أزرق ماجوريل يطوف حول العالم

ميشرافي عبد الودود 23 نوفمبر 2017

في أكتوبر 1918 يصل جاك ماجوريل (1886-1962)إلى مراكش، بدعوة من الجنرال اليوطي، قادمًا من رحلات قادته إلى إسبانيا وإيطاليا ومصر. حيث سيواصل تطوير واستثمار أبحاثه التشكيلية عن اللون والضوء، بالمدينة الحمراء التي وقع في قبضة سحرها، ووقعت في قبضة ريشته التي ستكشف عن أسرارها.

سرعان ما سيندمج الفنان الشاب في نسيج المجتمع المغربي التقليدي الذي بدأت الحداثة تطرق بخجل أبوابه العتيقة. طيلة عقود سيكون الشاهد المثالي عن الاقتحام المفاجئ للحضارة الأوروبية للمدينة التقليدية التي لا تزال تطل بخفر على العالم من مشربياتها العالية وفتحة الحايك الذي يلف النساء البدويات المشيحات بوجوههن عن الكاميرا.

الطابع الوسيطي للمدينة الحمراء، وصخب الحياة في دروبها وأسواقها وأحيائها التقليدية، أغرى الفنان بالإقامة في دار صغيرة بقلب المدينة، حرص بنفسه على تجديدها، باقتناء اللوازم الضرورية من القيسارية المجاورة أو "سوق الدلالة"، وتقاسم مع السكان متعة العيش والمشاركة. هكذا أصبحت يوميات المدينة المصدر الرئيس لإلهام لا ينضب، سواء من خلال إقامته في الحي العتيق بقلب المدينة، أو استكشافاته للقصبات والقصور المغربية  في عشرينيات القرن الماضي.


لوحاته أمسكت بشكل عفوي وصريح بالروح المغربية التي طبعت سكان البلد، بعيدًا عن أي أثر رجعي للفضول السياحي الذي شاب أعمال المدرسة الاستشراقية التي يعد بجدارة أيقونتها المضيئة. في القرى التي لم تلوث موجة التحديث والتمدن حياة قصباتها البسيطة والهادئة؛ كما في المدن التي لا تزال تدور إيقاعاتها على عقارب الساعة الوسيطية؛ وفق ما دوّن ماجوريل في دفتره: "توجد هنا مشاهد من الواقعية لدرجة ينسى المرء العصر الذي يعيش فيه وينسى نفسه؛ بحيث يتسنى لنا الحياة في قلب العصور الوسطى". ألق الحياة التلقائية للسكان البسطاء في ضيافة المكان داخل وخارج الأسوار؛ لا يخطئ طريقه إلى لوحات جاك ماجوريل.

في مبادرة تعتبر الأولى من نوعها، يخصص المعرض الافتتاحي (19 أكتوبر/ تشرين الأول- 6 فبراير/ شباط) بمناسبة افتتاح متحف إيف سان لوران بمراكش  للفنان جاك ماجوريل. المعرض الذي يكرس عمل الفنان منذ وفاته، يضم أربعين عملاً فنيًا يشهد على افتتان الفنان بعوالم المغرب الساحرة التي استحوذت على خياله.

الجدران الزرقاء لصالة العروض المؤقتة، تستضيف أول معرض استعادي "للفنان الرحّالة؛ جاك ماجوريل". إنه استعراض للقصة الكاملة لعلاقة الحب الوثيقة - كما حدث مع مصمم الأزياء الفرنسي إيف سان لوران- التي جمعت بين الفنان والمغرب.

"معرض جاك ماجوريل والمغرب" دعوة للسفر ورحلة استكشافية في عوالم البلد المميزة في حقبة العشرينيات والثلاثينيات، إذ تأخذنا إلى الحياة صاخبة الألوان لأحياء وأزقة وأسواق مراكش، بمشاهدها الغرائبية والمألوفة من الحواة والتجار والحرفيين والباعة المتجولين، ثم تعرج بالمشاهد إلى الجرد المبدع الدقيق لقصبات الأطلس الذي عكف عليه ماجوريل منذ استقراره بالمغرب، لتختتم الرحلة بمديحه وغزلياته الفنية الرائعة التي عكست خفر وجمال الأمازيغيات.

