاء به، بالنسبة إلى فيون غير المؤمن، يمثل الجزارون حقيقة مؤرخة ومعقدة، على الرغم من أنهم يمثلون بالنسبة لابنه ديفي عالمًا جديدًا بالكامل، وربما حبًا جديدًا.



قطار الملاهي
استفادت لغة الرواية الفريدة والمفتونة بالطبيعة من التلفزيون والراديو في تقديم تحديثات ذات صلة بأحداثها. وفي حديث لها، صرحت غيليغان أنه في أثناء أزمة جنون البقر كانت لا تزال في الثامنة من عمرها، ولأجل أن تكتب روايتها كان عليها أن تعود إلى كل ما قيل ودوّن عن هذه الأزمة، ومنها وسائل الإعلام.
وصفت رئيسة لجنة التحكيم، لولا يونغ، "الجزارون" بأنها "رواية إثارة أدبية، وقصة عن صعوبة مرحلة المراهقة حتى الوصول إلى النضج. كما أنها رواية تاريخية، وسرد للخرافات، وما هو خارق للطبيعة، ولكن لا يهم كيف يتم تصنيفها، إنها بمثابة قطار الملاهي مع تقليب صفحاتها لمن يقرأها". أضافت يونغ: "إن عنواننا الفائز يدور حول لحظة متوترة من الزمن، في مكان معين... الفكاهة تنجح، فنحن في حاجة إلى بعض الراحة من الحياة العاطفية المكبوتة، وأزمة جنون البقر تغرينا بتذكر الماضي القريب في وقت كانت فيه الأزمة تتردد بشكل دائم على شفاه السياسيين والنقاد على حد سواء، تمامًا مثلما يحدث اليوم". وصفتها أيضًا هيلين مورت، الكاتبة وأحد أعضاء هيئة التحكيم، بأنها "فولكلور يواجه ضغوط الرأسمالية الحديثة. على طول الرواية، نشهد إيرلندا عند نقطة تحول، في فترة تغير سريع ونحن منجرفون معها. وعلى طول الرواية، تتنفس الطبيعة بشكل حي ومنعش".



أما غيليغان نفسها، فقد انتابتها حالة من عدم التصديق تمتزج بمشاعر البهجة حين عرفت بخبر فوزها: "أنا مغرمة بالكتب التي تستحضر روح المكان، لذلك لطالما كنت من أشد المعجبين بالجائزة، ولكن بعد عام من العزلة والانغلاق، أصبح من الملائم أكثر من أي وقت مضى الاحتفال بقدرة القراءة القوية على التنقل بحرية رغم القيود". وأضافت "كان هنالك كثير من الألغام في القائمة المختصرة، لذلك يشرفني حقًا أن تختار هيئة التحكيم روايتي".
تحمل الجائزة اسم مؤسسها، السير كريستوفر أونداتجي، وتبلغ قيمتها المادية 10 آلاف جنيه إسترليني. من بين الفائزين السابقين بها روجر روبنسون عن مجموعته الشعرية "الجنة المتنقلة"، وألان جونسون عن سيرته الذاتية التي تتناول طفولته في الأحياء الفقيرة في غرب لندن "هذا الصبي"، والصحافية عايدة إدماريام عن روايتها لقصة حياة جدتها "حكاية الزوجة".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.