}

اعترافًا بتأثيره على الأدب التركي: تركيا تحتفي ببوشكين

سمير رمان سمير رمان 13 يناير 2025
تغطيات اعترافًا بتأثيره على الأدب التركي: تركيا تحتفي ببوشكين
ألكسندر بوشكين (1799 - 1837)

في ذكرى 225 على ولادة الشاعر الروسي ألكسندر بوشكين، أقيمت في عدد من مناطق تركيا فعاليات وأنشطة عدّة تخليدًا لذكراه، واعترافًا بمكانته في الأدب العالمي، وتأثيره على الأدب التركي.
أهمّ هذه الفعاليات أُقيمت في إسطنبول، حيث نُظمت فعاليتان في منطقتي: كاديكوي، وإسكودار، وحضرها كثير من الأدباء والكتاب، وطلبة الجامعات الدارسين للغة الروسية.
في تركيا، كان ألكسندر بوشكين معروفًا للقراء منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وكما هي الحال في عدد من دول العالم، اكتسب بوشكين شهرته في تركيا بفضل أعماله النثرية بالدرجة الأولى. في عام 1887، وصلت المترجمة الروسية أولغا ليبيديفا إلى إسطنبول، وبدأت، بحسب عالم اللغة التركية البارز ب. أ. غورديلوفسكي، في نشر مواد عن الأدب الروسي، وعن سيرة بوشكين، بالإضافة إلى ترجمتها أعماله النثرية "العاصفة الثلجية"، و"بنت البستوني"، في صحيفة "ترسيومان حقيقات". عرف القارئ التركي أولغا ليبيديفا باسمها المستعار "غولنار هانم". وفي ما بعد، عرّفت أولغا القارئ التركي على ليف تولستوي، وميخائيل ليرمانتوف. وتقديرًا لخدماتها في التقارب بين الثقافتين الروسية والتركية، منحها السلطان التركي وسام الشرف.
بالإضافة إلى ذلك، قامت مترجمة مجريّة تدعى نيغار هانم بترجمة أعمالٍ أُخرى لبوشكين إلى اللغة التركية، ولكن هذه المرّة من اللغة الألمانية. ومع ذلك، وحتى ثلاثينيات القرن العشرين، لم يكن اسم ألكسندر بوشكين معروفًا عند عموم القراء الأتراك. وحتى بعد مرور مئة عامٍ على مقتل الشاعر، كان الأكاديمي غوردولوفسكي يجد صعوبةً في تقديم مثال واحد مترجم إلى اللغة التركية من شعر بوشكين. على الرغم من ذلك، استمر الكتَّاب الأتراك في الكتابة عن بوشكين. وهكذا، أشار ثريّا ساميزاده إلى هذا الأمر، في مقالةٍ نشرها في ثلاثينيات القرن العشرين بعنوان "بوشكين: حياة كاتبٍ عظيم ومؤلفاته"، فقال: ".... ليس لدى الأدباء الروس ما هو متصنّع. والقدرة على وصف الحياة كما هي عليه هي الصفة المميزة الرئيسة للكتاب الروس. كلّ هذه الصفات مركّزة في أعمال الشاعر بوشكين. وهذا يعني لنا الارتقاء إلى قمة الأدب العالمي".
يعود سبب تأخّر ترجمة قصائد بوشكين إلى اللغة التركية إلى الصعوبة التي يواجهها المترجمون في ترجمة الأوزان الشعرية من عائلة اللغات الهندو ــ أوروبية إلى اللغة التركية، التي تمثّل عائلة اللغات الألطية (نسبة إلى مناطق آلطاي). ولهذا، لم تظهر الكتب الأولى من قصائد بوشكين باللغة التركية إلا في تسعينيات القرن الماضي، حيث تصدّى كلّ من: آطال بهرام أوغلو، وهالوك أوغلو، وآزر ياران، لهذه المهمّة الشاقّة. أمّا الترجمة الأولى لأهم أعمال بوشيكن "يفغيني أنيغين" فظهرت فقط في عام 2003، أي بعد نشر الرواية الشعرية الكاملة بـ172 عامًا. في الوقت الحالي، تتم ترجمة أعمال بوشكين النثرية والشعرية على أيدي أكثر من 12 مترجمًا، وتصدر في دور نشرٍ مختلفة في عدد من مناطق الجمهورية التركية.




