ترجمة وتقديم: إسكندر حبش
لا نبالغ لو قلنا إن الروائي البيروفي ماريو بارغاس يوسا هو واحد من أبرز كتّاب هذا العصر، فقد عرف عبر سلسلة كبيرة من الكتب المتنوعة – وإن كانت الرواية هي العماد الذي يرتكز عليه كي يبني عالما متفردا- وجعلته في طليعة جيل سحر المشهد الأدبي، لا في القارة الجنوبية فقط، بل في العالم.
هذا الحوار الذي نترجمه هنا كان نُشر في صحيفة "لا برس" (الكندية) بتاريخ 26 نيسان/ أبريل 2013، وقد أجراه معه إريك كليمان، ويتطرق فيه الكاتب إلى جملة من القضايا التي تعيدنا إلى تاريخين: تاريخ البيرو وحضارتها القديمة، كما إلى بعض التفاصيل من حياته الشخصية وبخاصة سقوطه في انتخابات رئاسة الجمهورية وحيازته جائزة نوبل للآداب. هو حوار يتيح لنا إطلالة فعلية على جوانب غير معروفة من وجوه هذا الكاتب.
(*) في بحثك "حضارة الفرجة"، تنتقد المجتمع الغربي الذي "يعير انتباهه إلى اللهو بدلًا من الفنون"، كما تقول. في هذا السياق، يجب أن يكون معرض "مملكتا الشمس والقمر" وهو حول البيرو مثيرًا للاهتمام، وهو المعرض الذي أبدعه وقدّمه متحف الفنون الجميلة في مونتريال حول كنوز الفن البيروفي؟
إن واحدة من الأشياء الجميلة التي يجب إظهارها عن البيرو هي تراثها الأركيولوجي والفني، وللأسف هذا ليس معروفًا كما يجب في باقي أنحاء العالم. هي إذًا مبادرة رائعة، وبخاصة مع الدقة والصرامة والاحترافية التي نظّم بها [هذا المعرض]. يتيح لنا هذا المعرض أن نبيّن التنوع الثقافي للإرث الإنساني وفي أن نعرف بشكل أفضل الفن الكولونيالي البيروفي الذي هو فن غنيّ وعلى تنوّع كبير.
(*) تحاول البيرو، مثلها مثل بلدان أخرى، استعادة أعمال فنية كانت قد هرّبت وبعضها الآخر الموجود في متاحف الغرب. برأيك، هل من المهم أن تعود هذه القطع الأثرية إلى بلدها الأصلي؟
مثلما ترى في هذه الآونة، في باريس، يريد ساوثبي أن يضع في مزاد علني مجموعة من سبعين قطعة من الفن البيروفي العائدة للفترة ما- قبل الإسبانية ومصدرها برشلونة وهي ذات قيمة كبيرة، إن على المستوى الجمالي وإن على المستوى التاريخي. ولم أر أبدًا لغاية هذه اللحظة، أي أمر فعال من أجل منع ذلك. للأسف، هناك جزءٌ كبيرٌ من الفن البيروفي موجود خارج البلاد بسبب عصابات التهريب غير الشرعية. وعلى المحاكم الدولية أن تتحرك.
(*) لكن، ألا يمكن أن نعتبر الأعمال الفنية الموجودة في كبريات متاحف العالم بمثابة أعمال كونية وأن تبقى في مكانها، أم أنك تجد بأن عليها أن تعود إلى المتاحف البيروفية؟
فيما يخص تلك الموجودة في "اللوفر" أو متحف "الأرميتاج" أو "البرادو" فمن غير الواقعي أن نفكر بإعادتها من هناك. علينا أن نكون براغماتيين وأن نصارع ربما ما تمت مصارعته، أي مهرّبي الفن المعاصرين وذلك وفقًا لاتفاقيات دولية وأن نحترم، في الوقت عينه، المتاحف الكبيرة حيث تُعرض تلك الأعمال، المتاحة أمام الجميع.
(*) كتبت في كاتالوغ معرض "البيرو: ممالك الشمس والقمر" مقالة حول مفهوم الهوية. إن كنت تحتفي بواقع أن البيرو، تمامًا كما باقي الدول الغربية تقريبًا، بأنها تتسم، أكثر فأكثر، بمزيج إثني، فإنك بذلك ترفض فكرة الهوية الجماعية البيروفية لأنك بذلك تقلّل من شأن أن الهوية هي خاصية فردية.
