مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي: تناسج ثقافي وأطر مفتوحة

وائل سعيد 14 أبريل 2019
مسرح
من العرض الفائز بجائزة المهرجان (آخر 15 ثانية- كندا)
يُعرَّف النسج بأنه ضرب من فنون النسيج، ونسج النساج الثوب أي ضم السدى إلى اللحمة، والسدى هي خيوط نسيج الثوب التي تمتد طولا، بخلاف اللحمة الممتدة عرضا، إذن يتشكل النسيج من تشابك مجموعتي الخيوط مع بعضها.
هذا التعريف المحمل بكثير من المعاني والأهداف طرحه أحد اللقاءات الفكرية التي دارت ضمن فعاليات مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، والذي أسدل ستار دورته الرابعة في السابع من أبريل/ نيسان. وهو ما بدا جوهر هذا المهرجان.
أٌقيمت الندوة بهدف التعريف بنشاطات المركز البحثي الدولي لتناسج ثقافات الفرجة "إيريكا فيشر ليتشه"، وأدارت اللقاء الفنانة نورا أمين، وقدّم الجلسة الباحثان إستيفان دونت، وهولجر هارتونج؛ المنسقان الأساسيان للمركز.
بدأ تأسيس المركز حين أطلقت الوزارة الفيدرالية الألمانية للبحث العلمي والتعليم مبادرة تحت عنوان "الحرية للإنسانيات"، كان من أهم أهدافها التدويل أو الدولنة؛ بغرض تقديم منهجيات جديدة في ما يخص الإنسانيات وجاء توقيت المبادرة موفقًا للغاية؛ حيث اتجهت حكومات الدول الأوروبية نحو سياسة اليمين ودورها في تقليص مساحات المنح والدعم الثقافي، بل والعمل على إلغائها من الأساس. غير أن الوزارة الفيدرالية قررت القيام بالعكس، ومن ثمَّ تقدمت البروفسورة إيريكا بفكرة مشروع المركز البحثي الدولي لتناسج ثقافات الفرجة في برلين، وحصلت على منحة 6 سنوات أعيد تجديدها لمدة مماثلة تنتهي بعد عامين، حسب تصريح دونت.
استهدف المركز خلق بيئة ثقافية تستطيع فيها الإيديولوجيات المختلفة أن تتناسج وتتمازج؛ إذ إن الثقافات تمتلك المرونة والقدرة على إعادة تشكيل نفسها بطرق مستجدة وبشكل مستمر، طالما
توفرت لها الظروف والبيئات الحاضنة. وهو ما يدل على وجود تكامل تام بين الممارسة الفنية والممارسة الوجودية في العموم أيضا.
ولذلك حين نتحدث حول تداعيات ذلك التناسج، باجتماع عناصر مختلفة من ثقافات متعددة، تظهر إشكاليتان لطالما تم تداولهما، أولاً: أن يؤدي هذا التناسج إلى خلق جماليات جديدة تماما وخاصة به، وثانياً: أن يؤدي إلى انمساخ الهوية بالتواصل مع الآخر.
وفضلاً عن مجال المسرح، يمكننا تطبيق فكرة هذا التناسج على بقية الفنون - والعلوم أيضاً -، حيث تخلق فرضية التناسج نظام عمل من الأطر المفتوحة ومن البنيات المرنة التي يمكنها بالتالي خلق نتائج غير متوقعة، على حد تعبير الباحث إستيفان دونت في عرضه لبدايات المركز وأهدافه وتطلعاته أيضاً، والذي أكد أن مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي هو فرصه حقيقية للتعرف على أحدث تطورات الخطاب البحثي في الدراسات المسرحية، ليسهم في تعريف الوسط المسرحي المصري بأحدث تيارات النقد الدولية، وبالتالي خلخلة السياسات والإيديولوجيات الراسخة، أو المعتادة الآمنة، الأمر الذي تتطلبه الساحة الثقافية والفنية في الوطن العربي على وجه الإلحاح، عبر تطبيق منهجية ذلك التناسج.
أنتج المركز حتى الآن ما يقارب 130 مشروعاً بحثياً، منها مسرح الشارع في عدد من البلدان، طقوس الأهالي الأصليين في البرازيل، وعروض الهوب هوب.. وغيرها.
وبشكل شخصي، أثناء مشاركتي في المهرجان لمست تأثير هذا التناسج، حيث التقينا هناك العديد من الجنسيات ذات الثقافات المغايرة، وكل ما احتجناه كان بعضا من الوقت لإحراز نتائج غير متوقعة على حد تعبير دونت!

خمسة بروتوكولات تعاون
استمرارا لنجاحات المهرجان التي أكدتها الدورة الرابعة تحديدا على مستوى التوسع الدولي في الشراكات، عقدت إدارة المهرجان خمسة بروتوكولات تعاون؛ أولها مع مهرجان أيام المسرح للشباب بالكويت، بحضور عبد الرحمن المطيري المدير العام للهيئة العامة للشباب بدولة الكويت، وينص البروتوكول على الاستفادة من الخبرات الموجودة بين المهرجانين، وتشمل الزيارات والمشاركات الاستفادة من المراجع والأبحاث والتوصيات وطريقة التنظيم.
كما تم الاتفاق على تعاون ثقافي بين المهرجان ومؤسسة "بروهلفتسيا القاهرة" متمثلة في الممثلة والمخرجة السويسرية صوفي كوندارووف، وعقد لقاء حول المسرح السويسري يوم 6 أبريل المقبل، تتحدث خلاله عن تجربتها في المسرح السويسري وعن الجانب الفرنسي من هذا المسرح، والتقسيم الإداري والثقافي لسويسرا ومدى تأثيره على السياسات الثقافية والخطط المسرحية. يعد هذا التعاون الحديث مع "بروهلفتسيا القاهرة"، المؤسسة الثقافية السويسرية، بداية للانفتاح على شراكات مستقبلية مع مؤسسات ثقافية دولية ولتبادل الخبرات والخطط الفنية.
وهذا بالإضافة إلى ثلاثة بروتوكولات مع "الملتقى الدولي للفرجات في العالم العربي بجامعة بوردو"، ومع نقابة الفنانين العراقيين، بحضور د. جبار جودي نقيب الفنانين العراقيين،

ومهرجان البقعة الدولي للمسرح، بحضور السفير علي مهدي الأمين العام للهيئة الدولية للمسرح ورئيس مهرجان البقعة الدولي.

