}

راينهارد كايزر موليكر: الكاتب بإنتاجه ليس مجرد نفسه فقط

ضفة ثالثة ـ خاص 15 فبراير 2025
ترجمات راينهارد كايزر موليكر: الكاتب بإنتاجه ليس مجرد نفسه فقط
ولد موليكر في عام 1982
ترجمة: عارف حمزة

حصل الكاتب النمساوي راينهارد كايزر موليكر على جائزة الكتاب النمساوي لعام 2024 عن روايته "حقول محترقة"، والتي تبلغ قيمتها المادية 20 ألف يورو، وهي تعتبر من أرفع الجوائز الأدبية في النمسا. 
وكان موليكر قد أصدر في عام 2008 روايته الأولى "الطريق الطويل عبر المحطات". وحصل قبل ذلك، في عام 2007، على جائزة الأدب من مؤسسة يورغن بونتو عن قصة طويلة له. 
في عام 2016 وصلت روايته "روح غريبة... غابة مظلمة"، إلى القائمة القصيرة لجائزة الكتاب الألماني.
وكتب موليكر، خلال كتابته أعماله الأخرى، ثلاثيّة روائية كانت أولها رواية "التجريد/ أو نزع الملكية" (2019)، وحصلت الثانية منها، وهي رواية "الصياد المتوحش"، في عام 2022، على جائزة الكتاب البافاري، وفي هذا العام حصل من خلال روايته "حقول محترقة"، وهي الجزء الأخير من الثلاثية، على الجائزة الأهم في النمسا. 
أصدر حتى الآن 9 روايات ومجموعة قصصية بعنوان "لوحات" (2015) تضم ثلاث قصص طويلة، ومسرحية "العلاج" (2011).
ولد موليكر في عام 1982 ونشأ في مزرعة صغيرة في شمال النمسا، وحاليًا يعيش ويدير مزرعة خاصة به، وبعد إنهائه الدراسة الثانوية، درس الزراعة والتاريخ والتنمية الدولية في فيينا، تخللتها إقامات عديدة في الخارج، في الأرجنتين وبوليفيا وألمانيا والسويد. وبسبب دراسته للزراعة، وعيشه في مزرعة، ومساعدة والده في الزراعة، قبل أن يمتلك مزرعته الخاصة ويزرعها بنفسه، سيكون الريف حاضرًا بقوة في أكثر أعماله، كما أنه يتبنى قضايا تخصّ المزارعين ومناقشة قضايا المناخ والتربة والهجرة والانهيارات الإقتصادية وتأثيرها على شخصياته وموضوعات روايته. 
وبمناسبة نيله جائزة الكتاب النمساوي، أجرى الصحافي ميشائيل فورميتسر حوارًا طويلًا وشيقًا معه لصالح موقع "دير ستاندارد"، هنا ترجمة له:

(*) "دير ستاندرد": لقد أكدت في خطاب الشكر الذي ألقيته يوم الاثنين 16 تشرين الثاني/ نوفمبر أنك تمتلك مجموعة متنوعة من القراء، بمن في ذلك الرجال. وقلت إن هذا يُظهر أن الأدب ليس برنامجًا نخبويًا. من هم قراؤك؟
موليكر: من ناحية، هناك القراء التقليديون؛ هناك نساء لديهن خلفية معينة، اعتدن القراءة منذ الطفولة. ومن ناحية أخرى، هناك أشخاص يقولون إنهم لم يلمسوا كتابًا منذ المدرسة، والآن يقرؤون كتابًا لأول مرة منذ ذلك الحين. هؤلاء غالبًا ما يعتقدون أن الأدب ليس موجهًا لهم، ويشعرون بنوع من الرهبة والحذر تجاهه.