بيروفية أو من أي مكان آخر! إن فكرة الهوية الجماعية تتراءى لي أمرًا خطيرًا. إنها منبع أيديولوجيا مدمرة بشكل كبير وهي تشبه بذلك مفهوم القومية بل وأكثر من ذلك هي أمر متخيل. أنا أميل لصالح المتخيّل الأدبي لا لصالح المتخيّل الأيديولوجي. ما من مجتمع أبدًا متجذّر بشكل كامل من وجهة نظر عرقية وثقافية واجتماعية أو دينية. والتنوع أمر صحي وإيجابي. وحالة البيرو مثيرة للاهتمام في هذا الجانب، لأنها بلد يحوي عمليًا كلّ هذه الهويات. وكل الثقافات وكل الأعراق قد تركت بصمتها عليها. يشكل الأمر غنى كبيرًا، وأعتقد أن الحال، عمليًا، هي نفسها في جميع أرجاء العالم.
(*) في العام الماضي، صرّحت بأن الشعوب الأصلية البيروفية تعرف أوضاعًا حياتية صعبة جدًا وهي شبيهة بتلك الأوضاع التي عرفتها حين وصول بيتزارو إلى البيرو في عام 1532. هل هذا صحيح؟
كنت أتحدث عن بعض فئات الشعوب الأصلية. هناك تنوع في المواطنين الأصليين. لا يمكننا أن نضع كل فئات الشعوب الأصلية البيروفية في حقيبة واحدة. لقد عرفت بعضها حداثة كبيرة، وقد شاركت واستفادت من إيجابيات المجتمع الحديث، في حين أن فئات أخرى، الأصغر، وبخاصة تلك الموجودة في الغابات الأمازونية، لا تزال تعيش ضمن شروط بدائية جدًا وما قبل تاريخية تقريبًا.
(*) ما الذي يمكن القيام به لتحسين شروط حياتهم؟
أعتقد أنه من الممكن تحقيق ذلك بالاعتماد على سياسة ذكية وحساسة يمكن لها أن تسمح بخلق فرص للتحديث من دون أن يعني ذلك انتحارًا ثقافيًا. إنها قضية صعبة تعرفونها جيدًا في كندا. كيف لك أن تستنهض تحديث فئات الشعوب الأصلية من دون أن تدمر تقاليدها الثقافية الخاصة، لغاتها، وعاداتها. للأسف، ما من بلد قد وجد بعد الصيغة المناسبة للقيام بذلك.
(*) هزيمتك السياسية في الانتخابات الرئاسية البيروفية عام 1990، هل كانت مريرة من ناحية أنها منعتك من تطبيق مشاريعك السياسية وبخاصة فيما يتعلق بفئات الشعوب الأصلية؟
لقد قمنا بكل ما في وسعنا. ثمة كثيرون قد عملوا بجهد وبمثالية وبتطلعات كبيرة. هذا يعني، من وجهة نظر شخصية، بأن السياسة ليست ميلي. بل إن ميلي هو الأدب وبطريقة ما، في عدم انتخابي، أتاح لي الشعب البيروفي في أن أعود إلى عملي ككاتب وهو عمل يرضيني كثيرًا! هي هزيمة لا لبس فيها، إلا أن عددًا من الأفكار التي أطلقناها ودافعنا عنها خلال هذه الحملة الانتخابية في البيرو، وعلى سبيل المثال، ضرورة ألا تكون الحرية مجزأة، أكانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية، هي أفكار تبدو حاضرة اليوم أكثر مما كانت عليه من ذي قبل. لهذا نجد أن البيرو تتطور.