كما هو الحال دائمًا مع الفنانين المبدعين، لم يستجب الابن لرغبة أبيه الفنان لويس ماجوريل؛ مصمم الديكور والأثاث الفاخر، لخلافته في رئاسة الشركة العائلية. الابن استمع فقط لفرشاته ولوح ألوانه، في مدرسة الفنون الجميلة بباريس، ثم في معهد جوليان، حيث "لاحظ الأساتذة عدم انضباطه التصويري واستقلاله وذوقه الذي تشكل بالفعل بعيدًا عن أي وصاية أكاديمية".

من المفيد أن نستذكر أن الفنان الشاب ترعرع في مدرسة نانسي التي تشكلت من ائتلاف قطاعات الصناعة التقليدية للمدينة؛ رائدة "النوفو آرت" التي استلهمت أساسًا مصادرها من الأشكال النباتية. ائتلاف يستند إلى استخدام وتطوير صناعة الزجاج والفولاذ والحديد والخشب، سعيًا منها إلى جعل الجمال في متناول الجميع، وبالتالي إدخال الفن للبيوت. كمفترق الطرق بين الفن والصناعة، استثمرت هذه المدرسة مجالات الهندسة المعمارية والأثاث الفاخر من خلال مجموعة متنوعة من التقنيات، وجعلت من صميم أهدافها دعم وتعزيز فنون الديكور. الورش المنظمة تجمع بين إبداع القطع الفنية الفريدة والإنتاج الواسع النطاق، بهدف الوصول إلى أوسع جمهور ممكن.

انتشرت مدرسة "النوفو آرت" على نطاق واسع في أوروبا خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وحتى أوائل القرن العشرين تقريبًا. الاهتمام المتزايد للفنانين والحرفيين بالحياة اليومية ساهم في تقريب الجمهور من الحداثة. وجاك ماجوريل أحد رموزها البارزين.






مراكش ورحلة البحث عن الذات


المجموعة الأولى تستعرض الرؤى المدهشة التي تكشفت لعين الفنان عقب لقائه الصادم بالمدينة الحمراء؛ بينما كان يتهجى في الأزقة والدروب أبجدية المكان وبلاغته، باحثًا عن أسلوبه ومزيج ألوانه التي أخذت تلوح شيئًا فشيئًا.

لوحة "باب أكناو" الضخمة التي تتوسط المعرض، تعتبر تلخيصًا مكثفًا للمعجم التشكيلي العاشق لجاك ماجوريل. مايسترو الفرقة الذي يرتدي البرنس المغربي القصير، ويمسك بمهابة بالبندير، يتنقل حافي القدمين بنظراته القوية بين الحضور، على مقربة من الثعبان الأسود المستثار في رقصته الهجومية. الحضور الكثيف الذي يؤطر الخلفية الأنيقة على امتداد السور الذي يتوسطه بمهابة قوس باب أكناو؛ يتشكل من سكان الحي الذين يقتعدون الأرض في دعة وسكون، والعابرين المتعجلين للساحة، مسترقين النظر إلى بهجة "الحلقة"، تتخللهم بعفوية النساء الواقفات بمتاعهن وأطفالهن لسرقة لحظات من المتعة والمؤانسة قبل العودة للمنازل. 

على غرار لوحة "باب أكناو" التي اتسمت بالصخب والعنف، فجرت لوحة "سوق التمر" مزيج الألوان المراكشية دفعة واحدة؛ العراجين الصفراء المحملة بتمور طازجة يتقد جمرها تحت الشمس الساطعة، في تعارض كاشف للبائعين الجالسين على الأرض قرب بضاعتهم والزوار الواقفين للتبضع، يوحدهم الزي المغربي الذي يمزج بين الجلباب المخطط والبرنس الأبيض الفاتح؛ في ما يشبه مشهدًا استعراضيًا لأناس يتفقدون كنزًا من سبائك الذهب أخرج للتو.

