فقد العالم العلمي مؤخرًا أحد أبرز علماء الكيمياء المعاصرين، البروفيسور مارتن كاربلوس، الذي توفي في منزله في مدينة كامبريدج الأميركية يوم السبت الماضي عن عمر يناهز 94 عامًا، تاركًا خلفه إرثًا علميًا ثريًا في مجال النمذجة الحاسوبية للتفاعلات الكيميائية.
بدأت قصة كاربلوس في فيينا عام 1930، حيث ولد لعائلة يهودية اضطرت إلى الفرار من النمسا عام 1938 بعد ضمها إلى ألمانيا النازية. هذا التهجير القسري لم يمنعه من متابعة شغفه بالعلوم الذي بدأ منذ طفولته المبكرة، حين أهداه والداه مجهرًا صغيرًا أشعل فيه حب الاستكشاف والبحث العلمي.
تميزت مسيرته الأكاديمية بالتنوع والعمق، إذ درس في جامعتي أكسفورد وهارفارد، قبل أن يستقر في الأخيرة كأستاذ منذ عام 1966. وفي عام 1992، أثرى الحياة الأكاديمية الأوروبية بانضمامه إلى جامعة ستراسبورغ الفرنسية، حيث ترك بصمة لا تُمحى في نفوس طلابه وزملائه.
توج مشواره العلمي بالفوز بجائزة نوبل في الكيمياء عام 2013، مناصفة مع العالمين مايكل ليفيت وأرييه ورشيل، تقديرًا لأبحاثهم الرائدة في تطوير نماذج حاسوبية متعددة المستويات للأنظمة الكيميائية المعقدة. هذه النماذج غيرت فهمنا للتفاعلات الكيميائية وفتحت آفاقًا جديدة في تصميم الأدوية وفهم العمليات البيولوجية.
لم يقتصر شغف كاربلوس على العلوم فحسب، بل امتد إلى التصوير الفوتوغرافي الذي برع فيه مستخدمًا كاميرا "ليكا" التي حصل عليها كهدية بعد نيله الدكتوراه. وقد نال تقديرًا على موهبته الفنية حين عُرضت أعماله في المكتبة الوطنية الفرنسية في باريس عام 2013.
ترك كاربلوس خلفه زوجة وثلاثة أبناء وحفيدة، إضافة إلى إرث علمي ضخم يشمل أكثر من 200 ورقة بحثية في مجال الكيمياء الحاسوبية والنظرية، وعشرات البرامج والنماذج التي ما زالت تستخدم في المختبرات حول العالم. كما أسّس مدرسة علمية متميزة خرّجت العشرات من العلماء الذين يواصلون مسيرته في استكشاف أسرار الجزيئات والتفاعلات الكيميائية.