(*) تصف نفسك بأنك شخص ليبرالي، ومدافع عن الديمقراطية والإنسانوية. هل أنت متفائل فيما يخص الاتجاه الذي يسلكه العالم اليوم؟ هل نحن على الدرب السليم؟
لو أخذتم "حضارة الفُرجة"، فهو ليس بكتاب كثير التفاؤل حول هذه المسألة! ما من شك بأن الحرية السياسية والحرية الاقتصادية قد كسبت جولات في العالم بيد أن كل المفكرين الليبراليين منذ آدم سميث ولغاية فريديريتش حايك وإشعيا برلين، كلهم، قد ظنوا بأن الحرية الاقتصادية وحرية السوق لن ترافقهما حياة ثقافية مكثفة ولا حياة روحانية، إذ يمكن لها أن تفقد طبيعتها، أن تفسد، أن تتلوث. وللأسف، في عصرنا، نعيش من وجهة نظر ثقافية ما يمكن لنا أن ندعوه تراجعًا أو انحطاطًا. لقد أصبحت الثقافة لعبة، ترفيهًا، وتسلية. لقد هُمّشت بطريقة كبيرة إزاء الزينة والسهولة والسوق. وفي الوقت عينه، لقد أصاب الفقر الهائل الحياة الروحية. أعتقد أن ذلك كله يمثل خطرًا كبيرًا إذ خلق ذلك هناك ظواهر مثل الفساد، الذي أصبح منتشرًا بكثرة، وبخاصة في البلاد الأكثر تنمية. هناك أزمة قيم وأزمة أخلاقية قبل أن تكون هناك أزمة اقتصادية. لذا لا يمكن لنا أن نكون متفائلين لأنه، إن كان هناك بعض العلاج، فإننا لا نرى الكثير من النوايا، لإصلاح هذه المشكلات.
(*) هل الكاتب، الروائي، بشكل عام، يمكن له المساهمة في تغيير الأمور إذًا؟
ليس كثيرا في الزمن الراهن، لأن الأفكار لا تحتل مكانة مهمة في عصرنا الحالي. المهم اليوم، هي الصور، لدرجة أن قادة المجتمع، اليوم، ليسوا المفكرين الكبار ولا الفلاسفة ولا حتى العلماء، إنهم لاعبو كرة القدم، الرياضيون الكبار أو حتى مذيعو التلفزيونات، أي ملوك الفرجة. لا أعتقد أنهم بالضرورة أولئك الذين يمتلكون الأفكار الواضحة جدًا، الذين يمكن لهم أن يقدّموا الرسائل الأكثر بناء. انطلاقًا من هنا، أعتقد بأنه يمكن لنا أن نكون منهمكين أكثر بواقع أن الروح النقدية قد أصابها الفقر بشكل هائل بينما الخفّة والمتعة السهلة أصبحا من القيم الأعلى. وذلك كله، لم يُفقر الثقافة فقط بل أيضًا الحياة السياسية التي أصبحت تافهة. هذا الانهيار في القيم يمكن له أن يحظى بانعكاس كبير وحتى مدمّر على المؤسسات الديمقراطية، أكانت في الغرب أم في العالم الثالث. إنها أكبر مشكلة تواجه مجتمعاتنا في اللحظة الراهنة.
(*) كيف كانت ردّة فعلك حين علمت بأنك حزت جائزة نوبل للأدب عام 2010؟
مفاجأة، كانت مفاجأة ضخمة. كنت على يقين من أنني لن أحصل على هذه الجائزة أبدًا، وأعتقد أنني ارتكبت كل شيء، على المستوى السياسي، لكي لا أحصل عليها! لكنهم منحوني إيّاها مع ذلك! كان الأمر بمثابة مفاجأة خارقة.
(*) هل غيّرت [الجائزة] في طريقتك في الكتابة، في المواضيع التي تتطرق إليها أو ببساطة هل بدلت حياتك ككاتب؟
بالتأكيد لم يعد لديّ اليوم وقت لحياتي الخاصة. تتقاذفك جائزة نوبل داخل نوع من الدعاية المستمرة، داخل حضور إعلامي يلقي بثقله الكبير. لذا أجد أن عليّ أن أفرد وقتًا أكبر لهذا الأمر وفجأة أجد أن ليس لديّ وقت حرّ لكي أكتب. في أي حال، كان الأمر شديد الوطأة في السنة الأولى. لكنني لا أشكو من ذلك، أنا فرح جدًا لأن ذلك أيضًا يشكل تجربة جميلة جدًا لكنها تمتلك بعض المساوئ.
