}

الفلسطينيون والمسلمون بالإعلام الكندي: في غسيل الأدمغة وتأجيج الإسلاموفوبيا

ضفة ثالثة- خاص 29 يناير 2025
تغطيات الفلسطينيون والمسلمون بالإعلام الكندي: في غسيل الأدمغة وتأجيج الإسلاموفوبيا
تعتبر مونتريال غازيت مظاهرات الدعم لغزة معاداة للسامية

تحت عنوان "إحياء الذكرى الثامنة للمأساة التي وقعت في المسجد الكبير" عُقد في المركز الثقافي الإسلامي في مدينة كيبيك الكندية مؤتمر حول الإسلاموفوبيا ووسائل الإعلام في كندا على مدار ثلاثة أيام في 25 و 26 ويُختتم اليوم في 29 كانون الثاني/ يناير 2025، وهذا اليوم الأخير يُصادف يوم المجزرة التي ارتكبها الشاب الكندي ألكسندر بيسونيت Alexandre Bissonnette حين دخل في 29 كانون الثاني/ يناير 2017 إلى "المسجد الكبير" في مدينة كيبيك وأطلق النار على المصلين، ما أسفر عن استشهاد 6 أشخاص وإصابة 17 آخرين، وكانت إصابة أحدهم بليغة ويُدعى أيمن الدربالي ويعاني من شلل نصفي بعدما أطلق منفّذ الهجوم 7 رصاصات عليه وهو يحاول منعه من مواصلة إطلاق النار. وقد حضر رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إلى المركز الثقافي الإسلامي في كيبيك في يوم انطلاق المؤتمر والتقى بعائلات شهداء هذه المجزرة تأكيدًا على تعاطفه معهم، وكان قد صرّح في وقت سابق "ندين هذا الهجوم الإرهابي على المسلمين في مركز عبادة ولجوء، الكنديون المسلمون جزء مهم من نسيجنا القومي ولا مكان لهذه الأفعال الحمقاء في مجتمعاتنا ومدننا وبلادنا".

مجزرة اهتزت لها الأوساط السياسية والحقوقية والإعلامية في كندا، وإثر ذلك تم الإعلان عن "أسبوع التوعية بالمسلمين" كل عام الذي يُصادف في مثل هذه الأيام، ويتم خلاله تقديم برامج وندوات وورش عمل على مدار أسبوع كامل، بمشاركة رسمية، وذلك بهدف محاربة الإسلاموفوبيا التي تتزايد في كندا ومختلف البلاد الأميركية والأوروبية.

وقد جاء في بيان المؤتمر في كيبيك هذا العام: "إحياء ذكرى المأساة التي وقعت في المسجد الكبير في كيبيك هو واجب للوفاء لشهدائنا الذين سقطوا برصاص الكراهية والجهل بالآخر، ويُلزمنا هذا الجهل بالإسلام والمسلمين بالمشاركة في التعريف بالدين الإسلامي وبالمسلمين من أجل تجنّب الخلط والكراهية تجاه المجهول".

تضمّن المؤتمر في كيبيك هذا العام العديد من الندوات والمحاضرات منها، "النمو المشترك: التجربة الأفرو- كيبكية" قدّمها آلي نداي Aly Ndiaye وهو كاتب وموسيقي؛ "أهمية مشاركة قصصنا" قدّمتها أميرة الغوابي وهي ممثلة خاصة للحكومة الكندية مكلفة بمكافحة الإسلاموفوبيا؛ "الكنديون الكيبيكيون والمسلمون والإعلام" قدّمها المحامي والسياسي حسن غيّة؛ "وسائل الإعلام في كندا والمراكز الثقافية الإسلامية" قدّمها بوفليجة بن عبدالله وهو خبير تنمية مستدامة للطاقة المتجددة ومؤسس المركز الإسلامي الثقافي في كيبيك؛ "الإسلام والإعلام والعيش معًا" قدّمها غيوم لافالي Guillaume Lavallée وهو رئيس مكتب القدس المسؤول عن غلاف إسرائيل والأراضي الفلسطينية في وكالة الصحافة الفرنسية؛ "مقدمة عن الإسلام: فهم الأسس وتعزيز الحوار بين الأديان" قدّمها عماد جرّاس وهو أستاذ محاضر في عدد من الكليات في كندا؛ وغيرها العديد من المحاضرات التي تغطي موضوعات في الإعلام ورهاب الإسلاموفوبيا. كما كانت للزميلة دارين حوماني مداخلة بعنوان "الإعلام الكندي وتشكيل الرأي العام ضد الفلسطينيين والمسلمين" في اليوم الأول من المؤتمر.

