مسرحية "حب عالرف"
في الردهة المجاورة للمسرح الصغير، الواقع في مدينة رام الله ، يتجمع حضور مسرح عشتار في ألفة لا تعهدها المسارح العالمية، تتنقل الممثلة والمخرجة المسرحية إيمان عون بينهم، للاستقبال والترحيب، مخالفة لقواعد وطقوس الإحماء التي يتطلبها العمل المسرحي، لكنها تسمح لنفسها بذلك، كونها تعيش تلك الطقوس خلال يومياتها العادية، فالمسرح هو بيتها الأول، وخشبته هي ملعبها الاحترافيّ، في تمام الساعة الخامسة وخمس وخمسين دقيقة، تصعد إيمان إلى الدرجة الثالثة من السلم الخشبي الصغير، وتعلن بصوتها الجهوري اللطيف عن اقتراب موعد العرض، وفتح باب المسرح، لاستقبال الحضور، مع تذكير ضمني بالانفصال عن العالم الخارجي، وإغلاق الهواتف النقالة.
فور ولوج باب المسرح، يتفاجأ الحضور بتوزيعهم على المقاعد المحيطة والمتخللة والمتوسطة للقاعة الصغيرة التي تخلو من مسرح، لكن الفنانة عون تؤكد لهم أن ذلك أحد متطلبات العرض، وتساعدهم في انتقاء مقاعدهم، قبل اختفائها خلف الستارة التي تظلل الكواليس، وكأنها تظلل نافذة فحسب، يظهر الممثلون بين مقاعد الحضور، كل في زاويته ودوره، وفور جلوس الجميع، يبدأ العمل بالإضاءة على الفنان إدوارد معلم، متوسطاً الكراسي الخلفية للمكان، ومطالباً الفنانة بيان شبيب التي تقوم بدور هادية، ببعض البطاطا المقلية.
الفنان إدوارد معلم الذي يقوم بدور الكاتب المسنّ المصاب بأمراض الشيخوخة، يقوم بغالبية الحركة في هذا العرض، من دون أن يبرح مكانه، مستنهضاً الأدوار الحركية لبقية أبطال العرض، بعبارات مفتاحية يحرك فيها المشهد من زاوية إلى زاوية أخرى، من دون العبث بمركزية الفكرة التي تدور حول فتاة تبحث عن زواج قبل أن يفوتها القطار، يكشف، ومن خلال حوارات عفوية بينه وبين هادية، التي تقوم بدورها الفنانة بيان شبيب، عن الأبعاد النفسية والعاطفية للمتطلعات للزواج، والضغوطات المجتمعية والعائلية التي تتعرض إليها الإناث اللاتي يقتربن من نهاية السنّ المحدد للزواج في المنطقة العربية عامة، والفلسطينية خاصة، كما يشير من خلال تلك الحوارات، وبشكل هامشيّ، إلى الوحدة التي يعاني منها الإنسان في شيخوخته، من أبنائه، ومن محيطه، مهما بلغ قدره ثقافياً واجتماعياً.
الفنانة بيان شبيب التي تقوم بدور هادية، الممرضة البيتية للكاتب المسن، والفتاة التي تتعرض لضغوطات من عائلتها للزواج، فيما تريد لنفسها زوجاً من اختيارها، تتنقل بين الحضور ونقاط المشاهد المختلفة بحركات مسرحية متنوعة ومستمرة، وخفة تدفع الملل بعيداً عن عرض مدته ساعة ونصف الساعة، يكاد الحضور فيه أن لا يلتقطوا أنفاسهم لفرط ما يشبه لغة اليوميات العادية.
الفنان محمد عيد، الذي يقوم بدور جاسر، الشاب المخبري الخجول المرتبك، يؤدي لغة الجسد والوجه باحتراف شديد، ليقنع المشاهد بتداعيات خضوعه لسيطرة الأم التي هُدمت لأجلها شخصيته، وانسحقت لغيابها تماماً.
أما الفنانة إيمان عون، فتحبك زوايا المشاهد المختلفة، وتجعل منه نسيجاً متكاملاً عن طريق أدائها لستة أدوار مختلفة لشخصيات مختلفة، ليصبح عدد أبطال العرض عشرة عوضاً عن أربعة، ستة منها تؤديها عون، ويوظفها العرض للكشف عن الجوانب المختلفة لشخصية جاسر المرتبكة، هذه الشخصيات الست هي صاحبة محل عطارة، ومعالجة نفسية، وبائعة ثياب داخلية، ومذيعة لبرنامج إذاعيّ يعنى بالمشاكل العاطفية، ونادل في مقهى، وسائق سيارة عمومي، وتنقلت عون بين هذه الأدوار المختلفة، بأزياء مختلفة، ومشهدية عالية، استطاعت من خلالها تشريح اهتزاز شخصية جاسر وتعريتها.
"حب عالرف" هو آخر أعمال مسرح عشتار، مأخوذ عن مسرحية "منتجات مصرية" للكاتبة المصرية ليلى سليمان، من إخراج إميل سابا، وبطولة إيمان عون، وإدوارد معلم، وبيان شبيب، ومحمد عيد.