(*) انطلاقًا من أصولك، كشخص – وطيلة حياته – عرف وتعرّض لتأثيرات ثقافية وأدبية متنوعة، لديك علاقات أخوية وقوية مع الفرنكوفونية واللغة الفرنسية، أليس كذلك؟
تعلّمت اللغة الفرنسية في شبابي المبكر. كان لديّ شغف حقيقي بالأدب الفرنسي. أعتقد أنه أكبر تأثير وسمني وأضع معه السنوات السبع التي أمضيتها في فرنسا والتي كانت بالنسبة إليّ سنوات قاطعة، بشكل كبير، في تشكيلي ككاتب.
(*) وقعت تحت تأثير وإعجاب عدد من الكتّاب الفرنسيين: فيكتور هوغو، غوستاف فلوبير، جان بول سارتر، ألبير كامو...
أجل، عشقت القرن التاسع عشر أدبيًا، ومن بينهم أيضًا، بلزاك وستاندال. كذلك قرأت بودلير ورامبو، ولكن أيضًا عشقت القرن العشرين مع مارسيل بروست وحتى سيلين، وهما روائيان كبيران حديثان على الرغم من الأفكار الرهيبة التي دافعا عنها. عشقت أندريه مالرو، وهو كاتب أكنّ له إعجابًا كبيرًا. رواية "الشرط الإنساني" هي واحدة من كبريات الروايات في القرن العشرين. ولاحقًا، أفكار سارتر الوجودية التي وسمتني جدًا على الرغم من أن هناك العديد من الأشياء جعلتني أبتعد عن سارتر فيما بعد، إلا أن تأثيره يلاحقني في العديد من السمات، وبخاصة في أن الأدب ليس مجانيًا، وعليه أن يتضمن محتوى وأن يؤثر على حياة الناس. أفكار سارتر هذه، لا تزال صالحة.
(*) وماذا تحب أن تقرأ اليوم؟
اليوم، أقرأ الأموات أكثر ممّا أقرأ الأحياء! في هذه الأوقات، أقرأ أعمال بوكاتشيو كثيرًا، إذ لديّ فكرة في كتابة عمل مسرحي انطلاقًا من الأقاصيص التي كتبها في مرحلة الطاعون الذي أصاب فلورنسا عام 1348. لذا أقرأ كثيرًا الأدب الفلورنسي لكنني أقرأ أيضًا الأدب المعاصر، لكن وهذا صحيح، لدي ميل لقراءة وإعادة قراءة الكلاسيكيين.
(*) هل تعرف كتّاب كيبيك أو هل قرأت لهم؟
للأسف، ليس كثيرًا، لكنني قرأت مارغريت أتوود.
(*) ما هي طريقتك في العمل؟ هل تكتب كل يوم؟
نعم أكتب كل يوم، متّبعًا في ذلك دوام ساعات العمل! أعمل في الصباح، في منزلي دائمًا، وبعد الظهر. حين أكون في إسبانيا حيث أعيش، هناك جزء من السنة، أحب أن أذهب لأعمل في المكتبة أو في مقهى. اعتدت على ذلك منذ أن كنت أعيش في باريس. أحب العمل في المقاهي كثيرًا. من الاثنين إلى الجمعة، أعمل على الكتاب الذي أنا في طور كتابته، وفي نهاية الأسبوع، أعمل على المقالات التي أكتبها بانتظام. بالنسبة إليّ، ومثلما قال فلوبير، الكتابة هي طريقة حياة. لا يمكنني تصوّر الحياة من دون هذا الروتين الساحر أي العمل، الكتابة، رواية القصص، تجسيدها. بالنسبة إليّ، ذلك هو أهم أمر في حياتي. أما الباقي بأسره فيبدو بمثابة خدمة لهذا الأمر.
