الفن التشكيلي والبشرة السوداء.. إقصاء المساواة والتعدّد
وفي لوحة أخرى للفنان الفرنسي هنري ماتيس، تظهر امرأة سوداء بالفستان الأبيض، كان ماتيس قد رسمها بعد زيارته إلى نيويورك عام 1930 وتأثره بفناني نهضة هارلم هناك وبالثقافة الأفروأميركية. رسم ماتيس أيضا أزهار الشر لبودلير مستعينا بموديل سوداء من هاييتي هي الراقصة كارمن.
وكما يقول فرانز فانون في كتابه المذكور أعلاه: يجب أن لا ينظر إلى بشرتي على أنها وصمة، في إشارة إلى أن الآخر الأبيض أو المستعمر، سيبقى ينظر إلى الأسود على أنه لون وليس شخصا له حياة كاملة. ويقول أيضا في سياق آخر إنه يجب أن نضع الحلم في مكانه وزمنه، أي أن يتحدث عن نفسه بشكل كامل كإنسان كامل.
غير أن جزءا من حياة المرأة السوداء لم تكشفها اللوحات الفنية الأوروبية، كانت مجرد موديل أو خادمة أو كما سماها مانيه الزنجية، حتى ظهرت في حكاية أخرى يرويها الفنانون الأفروأميركيون عن أنفسهم، فجزء من مواجهة الغياب المتعمد هو أن تسرد الحكاية بنفسك وتقدم مقولتك أنت كحالة مهمشة، ومن هنا تأتي لوحات الفنان الأفروأميركي رومير بيردن، الذي كرس فنه من أجل حقوق السود في أميركا والعدالة الإنسانية هناك.
في كل لوحاته تظهر المرأة ليست كبورتريه شخصي عن موديل بل كجزء من حياة ضمن مجتمع أفروأميركي، له ثقافته وفنه وحركته الحيوية. في لوحة patchwork quilt، يرسم بيردن امرأة سوداء على غطاء مرقط بطريقة مشابهة للتقاليد الأفروأميركية، وهنا إحياء لهذه الثقافة وحضورها مع حضور الجسد الأنثوي الأسود.
ومن هنا أيضا تأتي أعمال الفنانة الأفروأميركية فيذ رينغولد المولودة سنة 1930 في هارلم، حيث إحياء الثقافة التي يحيا داخلها الإنسان الأسود، وكشف ملامح الحياة الاجتماعية له
"كنت دائما أريد أن أروي قصتي"- تقول رينغولد، التي تعلمت من جدتها كيف تحوك القصص وتحكيها بالفن، وفي إحدى لوحاتها التي تحمل عنوان American people black light، ترسم رينغولد مجموعة من أشخاص ذوي بشرة سوداء، ورجال بيض، وفيها إعطاء الأهمية للمساواة والتعدد داخل المجتمع الأميركي حين يجعل وجود الأسود مع الأبيض نوعا من الانصهار من خلال الحقوق التي دافعت عنها رينغولد طوال حياتها. وثمة لوحة أخرى من نفس السلسلة، يظهر فيها الدم، وأيضا مجموعة من أشخاص سود وبيض داخل حيز واسع، تترامى أجسادهم فوق بعضها البعض، كأن الفنانة أيضا تحاول أن تسرد تاريخ العنف الذي عايشته كامرأة سوداء هناك. وتؤكد رينغولد: لا تستطيع أن ترسم خارج تجربتك، وأنا سوداء وكذلك امرأة.