}

سيرخيو راميريث يواصل تحدي أورتيغا.. ثورية رواية أميركا اللاتينية

أحمد عبد اللطيف 20 سبتمبر 2021
تغطيات سيرخيو راميريث يواصل تحدي أورتيغا.. ثورية رواية أميركا اللاتينية
سيرخيو راميريث يتحدث للصحافة في منزله في ماناغوا(16/11/2017/فرانس برس)
منذ أشهر قليلة، انطلقت في نيكاراغوا مظاهرات قوية ضد الرئيس دانييل أورتيغا، ممثل الثورة الساندينية التي نشبت عام 1979، وبسببها أطلق أمرًا باعتقال كل من يثبت تورطه في المظاهرات وكل من يؤيدها. وفي الأسابيع الأخيرة، شمل أمر الاعتقال الكاتب الأشهر، سيرخيو راميريث، أكبر كاتب نيكاراغوي حي، والفائز بجائزة ثيربانتس المرموقة، بتهمة إثارة خطاب الكراهية والعنف ضد السلطة.
الدهشة تأتي من أن سيرخيو راميريث كان أحد قادة الثورة الساندينية التي أطاحت بالديكتاتور سوموثا عام 1979، وكان أورتيغا قائدًا آخر للمجموعة الثورية نفسها التي بدأت تاريخها كمحاربي عصابات، وأسقطوا الديكتاتورية باتباع تكنيك الحرب. وعقب انتصار الثورة، اختار مجلس قيادتها راميريث ليكون نائبًا للرئيس، لكنه لم يستمر كثيرًا، إذ اختلف مع القادة الآخرين في سياسة إدارتهم للبلاد والحرب الأهلية التي أشعلتها الثورة المضادة بدعم أميركي. وفي عام 1986، أعلن راميريث اعتزاله التام للسياسة والتفرغ للأدب.
رغم ذلك، ظل راميريث ملتزمًا بموقفه الناقد، وأطلق سهام هذا النقد حين تحول أورتيغا من ثوري إلى ديكتاتور، وباسم الثورة والساندينية انتهك حقوق الإنسان والمواطن. كان راميريث في مأمن تحت اسمه الكبير وشهرته الواسعة، لذلك لم يضطر للهجرة من نيكاراغوا. والآن لا يستطيع العودة إليها.



مهرجان سنترو أميركا للرواية

أحد ملصقات "مهرجان الرواية الأميركية اللاتينية" الذي أسسه سيرخيو راميريث في ماناغوا/ نيكاراغوا وعقد في مدريد هذا العام      


أسس سيرخيو راميريث منذ سنوات مهرجانًا للرواية الأميركية اللاتينية، ينطلق في نيكاراغوا، ويضم ألمع كتاب القارة، ويستعرض أوراقًا بحثية حول التحولات في هذه الرواية. هذا العام انتقل المهرجان إلى مدريد، حيث يقيم سيرخيو منذ أشهر قليلة، وحيث تلقى أمر الاعتقال من هناك. وبرغم أدبية المهرجان الذي عقد قبل أيام، إلا أنه هذا العام اتخذ طابعًا سياسيًا، ووجه رسائل حول الأوضاع في البلد اللاتيني.




افتتح مهرجان "سنترو أميركا تحكي" في مدريد كل من سيرخيو راميريث وماريو بارغس يوسا، وكانت الإشارة الأهم لأمر الاعتقال، إذ قال يوسا: "الأدب الأفضل يخلق مواطنين مستائين من السلطة"، فيما أوضح راميريث أن الاعتقال ليس بصفته زعيمًا سياسيًا، وإنما بسبب روايته الأخيرة المنشورة في إسبانيا في الأسابيع الأخيرة. فـ"الرواية تعري انتهاكات حقوق الإنسان والتعديات على المواطنين واغتيال عشرات الشباب العزل في شوارع ماناغوا ومدن أخرى في البلد خلال مظاهرات 2018".
لهذا السبب تحدث يوسا، الذي شارك في الافتتاح بجانب الكاتبين الكولومبيين، كارلوس جرانيس، وبيلار رييس، عن "الاعتداء المخزي" على زميله النيكاراغوي من قبل الرئيس أورتيغا وزوجته نائبة الرئيس روساريو مورييو. الكاتب البيروفي أكد أن راميريث كان يستحق تكريمًا من بلده، ليس فقط لدوره ككاتب، وإنما من قبل لدوره السياسي، وطالب الحضور بالتصفيق له تقديرًا.
من جانبها، قالت بيلار رييس، محررة دار ألفاجوارا المرموقة: "كنا نحب أن نتحدث عن الأدب فحسب، لكن السياسة تدخلت في الأدب"، وسألت: "لماذا حين نتحدث عن الأدب نجد أنفسنا في أرض السياسة؟"، وأجابها راميريث: "ليست أيامًا سهلة، فأنا كاتب روايته ممنوعة في بلده، ومن حسن حظي أن أمر الاعتقال صدر وأنا خارج نيكاراغوا، لولا ذلك لصرت واحدًا من 140 سجينًا سياسيًا". وأضاف راميريث: "دائمًا ما تساءلت كيف كان سيكون حالي لو أني كاتب سويدي، أو فنلندي، حيث السعادة السياسية، والرئيس يذهب إلى عمله بالدراجة. فهذا بالنسبة لنا في أميركا اللاتينية مجرد سوريالية".
راميريث يرى أن أي رواية أميركية لاتينية "لا بد ستصطدم بالسلطة، بهذا الفراغ وهذا التطلع، إذ عملت السلطة على تشويه المؤسسات الموثوق فيها والأبدية. ومثلما فعل ستالين حين محا الجميع من الصور، أورتيغا بقي وحده في تاريخ الثورة".