(*) لغاية اليوم، تتناوب على كتابة أعمال درامية، تاريخية ومكثفة، كما في "محادثة في الكاتدرائية" أو "حفل التيس"، مع أعمال أكثر خفة، إن جاز قول هذا، مثل "شيطانات الطفلة الخبيثة". كيف تتمكن من تحديد نوع الكتاب الذي ستؤلفه؟
تولد القصص حاملة معها نوعها الخاص. هناك أقاصيص أعرف مع انطلاقتها بأنها موجهة للمسرح بينما أخرى ستكون أفضل باتخاذها شكلًا روائيًا. هناك نوع من الغريزة أو الحدس الذي يجعلني، من البداية، اعرف في أي نوع سأضع شكل القصة. فيما يتعلق بأقاصيص بوكاتشيو مثلًا، كانت الفكرة تراودني منذ زمن بعيد، لكن من بدايتها، كنت أعرف بأنها ستكون خاصة بالمسرح. بسبب مناخها وشخصياتها المغلق عليها في منزل ريفي بينما كان الطاعون يفتك بالمدينة (فلورنسا) وهروبهم الوحيد كان عبر تخيّل القصص. لقد بدت لي أنها تشكل نوعًا مسرحيًا خالصًا لذا لم أفكر في أي لحظة بجعلها رواية. إن أنواع الكتب ليست تخييلية بل هي بطريقة ما وسيلة لفهم القصة التي يجب عدم خيانتها ولا بأي شكل من الأشكال. يمكننا جعل قصة مسرحية، رواية، والعكس صحيح أيضًا، من دون أن نشوّه طبيعتها بعمق.
(*) آخر كتبك المنشورة بالفرنسية هو "حلم السلتي" المستوحى من حياة الدبلوماسي البريطاني روجيه كازومان. ما عنوان كتابك الذي سينشر قريبًا؟
أنهيت، قبل عدة أسابيع، رواية بعنوان "البطل السري" وستنشر بالإسبانية في شهر أيلول/ سبتمبر. عملت على هذه الرواية في السنتين الأخيرتين. وهي رواية تدور أحداثها في البيرو بين مدينتي ليما وبيورا، وهي مدينة تقع في الشمال وقد عشت فيها في صغري. هي رواية عن البيرو الحالية، حول التغيرات الكبيرة في المجتمع، حول التحديث، التطور الاقتصادي، صعود الطبقة الوسطى وفي الوقت عينه صعود عدم الأمان والعنف المديني وعصابات المخدرات وتحول البلاد بشكل عام وبخاصة عبر ظهور طبقة جديدة. هذا هو سياق هذه الرواية الجديدة.
(*) كتبت "السمكة في المياه"، وهي سيرة ذاتية، قبل عشرين سنة بالضبط. هل في نيتك أن تكتب تكملة له؟
حين أنهي كتابة أقاصيص بوكاتشيو، سأقوم فعلًا بكتابة جزء آخر من سيرتي. لكن، سأحدد الفترة بتلك السنوات السبع التي أمضيتها في باريس، خلال ستينيات القرن الماضي، في حقبة كانت فيها باريس أكثر المدن إبداعًا على المستوى الثقافي، الأدبي والفني، عبر وجوه على قدر كبير من الأهمية مثل سارتر وريمون آرون وكامو. كانت أيضًا فترة عظيمة فيما يخص المسرح. إنها سنوات مسرح العبث مع بيكيت ويونسكو وآداموف. ولاحقًا، جاء جان فيلار ومسرحه الوطني الشعبي، وجان لوي بارو في مسرح الأوديون. هي أيضًا فترة الموجة الجديدة في السينما.
(*) هل تشتاق إلى تلك الحقبة...
كانت حقبة رائعة، حيث أن الحياة السياسية لا تفترق عن الحياة الثقافية. حضرت في "لا موتوياليتيه" بعض النقاشات السياسية المدهشة. أعتقد أن الجدل السياسي الأكثر حيوية الذي شاهدته في حياتي كان نقاشًا بين رئيس الوزراء في عهد ديغول، ميشال دوبريه، وبين بيير مندس فرانس. حملت الجلسة برهانًا كبيرًا على الذكاء والأناقة الثقافية مع محتوى سياسي كبير. بالنسبة إليّ، كانت السنوات الأهم في حياتي من وجهة نظر أدبية كما من وجهة نظر شخصية. أتمنى أن تمهلني الحياة لأحقق هذا المشروع.
(*) هل هناك من أشياء أو من موضوعات كنت تقترب منها في الكتابة لم تعد راغبًا في الاقتراب منها حاليًا؟
ثمة أشياء كثيرة كتبتها في الماضي وسأكتبها اليوم ربما بشكل مختلف، بيد أنه لا يمكننا رفض تجربتنا الخاصة، أليس كذلك؟ الأقاصيص التي كتبتها موجودة أمامنا. كانت مغامرة مكثفة حين كتبتها في تلك اللحظة. أنا متضامن مع كل ما كتبته سابقًا.