ترجمة: سارة حبيب
معتقداتنا عن الجمال لا تتماشى مع تصرفاتنا
"الجمال في عين الناظر"، أو هكذا قيل لنا. لكنْ، يناقش فيليبو كونتيسي، إنريكو تيرونه، مارتا كامبدَلاكراو وجينوفيفا مارتي أننا وفقًا للنظرة التقليدية في فلسفة الفن، ورغم أن معظمنا يزعم أنه يؤمن بأن الجمال ذاتي، نتصرف في الواقع كما لو كان موضوعيًا. بالتالي، مشكلة علم الجمال الفعلية ليست فيما إذا كنا نعتقد أن الجمال يكمن في عين الناظر أو لا، بل لماذا لا يتماشى سلوكنا فيما يخص الجمال مع المعتقدات التي نعلنها. الجمال، كما يبدو، ليس شيئًا سطحيًا.
لو أننا نحصل على بنس لقاء كلّ مرة نسمع فيها قول "الجمال في عين الناظر"... منذ القرن الثامن عشر على الأقل، تمعّن الفلاسفة وعامة الناس على السواء في سؤال: هل هذا المَثل صحيح أم لا؟ بعضهم أجاب بطريقة، آخرون أجابوا بالأخرى. مع هذا، اتفق الفلاسفة عادة على أنه، في العموم، غالبًا ما يزعم الناس أن المثل صحيح وأن تفضيلاتنا الجمالية هي فعلًا مسألة ذوق فردي أو ذاتي. علاوة على ذلك، كما يشير استخدام استعارة الذوق (المتعلقة بحاسة التذوق) للحديث عن المسائل الجمالية، يبدو أن ثمة شيئًا ذاتيًا بصورة جلية في التجربة الجمالية. من الناحية الأخرى، يتفق الفلاسفة كذلك عادة أن الناس أيضًا غالبًا ما يقومون بأشياء تشير إلى أنهم لا يؤمنون حقًا بأن كل الأذواق جيدة بنفس الدرجة. على سبيل المثال، نقرأ ما يقوله النقاد السينمائيون قبل أن نقرر ما سنشاهده في السينما، أو نناقش من يكون أفضل روائي متحدث بالإسبانية في جيلنا من خلال محاولة تقديم أسباب موضوعية (أو على الأقل بين-ذاتية؛ أي بين أكثر من ذات مستقلة). والتوفيق بين هذه البداهات الذاتية والموضوعية حول المسائل الجمالية يعدّ مسألة رئيسية للباحث في علم الجمال. في الواقع، إنه كما يعتبره فيلسوف معاصر بارز "السؤال الكبير في علم الجمال". لكن، شكّكت مؤخرًا مجموعة عالمية من الباحثين، يترأسها فلوريان كوفا، بالإجماع الفلسفي التقليدي حول المسائل الجمالية. واقترحت أن الفلاسفة، بالنهوض من أريكة المَثل خاصتهم، واستخدام طرائق تجريبية أكثر صرامة بدلًا عن ذلك، سيكون عليهم أن يقبلوا أنه، عمومًا، يعتبر الناس الأحكام الجمالية ذاتية فحسب. لكننا نشك بذلك.
في دراستهم التجريبية، فحص كوفا وآخرون 2392 مشاركًا من تسعة عشر بلدًا تمتد على أربع قارات. دُعي المشاركون ليصفوا شيئًا يجدونه جميلًا للغاية ويتخيلوا شخصًا يخالفهم الرأي. وقد ترك كوفا وآخرون للمشاركين حرية اختيار الأشياء التي يريدون وصفها، ولسوء الحظ، لا تقدم ورقتهم البحثية أي تفاصيل حول ماهية تلك الأشياء. لكن، في دراسة سابقة أجريت في "ذا لاتين كوارتر" (الحي اللاتيني) في باريس، قدّم بعض من ذات الأشخاص الذين أجروا التجربة أمثلتهم الخاصة للمشاركين، بما فيها أعمال فنية مشهورة مثل لوحة الموناليزا ومعزوفة بيتهوفن "من أجل إليزا"، وأمثلة عن جمال طبيعي مثل غناء العندليب أو شلالات نياغارا، بالإضافة إلى أمثلة عن ناس جميلين. ووجدت الدراسة كذلك نتائج مشابهة للدراسة العالمية الأكبر. وفي هذه الأخيرة، طُلب من المشاركين اختيار واحد من بين الخيارات الثلاثة التالية، لتحديد مدى تأكدهم من خيارهم:
1. أحدكما على صواب بينما الآخر ليس كذلك.
