}

لماذا تلوذ الكنيسة الغربية بالصمت حيال الفظائع في غزة؟

جاين بارتر 14 يناير 2025
ترجمات لماذا تلوذ الكنيسة الغربية بالصمت حيال الفظائع في غزة؟
مشهد المذود الذي يظهر الطفل يسوع وهو يرتدي الكوفية

 

ترجمة وتقديم: دارين حوماني

في هذا المقال، تتساءل الباحثة الكندية جاين بارتر (Jane Barter) كيف ولماذا يسود صمت الكنيسة الغربية تجاه الأزمة في غزة وتجاه كل ما يتعلق بالأيديولوجيات الاستعمارية الاستيطانية. وتطلق نداء إلى المسيحيين حول العالم لرفض الأيديولوجيا القائلة بأن الاحتجاج على الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني يشكّل اعتداءً على الحرية اليهودية. وتطالب بارتر الكنيسة الغربية بدعم استراتيجيات حركة المقاطعة BDS على نطاق واسع.

حصلت جاين بارتر على درجة الدكتوراه من كلية جامعة سانت مايكل في جامعة تورنتو (2004). وتشمل اهتماماتها البحثية اللاهوت السياسي، والسياسة اللاهوتية، والذاكرة، والعنف. وهي حاليًا أستاذة في قسم الدين والثقافة في جامعة وينيبيغ في كندا. نشرت كتابين في اللاهوت المسيحي: "الرب واهب الحياة" (دار نشر جامعة ويلفريد لورييه، 2006) و"المسيح المفكر: علم المسيح والنقاد المعاصرون" (دار نشر فورتريس، 2011). شاركت مؤخرًا (مع دوريس كايزر، كلية سانت جوزيف، جامعة ألبرتا) في تحرير مجلد خاص من مجلة اللاهوت الأخلاقي حول الاعتذار للناجين من السكان الأصليين من المدارس الداخلية في كندا، وهو موضوع أثار ضجة كبيرة في كندا بعد اكتشاف مقابر جماعية تحوي رفات أطفال من السكان الأصليين. وبارتر هي محررة المجلد الخاص بعلم المسيح في موسوعة "تي آند تي كلارك للاهوت المسيحي". مشروعها الحالي هو كتاب عن الشهادة على الفظائع المعاصرة وسابقاتها اللاهوتية.

***

المقال

أصدرت منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان مؤخرًا تقريرًا خلصت فيه إلى أن تصرفات إسرائيل في غزة تشكّل إبادة جماعية. وقد أدت الحرب في غزة إلى دعوات واسعة النطاق لوقف إطلاق النار. كما أثار هذا الوضع، وتداعياته على مستوى العالم، تساؤلات وحسابات بين مختلف المجتمعات والمؤسسات حول كيفية الاستجابة للمعاناة وكيفية الشهادة على الأحداث والأمل في تحقيق التحول.

في رسالة صدرت مؤخرًا بمناسبة الأحد الأول من زمن المجيء، أصدر القس منذر إسحق، أحد أبرز علماء اللاهوت المسيحيين الفلسطينيين، رسالة يناشد فيها العالم لـ "إضفاء الطابع الإنساني على أطفال غزة، أطفال فلسطين". كما تُطلق مناشدات مشابهة من أصوات مسلمة ويهودية لدعم حقوق الإنسان الفلسطيني. وتؤكد هذه المجتمعات الدينية التي تحتج على احتلال إسرائيل والإبادة الجماعية، أن انتقاد القومية العرقية الصهيونية لا ينبغي أن يُعادل معاداة السامية. في المقابل، تنكر إسرائيل الاتهام بالإبادة الجماعية وتصرّح بأنها تتصرف دفاعًا عن النفس عقب هجمات 7 أكتوبر.

باعتباري عالمة لاهوت مسيحي وأستاذة للدين والثقافة، كنت أفكر فيما يعنيه هذا النداء إلى "الإنسانية" بالنسبة للكنائس المسيحية واللاهوتيين.

لقد شاركت مؤخرًا في كتابة مقال مع أستاذ اللاهوت ميشيل أندراوس من جامعة القديس بولس بعنوان "خطيئة ضد الإنسانية والله: الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني وصمت الكنائس". يستكشف هذا المقال كيف ولماذا يسود الصمت الدائم في استجابات الكنيسة الغربية تجاه الأزمة في غزة(1).

