مهرجان المسرح العربي الـ11: فلسطين أكبر الغائبين

يوسف الشايب 24 يناير 2019
مسرح
من عرض "من قتل أسمهان؟" للمسرح الوطني الفلسطيني

دارَ شيء من اللغط في كواليس مهرجان المسرح العربي في دورته الحادية عشرة التي عُقدت في مصر، عبّر عنه الممثل التونسي طاهر الرضواني، في ندوة صحافية حول عرض "قمرة 14"، متسائلًا عن أسباب غياب مسارح عريقة عن المشاركة في المهرجان، وعلى رأسها المسرح الفلسطيني، إضافة إلى المسرح الجزائري، والسوري، واللبناني، والسوداني، وغيرها، علاوة على لغط مردّه عدم الكشف عن أعضاء لجنة اختيار العروض المشاركة في التنافس على مسابقة الشيخ سلطان القاسمي، أو في المسارات الأخرى.

وحسب بيان للهيئة العربية للمسرح في الشارقة، مطلع كانون الأول (ديسمبر) الماضي، فقد تقدمت فلسطين بخمس مسرحيات، وسورية بإحدى عشرة مسرحية، والجزائر بعشر مسرحيات، ولبنان بتسع مسرحيات، والسودان بثلاث مسرحيات، في حين تقدمت للمشاركة في المهرجان كل من البحرين بست مسرحيات، وسلطنة عُمان بثلاث مسرحيات ومثلها السعودية، إضافةً إلى اثنتين من ليبيا، وواحدة من موريتانيا، فيما لم تتقدم الدول العربية الأُخرى غير المشاركة في مسارات المهرجان بأية أعمال مسرحية بالأساس، بينما كانت الغلبة في العروض المشاركة بمختلف المسارات للأردن والمغرب ومصر.

وكان ملفتًا أنه في الوقت الذي حضرت فيه بعض الدول الغائبة عروضها عن مسارات المهرجان، في الندوات الفكرية أو في عضوية لجنة التحكيم كالجزائر، ولبنان، والسودان، والسعودية، ولجان التحكيم الفرعية، غابت فلسطين كليًا عن أي لجان أو ندوات فكرية، باستثناء وفد صغير لا يصل إلى عدد أصابع اليد الواحدة!

إقصاء "من قتل أسمهان؟"

وعلمتُ أن مسرح الحرية في جنين، الجهة المنتجة لأفضل عرض متكامل في مهرجان فلسطين الوطني للمسرح، "مروّح ع فلسطين"، لم يتقدم بطلب للمشاركة في المهرجان، حسب ما أكد مديره مصطفى شتا، في حين كان من بين الأعمال التي تقدمت للمشاركة "من قتل أسمهان؟"، من إنتاج المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي) في القدس، والذي حصل على حصة الأسد من جوائز المهرجان ذاته، ونظمته الهيئة العربية للمسرح بالشراكة مع وزارة الثقافة الفلسطينية.

ورجح مسرحيون فلسطينيون، فضّلوا عدم ذكر أسمائهم، أن عدم اختيار عرض على مستوى فني رفيع كعرض "من قتل أسمهان؟"، قد يكون لأسباب سياسية، حيث إن غالبية القائمين على العرض من مخرج وممثلين هم من فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948، ممن أُجبروا على حمل جواز السفر الإسرائيلي، فيما أن عديد الدول العربية ترفض استقبالهم، باعتبار أنهم "إسرائيليون"!

وكان لمسرحيين آخرين تفسير آخر يقوم على افتراض ما قد يُحدثه العرض من جلبة وجدل، وربما حالة فوضى حال عرضه في مصر، بسبب حساسية موضوع المسرحية، والتناول الكاريكاتوري لشخصية المحقق المصري في قضية مقتل المطربة أسمهان، وتوجيه أصابع الاتهام إلى عديد الشخصيات المصرية ذات الرمزية العالية لدى الشعب المصري، وأن طرح هكذا موضوع، وبهذه الطريقة، قد يقابَل بسخط من قبل الإعلام المصري، وربما الجمهور، لكون طارحه من خارج مصر، وما حال دون اختياره، كونه يدخل في إطار ما يمكن أن يوصف، وفق نظر البعض، بـ"الازدراء".