****

الإعلام الكندي وتشكيل الرأي العام ضد الفلسطينيين والمسلمين- دارين حوماني

في 29-1-2017 فتح الشاب ألكسندر بيسونيت وعمره 27 عامًا النار على مصلين في المسجد الكبير في كيبيك، وفي 30-12-2022 دخل أحد الأشخاص إلى مسجد في مونتريال وقال إن النبي محمد رجل حرب وقاتل وأنّ المسيح سيأتي في نهاية العالم ويقتل المسلمين. وفي 20-9 -2024 دخل رجل يحمل سكينًا إلى المركز الثقافي الإسلامي في مونتريال وجرح ثلاثة مصلين... هناك أيضًا عشرات العمليات المصحوبة بكراهية عميقة تجاه الدين الإسلامي، ولكن ما هي أسباب هذه الكراهية، ومن يؤجّجها؟

سنقرأ مقالًا بتاريخ 23-4-2018 في صحيفة مونتريال غازيت Montreal Gazette بعنوان "داخل حياة قاتل مسجد كيبيك ألكسندر بيسونيت"، ويذكر المقال:

"بعد استجواب الشرطة لمدة ثلاث ساعات في صباح اليوم التالي، صرّح بيسونيت بأنه استهدف المسجد لأنه كان قلقًا من أن يأتي اللاجئون إلى كيبيك ويقتلون عائلته".

اللاجئون هم المهاجرون وهم المسلمون في المسجد.

إن ما فعله بيسونيت من كراهية جزء من جرائم كثيرة تحصل بسبب التحريض، ولا يمكن أن نقول عن مرتكبي هذه الجرائم إلا أنهم ضحايا تحريض، وعلينا أولًا أن نبحث من أين ينبع التحريض. لطالما لعبت وسائل الإعلام دورًا في تشكيل توجهات الرأي العام وتوجيهه، وقد أثبتت لنا أحداث كثيرة حول العالم كيف كان للإعلام دور محوري في التحريض على الكراهية وتأجيج مظاهر الإسلاموفوبيا، وربطهم الهوية الإسلامية بالإرهاب، والأمر لا يقتصر على الهوية الإسلامية بل على الهوية الفلسطينية مؤخرًا بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023.

في كتابها "فوبيا الإسلام وسياسات الإمبراطورية"، تتحدث ديبا كومار Deepa Kumar كيف بدأ تعزيز الكراهية للمسلمين منذ 11 أيلول/ سبتمبر 2001 فتقول "بدأت عملية شيطنة كاملة للمسلمين، وبدعم جماهيري واسع النطاق وأصبحت العنصرية ضد المسلمين أو فوبيا الإسلام التي تعمل في خدمة النزعة الإمبريالية". ثم تتحدث عن صورة الإسلام الإرهابي التي تم اختراعها وتقول "تلك الصورة الكاذبة منبثقة من احتياجات الإمبريالية التي أدت إلى جعل التقدميين يزعمون أن المسلمين أكثر عنفًا من أي فئة دينية أخرى... الصورة الملفقة لإثارة الخوف والكراهية"...