ألكسندر بوشكين، وعلى الرغم من حياته القصيرة (يوليو/ تموز 1799 ــ يناير/ كانون الثاني 1837)، هو أحد أبرز الشخصيات الأدبية الروسية في الثلث الأول من القرن التاسع عشر، فقد كان من أوائل من وضع أسس الأدب الواقعي في روسيا، ونال شهرةً واسعة في حياته كشاعرٍ وناثرٍ وناقدٍ أدبي. وينظر إليه كمؤسسٍ للأدب الروسي المعاصر. كان والد جدّه لأمّه من أصولٍ أفريقية (يعتقد أنّها مغربية)، واسمه إبراهيم هانيبعل. كان إبراهيم خادمًا ومربيًّا للإمبراطور بطرس الأول، الأمر الذي كان موضع فخر واعتزاز الشاعر. أثناء دراسته في الثانوية، دخل بوشكين معترك الشعر، وشارك بنشاطٍ في مختلف الأنشطة الأدبية. بعد تخرجه، التحق بالعمل الحكومي في سانت بطرسبورغ موظفًا في أرشيف وزارة الخارجية، ولكنّه نقل عام 1820 إلى مقاطعة مولدوفا في الجنوب عقابًا له على تلميحات سياسية ضدّ القيصر ألكسندر الأول. في الطريق، أصيب بوشكين بالتهابٍ رئويّ شديد، فنقل إلى القوقاز، ومن ثمّ إلى جزيرة القرم، وهناك اشتغل على إنهاء قصيدته المعروفة "الأسير القوقازي"، التي وضعته على قمّة الأدب الروسي المعاصر كلّه. في جزيرة القرم، ظهرت عند الشاعر فكرة كتابة قصيدة "نافورة بهجة ساراي" المستوحاة من نافورة الدموع في حدائق قصر بهجة ساراي، وقصيدة "يفغيني أنيغين".
بعد أن فتح البوليس إحدى رسائله التي يعترف فيها بولعه بـ"الدراسات الإلحادية"، سرّح بوشكين من العمل عام 1824، وحدّدت إقامته في مقاطعة بيسكوفا، وهي قرية ميخائيلوفسك، حيث تعيش عائلته، ووضع تحت مراقبة سلطاتها المحليّة. لم تفتّ الحياة الريفية من عزيمة الشاعر، فنجح في تحويل عزلته إلى فرصةٍ للقراءة والتفكير والتأمل والعمل. هناك كتب بوشكين قصيدة "حوار مع بائع الكتب" التي جعلها مقدمةً لملحمته المقبلة "يفغيني أونيغين". كما أنّه كتب الدراما الشعبية "بوريس غودونوف"، والقصيدة الساخرة "الكونت نولين"، ووصل عدد الأعمال التي ألّفها خلال تواجده في القرية النائية إلى قرابة مئة عملٍ.
في عام 1825، أرسل بوشكين إلى السلطات رسالةً يطلب فيها السماح له بالانتقال إلى العاصمة، أو إلى موسكو، متذرعًا بسوء حالته الصحية (أرفق الرسالة بتقارير طبية)، وأعلن في الرسالة أنّه لا ينتمي إلى أيّ من التنظيمات السريّة. لم يطل انتظار الشاعر للردّ، فقد وصل أحد الموظفين بعد فترةٍ وجيزة إلى القرية ليصطحب بوشكين إلى موسكو، حيث خصّه القيصر نيقولاي الأول بلقاءٍ على انفراد. في تلك الفترة بالتحديد، ظهر لدى الشاعر اهتمام بشخصية القيصر بطرس الأول، الذي سيجعله بطل روايته التي بدأها عن جدّه إبراهيم هانيبعل، وبطل قصيدته الجديدة "بولتافا"، التي جمع فيها الشاعر مواضيع عدة، مثل العلاقات الروسية الأوروبية، توحيد الشعوب، سعادة الفرد، على خلفية الأحداث التاريخية الكبرى.
في عام 1825، التحق بوشكين بالجيش النظامي، وشارك في الحرب ضد تركيا على جبهة القوقاز. أثناء خدمته، عقد بوشكين صداقاتٍ مع جنودٍ عاديين من حركة الديكابريين (المناهضة للقيصر)، فاستدعاه قائد الجيش، الذي قال له "إنّ روسيا تنظر إليك كقيمةٍ وثروة. أنصحك بالابتعاد عن هؤلاء. لم يتبق لك ما تفعله هنا، وعليك مغادرة الجيش فورًا. لقد جهزت لك مرافقة موثوقة". في نهاية عام 1829، طلب بوشكين الإذن بالسفر خارج البلاد، ولكنّ طلبه قوبل بالرفض.
وفي بداية الثلاثينيات، تحول اهتمام بوشكين إلى النثر، فكتب روايات "قصة بيلكين"، وقصّة "دوبروفسكي"، لينتخب بعدها عضوًا في الأكاديمية الروسية. عاد بوشكين بعدها إلى القرية، حيث أنهى هناك رواياته: "قصة بوغاتشوفا"، و"أغاني السلاف الغربيين"، و"الفارس النحاسي"، و"حكاية السمكة والصياد"، و"حكاية القيصرة الميتة والعمالقة السبع". وعندما عاد إلى سان بطرسبورغ، نشر في بداية عام 1834 قصة "بنت البستوني".
سرت شائعات عن علاقة زوجة الشاعر بالضابط في الجيش الروسي (دانتيس)، فأرسل بوشكين له رسالة يدعوه فيها إلى المبارزة. بعد تدخل الأصدقاء، أُجلَ موعد المبارزة لأشهر، ولكنّها وقعت في نهاية المطاف. أصيب بوشكين في بطنه، وكانت الإصابة قاتلة، وفق معايير تلك الحقبة، الأمر الذي لم يخفه الطبيب عنه. قبل وفاته، أرسل بوشكين رسالة إلى القيصر يطلب فيها الصفح والمسامحة: ".... أنتظر كلمة القيصر، كي أموت بسلام.....". لم يتأخر الردّ: "إن لم يأذن الربّ أن نلتقي في هذه الحياة، أمنحك الصفح، وآمل أن تموت مسيحيًا. لا تقلق بشأن زوجتك وأطفالك، فهم منذ الآن تحت رعايتي". لم يخلف القيصر وعده، فأمر بتسديد الديون المستحقة على بوشكين، ومنح الزوجة والأطفال ما يكفيهم للعيش اللائق، ومتابعة الدراسة. كان القيصر يرى في بوشكين "قائدًا لأصحاب الأفكار المتحررة"، ولذلك صدرت الأوامر بأن يكون التأبين والجنازة متواضعين، وهذا ما كان. لكنّ ذلك لم يمنع نجم الشاعر من الاستمرار حتى اليوم في التألق في سماء الأدب العالمي كلّه.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.