(*) هل يتم توصية هؤلاء الأشخاص، يقصد مَن يهتم بالكتابة عن قضاياهم، بقراءة كتبك، أم أن الأمر يتعلق بالمواضيع التي تكتب عنها والتي نادرًا ما تُناقَش في الأدب؟ 
أعتقد أن الأمر يبدأ دائمًا من موضوع الريف والحياة الزراعية. يجد الناس في ذلك جسرًا لهم، ويعتقدون أن هذا الكتاب قد يعني لهم شيئًا. يحتاج القارئ إلى يد تمتد إليه من داخل الكتاب، سواء كانت تلك اليد تتمثل في الموضوع المطروح أو في سيرة الكاتب، أو الكاتبة، التي عادة ما تشد القارئ، وغالبًا ما لا تكون هذه هي الحال للأسف.

(*) هل تجد أن عالم الأدب منعزل أو متعالٍ؟
عندما يتحرك المرء حصريًا داخل هذا الوسط، فإن ذلك يؤدي مثلًا إلى اكتساب معرفة واسعة جدًا عنه، وهذا يجعل النقاشات تتخذ مستوى عاليًا لا يستطيع الآخرون الوصول إليه.




(*) هل يتحدث المزارعون الآخرون معك عن كتبك؟
يحدث ذلك أحيانًا. ولكن ليس كثيرًا عن المحتوى، بقدر ما هو عن حقيقة وجود الكتب وما يرتبط بها، مثل الجوائز أو المبيعات. هذه الأمور ملموسة، ويمكن الحديث عنها بسهولة. إذا قرأ أحدهم أحد الكتب، فإن الأمر يقتصر غالبًا على تعليق بسيط مثل "لقد استمتعت بالقراءة"، أو الإشارة إلى أشياء جغرافية تم التعرف عليها من خلال الكتاب. أنا دائمًا أكون سعيدًا عندما يتحدث المزارعون مع بعضهم البعض عن الزراعة وتحدياتها وسياساتها.

(*) أنت تتناول في أعمالك مشكلات المزارعين، وتشير في مقابلاتك إلى القضايا الحالية مثل الضغط على المزارع وزيادة الإنتاجية والأسعار التي تحرّكها المنافسة والمستهلكين غير المدركين وتغير المناخ. هل يرى المزارعون الآخرون أنك صوتهم الناطق بقضاياهم؟
أعلم أنه عندما أتحدث إلى وسائل الإعلام، خاصة عن القضايا التي أتطرق إليها في كتبي، فأنا لا أتحدث فقط باسمي، ولا يحق لي أن أتحدث فقط باسمي. قال لي بعض المزارعين إنهم لا يوافقون تمامًا على كل ما قلته، لكنهم يتفقون مع الأفكار بشكل عام. أعتقد أن معظمهم يشعرون بالارتياح لأن أصواتهم تسمع أخيرًا.
في الواقع، أتلقى أحيانًا رسائل من قراء يقولون إن كتبي فتحت أعينهم على عالم لم يصلوا إليه من قبل، رغم أن هذه الأعمال ليست كتبًا علمية، بل تركز أكثر على الحالات المزاجية والأجواء، إلا أن هذا غالبًا ما يكون كافيًا لفهم شعور مجموعة مهنية أو طبقة اجتماعية معينة. الناس يتساءلون أحيانًا عن سبب احتجاج المزارعين وما الذي يعارضونه، خاصة وأن ما يسمعونه في الغالب هو أن معظم ميزانية الاتحاد الأوروبي تذهب إلى الزراعة وأن المزارعين يحصلون على دعم جيد.

(*) للمرة الأولى يكون أحد كتبك (حقول محترقة) من وجهة نظر إمرأة، وهي "لويزا" من عائلة فيشر، التي عرفناها بالفعل في روايتك "التجريد/ أو نزع الملكية" و"الصياد المتوحش". لماذا؟
كان مخططًا منذ البداية أن يحصل كل فرد من الأشقاء الثلاثة في العائلة على مساحة كافية في سرد القصة. كنت أعلم منذ عشر سنوات أن "لويزا" ستصبح يومًا ما الشخصية الرئيسية. بالنسبة لي، لم يكن ذلك أمرًا استثنائيًا، ففي رواية مثل "الليلك الأحمر" تحتل الشخصيات النسائية أيضًا مساحة كبيرة جدًا. لم أفكر في هذه الشخصية بشكل مختلف عن إخوانها من قبل.