تحريم الرواية لمدة 300 عام

 ملصق آخر لـ "مهرجان الرواية الأميركية اللاتينية" الذي عقد في مدريد هذا العام       


في مداخلته، تحدث بارغس يوسا عن ثورية الأدب الروائي، موضحًا: "كما تعرفون، فالرواية ظلت محرمة في أميركا اللاتينية لمدة 300 عام، حيث رأى الاستعمار الإسباني أنه لا يصح أن يطلّع السكان الأصليون على هذيانات الرواية، مع ذلك لا الدولة ولا الكنيسة أعلنت مسؤوليتها عن هذا التحريم. لكن بفضل المهربين كانت الروايات المحرمة تصل إلى قارتنا، في صناديق الخمور".





الكاتب الفائز بنوبل أشار إلى أن فهم أدب أميركا اللاتينية يتطلب رؤية شاملة، لأن الإشكالية في عمقها واحدة. "من الصعب أن تكون كاتبًا لاتينيًا من دون أن تتأثر بالسياسة. الحياة الأدبية لا تنفصل عن الواقع الذي يواجه الكاتب، بالطبع هنالك كتاب يهربون من هذا الواقع ويكتبون على هامش السياسة، لكنهم قلة. لو اختار المرء الأدب كنشاط أساسي لا بد سيصطدم بالسياسة".
راميريث أضاف إلى يوسا ملحوظة هامة، أنه من النادر أن تجد كاتبًا أميركيًا شماليًا يهتم بالسياسة، في أميركا اللاتينية على العكس تمامًا، "فنحن لا نلتزم بالسياسة في الرواية والشعر فحسب، بل في الواقع أيضًا". وضرب مثلًا بنفسه: "أنا ولدت في ظل ديكتاتورية سوموثا، ودرست في عهد سوموثا الابن، وناضلت لإسقاط سوموثا الحفيد، ولا أزال أعادي ديكتاتورية أخرى. إنه واقع لا يمكننا الهروب منه".

من ملصقات "مهرجان الرواية الأميركية اللاتينية" الذي أسسه سيرخيو راميريث في نيكاراغوا وعقد في مدريد هذا العام        


"لو كان المجتمع المثالي هو مجتمع مكون من مواطنين نقاد، فهؤلاء المواطنون يجب أن يكونوا قراءً جيدين للأدب، لأن الأدب يعلمنا عدم الرضى عن العالم. وهذا الشعور نجده عند الكتاب الجيدين، حيث يشيرون إلى السيء"، قال يوسا. وأضاف أنه لهذا السبب تحاول أي سلطة السيطرة على الأدب، "وأظن أن هذا إسهام الأدب الحقيقي: إنه نبع للاستياء ومن خلاله يتكون مجتمع لا يرضى إلا بتصحيح هذه الأخطاء".




بسبب الثورة والنضال ضد الديكتاتورية، توقف راميريث لعشر سنوات عن الكتابة، من 1976 إلى 1986. منذ هذا التاريخ قرر ألا يتوقف عن الكتابة الأدبية تحت أي ظرف، والآن يتعرض للهجوم من السلطة بسبب الأدب. لكن عشرات الكتاب في العالم تضامنوا معه ببيان موجه ضد ديكتاتورية دانييل أورتيغا، وروايته التي تتناول مظاهرات 2018 وما أعقبها من سجن وتعذيب للمواطنين ستبقى شهادة على سنوات القمع.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.