هذه المشهدية الصاخبة العنيفة سيتم التخلي عنها لصالح إيقاعات بصرية أقل حدة وفورانًا؛ باستخدام أداء تشكيلي أكثر رصانة وتقشفًا. بأقل الألوان ينجز جاك ماجوريل اللوحة الصامتة لـ "قبور السعديين" في ترجمة محكمة  للسحر المهيب الذي يغلف العمارة المغربية العريقة والعقد الخفي المبرم لاستضافة أرواح الملوك. الظلال المنثورة في أرجاء الأضرحة لا تشي بالوحشة بقدر ما تعبر عن القداسة التي تحوم في الأركان، وثبات الزمن الذي توقف عند نقطة معينة من الفقدان. كذلك لوحة "باب مدرسة بن يوسف" تستلهم نفس الطقوس التعبيرية المقتصدة لتنفيذ واجهة العمارة الخارجية للمدرسة الغارقة في شجن الظلال العميقة التي تلف زحام الطلبة والأساتذة المتأهبين بصرامة وجدية زيهم الموحد لدخول الحرم من البوابة التي تكاد تنطمس في زاوية المبنى. الطلاء الباهت المقشر للواجهة يبرز النقوش الخضراء التي تلتمع في الضوء المتسلل من الأعلى بين الجدران؛ في تعارض متعمد مع الشبح المعتم لفلاح يعرض فواكهه مستندًا بكسله الصباحي على الجدار المتآكل.

لا تعبّر الاتزانية الأسلوبية التي طبعت هذه المرحلة عن انتكاسة أو تراجع، بقدر ما تستجيب إلى شروط النضج الفني المتسلسل الذي استطاع استيعاب ثورة الألوان التي ميّزت دخوله المتعجل إلى المدينةِ الرواقِ بضجيج أضوائها. أداء الفنان التعبيري أصبح أكثر تعقلاً واتزانًا بالمقارنة مع المرحلة الأولى؛ ربما نقطة نظام حاول خلالها التقاط الأنفاس قبل مباشرة المغامرة التي أعد نفسه لها طويلاً قبلذاك.




الانضباط التصويري الذي التزم به جاك ماجوريل في "أضرحة السعديين" أو "باب مدرسة بن يوسف" أو "صومعة الكتبية" الشهيرة، لن يتراجع عنه في المرحلة التالية التي ستتصف بمحاولة الفنان إحداث ثقب في السور للنفاذ إلى خارج المدينة. لكن بفارق أساسي وجوهري يمكِّن الفنان من حيازة مزيج ألوانه الكاملة التي صهرت هذه المرة صخب وعنف البداية مع رصانة ومهابة المرحلة المتوسطة؛ والنتيجة صفاء وشفافية وسمتا أعماله التي استلهمت الجمال الرعوي للأسواق التي كانت تقام خارج أسوار المدينة، وتستقطب الباعة القرويين وسكان القرى المجاورة.

"بائعات الحايك في سوق باب الخميس" واحدة من أصدق وأجمل اللوحات التي أمسكت باتفاق غريب روح الجمال الضارب في الزمن في تناغمه واتساقه مع الطبيعة والعمران البشري؛ بحيث بدت هذه الأقطاب الثلاثة فسيفساء زاهية أو سجادًا ربيعيًا موشى بالزهور الملونة. التراتبية التصويرية الذكية التي لجأ إليها الفنان جعلت من الحضور النسائي الأمازيغي أو المبدأ الأنثوي الضمان الوحيد لاستمرار البقاء والوجود؛ حيث نثر الشخوص النسائية الملتحفة للحايك في المقدمة وجلبة الباعة والحرفيين والمزارعين في الوسط والمدينة في مؤخرة الخلفية.

مرحلة "خارج الأسوار" استعارة للمكان الذي يقدّم كبرزخ موجود في منتصف المسافة بين الفضاء، شبه الحضري/ شبه القروي، والفضاء الممتد إلى ما لا نهاية. إنها وقفة استراحة قصيرة للرحّالة الفنان قبل الصمت والتأمل عبورًا إلى؛ الأطلس الكبير.