وقال عامر خليل، مدير المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي)، الجهة المنتجة لعرض "من قتل أسمهان؟": بعيدًا عن أي نوع من أنواع الغرور، أعتقد أن عملًا مسرحيًا مثل "من قتل أسمهان؟" أجرأ بكثير على المستوى الفني، وعلى مستوى الطرح والموضوع، مما يمكن أن يحتمله مهرجان كمهرجان المسرح العربي، وما أقوله هذا يتأتى بناء على مشاركتي أكثر من مرة في دورات هذا المهرجان، واطلاعي على طبيعة الأعمال المشاركة. أعتقد أن عملًا كهذا يخيفهم، لجرأته على المستوى السياسي أيضًا، كما أن العمل فنيًا يعلو فوق مستوى الأعمال التي من الممكن أن تشارك في المهرجان.

وأضاف خليل: المسرح الفلسطيني عامة خارج دائرة المسرح العربي وخياراته بحكم ظروفنا السياسية والجغرافية والاقتصادية، علاوة على موضوع "الشللية"، كما أنهم في الهيئة العربية للمسرح، وفي المهرجانات المسرحية العربية عامة، بعيدون عن الاطلاع على تجربتنا، مع أن عرض "من قتل أسمهان؟" هو العرض الحائز على أكبر عدد من جوائز الهيئة العربية للمسرح في مهرجان فلسطين الوطني للمسرح بدورته الأولى العام الماضي!

ووصف خليل هذا "الغياب" بالموجع والمحزن، مؤكدًا أنه غير ذي تأثير كبير على المسرح الفلسطيني ومسيرته، فالحركة المسرحية الفلسطينية لا تزال، منذ سبعينيات القرن الماضي، تحقق ذاتها عالميًا أكثر مما تحققه عربيًا. وقال: حضور المسرح الفلسطيني عالميًا أكثر فعالية وكثافة وتأثيرًا من حضوره عربيًا، وهذا مثبت بالأرقام، فإنتاجات المسرح الوطني الفلسطيني الأخيرة "ورد وياسمين"، و"أنتيجون"، و"من قتل أسمهان؟" قدمت مئات العروض في مختلف قارات العالم في السنوات القليلة الماضية، وتعاقدت على تقديم المزيد من العروض هذا العام.

وأكد خليل أنه لو أتيح للمسرح الفلسطيني المشاركة عبر "من قتل أسمهان؟" أو غيره من الأعمال المسرحية لكان حضوره طاغيًا، فقد سبق أن حققت مسرحية "خيل تايهة" لمسرح نعم في الخليل جائزة أفضل مسرحية عربية في إحدى دورات المهرجان. وقال: المسرح الفلسطيني متميز، وهو كما أشرت يتجاوز في بعض عروضه ما يطرح في دورات مهرجان المسرح العربي بكثير، لافتًا إلى أنه كان ممثلًا للهيئة العربية للمسرح عن فلسطين حين أقر المهرجان، وحين أقرت جائزة الشيخ القاسمي لأفضل مسرحية عربية، لكن يبدو أن وجود هكذا تركيبة تشكل ما يشبه مجلس إدارة عربي لم يرُق للبعض، فتم حله بشكل أو بآخر، ولم يعد قائمًا.

حصار مضاعف

واستهجن خليل ما وصفه بالحصار الذي تفرضه الدول العربية على المبدعين الفلسطينيين الذين يحملون رغمًا عنهم جوازات سفر إسرائيلية، لم يختاروا حملها، بل أجبروا عليها، لكونهم صمدوا على أرضهم منذ النكبة، فهم ليسوا فنانين فقط، بل فلسطينيون، وهم أساس القضية وجذرها، وهم ليسوا إسرائيليين أو "عرب إسرائيل"، كما يسمّيهم البعض. وقال: أعتقد أن أحد أسباب عدم اختيار عرض "من قتل أسمهان؟" للمشاركة في مهرجان المسرح العربي هو كون مخرج العمل وبطلته الأساسية من فلسطينيي 1948، إضافة إلى ما سبق أن ذكرته من أسباب. فبدلًا من تشجيعهم على إبداعاتهم تتم محاصرتهم، وهم الذين يحاصرون من سلطات الاحتلال أصلًا، كما نحن في المسرح الوطني الفلسطيني بالقدس. وليس مبالغة القول إن هؤلاء المسرحيين للأسف لا يملكون جرأة الفنان، وجرأة الانتصار للفلسطيني في القدس أو الناصرة أو حيفا أو أي كان، وتبقى فلسطين بالنسبة لهم مجرد شعار.