2. كلاكما على صواب.
3. أي منكما ليس على صواب. لا معنى للحديث عن الصواب في هذه الحالة.
تُظهر النتائج أن عددًا مخيِّبًا من الناس (7%) اختاروا الخيار رقم 1. بالتالي، بما أن تأييد الذاتانية (المذهب الذاتي) حول الأحكام الجمالية قوي للغاية، يستنتج واضعو الدراسة أن التوتر المفتَرض بشكل تقليدي بين البداهات الذاتية والموضوعية حول المسائل الجمالية التي رأيناها في الأعلى لا وجود له.
في ورقة بحثية حديثة (2024)، نشير إلى أنه، في التجربة، يُطلب إلى المشاركين الاختيار بين اعتقادات ظاهرة متنافسة حول أحكام جمالية. لكنْ، كتابات علم الجمال حول التوتر بين الذاتي والموضوعي لم تعتبر الاعتقادات الظاهرة بمصداقية بين-ذاتية دليلًا رئيسيًا على وجود ذلك التوتر. بالأحرى، المشكلة التي يعتبرها علماء الجمال الأكثر إثارة للحيرة هي أن الناس يعلنون أنهم يتفقون مع عبارة مثل "لا نقاش في الأذواق" (de gustibus non est disputandum)، ومن ثم يُظهرون سلوكًا لا يتماشى مع ما يؤيدونه بشكل ظاهر.
بالتالي، التجربة لا تفنّد التوتر كما من الشائع فهمه ضمن تقليد علم الجمال. مع هذا، للتجربة ميزتان متبقيتان. أولًا، إنها تثبت نصف ما افترضه الجماليون؛ أي أن اعتقادات الناس الظاهرة هي عمومًا ذاتانية (رغم أن النصف الثاني من تنبؤات الجماليين؛ أي التزام الناس بالموضوعانية، ‘النزعة الموضوعية‘، لا يزال دون اختبار). علاوة على ذلك، الاختبار يبرز الحاجة إلى وضوح أكبر فيما يخص التشخيص الدقيق للتوتر. في النتيجة، كما نناقش هنا، لا يجب أن يُفهم هذا على أنه خيار بين امتلاك اعتقادات ظاهرة بالذاتانية واعتقادات ظاهرة بالموضوعانية، بل بالأحرى بين تأييد الذاتانية التي تظهر بشكل واضح في الاعتقادات والتصريحات والالتزام بالموضوعانية التي تميل لأن تبقى مضمرة في السلوك.
التناقض، أو مشكلة الذوق، كما صاغه تقليد علم الجمال، ليس أن بعض الناس يقولون إن الجمال في عين الناظر، في حين أن آخرين يقولون إنه يجب أن يكون في عيون الجميع. بالأحرى، المشكلة هي أن الناس يقولون إن الجمال في عين الناظر لكنهم بعد ذلك يتصرفون كما لو أنه يجب أن يكون في عيون الجميع. هذه المشكلة، التي هي مشكلة الذوق الحقيقية، لم تتناولها تجربة كوفا وآخرون.
يعني هذا أن أحكامنا الجمالية أكثر تعقيدًا بكثير مما قد نفترض. فبدلًا عن كونها تنحصر ببساطة في معتقدات نتبناها أو نقولها بشكل ظاهر، إنها أيضًا تتجسد غالبًا في بعض تصرفاتنا التي قد لا ندركها أحيانًا بشكل كامل ومباشر. وهذا، بمعنى من المعاني، ليس مفاجئًا. وجدت العديد من الدراسات في مجالات أخرى أن عقولنا على الأغلب مُجزأة أو ليست واضحة بشكل مباشر للاستبطان. على سبيل المثال، ثمة دليل على أن الكثير من الناس يؤيدون بشكل ظاهر معتقدات غير عنصرية في حين أنهم يتصرفون بطرق معاكسة، بالتالي، مشكلة الذوق، بفهمها على هذا النحو، ستغدو حالة عقل مجزأ خاصة. في النتيجة، فهم تفضيلاتنا وأحكامنا المتعلقة بالذوق ليس مباشرًا. وكذلك هي، كما ناقشنا، الدراسة التجريبية لذوقنا الجمالي.
(*) فيليبو كونتيسي: أستاذ في جامعة برشلونة، زميل أبحاث في الفلسفة في جامعة ميلان، وعضو في مجموعة LOGOS البحثية في الفلسفة التحليلية. يهتم بفلسفة الفن، اللغة، والعقل.
رابط النص الأصلي: