انطلق مهرجان مدينة سالونيك السينمائي لأول مرة في عام 1960، وكانت دورته الأولى تحت عنوان "أسبوع الفيلم اليوناني". ومنذ ذلك الحين، أصبح المهرجان أحد الأحداث الرئيسة في منطقة البلقان، بهدف توفير الفرص لجيل الشباب من السينمائيين من جميع أنحاء العالم لاستعراض مواهبهم الفنية.
واعتبارًا من عام 1992، بدأت لجنة تحكيم المهرجان المختصّة بمنح المتنافسين جوائز سنوية، أهمّها جائزة "الإسكندر الذهبي" التي تمنح لأفضل فيلمٍ روائيٍّ طويل.
ينعقد المهرجان عادةً في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني لمدة عشرة أيامٍ، تعرض خلالها دور السينما في سالونيك الأفلام المشاركة، ويحضرها في المتوسط ما يزيد على 70 ألف مشاهدٍ يوناني، علاوةً على مئاتٍ من المشاركين اليونانيين والأجانب.
ومنذ عام 1992، اكتسب المهرجان تحت إدارة ميشيل ديموبوليس صفة العالميّة. ويحظى بدعمٍ ماليّ من وزارة الثقافة اليونانية، وكذلك من قبل بلدية سالونيك، ومؤسساتٍ محليّة أُخرى، ناهيك عن الدعم الجماعيّ من قبل سكّان المدينة وضواحيها.
ويتجلّى الاعتراف العالمي بالمهرجان من خلال مشاركة فنانين مشاهير، مثل فرانسيس فورد كوبولا، وكاترين دونوف، وغيرهما من الفنانين، ممن كانوا مرات في عداد لجنة التحكيم.
وفي 31 أكتوبر/ تشرين الأول من هذا العام، افُتتحت الدورة الخامسة والستون من المهرجان، بمشاركة 250 فيلمًا من كثيرٍ من البلدان حول العالم.
ورشّحت لجنة التحكيم 12 فيلمًا لنيل الجوائز، منها فيلم عن قصّة "On Falling" للكاتبة لورا كارييرا/ Laura Carreira، ومن إخراج جاك توماس أوبراين/Jack Thomas O'Brien، الذي سبق له أن ترشّح لنيل جائزة أفضل مخرجٍ في مهرجان البندقية في إيطاليا، ويحكي قصّة مهاجرة برتغاليّة شابة تعاني من الاكتئاب والعزلة في قاع الاقتصاد البريطاني، حيث الأجور المتدنية للغاية. أمّا فيلم "أركاديا" للمخرج اليوناني جورجيوس زويس/ Yorgos Zois فهو دراما وجودية اتخذ من الموجة اليونانية الجديدة أسلوبًا له. وهنالك أيضًا فيلم الإثارة والتشويق والانتقام النيوزيلاندي "هو من تسلّق الهضبة/ He climbed the Hill" للمخرج صموئيل فان غرينسفن.
في حفل الافتتاح، عرض فيلم السيرة الذاتية "ماريا" للمخرج التشيلي بابلو لارين/ Pablo Larran. بالنسبة لليونانيين، يكتسب الفيلم أهمية خاصّةً، حيث ينصبّ تركيز المؤلف على مغنيّة الأوبرا، الأسطورة ماريا كالاس، المرأة اليونانية الأكثر شهرةً في القرن العشرين. كما يظهر في الفيلم أيضًا رجل الأعمال اليوناني الشهير أوناسيس، الذي يشارك في المؤامرة المحاكة ضدّ ماريا، ويحطّم قلبها تمامًا. على الرغم من أنّ مشاهد شباب ماريا قد التقطت في اليونان، إلا أنّ طاقم التمثيل في الفيلم كان عالميًا. لعبت الدور الرئيس نجمة هوليوود الشهيرة أنجيلينا جولي، الأمر الذي يمثّل في حدّ ذاته سببًا كافيًا لإثارة مشاعر متضاربة في قلوب النظارة اليونانيين، بالإضافة أيضًا إلى ما تثيره جدلية المخرج، وكذلك الأسلوب الذي تمّ فيه تقديم نموذج أسطورة الأوبرا اليونانية في القرن العشرين.
وكان من فعاليات المهرجان المثيرة للاهتمام تكريم الممثلة الفرنسية جولييت بينوش، والممثل البريطاني رالف فاينس، الذي سيكون الحدث الرئيس في المهرجان. وهما النجمان السينمائيان الأوروبيّان اللذان حققا معًا الشهرة في هوليوود.
أصبحت جولييت بينوش رئيسة أكاديمية السينما الأوروبية، وهي النجمة الوحيدة في تاريخ السينما التي قلّدت جوائز عن أفضل دور نسويّ في ثلاث من أهمّ المهرجانات السينمائية (مهرجان كان ــ مهرجان البندقية ــ مهرجان برلين). في مهرجان سالونيك، وقبيل العرض الخاصّ، مُنحت بينوش جائزة الشرف "الإسكندر الذهبي" عن دورها في فيلم "المريض الإنكليزي/ The English Patient" للمخرج أنتوني مينغيلا/ Anthony Minghella، والذي نالت عنه بينوش جائزة أوسكار. الجائزة نفسها سيمنحها مهرجان سالونيك للممثّل رالف فاينس، الذي مثّل أيضًا في هذا الفيلم المثير، ورشّح لجائزة أوسكار أيضًا.
خلال مسيرتهما الفنية، دخل الممثل البريطاني والممثلة الفرنسية في شراكة على الشاشة ثلاث مراتٍ. تشكّلت هذه العلاقة الفريدة قبل ثلاثين عامًا، عندما كان فاينس ممثلاّ مسرحيًا مشهورًا من خلال أدواره في مسرحيات ويليام شكسبير. وفي السينما، كان أول أعماله إلى جانب بينوش في فيلم مقتبسٍ عن رواية إيميلي برونتي "مرتفعات ويذرينغ" الشهيرة. أمّا ظهورهما الأخير معًا فكان عام 2024 في فيلم "عودة أوديسيوس" للمخرج أوبرتو بازوليني: قام فاينس بدور أوديسيوس، ولعبت بينوش دور بنيلوبي. وعُرضت في سالونيك النسخة اليونانية الأولى من الفيلم الملحمي المقتبس من الأساطير الإغريقية.
وحلّ على المهرجان ضيف آخر من نجوم السينما، وهو الممثل مات ديلون/ Matt Dillon، الذي اشتُهر في السنوات الأخيرة بتعاونه مع لارس فون تريير في فيلم "البيت الذي بناه جاك/ The House That Jack Built". أيضًا، عُرض في المهرجان فيلم قصير بمشاركته بعنوان "تدخلات" للمخرج الدانماركي غاسبر جاست/ Jasper Just في عرض مخصص له بالذات. بالإضافة إلى ذلك، قدم ديلون فيلم جيسيكا باليو الجديد "أن تكوني ماريا"، والذي يلعب فيه دور مارلون براندو. الفيلم مخصص للمصير الصعب للممثلة ماري شنايدر، التي تعرضت لصدمةٍ نفسيّة بسبب تجربة التصوير الفاضحة في أثناء تصوير فيلم "التانغو الأخير في باريس/ Last Tango in Paris".
وكما كان متوقعًا، حظي برنامج "عرض الوحوش" باهتمام بالغ، برعاية كارلو شاتريان، مدير البرامج السابق في مهرجاني لوكارنو، وبرلين. وتضمن العرض 22 من روائع السينما العالمية، من فيلم " Freaks/ النزوات"، للمخرج تود براوننغ (1932)، وصولًا إلى فيلم "المهووسة" للمخرج Severin Fiala، وفيرونيكا فرانتس (2024)، إضافة إلى "ليالي الأموات الأحياء/ Night of Living Dead" للمخرج جورج روميرو. كما تضمّن المهرجان أفلام الرعب الكلاسيكية، ومنها فيلم "اليرقة الضخمة/ Big Grub" للمخرج ماركو فيريري، وفيلم "بعيدًا عن الروح/ Spirited Away" للمخرج الياباني هاياو ميازاكي، وحتى فيلم "إلى السلاح، نحن فاشيون/ Call to Arms, we are fascists" بإخرتج مشترك لكل من: لينو ديل فرا، وسيسيليا مانغيني، ولاينو ميتشيكي. وهو فيلمٌ وثائقي عن تاريخ الفاشية في إيطاليا، حيث تظهر وحوشٌ حقيقية، وليس متخيّلة. وتوج المهرجان بفيلم "نهاية العالم" للمخرج جوشوا أوبنهايمر، الذي يتحدث عن حفنةٍ من الأثرياء لجأوا وقت حلول نهاية العالم إلى مخبأ محصّنٍ فاخر، وتمكنوا من النجاة. إنّه نسخةٌ أُخرى من الحبكة الأبدية لأفلام الوحوش الجميلة والرهيبة في الوقت نفسه.