وفي فصل بعنوان "فوبيا الإسلام والمكارثية الجديدة" تتحدث كومار عن كون وسائط الإعلام اليمينية هي مراكز الدعاية التي تنم عن فوبيا الإسلام الذي يمتد إلى وسائل الاعلام العامة، وتقول "تبث شبكة دعاة الخوف من الإسلام آراءها إلى الجمهور، وهي لا تفعل ذلك من خلال وسائط الإعلام اليمينية فقط، من قبيل شبكة الإذاعة المسيحية وفوكس نيوز وبقية امبراطورية مردوخ، بل أيضًا في وسائل الإعلام الرسمية والرئيسية حيث لا يشكك أحد في آرائها المتطرفة... ويصور مثال واحد كيفية تضخيم الدعاية الكارهة للإسلام في وسائط الإعلام العامة CNN وWall Street، فقد ظل المكارثيون الجدد يزعمون مدة طويلة أن 80% من المساجد يسيطر عليها الجهاديون"...  

غيوم لافالي (يمين) ودارين حوماني وحسن غية (يسار) خلال المؤتمر


وهذا ما فعله صمويل هنتنغتون Samuel Huntington  في كتابه "صراع الحضارات"، إذ لعب هذا الباحث دورًا واسعًا في تأكيد عنف المسلمين، وتحت فصل بعنوان "الحدود الدموية للإسلام" يقول هنتغنتون إن المسلمين كانوا في تسعينيات القرن الماضي الأكثر تورطًا في العنف بين الجماعات من أي شعب في حضارة أخرى بينما لم يتورط الغرب إلا في صراعين بين حضارات مختلفة. والصراعات التي كان المسلمون طرفًا فيها كانت دائمًا كثيرة الضحايا. ثم يقول "التوجه الإسلامي نحو الصراع العنيف يساعد عليه أيضًا درجة تسلح المجتمعات الإسلامية ومؤشرات دالة على جهد عسكري أكبر بكثير مما لدى الدول الأخرى"، ثم يضيف "الدول الإسلامية لديها ميل شديد للجوء إلى العنف في الأزمات الدولية"!

لسنا هنا بصدد البحث في مزاعم هنتغنتون وكيف كان الغرب هو مصدر الإمبريالية والاستعمار وزرع إسرائيل وسط العالم العربي وخلق نزاعات وتأجيج ثورات وخلق أعداء، ولكن هنتغنتون هو واحد من شبكة واسعة من التخطيط الممنهج للسيطرة الجيوسياسية للغرب وتشويه الحقائق وتوظيف مصطلحات الإرهاب والتي تمتد من الإعلام إلى الجامعات وإلى الكتب.   

إن أول ما يخطر ببالنا عند قراءة العديد من الصحف والمواقع الكندية "العريقة" هو افتقار هذه الوسائل الإعلامية لأهم مبادئ الإعلام، أي الموضوعية والمصداقية، فلا حيادية في التعامل مع أخبار فلسطين، حيث الضحايا الفلسطينيون هم إرهابيون نجح الجيش الإسرائيلي بالقضاء عليهم، وهم نفسهم "أضرار جانبية" فقط، لتحقيق "نظام الشرق الأوسط الجديد"، حتى لو تحقق ذلك النظام الشرق أوسطي الجديد فوق جثث الأطفال، فهذا ليس أساسيًا، الأساسي هو السيطرة المطلقة، والأهم عدم إصابة أي مواطن إسرائيلي، فعند إصابة أحد المواطنين نقرأ مقالًا مطولًا عن ذلك في هذه الصحف، أما عند الحديث عن عشرات الشهداء ومئات المصابين الفلسطينيين يوميًا فهؤلاء قد يمرون في خبر عاجل أو لن يمروا أساسًا. هذا ليس نابعا فقط من انحياز الصحف، بل ثمة نبرة عميقة من الفوقية، مردّها إلى شعور هؤلاء بتفوّق العرق الأبيض على الشعوب الأخرى. يصف نوعم تشومسكي في كتابه "أوهام الشرق الأوسط" كيف يتعامل الإعلام الغربي مع الفلسطينيين، فيقول:

"الفلسطينيون ليسوا فقط أناسًا عديمي الأهمية، بل هم في الدرك الأسفل، لأنهم يتدخلون في برامج ومخططات أكثر الناس أهمية في العالم: النخبة الأميركية واليهود الإسرائيليون"!