العبور مرئيًا بريشة جاك ماجوريل

في حقبة زمنية دقيقة  في عصر الأنوار، وصف ميشيل مونتين (1533-1592) جهده التنويري: "لا أرسم الكينونة، أرسم العبور". الجملة المضيئة تنطبق بشكل كبير على جاك ماجوريل الذي يمكن تصنيف أعماله الفنية لهذه المرحلة الفارقة، كدفتر رحلات، فيه شكل شعري متين، يبتعد عن انزياحية التأويل، مع دقة الخطوط والأداء الأسلوبي المحكم للتصوير المعماري. إذ سواء تعلق الأمر بتصوير مشهديات القرية البسيطة أو بالقصور والقصبات؛ فإن جاك ماجوريل لا يرسم سوى شيء واحد؛ العبور الإنساني داخل الزماكانية، أو العبور العمراني المنذور للزوال في زمكانية الإنسان. 

من المعلوم أن السلطات الفرنسية في عهد الحماية المفروضة على المغرب، لم تكن تسمح بحرية التنقل للمدنيين الأجانب خارج مدار معين من المدينة. العبور إلى ما وراء السهل وارتياد سفوح جبال الأطلس التي لا تبعد سوى بضعة أميال، وتتراءى سلسلتها الوعرة المغطاة بالثلج شتاءً وربيعًا، شكّل الهاجس الملح باستمرار على الفنان الذي شعر أنه استنفذ المعجم البصري للمدينة داخل وخارج الأسوار.

في صيف 1921  يتمكن جاك ماجوريل من الحصول على تصريح من باشا المدينة للتنقل في وادي تلوات، ووادي نهر أونيلة، ووادي رزاية  بمنطقة كلاوة. طيلة أربعة أشهر سيجوب الفنان الأطلس الكبير رفقة زوجته وحرسه. حالما يعود الفنان من رحلته، ينظم في عام 1922 معرضًا فنيًا ضخمًا في باريس بعنوان "مائة لوحة من المغرب والأطلس (منطقة كلاوة)"، كرس شهرته في فرنسا والمغرب على حد سواء.

قصبات الأطلس التي استبدت بمخيلة الفنان ونذر ريشته لها، ستكون من المواضيع الرئيسة التي سيعود إليها دائمًا، للإمساك بالسحر الوسيطي الأخاذ. هكذا سيتمكن جاك ماجوريل من تطوير لغته التشكيلية المتفردة، بعيدًا عن أي تأثير خارجي، وسيبدع أرقى التراكيب الفنية التي جعلته يتبوأ منزلة رفيعة في عالم الاستشراق. لوحاته في هذه المرحلة ليست مجرد مشاهد قروية بسيطة كما هو موجود في هذا النوع؛ إنها استغوار واستلهام عميقان لروح الشعب الذي اختار العيش في القرى الجبلية النائية، مبدعًا عمرانًا مرهفًا، مؤكدًا أن العمارة "ليست كل شيء، ثمة حاجة للانسجام مع السماء، حاجة إلى الضوء، بل وحتى للفضيلة" كما يقول الروائي الفرنسي جون جيونو.

ستتوالى الرحلات الاستكشافية إلى الأطلس، وفي يونيو 1922، يتوجه جاك ماجوريل إلى أعالي وادي النفيس وأعالي واد سوس، ليعود قبل إكمال رحلته بسبب مرض ألم به، بالرسومات التي أنجزها في مذكرات السفر، ونشرها بعنوان: "دفتر طريق لفنان تشكيلي في الأطلس الكبير والأطلس الصغير، 1922". مرارة التجربة التي كادت تفقد الفنان الحياة، أخّرت عودته لجبال الأطلس حتى عام 1926، لينخرط في طقوسية إبداعية نشيطة بمقترحاتها الجمالية.

يتمثل القاسم المشترك بين لوحات المرحلة الأطلسية في الجدية أو الصرامة التي التزم بها جاك ماجوريل في أدائه الفني. القصور والقصبات التي عكف على تجسيد معالمها بدقة متناهية، تجعل المشاهد يقف حائرًا أمام التأليف المنضبط والمحكم بمهارة تمزج بين الاحترافية العالية والصدق الرهيب، بحيث تقترب من الكمال والمثال. كما تشهد على ذلك لوحة "في انتظار القايد" بتدرج مستوياتها وأحجامها وألوانها في التشكيلات الدقيقة والرصينة للقصبة التي بدت واثقة في وقوفها الهش بسورها الوطيء المستند إلى شخوص متباطئة تنتظر خارج الزمن عودة القائد، على مقربة من دوابها اللامبالية.