إصدارات المهرجان
الكتاب التذكاري "جورج سيدهم.. مهندس الضحك": يتكون الكتاب التذكاري للمهرجان من ستة فصول، من تأليف الكاتبة الصحافية سلوى عثمان، وحملت المقدمة عنوان "لماذا جورج سيدهم" وتقول فيها: هذا السؤال رغم أنه يمكن أن يكون بسيطا إلا أنه بالنسبة لي لم يكن سهلا بالمرة، فأنا أمام فنان كبير ترك مسيرته الفنية - دون إرادته- وخرج من دائرة الضوء للظل مجبرا وظل يعيش بعيدا عن الساحة الفنية لـمدة 22 عاما وحتى الآن، ومع محاولاتي المتعددة لأن أجد أول خيط للبداية اكتشفت أنني أمام حالة فريدة من نوعها وأنه كان يجب أن يتم تكريمه أكثر من مرة خلال السنوات الماضية. ثم راحت تتتبع رحلة ذلك الفنان المقاتل ضد الحزن، بالإضافة إلى العديد من الشهادات الفنية من د. عمرو دوارة وعصام السيد ورجاء حسين وأحمد آدم وإلهام شاهين وغيرهم، بالإضافة إلى ملحق من الصور النادرة مهداة من أرشيف الدكتور عمرو دوارة ومن المركز القومي للمسرح والموسيقى.

النصوص الفائزة (جائزة محمد أبو السعود للتأليف المسرحي): إعداد الناقدة داليا همام، وضم الكتاب النصوص الثلاثة الفائزة بجائزة التأليف وهي: "بين حلوان والمرج" لمصطفى حسني - المركز الأول، "ليلة من ألف ليلة وليلة" لأحمد سمير- المركز الثاني، بالإضافة إلى جائزة المونودراما "صفر في قلب الليل" لأحمد منير.
كما ضم الكتاب دراسة عن مجمل أعمال أبو السعود، الذي رحل عن عالمنا في الثاني من فبراير 2019، وكان أحد الأسماء المميزة في المسرح المستقل. من مسرحياته "الملك لير" التي قدمها مع الفنان الراحل خالد صالح، و"أحلام شقية" للكاتب سعد الله ونوس، و"أنتيجوني في رام الله.. أنتيجوني في بيروت"، وآخرها كان عرض "ماما أفريقيا" على مسرح الهناجر بدار الأوبرا المصرية.
واستضافت هذه الدورة ما يقارب 69 شخصية مسرحية مصرية وعربية وعالمية.
أما في إطار محاور المسابقات فتسابق 14 عرضًا مسرحيًّا، فضلا عن المشاركة الشرفية لعرض "سأموت في المنفى" من الأردن من إخراج غنام غنام. وتكونت لجان المشاهدة ولجان التحكيم من العديد من الأسماء المسرحية عربيا وأجنبيا.
واختتمت الدورة فعالياتها في السابع من أبريل/ نيسان بإعلان النتائج:

جوائز المسابقة الكبرى
جائزة سميحة أيوب لأفضل عرض متكامل: عرض "آخر 15 ثانية"- كندا.
جائزة محمد صبحي لأفضل إخراج: يوسف الحشاش، عرض "وحش طوروس"-الكويت.

جائزة وليد يوسف لأفضل نص مسرحي: حجبت.
جائزة محمد هنيدي لأفضل ممثل: عقيل علي، عرض "إكس أوه"- البحرين.
جائزة أمل الدباس لأفضل ممثلة: رنا خطاب، عرض "دراما الشحاتين"- مصر.
جائزة أفضل سينوغرافيا: يوسف الحشاش، عرض "وحش طوروس"- الكويت.
جائزة لجنة التحكيم الخاصة لأفضل أداء جماعي: عرض "وهم"- إيطاليا.

جوائز مسابقة محور المونودراما
جائزة أفضل عرض: عرض "وهنا أنا" - فلسطين.
جائزة لجنة التحكيم الخاصة: عرض "اليوم الأخير" - سورية.

جوائز مسابقة محور مسرح الشارع والفضاءات غير التقليدية:
جائزة أفضل عرض: مناصفة بين العرضين "حلم" - العراق، و"صدأ" - الإمارات العربية المتحدة.
من الجدير بالذكر أن مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي هو أول مهرجان تسابقي عالمي أو دولي يختص بالشباب على أرض سيناء، وتحديداً شرم الشيخ، في احتفالية كرنفالية تنعش السوق السياحية والثقافية والفنية لمحافظة جنوب سيناء، من خلال استقطاب كل نجوم العالم ليجتمعوا على أرض مصر في تظاهرة ثقافية فنية وحضارية تعكس مدى أهمية وقيمة الدور الذي تلعبه الثقافة والفن لفتح آفاق لسوق جديدة بمدينة شرم الشيخ.

كلمات مفتاحية

مسرح إخراج مسرحي المسرح الغربي