إن مفهوم "غسل الأدمغة" هو المبدأ الإعلامي الأول الذي يتعلق بالسياسات الإعلامية، سياسات وضعها المتحكّمون بالإعلام وفق مصالح أفراد، وليس وفق مبدأ قول الحقيقة للشعب. فالفلسطيني هو إرهابي والمسلم هو إرهابي في حين أن إسرائيل تمثل الغرب الحضاري الذي يعاني وسط عالم عربي مخيف.

حضر رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إلى المركز الثقافي الإسلامي في كيبيك يوم انطلاق المؤتمر والتقى بعائلات شهداء هذه المجزرة تأكيدًا على تعاطفه معهم


المبدأ الإعلامي الثاني هو الاعتماد على نظريتي الأجندة الإعلامية والتأطير، حيث يتم استخدام مصطلحات تخدم مفهوم "غسل الأدمغة"، ومن أبرز هذه المصطلحات "محاربة الإرهاب والشر". فالفلسطيني الذي احتُلت أرضه وسُرق بيته منه، لا حق له في المقاومة، يصير إرهابيًا عندما يشعر بالمظلومية ويريد مقاومة المحتلّ. وعلى هذه القاعدة يصبح شارل ديغول إرهابيًا يوم فكر أن يحارب الاحتلال النازي. هذا المحتل الإسرائيلي يحارب الإرهاب والشر عن الغرب كله، أي أنه إذا انتصرت إسرائيل فإن الغرب هو المنتصر، وفي انهزام إسرائيل هزيمة للغرب. كما جرى زرع بروباغندا خبيثة ضمن استراتيجية "صناعة عدو" بأن حوّلوا القضية الفلسطينية إلى قضية إيرانية التي تمثّل محور الشر، وبذلك فهم بانتصارهم على الفلسطينيين إنما ينتصرون على محور الشر الإيراني.

يتحدث بيار كونيسا Pierre Conesa في كتابه "صنع العدو أو كيف تقتل بضمير مرتاح" وضمن فصل "العدو الإعلامي" عن الدور الجديد الذي يؤديه "مثقفو الإعلام" في الأزمات الحالية، والعدو الإعلامي برأي كونيسا هو من تختار وسائل الإعلام تقديمه في نشراتها الإخبارية، ويقول هازئًا "الأشرار الكاملون هم الصينيون، الإيرانيون، والروس"، ثم يقول "لا يتأثر الرأي العام الغربي بمصير المسلمين المضطهدين لأن قضيتهم يمكن أن تُختصر بتهمة ‘عمل إرهابي‘"...

وهذا ما تقوم به العديد من وسائل الإعلام الكندية، تستخدم صحيفتا ناشيونال بوست National Post ومونتريال غازيت مصطلح "البلطجية الإرهابيين" أو "الإرهابيين" عن القتلى الفلسطينيين في كل مقالاتهما. وفي كل مقال، تعيد معظم الصحف الكندية التذكير بأن من قتلتهم وذبحتهم هذه المنظمة الإرهابية حماس هم 1200 شخص، علمًا أن شهود عيان إسرائيليين أكدوا أن الطائرات الإسرائيلية هي التي عمدت إلى قتل أكبر قدر من المدنيين الإسرائيليين خلال طريقهم إلى غزة. وهذا ما ذكره موقع Ynet العبري بتاريخ 5-12-2023 بقلم الكاتبين إيتمار أيخنر ويوئيل تشيخنوفر، وتناولا في مقالهما اللقاء الذي عقده نتنياهو مع الأسرى المحررين، وقد صرّحت إحدى الأسيرات المحرّرات عن الطائرات الإسرائيلية التي كانت تقصف السيارات المتجهة إلى غزة، علمًا أن هذه السيارات كانت تحمل الأسرى الإسرائيلييين لمبادلتهم بآلاف من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ومن بينهم نساء، والأهم أن من بين الأسرى الفلسطينيين أكثر من 250 طفلًا فلسطينيًا لا تشير إليهم أي صحيفة كندية. فلو كان الفلسطينيون هم من أسروا 250 طفلًا إسرائيليًا لكان وضع التغطية الصحافية عن ذلك مختلفًا بالتأكيد.

