مسلسل "لاكازا دي بابل": التوحّد مع المجرم!

إيهاب محمود 18 سبتمبر 2019
سينما
فريق المسلسل الإسباني "La Casa De Papel"

في العام 1973 سطا بعض اللصوص على بنك كريديتبانكين في العاصمة السويدية ستوكهولم، واحتجزوا عدداً من الرهائن لمدة ستة أيام، وبعد إطلاق سراح الرهائن حدثت المفاجأة، حيث دافعوا عن الخاطفين بعد أن ارتبطوا بهم عاطفياً ووجدانياً على نحو جعلهم يبررون موقفهم ويرفضون ملاحقتهم قانونياً.
وحلل علماء النفس هذه الظاهرة بأنها حالة من التوحد مع المجرم للدرجة التي يتلاشى فيها الحد الفاصل بينك وبينه، وأسموها متلازمة ستوكهولم نسبة إلى المدينة التي شهدت الحادثة، واكتشف العلماء أن 8% من الرهائن مصابون بالمتلازمة.
وفي العام 2017 انطلق الجزء الأول من المسلسل الإسباني "La Casa De Papel" أو "بيت المال" أو "بيت من ورق" أو "البروفيسور" وكلها ترجمات حرفية أو شعبية للمسلسل الذي عرضته شبكة Netflics وحقق شعبية كبيرة للغاية في العالم كله لا في إسبانيا وحدها، ليقرر القائمون على المسلسل إنتاج جزء ثانٍ العام 2018، ثم ثالث خلال هذا العام، وبعد ثبات مستوى المسلسل تم الاتفاق على إطلاق جزء رابع سيعرض في 2020.
المسلسل في جوهره يعبر عن متلازمة ستوكهولم، وهي الحالة التي ستصيب المشاهد لا محالة، إذا ما قرر مواصلة المشاهدة، حيث تبدأ الأحداث بقيام البروفيسور واسمه سيرجيو بتجميع عدد من اللصوص الماهرين كل له موهبته الخاصة التي تميزه عن الآخرين، ليشرح لهم خطته للسطو على مصلحة سك العملة في إسبانيا، مبرراً لهم أنهم ليسوا لصوصاً ولن يسرقوا، بل إنهم سيقومون بطباعة مليار يورو سيتم تقسيمها بينهم حال خروجهم، بعد أن يقوموا بخطة محكمة، مؤكداً لهم أن ثمة تنبيها واحدا لا يجب التهاون فيه وهو العلاقات، حيث إنه من غير المسموح إقامة أي علاقة من أي نوع أثناء العملية. ويمنحهم البروفيسور أسماء مدن: برلين وهذا هو القائد والذي نكتشف فيما بعد أنه الأخ الأكبر لسرجيو، طوكيو، دنفر، ريو، موسكو، هلسنكي، أوسلو، نيروبي. ثمانية أفراد للعصابة التي يقودها برلين، حيث يقود المجموعة داخل مصلحة سك العملة، فيما يدير العملية من الخارج البروفيسور عبر أجهزة وكاميرات مراقبة ووسائل اتصال تحدث تشويشاً على أجهزة التنصت والمراقبة، نجح ريو في صنعها بإتقان فائق لا تخرج إلا من شخص عبقري.
الأجزاء الثلاثة مجتمعة عبارة عن 27 حلقة فقط: 13 حلقة للجزء الأول، 6 حلقات للثاني، و8 للثالث، لكن يمكن اعتبار الجزأين الأول والثاني بمثابة جزء واحد إذ يربطهما خط واحد، في حين يمهد الجزء الثالث لقصة جديدة.