وختم خليل حديثه: سنبقى ننتج مسرحيات ذات قيمة عالية، ونقيم مهرجاناتنا التي كنا نقيمها منذ سبعينيات القرن الماضي، ونعرض في الدول التي تقدّر أهمية ما نقدم فنًا ومضمونًا، وإن كان العرب لا يريدوننا فهذا خيارهم، ولن يتأثر المسرح الفلسطيني، كما أسلفت، بغيابه عن مهرجان المسرح العربي بتاتًا.

 

لا إقصاء

 بدوره، أكد غنام غنام، المسؤول الإعلامي في الهيئة العربية للمسرح، أنه ليس صحيحًا بالمطلق أن ثمة حالة إقصاء لدول عربية بعينها في النسخة الحادية عشرة من مهرجان المسرح العربي، والتي نظمته، في القاهرة، الهيئة بالشراكة مع وزارة الثقافة المصرية، واختتم فعالياته بإعلان فوز عرض "الطوق والإسورة" من مصر بجائزة الشيخ سلطان القاسمي، من بين ثمانية عروض تنافست عليها، اثنان من المغرب (شابكة، عبث)، واثنان من الأردن (النافذة، نساء بلا ملامح)، وعرض واحد من كل من الإمارات العربية (المجنون)، والكويت (الرحمة)، وتونس (ذاكرة قصيرة)، إضافة إلى العرض الفائز، وهي "العروض التي رشّحتها لجنة اختيار من ذوي الخبرة والاختصاص قررنا عدم الكشف عن أسمائهم، خشية التعرض لضغوطات قبل المهرجان، وانتقادات قد تصل حد التجريح من البعض خلاله وبعد انقضائه، من أصحاب عروضٍ تقدمت ويجدون في عروضهم ما هو أفضل من اختيارات اللجنة التي لا تتدخل فيها إدارة الهيئة، لا من قريب ولا من بعيد".

 وأشار غنام إلى أن طرح غياب دول عربية بعينها عن المهرجان غير دقيق، فهناك وفود من كافة الدول العربية تشارك في فعاليات المهرجان المختلفة، ما بين ندوات فكرية، ومؤتمرات صحافية، ومشاركات، وغيرها من الفعاليات التي لا تقل أهمية عن العروض. فالمهرجان كرنفال ثقافي بامتياز، وليس مجرد عروض مسرحية تتنافس على جائزة، رغم أهمية ذلك.

وقال: إن غابت عروض مسرحية من بعض الدول العربية، فهذا لا يعني غياب هذه الدول عن المهرجان القائم على فكرة توحيد العرب عبر بوابة المسرح (أبو الفنون)، ولا يمكن، بأي شكل من الأشكال، أن يشكل مساحة، ولو ضئيلة، للفرقة والخلاف.

 وكشف غنام أن أكثر من ثلاثمائة عرض مسرحي تقدمت بطلبات إلى الهيئة العربية للمسرح للمشاركة في المهرجان، وأن أكثر من مائة وخمسين منها عُرضت على لجنة الاختيار التي طبّقت معايير وشروط المشاركة كما هي محددة ومعروفة لكافة الفرق، قبل الخروج بقائمة العروض المرشحة للمشاركة في المسار الأول، والعروض المرشحة المشاركة في المسار الثاني (العروض المتنافسة على جائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي للعام 2018)، مؤكدًا أن منهجية عمل الهيئة منذ تأسيسها والأهداف التي قامت عليها، تؤكد أنه لا يمكن بأي حال استبعاد أي عرض لأسباب سياسية أو غيرها، ما دامت تنطبق عليه شروط المشاركة. أما اختيار العروض من بين من تنطبق عليها الشروط، فيعود إلى ذائقة لجنة المشاهدة وتقديراتها.

وكانت الهيئة العربية للمسرح أشارت، في بيان لها، مطلع كانون الأول (ديسمبر) 2018، إلى أن عملية اختيار العروض انطلقت من مبدأ الجودة، مع إعطاء الأفضلية للعروض الجيدة التي لامست ثيمة عمل الهيئة العربية للمسرح عام 2018، وهي: الاشتباك مع الموروث الثقافي لإنتاج معرفة إبداعية جديدة ومتجددة، مثلما راعت الاختيارات شروط السلامة العامة التي باتت مهمة ومقدرة في أنظمة المسارح العالمية، وصارت محط انتباه واهتمام الجهات المعنية بالمسرح في الدولة المضيفة، مصر.