إذا كان أكثر من 250 طفلًا إسرائيليًا في السجون الفلسطينية ألن يرتفع صوت العالم أجمع ووسائل العالم أجمع عن الإرهاب الفلسطيني بحق الأطفال اليهود؟ ولكن عندما يتعلق الامر بأسر أطفال فلسطينيين فالأمر لا يعدّ إرهابًا بل إن الأطفال المسجونين أنفسهم هم الإرهابيون، ويصبح الأمر مسكوتا عنه تمامًا في الإعلام...

كما أكّد تقرير للأمم المتحدة نُشر في حزيران/ يونيو 2024 أن إسرائيل استخدمت "برتوكوله هانيبال" القاتل - المصمّم لمنع أسر الجنود أحياء كأسرى حرب - من خلال قتل العديد من المدنيين في أراضيها، وكان القرار بأن "لا تتمكن أي مركبة من العودة إلى غزة"، هذا ما أمرت به الفرقة في الساعة 11:22 صباحًا. وهذا يتطابق أيضًا مع تقرير نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت في كانون الثاني/ يناير ويؤكد استخدام "برتوكول هانيبال" لقتل الإسرائيليين والفلسطينيين على حدّ سواء.

تكتب صحيفة ناشيونال بوست بتاريخ 19-1-2025 مقالًا عن أسماء ثلاثة رهائن إسرائيليين سيتم إطلاق سراحهم مع دخول وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ، تذكر الصحيفة حديثًا لياردين غونين، وهي أخت إحدى الأسيرات الثلاث، واسمها رومي، تقول فيه: "كان أسبوع الإفراج صعبًا للغاية. في كل يوم، كنا نتوقع تلقي مكالمة هاتفية من السلطات تخبرنا أن رومي كانت على قائمة الرهائن"، وإذا بالصحيفة تشرح من هم الرهائن فتضع بين قوسين "الرهائن هم الذين سيتم تبادلهم مقابل الإرهابيين المحتجزين لدى إسرائيل"، من هم الإرهابيون المحتجزون الذين سيتم الإفراج عنهم مقابل هؤلاء الأسيرات الإسرائيليات، إنهم 90 أسيرًا وأسيرة من النساء والأطفال. بالتأكيد تعلم وسائل الإعلام الكندية أنه يوجد في السجون الإسرائيلية أكثر من 250 طفلًا فلسطينيًا وفيما تكرر وسائل الإعلام الكندية والأميركية عن 140 أسيرًا إسرائيليًا مع حماس، هناك آلاف الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، ومن بينهم أكثر من 250 طفلًا...

ومع العلم أن المرحلة الأولى من تبادل الرهائن تنص على إطلاق إسرائيل الأطفال والنساء من سجونها إلا أن ناشيونال بوست تعود وتقول في مقال بعنوان "ستبدأ إسرائيل وحماس هدنة يوم الأحد الساعة 8:30 صباحًا"، "وفقًا لوزارة العدل، ستطلق إسرائيل 1904 إرهابي فلسطيني في المرحلة الأولى".