يمكن لأي رجل أن يمتلك التركيبة الشخصية التي تمتلكها "لويزا"، لكن الوضع كان صعبًا إلى حد ما الآن، لأن الأوقات قبل عشر سنوات كانت مختلفة. في الوقت الحالي، يُطرح السؤال: هل يجوز للرجل أن يفعل ذلك؟ وهو سؤال تطرحه حتى على نفسك. لكن بالطبع، يجوز للرجل ذلك.

(*) تريد "لويزا" أن تصبح كاتبة، وقد غادرت الريف إلى المدن الكبرى، لكنها الآن تعود مجددًا إلى الريف. هل هناك شيء منك في هذه الشخصية؟ لقد عشت في فيينا لعدة سنوات ثم عدت إلى موطنك في الريف.
هناك شيء مني في جميع شخصياتي، من خلال الحياة التي التقطتها من أماكن أخرى. الإنسان ليس مجرد نفسه فقط، بل يحمل بداخله الكثير من الأمور الأخرى التي رآها أو سمعها أو تربى عليها. لا يمكن لأي كاتب أن يفكك ذلك تمامًا، إلا إذا كتب بشكل ذاتي متطرف، لكني لم أفعل ذلك أبدًا.

(*) بالنظر إلى الأرقام المتعلقة بهجرة السكان من الريف، نجد أن الشباب، وخاصة الفتيات، هم من يغادرون. هل ينعكس هذا الوضع في شخصية "لويزا"؟
قرأت قبل بضعة أسابيع فقط أن النساء يهاجرن، من الريف إلى المدينة، أكثر من الرجال، ولم أكن على دراية بذلك من قبل. بشكل عام، عندما أبدأ الكتابة، لا أفكر أبدًا أنني أريد أن أتناول ظواهر معينة تشغل عصرنا. ما يشغلني هو سؤال معين، تعبير وجه محدد، أو وضعية جسدية، ثم أبدأ بالتفكير: ما الذي يكمن وراء ذلك؟ ما نوع هذه الشخصية؟ أفكر في ذلك حتى تتشكل لدي صورة أولية، ومن هنا يبدأ فعل الكتابة بالنسبة لي. الأمر ليس متعلقًا بمواضيع كبرى، فهي تظهر تلقائيًا أو تنشأ من خلال الكتابة. أعتقد أن كل من يكتب يقوم بتوثيق عصره بشكل أو بآخر.

(*) رواية "حقول محترقة" هي الكتاب الثالث عن هذه العائلة. هل انتهت قصتها الآن؟
هؤلاء الإخوة الثلاثة كانوا مشروعي، ومع هذا الكتاب أغلقت هذا الفصل. لكن حقيقة أن هذه الشخصيات تعيش في فضاء معين يستمر في إثارة اهتمامي لا يمكن إنكارها. لذلك، لا أستبعد أن يظهروا مرة أخرى في مكان ما، في علاقة مع شخصية أخرى في رواية قادمة. ومع ذلك، لا أشعر بأنني بحاجة الآن إلى إعادة تناول الأب أو الأم.

(*) بدأ الشتاء، وهناك عمل أقل في المزرعة – هل حان الآن وقت الكتابة الأكثر إنتاجية بالنسبة لك؟
بالتأكيد. بمجرد أن يصبح الجو أكثر هدوءًا، وأنا دائمًا في انتظار هذه اللحظة، يعيدني ذلك إلى مكتبي. أحب هذا الوقت، وأشتاق إلى مكتبي، والقراءة، وأفكاري الخاصة. هذا ما لا يوجد في الأشهر الدافئة، حيث أكون مشغولًا جدًا بالأمور الأخرى.