وفي البيان ذاته، كان الأمين العام للهيئة العربية للمسرح، الكاتب إسماعيل عبد الله، أشاد بما وصفته لجنة الاختيار بجرأة العروض فنيًا وفكريًا لناحية الاشتباك مع الواقع وتجلياته، والانفتاح على مختلف الأساليب الراسخة والحديثة في آن معًا، ما أعطى تنوعًا وثراءً للاختيارات التي تمت، كما حيا لجنة الاختيار، مؤكدًا أن اللجنة عملت من دون إملاءات وبحرية تامة، وأن الأمانة العامة للهيئة كعادتها تتبنى قرارات اللجنة، احترامًا وتقديرًا منها لجهدها ورؤيتها.

تساؤلات ملحّة

وفي سياق الحديث عن حالة اللغط هذه، قال المخرج الفلسطيني فتحي عبد الرحمن، رئيس اللجنة العليا لمهرجان فلسطين الوطني للمسرح المشارك ضمن الوفد الفلسطيني في المهرجان العربي للمسرح بالقاهرة: هناك أكثر من عمل مسرحي فلسطيني، على المستوى الفني والفكري، يستحق المشاركة في المهرجان العربي للمسرح، لكن الأمر يتعلق ربما باعتبارات تنظيمية في المهرجان، هذا كسائر المهرجانات، وقوانين واشتراطات اختيار العروض التي تنطبق أو لا تنطبق عليها الشروط، والهيئة العربية للمسرح بخبرتها وضعت شروطًا ومعايير تختار العروض وفقًا لها.

 وأضاف عبد الرحمن: كان هناك أكثر من عمل مسرحي فلسطيني يستحق التواجد في هذا المهرجان، ونحن كسائر الدول كان يهمنا المشاركة بعرض مسرحي في أيٍّ من مسارات هذا المهرجان الذي يشكل منصةً للالتقاء والتوحد والإبداع وتبادل الخبرات والمعرفة. لا مشكلة لديّ بأن يشارك أكثر من عرض للدولة ذاتها في المهرجان إن كان ذا مستوى رفيع، ولكن حال كانت سوية العروض متقاربة تبرز حالة من الإلحاح والتساؤل حول عدم مشاركة عروض مسرحية من فلسطين وغيرها من الدول في المهرجان، لكنني بطبيعة الحال لا أعرف ماهية الاعتبارات الفنية والتنظيمية أو حتى السياسية.

واقترح عبد الرحمن إصدار تقرير فني من قبل أعضاء لجنة اختيار العروض في مهرجان المسرح العربي حول مبررات مشاركة هذه العروض من دون غيرها، وماهية المعايير التي على أساسها قيّم أعضاء هذه اللجنة المسرحيات التي تم اختيارها للمشاركة في مسارات المهرجان. وهذا من شأنه أن يسدّ ثغرة مهمة، فكلما قدمت لجنة الاختيار تقارير واضحة حول خياراتها اتضحت الرؤية، وتقلصت حالة اللبس واللغط.

بدوره، أشار الفنان المسرحي الفلسطيني حسين نخلة إلى أن ما تقدمه عديد الفرق المسرحية الفلسطينية من عروض يرقى إلى مستوى فني وفكري رفيع المستوى. وقال: في رأيي الشخصي، كانت هناك بعض الأعمال التي شاركت في مهرجان المسرح العربي ربما لا ترتقي إلى مستوى المشاركة في مهرجان من هذا القبيل، ولا تمثل المسرح العربي. وهناك في فلسطين أعمال كانت تستحق المشاركة في المهرجان، خاصة تلك التي حققت حضورًا لافتًا في مهرجان فلسطين الوطني للمسرح، أو خارجه، وكان مهمًا بل ومستحقًا أن تشارك في المهرجان العربي للمسرح في القاهرة، وكان مهمًا أيضًا، ولو للاطلاع، الإعلان عن أعضاء وتركيبة لجنة اختيار العروض.

كلمات مفتاحية

مسرح أدب فلسطيني مسرح عربي