ما هي جرائم هؤلاء الأطفال التي أدت إلى سجنهم لمدة قد تصل لعشر سنوات؟ أنهم ألقوا حجارة على جنود إسرائيليين، أو لأنهم رفضوا إطاعة جندي إسرائيلي، أو أسباب تافهة مقابل معاناتهم العميقة في السجون ومعاملتهم كسجناء شباب... وما هي جرائم النساء؟ منشور على السوشيال ميديا أو مشاركة في ندوة عن الاحتلال وانتهاكاته، أو اشتباه على الطريقة المكارثية بدون وجود أي دليل، هؤلاء هم الإرهابيون الذين تتحدث عنهم ناشيونال بوست، وهم جزء من استراتيجية الإسلاموفوبيا، فهؤلاء ليسوا مقاومين انتزعت أرضهم منهم، وبيوتهم، وتعرضوا لأبشع أنواع الفصل العنصري والقمع، بل هم مسلمون إرهابيون يعملون على زعزعة أمن قطعة الحضارة الغربية في الشرق الأوسط المسماة إسرائيل.

من مشاهد الإبادة التي حصلت في غزة، أولئك الفلسطينيين الذين قُتلوا جرّاء استهدافهم من دبابات إسرائيلية وهم ينتظرون المساعدات الغذائية حين كانت طائرات المساعدات تلقي المواد الغذائية من السماء. أليس هذا إرهابًا! أم إلقاء طفل لحجر على جندي إسرائيلي هو الإرهاب؟ وكتابة منشور على السوشيال ميديا هو الإرهاب؟ فلأعطي مثالًا هنا في كندا، تم حذف رسم كاريكاتير لرسام كندي اسمه سيرج شابلو شبّه نتنياهو بدراكولا نُشر في موقع لا بريس في آذار/ مارس من العام الماضي، وقد حُذف بعد أيام من نشره. سيرج شابلو ليس مسلمًا ولا إرهابيًا ولكنه ينظر بإنسانيته إلى أطفال غزة، فيما تشتغل الأجندات الإعلامية على أعلى المستويات لحذف هكذا منشورات ورسومات تُظهر الحقيقة.

إن ما فعله بيسونيت من كراهية جزء من جرائم كثيرة تحصل بسبب التحريض، ولا يمكن أن نقول عن مرتكبي هذه الجرائم إلا أنهم ضحايا تحريض


وتتحدث سوزان ماك آرثر Susan McArthur في مقال لها في ناشيونال بوست بتاريخ 16-1-2025 بعنوان "الخدمة الوطنية الإلزامية ستصلح كندا"، تقول "لقد شهدنا ثوران العالم القديم في الشوارع الكندية. نحن نتسامح مع معاداة السامية الصارخة، وتلويح الأعلام الإرهابية والصلوات العامة الجماهيرية التي تقطع شوارعنا. طوال الوقت نشكو من أن هذه ليست كندا نفسها التي لنا".

إن شعارات "أوقفوا الحرب على غزة" هي شعارات إرهابية بنظر ناشيونال بوست!

ولم تعد كندا تشبههم، علمًا أن الكثير من الكنديين من الأصول الكيبيكية يشاركون في التظاهرات بدافع إنساني أمام المجازر التي تُرتكب في غزة.

ويقول أفي بن لولو Avi Benlolo في مقاله له بتاريخ 13-12-2024 "على الأرجح، اعتقدت حماس أن اعتداءها على إسرائيل سيشعل الانتفاضة ويؤدي إلى إنشاء الخلافة الإسلامية من القدس كجوهرة تاجها". ثم يضيف "الرسالة واضحة: إسرائيل لن تتسامح مع الإرهاب في وسطها".  

وبتاريخ 22-11-2024 كتبت الصحافية آمي هام Amy Hamm مقالًا بعنوان "تجاهل الغرب تهديد الإسلام الراديكالي - الآن يدفع اليهود الثمن" تقول فيه:  "في ألمانيا: تم استهداف لاعبي كرة القدم اليهود من قبل عصابة من الشباب العرب الذين يحملون السكاكين. في كندا: هجمات بالقنابل النارية على المعابد اليهودية. في ألمانيا: حذّر اليهود المسؤولين من أن أحياء بأكملها مليئة بالمهاجرين الذين يتعاطفون مع الإرهابيين. في كندا: تصرخ المجموعة الإرهابية ‘صامدون‘ في شوارعنا: يحيا 7 أكتوبر، والموت لكندا!. هذه ليست سوى بعض الأمثلة".

