مسابقة "الكومار الذهبي": ربع قرن من تشجيع الرواية التونسية

أجندة
الفائزون بمسابقة الكومار الذهبي مع المنظمين

انتظم في مسرح مدينة تونس العريق، نهاية الأسبوع الماضي، الحفل السنوي لتوزيع جوائز المسابقة الأدبية الخاصة بالإنتاج الروائي التونسي: الكومار الذهبي. وإن غابت مظاهر الاحتفال عن هذه المناسبة في السنتين الماضيتين، بسبب جائحة كورونا، فإن موعد هذه السنة انتظم ليكون احتفاء بعودة الحياة إلى طبيعتها، واحتفالًا بمرور ربع قرن على إطلاق مؤسسة كومار للتأمينات لهذه المسابقة التي دعمت وما تزال الإنتاج الروائي التونسي الذي ارتفعت حصيلته حسب إحصائيات أجريت بمناسبة مرور ربع قرن على التأسيس ما يتجاوز الستّمئة رواية ناطقة بالعربية، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على مدى أهميّة المسابقات والجوائز الأدبية في تحفيز الكتّاب على الإنتاج والعطاء والإبداع الأدبي.
هذا التحفيز الذي يتمّ من قبل مؤسسات مالية خاصة لدعم الإنتاج الأدبي خصوصًا، والثقافي عمومًا، بإشراف وزارة الثقافة التونسيّة، هو شهادة على مدى وعي مثل هذه المؤسسات بأهميّة دورها في تنمية الحياة الثقافية، كما تفعل تمامًا في مجال اختصاصها المالي والاقتصادي.
وما مثابرة مؤسسة كومار للتأمينات على تنشيط الحياة الأدبية من خلال هذه المسابقة الخاصة بالرواية التونسية إلاّ دليل على إصرار النخب التونسية في مختلف مجالاتها على التكاتف للنهوض بتونس بعد كل الأزمات السياسية والاقتصادية والثقافية التي عصفت بها وما زالت.
ولأنّها اتسمت بالمصداقية منذ انطلاقها سنة 1997، حيث شارك في لجان تحكيمها أسماء كبيرة ولامعة في مجاليْ النقد الأدبي والروائي، فقد اكتسبت مسابقة الكومار الذهبي مكانة مميزة في المشهد الثقافي التونسي، وبات الحاصل على هذه الجائزة كمن حصل على جواز سفر إلى عالم الكتابة الروائية الذي يحلم به كثيرون.




تتميّز جائزة الكومار الذهبي بقيمتها المعنوية الكبرى بالنسبة للكتّاب التونسيين مقابل قيمتها المادية التي تظلّ رمزية، باعتبار أنّ المبلغ المرصود لها زهيد مقارنة بجوائز أخرى عربية، إلاّ أنّ جائزة الاكتشاف تبقى أهمّ ما يمنح هذه المسابقة مكانة تضاهي مكانة الكلّية المختصة التي تجيز في كل دورة من دوراتها اسمًا جديدًا لهذا العالم المسحور الذي انتشر في الساحات الثقافية، ليغطي ربّما على الشعر، وعلى بقية الفنون الأخرى، والأكيد أنّ للمسابقات والجوائز التشجيعية دورًا كبيرًا في ذلك.
وكما جرت العادة، يحضر هذا الحفل السنوي الذي ينتظم في ربيع كل سنة، وغالبًا في نهاية شهر أبريل/ نيسان (أُجل هذه السنة إلى الأسبوع الأخير من شهر مايو/ أيار بسبب شهر الصيام)، وزير، أو وزيرة الثقافة، إلى جانب المشرفين على إدارة مؤسسة التأمين الراعية لهذه المسابقة، مع مجموعة من الوجوه الشهيرة الثقافية في شتى مجالات الفنون والإعلام المرئي والسمعي، لما بات يشكلّه هذا الحفل من أهميّة وقيمة في ميزان الحياة الثقافية التونسية.
يقدّم هذا الحفل وجه إعلامي معروف، وقد قام بهذا الدور هذه السنة الإعلامي المتميز بثقافته العالية، وخفّة ظلّه، مراد الزغيدي. وبعد تلاوة تقارير لجنتي التحكيم: واحدة خاصة بالرواية الناطقة باللغة العربية، والثانية خاصة بالرواية الناطقة باللغة الفرنسية، يقع الإعلان عن النتائج، وتقديم الجوائز المتمثلة في الشهادات والمجسمات التكريمية، مع المبالغ المالية المرصودة للجوائز، وهي جائزة الكومار الذهبي، وجائزة لجنة التحكيم، وجائزة الاكتشاف، ودائمًا على مستوى اللغتين.
بالنسبة لهذه الدورة، فاز بالكومار الذهبي بالتساوي كل من الروائي محمد فطومي، عن روايته "الأسوياء"، وعبد الجليل الدايخي، عن روايته "الكونبطا"، بينما آلت جائزة لجنة التحكيم إلى الروائية سلمى اليانڤي، عن روايتها "مكعب روبيك"، أمّا جائزة الاكتشاف فقد حصل عليها الروائي وليد أحمد الفرشيشي، عن روايته "كرنفال القرود الثلاثة".




بعد تكريم مجموعة من الأسماء المعروفة التي شاركت في لجان تحكيم هذه المسابقة في دوراتها الأولى، بمناسبة مرور ربع قرن على تأسيس هذه المسابقة المهمّة، انطلق الجزء الثاني من الحفل، وهو حفل موسيقي غنائي يحييه دائمًا مطربون من الصف الأول في الطرب الأصيل في تونس، مثل الفنان لطفي بوشناق، أو المطرب زياد غرسة، أو الفنانة ليلى حجيج، وغيرهم من المطربين الذين اشتهروا برقيّهم الفني. وقد أحيت حفل هذه السنة الأوركسترا السمفونية لقرطاج بقيادة المايسترو كمال مقني، الذي عزف مع فرقته أشهر السمفونيات العالمية، وخاصة للموسيقار شتراوس، فاستمتع الجمهور الحاضر أيما استمتاع أكّده من خلال وصلات التصفيق الحار.
وفي نهاية الكلمة التي كتبها رئيس لجنة التحكيم لمسابقة الرواية الناطقة بالعربية، الدكتور محمد القاضي، في افتتاحية المجلّة التي وزعت على الجمهور، قال: "مهما يكن من أمر، فإنّ هذه الدورة الجديدة أوفت بوعودها، ودلّت من جديد على أنّ إسهام المؤسسات الاقتصادية في دفع العمل الثقافي ليس دعاية وتباهيًا ولفتًا للأنظار، وإنّما هو ترسيخ لتقاليد الإبداع الفكري، وإسهام في تكريس مقاييس الجودة والإتقان، ورهان على أنّ الثقافة هي ركيزة البناء الحضاري".