مع الأحداث نكتشف أن برلين مريض نفسي، ومصاب بمرض عضال ولم يتبق له في الحياة أكثر من شهرين أو ثلاثة، وهو ما يبرر تصرفاته الغريبة وتحولاته النفسية. تسير الخطة وفق ما قرر البروفيسور، غير أن التنبيه الذي أكد عليه لم يلتزم به أحد، وهو أولهم، إذ انخرط في علاقة مع راكيل، المحققة الشرطية التي تولت التفاوض معه لإطلاق سراح الرهائن، يظهر لها البروفيسور باسم مستعار هو سالفا بهدف التوصل لمعلومات أكثر عن العملية، غير أنه يقيم معها علاقة جنسية، يحبها حقيقة، ومن خلال مساعدها إينخل يستطيع أن يزرع ميكروفوناً في نظارته ينقل للبروفيسور كل ما تقوم به الشرطة والمخابرات من تحركات، ويتسبب أيضاً في قطع العلاقة بين راكيل وإينخل الذي عمل معها لأكثر من خمس عشرة سنة، وأحبها رغم فشله في الزواج بها، وبينما يحدث ذلك كله فإن العصابة مستمرة في طباعة الملايين، وريو ينخرط في علاقة مع طوكيو، ودنفر يقع في حب رهينة اسمها مونيكا، وبرلين يمارس هوايته كشخص سادي بامتياز، وأنت هنا تجد نفسك متفاعلاً مع هؤلاء اللصوص، تتمنى لهم أن ينجحوا، وإذا بالمساعد إينخل يقود سيارته بسرعة جنونية بعد خلافات مع راكيل، تتمنى له أن يموت، رغم أنه رجل يمارس عمله بكفاءة ومهارة، تنقلب فعلا سيارته لكنه يدخل في غيبوبة ولا يموت، وتتورط راكيل التي تكتشف أمر البروفيسور في الهرب معه رفقة أمها وابنتها، وتصبح جزءاً من الفريق تحت اسم لشبونة وينتهي الجزء الثاني بهروب العصابة بالنقود وسط فزع الشرطة وانهيارها، لكن بعد أن تفقد العصابة ثلاثة أعضاء: موسكو، أوسلو، وبرلين. ولعل قيام صناع العمل باتخاذ قرار موت برلين كان خطأ كبيراً وذلك بسبب الشعبية الكبيرة التي حظت بها هذ الشخصية، فضلاً عن تأثيرها في تحريك الأحداث، حيث فقد المسلسل جزءاً من شعبيته بوفاة برلين، ودليل ذلك هو تعمد المؤلف في الجزء الثالث إعادة إحياء برلين عبر كتابة عدة مشاهد له بطريقة الفلاش باك ليسردها هو رفقة أخيه الأصغر البروفيسور أو سيرجيو، ومعه صديقه باليرمو الذي سيقود الفريق في الجزء الثالث بدلاً من برلين، كما سينضم للفريق عضو آخر تحت اسم ستوكهولم وهي مونيكا التي أحبت دنفر وتزوجته بعد أن أصيبت تماماً بمتلازمة ستوكهولم ولذلك اتخذت هذا الاسم مع العصابة.
في الجزء الثالث تبدو الأمور طبيعية ومستقرة إذ استقر كل أعضاء الفريق في أماكن متفرقة حول العالم، في آسيا وأميركا اللاتينية، غير أن صبيانية طوكيو وطيش ريو يتسببان في اكتشاف أمر العصابة ومكانها، وتلقي الشرطة القبض على ريو في حين تهرب طوكيو وتلتقي بالبروفيسور ليجتمع الرفاق مرة أخرى من أجل استعادة ريو، وهنا يقرر البروفيسور السطو على بنك إسبانيا، والقيام بإسالة كميات مهولة من سبائك الذهب الموجودة هناك في مكان سري، وهذا كان الحلم الكبير لأخيه برلين الذي لم يمهله القدر ليحققه.
ورغم أداءات رائعة للممثلين في قسم المخابرات والشرطة والتحقيقات، غير أنك ستجد نفسك واقعاً تحت تأثير متلازمة ستوكهولم، حيث تتمنى للبروفيسور أن ينجح وتبرر له ما يفعل، تحزن على وفاة برلين، ترى في ريو بطلا شعبياً على الشرطة أن تعيده للعصابة، وتحلم مع نيروبي باستعادة طفلها الضائع منذ سنوات، وتتوتر عند نهاية الجزء الثالث بسقوط لشبونة أو المحققة راكيل في يد الشرطة التي تقتل نيروبي بدم بارد، وتتأهب لأجواء أكثر سخونة وتوتراً أيضاً عندما يؤكد البروفيسور على باليرمو، قائد الفريق، أن الأمر بات حرباً ضد الشرطة، وأن يتعامل وفق هذا المنطق الجديد، وبينما هم محتجزون داخل البنك، يخبر البروفيسور باليرمو: "هذه ليست عملية سطو، أو تحدٍ للنظام، هذه حرب، تصرف وفق ذلك" لتصبح هذه نهاية مثالية تمهد لجزء رابع سيعرض العام المقبل، من المنتظر أن يشهد تصعيداً كبيراً من العصابة ضد النظام.