"من الصعوبة بلا شك، تعيين المسافة التي تفصل الفنان عن الشاعر، بالنظر إلى أنها عائمة، وبسبب وجود اختلافات في مجال الإبداع الحي، من ناحية الكم والنوع"، يقول مؤرخ الفن الفرنسي إلي فوور. لكن بالتدقيق في اللوحات الأطلسية قد نعثر على هذه المسافة التي لا تفصل الفنان عن الشاعر، إنما تجعل من المبدأ الشعري القانون الخفي الذي يتحكم في عملية الخلق والإبداع عمومًا.

"غروب الشمس"،"بيوت من تاورريت"، "ورزازات"، "وادي الملاح"، و"الساقية وآيت بن حدو"؛ كلها لوحات شعرية موقعة بدقة وصرامة خطوطها التي تحاكي الرسم المعماري، فيما تمنح المساحات اللونية المضيئة طابعًا خارج الزمن. الفرشاة الذكية تمسك بألق اللحظات المنتقاة بعناية من النهار، عبر استعمال أقل قدر ممكن من الألوان الخام التي يتم صبها مباشرة من أنبوبة الصباغة لتحقيق الحد الأقصى من التأثير لدى المشاهد. إضافة إلى تقنية الجد لويس ماجوريل التي سيوظف فيها رقائق الذهب والفضة مضفيًا على اللوحة مستويات متوهجة داخل الإطار التشكيلي المحكم. ألبوم اللوحات الذي سينشر عام 1930 بعنوان "قصبات الأطلس"؛ سيكرس جاك ماجوريل بصورة نهائية "فنان الجنوب"، وبالتالي فتح له الباب لعبور الذاكرة الجماعية.

الحديقة النباتية ونداء إفريقيا السوداء

في عام 1922 اقتنى جاك ماجوريل بستان نخيل شمال غرب المدينة وقام ببناء الفيلا الأستوديو بأسلوب العمارة الأندلسية و"الآرت ديكو"، في قلب "الحديقة الانطباعية". هذه "الكاتدرائية من الألوان والأشكال" التي تحتضن أنواعًا غريبة ونادرة من النباتات الاستوائية، تستند إلى تناقض خلفية الجدران المصبوغة بالأزرق الناصع الذي ابتدعه ماجوريل، وتخلق حالة من الدهشة لدى المشاهد في ما يتلقى هذه القطعة الفنية الحركية. وقد فتحت الحديقة أبوابها للزوار في عام 1945.

اللوحات الأخيرة التي سينجزها جاك ماجوريل، تحسب على مدرسة الغرائبية التي انتشرت في الثلاثينات من القرن الماضي. الأجساد العارية الأبنوسية والبرونزية التي تبدو كما لو تحدق في الفراغ، تكرس لعبة التقابلات التي لا تنتهي؛ كلما كانت الرغبة أشد، كلما كان الشعور بالانفصال أقوى. 

في عام 1955 سيفقد جاك ماجوريل قدمه إثر حادثة سيارة، ويتم ترحيله في عام 1962 إلى مدينة ناسي، ليدفن بقرب والده، بعد تعرضه لكسر في عظم الفخذ.

رحلة الفنان المؤقتة سرعان ما تنتهي في عالمنا، لكن الحياة الحقيقية هي ما ينتظر المبدع بعد الموت.

في عام 1980 حديقة ماجوريل المهجورة التي كان سيتم تحويلها إلى فندق، تُنقذ الحديقة، ويتم تحويل المبنى الصغير إلى متحف للفنون والثقافة الأمازيغية، بعد ما اشتراه المصمم الفرنسي إيف سان لوران وصديقه بيير بيرجي.

بعد أكثر من ثلاثة عقود تطلق مؤسسة حديقة ماجوريل، التي جرت توأمتها مع مؤسسة بيير بيرجي إيف سان لوران، المتحف المخصص لهذا الأخير في الشارع الذي يحمل اسمه، على بعد بضعة أمتار من الحديقة. المعرض الافتتاحي اعتراف بالدور الحاسم الذي لعبه جاك ماجوريل في علاقة مصمم الأزياء الفرنسي والمغرب.