لكنني أحب أيضًا الوقت الآخر عندما يبدأ العمل في الخارج (يقصد أعماله في المزرعة) من جديد. أستمتع بهذا التنوع.

(*) كل عامين أو ثلاثة تظهر لك رواية جديدة أو كتاب جديد. إلى أي مدى تقدمت مع الكتاب التالي؟
فكرت لفترة طويلة في شخصية، وعندما أصبح الجو باردًا بدأت الكتابة. أنا في البداية فقط. من يدري إذا كان هذا سينجح.

(*) الكتابة والفلاحة – أين توجد أوجه التشابه؟
أفكر، من خلال هذه المقارنة، بشكل أساسي في النمو، حيث ترى شيئًا يتشكل، ولديك الكثير مما يمكنك التحكم فيه، ويمكنك تشكيله، وفي كلا المجالين يمكنك تحقيق الكثير من خلال العمل الجاد. وهذه تجربة مبهجة في كل الأحوال. بالطبع، ما يحدث بعد ذلك، من أمور الطقس، والتغيرات الجوية، واللجان التحكيمية، هي أمور ليس لديك أي سيطرة عليها.

(*) هل تموّل الزراعة الأدب عندك أم العكس؟
لقد عشت دائمًا بشكل مقتصد للغاية. لم يكن ذلك عن قصد، بل لأنني بالفعل لا أحتاج إلى الكثير. ولذلك، وحتى قبل أن أعمل في الزراعة، كنت أستطيع أن أعيش من الكتابة. حتى ولو ارتفعت الأسعار كثيرًا، أو لم تنخفض كثيرًا.

(*) إلى متى يمكنك الاستمرار كمزارع في ظل أزمة المناخ؟
كانت محاصيل هذا العام في المتوسط أسوأ من المعتاد، ويرجع ذلك إلى الجفاف الشديد في الصيف. فشل المحاصيل يشكل ببساطة مشكلة اقتصادية بالنسبة للمزارعين. صحيح أن هناك تأمينات ضد هذه الحالات، لكن مع تزايد أعداد الخسائر، ترتفع كذلك أقساط التأمين. في النهاية، يجب أن يبقى كل شيء في حدود الجدوى الاقتصادية. ومع ذلك، سيجد المزارعون دائمًا طرقًا لمواصلة الزراعة لأنهم، ببساطة، يريدون ذلك. إنهم يتكيفون ويعرفون خصائص تربتهم. إذا كان لدى شخص ما 100 أو 200 هكتار، أعتقد أنه من الصعب جدًا عليه التعامل مع المشاكل والأزمات القصوى. لهذا السبب تحتاج المجتمعات إلى العديد من المزارعين الصغار.

(*) ما العمل الذي تحبه أكثر في المزرعة؟
أحب القيام بكل شيء، وأعشق التواجد في الهواء الطلق. الزراعة عمل متنوع وذو معنى، حيث ترى نتائج ما قمت به. حتى لو بدا هذا الكلام بسيطًا وعاطفيًا. لكن يجب أن أقول إن والديّ ما زالا نشيطين جدًا. لولاهما لما تمكنت من عيش حياتي بالطريقة التي أرغب فيها، مثل السفر مثلًا. أحاول دائمًا أن أرسلهم في رحلات لقضاء العطلات. أعرف الكثير من المزارع الأخرى، حيث لم يعد هناك من يساعد الآخرين؛ لأن الوالدين قد توفيا مثلًا، أو لا يوجد شريك أو أطفال، أو لأن الأطفال غادروا. إذا كنت تعمل 18 ساعة يوميًا، سبعة أيام في الأسبوع دون توقف، ولا يُسمح لك بالمرض، فإن الشعور بأنك تقوم بعمل ذي معنى لم يعد كافيًا، لأنك عندها تصل بسرعة إلى حدودك النفسية وتنهار.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.