احتضنت العاصمة الفرنسية احتفالية استثنائية بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيس دار أوركسترا باريس الفيلهارمونية، هذا الصرح الموسيقي العملاق الذي يعد من أضخم المسارح في العالم، حيث يتسع لما يصل إلى 3600 متفرج. وكشف مديرها العام، أوليفييه مانتيه، عن برنامج احتفالي طموح يسلط الضوء على المواهب النسائية في قيادة الأوركسترا والمبادرات الاجتماعية التي تستهدف الأطفال من الأحياء الشعبية.
وتعد الدار التي تحمل اسم الملحن الفرنسي الشهير بيار بوليز، أكثر من مجرد قاعة للعروض الموسيقية، إذ تضم تحت سقفها منظومة متكاملة للإبداع الموسيقي، تشمل استوديوهات للتسجيل، وغرفًا للتدريب، ومعارض صوتية، ومساحات تعليمية مخصصة للأطفال، وحتى إذاعة تجريبية. ويتردد على هذا الصرح الثقافي يوميًا نحو 500 موسيقي، مما يجعله نقطة التقاء حيوية للمواهب الموسيقية في قلب باريس.
ومن أبرز مبادرات الدار برنامج "ديمو" الذي يفتح آفاقًا جديدة للأطفال من الأحياء المهمشة، حيث استفاد منه أكثر من 12 ألف طفل منذ عام 2010. ويتيح البرنامج للمشاركين فرصة استعارة الآلات الموسيقية والتدرب عليها، مع إمكانية الانضمام إلى إحدى الفرق الأوركسترالية الخمسين المنتشرة في أنحاء فرنسا.
وفي خطوة رائدة لتعزيز التنوع في عالم الموسيقى الكلاسيكية، تستعد الدار لإطلاق نسخة 2026 من مسابقة "لا مايسترا" المخصصة لقائدات الأوركسترا، حيث ستتاح للمتأهلات للنهائيات فرصة قيادة أوركسترا باريس في عمل سيمفوني. وتأتي هذه المبادرة في وقت تشير فيه الإحصائيات إلى أن نسبة النساء في قيادة الأوركسترات العالمية لا تتجاوز 4% فقط.
وتوجت الدار احتفالاتها بسلسلة من الحفلات المتنوعة حتى 14 كانون الثاني/ يناير، تجمع بين الموسيقى الكلاسيكية مع القائدين المرموقين غوستافو دوداميل وسيمون راتل، والموسيقى المعاصرة من خلال "ليلة إلكترونية" وحفل لمغني الراب برينس والي. وتعكس هذه التشكيلة المتنوعة فلسفة الدار في مد جسور التواصل بين مختلف الأنماط الموسيقية وفئات المجتمع.
يذكر أن الدار، التي اندمجت منذ 2019 في مجمع ثقافي أكبر، نجحت في استقطاب جمهور واسع من محبي الموسيقى، وأصبحت نموذجًا يحتذى به عالميًا في دمج الفنون الموسيقية مع المبادرات الاجتماعية والتعليمية.