في العام الماضي، في كنيسته في بيت لحم، قام إسحق بإنشاء مشهد المذود الذي يظهر الطفل يسوع وهو يرتدي الكوفية بين الأنقاض المبعثرة، تذكيرًا بالشخص الذي يؤمن العديد من علماء "لاهوت التحرير" Liberation theology، مثل إسحق، بأنه يقف إلى جانب المهمشين والمضطهدين.

كان هدف هذا المذود تذكير المسيحيين بالطفل يسوع الذي يؤمنون بأنه وُلِد في ملجأ مؤقت، في أرض تحت الاحتلال العسكري، ولحثّهم على الاعتراف الجديد بمعاناة الفلسطينيين. قال إسحق في عظة عيد الميلاد/ الحداد التي ألقاها العام الماضي: "أدعوكم لِرؤية صورة يسوع في كل طفل يُقتل ويُنتشل من تحت الأنقاض".

أصدر القس منذر إسحق رسالة يناشد فيها العالم لـ "إضفاء الطابع الإنساني على أطفال غزة، أطفال فلسطين".


الصمت حيال الأيديولوجيات الاستعمارية الاستيطانية

دعت بعض الكنائس والهيئات الكنسية في كندا إلى وقف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية ووقف جميع عمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل. وفي فبراير/ شباط الماضي، حثّ البعض الحكومة الكندية على الوفاء "بالتزامها بمنع جريمة الإبادة الجماعية حيثما قد تحدث".

ولكن هناك العديد من أشكال الصمت التي تسود ردود أفعال الكنيسة، ومن بينها ما يتعلق بالأيديولوجيات الاستعمارية الاستيطانية. وكما كتب عالم اللاهوت الفلسطيني متري راهب في كتابه "إزالة الاستعمار من فلسطين: الأرض والشعب والكتاب المقدس"، هناك حاجة إلى فك الارتباطات بين الاستعمار الاستيطاني الغربي واللاهوت المسيحي والصهيونية والأراضي الفلسطينية.

في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، دعت رسالة مفتوحة إلى الزعماء واللاهوتيين المسيحيين الغربيين من "منظمة كايروس فلسطين"، وهي حركة مسيحية فلسطينية، الكنائس في الغرب إلى "التوبة عن لامبالاتها تجاه معاناة الفلسطينيين".

وجاء في الرسالة أن هذه اللامبالاة تنعكس في معايير مزدوجة غربية "تضفي طابعًا إنسانيًا على اليهود الإسرائيليين بينما تصر على نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين وتبييض معاناتهم". وتعكس هذه المعايير المزدوجة "خطابًا استعماريًا راسخًا استخدم الكتاب المقدس كسلاح لتبرير التطهير العرقي للشعوب الأصلية في الأميركتين وأوقيانوسيا وأماكن أخرى".

ومنذ صدور الرسالة، ارتفع عدد القتلى في غزة بشكل حادّ.

وفي حين أن الصهيونية المسيحية المحافظة ظاهرة معروفة في أميركا الشمالية، فإن أشكالًا أقل شهرة من الصهيونية المسيحية يمكن أن نراها في الكاثوليكية والأنجليكانية واللوثرية.



نداءات الكنيسة

هناك طريقة أخرى تعكس بها الكنائس صمتها إزاء العنف في غزة، وهي الحوار بين الأديان. ونحن نؤكد أن الكنائس الرئيسية أو الليبرالية تظل ملتزمة بما أسماه عالم اللاهوت اليهودي الراحل مارك إليس "الحوار الإيكومينيكي بين الأديان" (interfaith ecumenical deal).

يناقش إليس بأن هذا الحوار يتألف من توبة الكنائس عن تاريخها الطويل من معاداة اليهودية ومعاداة السامية إلى حد كبير من خلال التزام الصمت بشأن القومية العرقية الصهيونية وقمع الفلسطينيين. بعبارة أخرى، يصبح الفلسطينيون ضحية التضحية بالذنب المسيحي بسبب معاداة اليهودية/ معاداة السامية المسيحية وتواطئهم في المحرقة (الهولوكوست).