وتضيف آمي هام: "مثل ألمانيا، اعتمدت كندا سياسة الهجرة غير المقيّدة، ومعها جاء بعض المهاجرون الذين يعارضون القيم الغربية. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن مساحات من يسارنا السياسي، وغيرهم من مواليد كندا، يحملون ازدراء مماثلا للقيم الغربية. في هذه الأثناء، يسخر الجامعيون والمتخصصون الكنديون من هذه الفكرة ويصرون على أنها لا تولد إلا من ‘رهاب الإسلام‘ ذلك التعبير الغامض لما يرغبون حقًا في قوله، وهو ‘العنصرية‘. على مدى عقود، رفضت النخب الكندية تهديد الإرهاب الإسلامي وصوّرت الهجرة على أنها نعمة إنقاذنا".

ثم تختم آمي هام: "يقول أول سطرين من كتاب دوغلاس موراي "الموت الغريب لأوروبا" (2017): أوروبا تنتحر. أو على الأقل قرّر قادتها الانتحار. لماذا؟ بسبب الهجرة الجماعية والتخلي عن الثقافة والتقاليد الغربية. تعاني كندا من نفس النوع من القيادة - نفس عدم التوجهات الفكرية فيما يتعلق بضمان بقاء الحضارة الغربية".

كما يكتب الصحافي جويل كوتكين Joel Kotkin مقالًا بعنوان: "يكتشف اليهود أن يوتوبيا تعدد الثقافات في كندا ليست آمنة"، ويقول فيه: "يتوقع العديد من اليهود الأميركيين أن يكون الرئيس المنتخب دونالد ترامب أكثر صرامة مع الإرهابيين الإسلاميين، ويقوم بطرد الطلاب العرب الذين يكسرون القانون، ويحمي المجتمعات اليهودية المحاصرة".

ثم يذكّرنا الكاتب بمعاداة السامية وهي اتهامات مرتبطة لدى هذه الوسائل الإعلامية برفع شعارات وقف الإبادة في غزة. ويقول: "إن الإسلاموفوبيا نادرة جدًا في كندا مقارنة بمعاداة السامية التي تمثّل ثلثي جميع جرائم الكراهية الملهمة دينيًا، وفقًا لإحصاءات كندية".

نسأل هنا، هذه الكراهية التي تبثها ناشيونال بوست أليست تحريضًا على المهاجرين المسلمين. وألا يؤدي التعميم لا محالة إلى توسيع رقعة العمى بين فئات المجتع الواحد وزيادة الإسلاموفوبيا ولا نستغرب إذا تكرّر ما فعله بيسونيت..

علينا فقط أن نعود إلى وسائل الإعلام الكندية مونتريال غازيت وناشيونال بوست وغلوب أند مايل Globe and Mail وغيرها، ونقرأ تعليقات القراء. يجب إجراء تحليل مضمون ليس لمضمون المقالات بل لمضمون التعليقات نفسها، لنفهم إلى أين نحن ذاهبون إن لم تتخذ الدولة الكندية إجراءات كافية لتوقف التحريض الإعلامي عند حدّه. هي تعليقات مخيفة وهي إحدى نتائج الإسلاموفوبيا، تعليقات تأخذنا مباشرة إلى الشحن الإعلامي المسيء بحق المسلمين والفلسطينيين، فكلما جرت تظاهرة لوقف الحرب في غزة في شوارع مونتريال، كانت مونتريال غازيت تنقلها معتبرة أن ما يرددونه يشير إلى مظاهر معاداة السامية، ونستطيع أن نقرأ في التعليقات: "أتينا بهم إلى كندا وها هم يريدون أن يتحكموا ببلادنا" و"فليرحلوا ويعتصموا في بلادهم".

