فلسفة "الجميل" في السينما
تذوق السينما بين المتعة والاستعمال
إنّ المفهوم الاجتماعي للسينما يقودنا إلى تحليل جانبٍ آخر، لا يقلّ أهمية، هو المتعة. إذ يصعب في كلّ الأحوال إنكار وجود المتعة أثناء عملية استقبال الفيلم، لهذا يجب في المقابل إعادة تقييم المتعة من خلال تأمّلها بشكلٍ مختلف. إنّ متعة الفيلم ليست متعةً مجرّدة، أثيريّة، أو متعة جمالية غير مُبالية لا تنطوي إلّا على نفسها، ولكنّها متعة جسدية أيضًا، أي متعة فردٍ في المجمل. وهي بهذا المعنى أكبر من المتعة المجرّدة لأيّ "متفرج"، والتي تبقى دائمًا مشروطة بشبكة من التوقّعات المرتبطة بهويّته الاجتماعية.
يؤدّي تحليل هذه المتعة إلى التفكير في التقييم باعتباره نوعًا من أنواع "الاستعمال"، من خلال التركيز على نقطتين هامّتين: تتمثّل الأولى في إظهار أنّ التقييم، باعتباره استعمالًا، لا يمكن اختزاله في خطابٍ عن الفيلم - مثلما لا نستطيع اختزال المتعة في خطابٍ عن المتعة. لهذا السبب نتحدّث عن "التقييم" بدلًا من "الحُكم". إنّ الخطاب عن الفنّ والسينما يفترض باستمرار أنّ التقييم ينتمي إلى حقلٍ نظريّ أو قضائي. وإذا كان علينا أن نميّز بين حُكم الذوق، باعتباره حكم قيمةٍ جماليّا، عن الحكم المنطقي أو الحكم المعرفي، كما فعل إيمانويل كانط في "نقد ملكة الحكم"، فهذا لن يغيّر شيئًا في الأمر. عندما نقول، قياسًا على كانط، إنّ "الذوق" غير قابل للاختزال في حُكم، لأنّه متعة أوّلًا وأخيرًا ولا يمكن اختزالها في حكم، فهذا لا يغيّر شيئًا مرّة أخرى، لأنّ المتعة (أو الشعور بالمتعة) هي ما يُؤسّس عدم قابلية تحويل حُكم ذوقيّ إلى حكم منطقي.
يرى إريك دوفور أنّ مفهوم "الذوق"، في عدم قابليته للاختزال إلى أيّ مفهوم آخر، يؤدّي بالتالي إلى حصر التقييم الجمالي في حكمٍ واحد يُسمّى "الحكم الذوقي". وفي مواجهة مثل هذه الأطروحة وكلّ التنويعات عليها، التي بموجبها يمكن الانتقال بسهولة ونجاح من "الذوق" إلى الحكم، يقترح أنّ الأَولى هو أن نعثر على التقييم في "الاستعمال" بالمعنى القويّ للمصطلح: "ليس المهمّ ما أقوله عن الفيلم، ولكن المهمّ وَقعُه على حياتي وعلى أفعالي المستلهمة منه، أي بمعنى تأثيرُه على حياتي ومساهمته في تغييرها". ولا بدّ، في هذه السياق، من الاعتراف بأنّ نيتشه كان سبّاقًا لهذه الفكرة حين اعتبر أنّ تقييم الموسيقى هو فعلٌ في المقام الأوّل، أي أنّنا حين ننصتُ إلى الموسيقى فإنّنا نستخدمها بالطريقة التي تحقّق مصالحنا.
كل الأفلام لها قيمة
بالنسبة للنقطة الثانية (وهذه المرة ضدّ هرمية نيتشه) فتتمثّل في القول بأنّه بمجرّد أن نفكّر في التقييم باعتباره استعمالًا، أي باعتباره فعلًا، فإنّنا نتخلّى عن كلّ منظورٍ نُخبويّ يقرّ بوجود "الذوق الحسن"، الذي يتحوّل بالطبع في النهاية إلى "حكمٍ ذوقيّ"، كما هو حال تقييم "الخبراء" أو "المتخصّصين" في مجال السينما، أو حتى تقييم بعض "الهواة المُستنيرين" في أسوأ تقدير. هكذا، يخلص إريك دوفور إلى أنّ جميع التقييمات الجمالية تبقى مشروعة إذا نظرنا إليها على أنّها استعمالات مختلفة للفيلم، لكن يبقى السؤال الأهمّ هو كيف نتمثّل الفيلم باعتباره نصًّا يسمح لنا ببعض الاستعمالات أو يحجبها عنّا.
في النهاية، يجب أن نتذكّر أنّ "الحكم الذوقي" على فيلمٍ ما هو مجرّد استعمالٍ واحد فقط من بين استعمالات أخرى، وليست له أيّة أفضلية. وبناءً على ذلك، لا توجد"أفلام جيّدة" أو "جميلة"، مقابل "أفلام سيّئة" أو "رديئة"، أي لا توجد أفلام تمتلك قيمةً بينما تفتقدها أفلام أخرى، ذلك لأنّ جميع الأفلام بلا استثناء لها قيمة بمجرّد استعمالها.