يتعين على المسيحيين حول العالم تحدي النماذج القديمة للحوار بين الأديان والتي لا تتناول الاحتلال الإسرائيلي. وتستمر إسرائيل في تلقي الدعم من الغرب، بما في ذلك الكنائس، ويرجع هذا جزئيًا إلى التزامها بأن الإبادة الجماعية للشعب اليهودي يجب ألا تتكرر "أبدًا".

إن هذا المنطق معيب. فهو أولًا يدعم أيديولوجية مفادها أن الأمن اليهودي لا يمكن تأمينه إلا من خلال القومية العرقية العسكرية. وثانيًا، إنه يلقي بمسؤولية حماية الحياة اليهودية على عاتق إسرائيل وحدها. فلا بد وأن يتمتع الشعب اليهودي بالأمن في جميع أنحاء العالم.

يجب على المسيحيين رفض الأيديولوجيا القائلة بأن الاحتجاج على الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني يشكل اعتداءً على الحرية اليهودية. فالحرية اليهودية والفلسطينية مرتبطتان ارتباطًا وثيقًا، وما لم نفهم التحرير من منظور عالمي فإننا بذلك نخلق أشكالًا جديدة من الاستبداد.

الحياد يعادل التواطؤ

ويؤكد علماء اللاهوت المسيحيون الفلسطينيون أن الحياد المسيحي الغربي يعادل التواطؤ. وكما قال إسحق: "من المؤسف أن العديد من المسيحيين الغربيين من مختلف الطوائف والأطياف اللاهوتية يتبنون اللاهوت والتفسيرات الصهيونية التي تبرر الحرب، مما يجعلهم متواطئين مع عنف إسرائيل وقمعها".

إن مواقف معظم الكنائس الرئيسية، عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، تشكل استثناءً واضحًا من ردود أفعالها التاريخية تجاه الفظائع الأخرى وانتهاكات حقوق الإنسان واسعة النطاق، والتي أدانتها بشدة، مثل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

أصدر البابا فرنسيس كتابًا في إيطاليا بعنوان "الأمل لا يخيب أبدًا" يتناول فيه الأزمة الإنسانية في غزة ومعاناة الفلسطينين واللاجئين


الحاجة إلى دعم استراتيجيات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات وحظر الأسلحة

يمكن رؤية الإجراءات الفعّالة التي تعكس القلق على حياة الفلسطينيين في بعض ردود أفعال الكنائس. ففي الاجتماع الأخير للمجلس العام للكنيسة المتحدة في كندا، اعتمدت الكنيسة قرارًا ينص على:

"تطبيق مبادئ العدالة على الصراع في إسرائيل وفلسطين بطريقة تمكّن من تبني استراتيجيات (حركة) المقاطعة، وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) والانضمام إلى إجماع مجتمعات حقوق الإنسان الدولية في الاعتراف بنظام الفصل العنصري الإسرائيلي ورفضه".

ويتحدث بعض قادة الكنائس الأخرى عما يحصل، فقد دعا البابا فرانسيس إلى إجراء تحقيق لتحديد ما إذا كانت هناك إبادة جماعية تحدث في غزة(2). وفي أغسطس/ آب الماضي، قال رئيس أساقفة كانتربري (بريطانيا) جاستن ويلبي إن "دولة إسرائيل تحرم الشعب الفلسطيني من الكرامة والحرية والأمل"، ودعا إلى إنهاء الاحتلال.

وتشير هذه التعليقات الأخيرة إلى خطوات في الاتجاه الصحيح، ولكن يتعين على زعماء الكنيسة أن يتجاوزوا الأقوال إلى العمل. وينبغي أن تشمل الأفعال الضغط على الحكومات الغربية لفرض حظر على الأسلحة، والدعوة صراحة إلى وقف إطلاق النار الدائم لوقف الإبادة الجماعية.

من الممكن أن يقدّم علماء اللاهوت الكنديون إسهامًا كبيرًا في استجابة الكنيسة للتضامن. يمكن لعلماء اللاهوت أن يساهموا من خلال التحقيق في الروابط الدائمة بين التبرير اللاهوتي للاستعمار الاستيطاني في كل من الأراضي الفلسطينية وفي كندا، والإبادة الجماعية للشعوب الأصلية ومعاداة اليهودية ومعاداة السامية لدى المسيحيين (على سبيل المثال، الأفكار حول "استبدال" المسيحيين باليهود باعتبارهم "شعب العهد" لدى الله).