وفي غلوب أند مايل سنقرأ: "حسنًا، هناك الآن وقف لإطلاق النار، هل لا نزال سندفع لهم للقدوم والعيش في كندا؟".

ونقرأ أيضًا في تعليقات القراء:

"من الغريب أن يشير الصحافيون إلى جثث الإسرائيليين المختطفين على أنهم ‘رهائن‘. إنهم ضحايا الاختطاف، وربما الاغتصاب، وربما التعذيب وبالتأكيد القتل. ضحايا الجرائم الرهيبة. ليسوا رهائن"...

"تحتاج إسرائيل إلى إعادة التفكير في سياساتها بشأن التفاوض حول الرهينة وتبادلات السجناء. إن تبادل 1000 مجرم مدان بكل رهينة يضمن محاولة القبض على المزيد من الرهائن فقط".

"يجب إعادة سجنائهم مع قطع معصم كل واحد منهم، كي لا يتمكنوا من إعادة الكرّة".

"تم إطلاق سراح مهندس 7 أكتوبر من السجن في واحد من هذا القبيل من التبادل".

إن تصرفات بعض وسائل الاعلام الكندية تغسل أدمغة القراء بطريقة تدفع القراء ليفرحوا لمقتل أناس بريئين يلوذون خوفًا من خيمة إلى أخرى، يخضعون للتجويع والحصار والاستهداف اليومي، آلاف الأطفال الذين بُترت أطرافهم، ولكن كل هذا مبرر بحجة السابع من أكتوبر.

هل تعير بعض الصحف الكندية الرئيسية المقروءة بشكل واسع انتباهًا إلى خطورة ما تقوم به؟

إن هذا التحيّز الأعمى، والتأطير، والتعميم، كلها طرق تقوم بها بعض وسائل الإعلام الكندية لنشر الكراهية تجاه المسلمين والفلسطينيين، وهذا يؤدي لا محالة إلى شرخ أكبر داخل المجتمع الكندي ويجب العمل بجهد لمعالجته واتخاذ خطوات فعالة من قبل الحكومة لتعديل مسار هذا الصوت المتحيز المسيء لفئات أساسية في المجتمع. ما فعله مطلق النار وأمثاله في مساجد كيبيك هو إرهاب. هل من الطبيعي والإنساني إلقاء صفة الإرهاب على هوية دينية محددة، على المهاجرين فقط لأنهم مسلمون، وعلى المتظاهرين لأنهم يطالبون بوقف الإبادة في غزة، أو وصف المسلمين بإلإرهاب إذا قام فرد منها بعمل مشين وتعميمه، ولكن عندما يقوم أي طرف آخر يكون الأمر طبيعيًا وعبارة عن ردة فعل ويتم وصفه بحالة نادرة فردية.

اسمحوا لي أن أعود إلى ديبا كومار التي كتبت في مقدمة كتابها "فوبيا الإسلام وسياسات الإمبراطورية"، تقول "أنا أحاجج أن فوبيا الإسلام تتعلق بالسياسة وليس بالدين في حدّ ذاته، ولذا من اللازم مكافحته على هذه الأرض". 

أصدرت الحكومة الكندية بيانات وخطوات لمحاربة الإسلاموفوبيا، ولكن هل يقوم المعنيون بتطبيق ذلك؟

إن الآليات التي تستخدمها بعض وسائل الإعلام لتأجيج الإسلاموفوبيا عبر صور وأطروحات مشوهة للفلسطينيين والمسلمين والتركيز على المواضيع السلبية كالإرهاب والعنف، وتمرير قصص بمنظور متحيّز يربط بين الإرهاب والإسلام والفلسطينيين في كل مناسبة، تخدم تأجيج الكراهية والفرقة، لكن قوة وسائل الإعلام وقدرتها على توجيه الرأي العام يمكن في الوقت ذاته أن يتم استخدامها لتعزيز التفاهم والتسامح، والأهم تعزيز الإنسانية بين الثقافات المختلفة في كندا.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.