إن العمل مع المجموعات الفلسطينية والمسلمة واليهودية والمجموعات المناهضة للاستعمار والتي تعمل ضد الاحتلال الإسرائيلي يمكن أن يكون مصدرًا للتضامن والعمل بين الأديان.

يمر عيدان ميلاديان بدون نهاية للقتل والدمار. عيدان ميلاديان ناشد فيهما المسيحيون الفلسطينيون الكنائس الغربية التوبة والاستجابة، وعيدان ميلاديان سقطت فيهما صرخاتهم إلى حد كبير على آذان صمّاء.

***

نُشر هذا المقال بتاريخ 19 كانون الأول/ ديسمبر 2024 على الرابط التالي:

https://theconversation.com/palestinian-christians-call-on-western-churches-to-humanize-the-children-of-gaza-244377

إحالات:

(1) في اجتماعها السنوي في حزيران/ يونيو 2024، أقر أعضاء الجمعية اللاهوتية الكندية التضامن مع الفلسطينيين والطلاب المحتجين في المخيمات في جامعات كندا والجامعات حول العالم. وأعرب البيان عن أسفه لفقدان أكثر من 40 ألف حياة في فلسطين (في وقت كتابة هذا التقرير)، بمن في ذلك 15 ألف طفل؛ ودان إبادة الأساتذة والطلاب في غزة؛ وأعرب عن تعازيه وتضامنه مع هؤلاء الطلاب وأعضاء هيئة التدريس هناك الذين يواصلون التعلم والتدريس في أبشع الظروف. وكان البيان أيضًا تعبيرًا عن التزام الجمعية بنداء المسيحيين الفلسطينيين والاستجابة لدعوتهم علماء اللاهوت الغربيين والمؤسسات التعليمية والكنائس للتوبة عن لامبالاتهم الطويلة الأمد تجاه معاناتهم وتواطئهم في الإبادة الجماعية المستمرة. في هذا المقال، يشرح المؤلفان الدافع والمعنى والأهمية التي تحملها هذه الحركة بالنسبة للاهوت الكندي اليوم، ويحثان المؤسسات اللاهوتية والكنائس الغربية على تقييم لامبالاتها التاريخية وتواطئها في النكبة المستمرة للشعب الفلسطيني بشكل نقدي وعاجل. كما يدعو المؤلفان علماء اللاهوت الكنديين إلى التحقيق في الروابط الدائمة بين التبرير اللاهوتي للاستعمار الاستيطاني في كندا وفلسطين، والإبادة الجماعية للشعوب الأصلية.

(2) بتاريخ 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 نشر موقع Vatikan news أن البابا فرنسيس صرّح بأنه "يجب التحقيق فيما إذا كانت هناك إبادة جماعية تحدث في غزة واحترام الكرامة الإنسانية"، وأعلن الموقع عن صدور كتاب للبابا فرنسيس في إيطاليا بعنوان "الأمل لا يخيب أبدًا" يتناول فيه الأزمة الإنسانية في غزة ومعاناة الفلسطينين واللاجئين، ومما يقول فيه: "في الشرق الأوسط، حيث تظل الأبواب المفتوحة مثل الأردن أو لبنان بمثابة الخلاص لملايين الأشخاص الفارين من الصراعات في المنطقة: أفكر قبل كل شيء في أولئك الذين يغادرون غزة في خضم المجاعة التي ضربت إخوانهم وأخواتهم الفلسطينيين نظرًا لصعوبة الحصول على الغذاء والمساعدات إلى أراضيهم. يجب أن يدرس المجتمع الدولي جرائم الإبادة الإسرائيلية في غزة وكشف حقيقة العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة التي تشكّل إبادة جماعية للشعب الفلسطيني". ويكتب البابا فرنسيس: "وفقًا لبعض الخبراء، فإن ما يحدث في غزة له خصائص الإبادة الجماعية، ويجب التحقيق فيه بعناية". وتعدّ هذه الانتقادات من أكثر انتقاداته صراحة حتى الآن لسلوك إسرائيل في حربها المستمرة منذ عام وأربعة أشهر.

 

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.