الانتصار لقطبي الحياة
يحتفي المهرجان بالتجربة النسائية في العموم، مبتعدًا عن فلسفة المفاهيم النسوية الشائعة، كما ورد في كلمات العضوات المؤسسات، ليكون فن المسرح نقطة انطلاق "تتخذ من النسوية إطارًا من دون أن تصبح هي الهدف"، باختياره للاسم الفرعوني "إيزيس". رغم ذلك فقد تم التركيز على إيزيس الأم والزوجة فـ"هي التي جمعت أشلاء زوجها أوزوريس لتبث فيه الحياة، وتنجب حورس، وتدعمه حتى ينتصر على قاتل أبيه إله الظلام والشر".
يضم مجلس أمناء المهرجان عددًا قليلًا من الرجال، على رأسهم المخرج خيري بشارة، والفنان فتحي عبد الوهاب. لكن بشارة اعتذر عن الحضور بسبب ظرف طارئ، فيما تغيبت الفنانة سوسن بدر أيضًا، وهي الرئيس الشرفي للمهرجان، لأن لديها تصويرًا خارج البلاد.
هنالك تخوف من التعامل في المستقبل مع أسماء "غير نسائية"، من منطلق "الكوتة" للشكل العام، قد يؤدي إلى خلق جبهتين، لا سيما وأن المخرجة والممثلة عبير لطفي رئيسة المهرجان قامت بوضع شروط لتصنيف إبداع المرأة، في حوار سابق على قناة النيل الثقافية، منها أن يكون صانع العمل أنثى، وأن يتبنى قضية نسوية، مشيرة إلى اختلاف تكنيك الرجل عن المرأة في تناول النص المسرحي.
لم يتفق النقد على التصنيف النوعي في الفن، مرورًا بالأدب النسوي، أو الكتابة النسائية، والفنون التي تختص بالمرأة، وإن كانت الغلبة لهيمنة أو سيادة الرجل، فالإشكالية الأساسية تتمحور حول السمات والمعايير التي تجعلنا نميز صنفًا بعينه من الفنون ليكون خاصًا بالمرأة، هل هي الأعمال التي تتناول القضايا النسوية؟ هل ستكون الأعمال المصنوعة من قبل النساء؟ هنالك كثير من الاقتراحات لوضع معايير التصنيف، أو تحديده، الأمر الذي يجعل من الصعوبة الفصل في التعيين؛ خصوصًا أن هنالك العديد من الأعمال الفنية المحسوبة على إبداع الرجال، لكنها معنية في الأساس بالقضية النسوية، وهو ما أثارته قائمة مهرجان أسوان لسينما المرأة في دورته الأخيرة عن أهم 100 فيلم في السينما العربية تتعلق بالمرأة.
ربما ثمة حلول قد تأتي من منظور جديد ومحايد للجسد، كونه ذكرًا أو أنثى، فنيًا، وليس جندريًا، يقول عنه المسرحي الإيطالي الكبير يوجينو باربا "الجسم في حالة حياة يمدد حضور الممثل وإدراك المشاهد. إنه لا يعني وجود شخص حاضر أمامنا، ولكن تغييرًا مستمرًا وتفتحًا يتم تحت أبصارنا. إنه جسم في حالة حياة. لقد تم تحوير الطاقة المتدفقة أثناء سلوكنا الاعتيادي لتصبح مرئية بصورة غير متوقعة".
برنامج طموح
دورة العام الأول من عمر المهرجان لم تكن تنافسية، مجرد تعارف على إدارة المهرجان وأيديولوجيته العامة، مع تقديم شهادات تقدير وشكر لكافة العروض المشاركة، على أن يتم التنافس بدءًا من الدورة المقبلة.
نجحت لجان مشاهدة العروض المشاركة، إلى حد كبير، في اختيار تشكيلة من الأعمال تركز على الشكل الفني، وتبتعد قدر الإمكان عن القضية النسوية التي اتخذتها مدخلًا فقط إلى رحابة العمل المسرحي وإعادة إنتاج وتأويل التاريخ.
تقدم مسرحية "لدي أم"، إخراج ديفيد ديجن، إحدى شخصيات ماكبث الشهيرة التي لم يُعطها شكسبير سوى مشهد وحيد في مسرحيته، بينما في العرض الهولندي نراها تتحرك بكامل حريتها على خشبة المسرح لتروي ما سكت عنه المؤلف في قالب هزلي تراجيدي.
مع شكسبير، مرة أخرى، من مصر، تُعيد مسرحية "هاملتهن" (تمثيل: نورا عصمت، أميرة عبد الرحمن) تشكيل المرأة الشكسبيرية، بالتركيز على نساء الشخصية الأثيرة هاملت "عبر قراءة حادة ومسيطرة في عيني غيرتوود، وقراءة أخرى مستكينة متخاذلة في عيني أوفيليا، قراءة تختزل جميع الشخصيات في شخصيتين فقط".
استدعاء التراث والشخصيات التاريخية غلب على عدد كبير من العروض، بداية من عرض الافتتاح "بهية"، ومن رومانيا تُجسد أليس براتو في "أجنحة فريدا للطيران" المعاناة الجسدية والنفسية للفنانة المكسيكية الشهيرة فريدا كالو، بالمزج بين الأداء الجسدي، ولوحات كالو المصاحبة لبعض العرائس ترتديها الممثلة.
يتعاون المهرجان، في جزء كبير، مع عدد من منظمات المجتمع المدني الثقافية والخدمية، وبعض الجهات الدولية، كمعهد غوته الداعم بشكل جزئي ـ لوجستي/ تدريبي ـ لـ"حاضنة نهاد صليحة"، وهو مشروع يعني بتطوير عدد من العروض المسرحية للهواة من شباب الأقاليم والمحافظات الأخرى، نتج عنه 6 مشروعات، وشارك في الدورة عرضان من المشروع "امرأة وحيدة" (أداء وإخراج منة ماهر)، عن نص الكاتب الايطالي داريو فو، أما العرض الثاني فهو "المطبخ" (تأليف وإخراج محمد عادل).
يتشابه العرضان في طرح إشكالية "الجنس" في صورته الشاذة غير المعتادة؛ ففي الأول، وإثر الضغوط "الحياتية والذكورية" التي تعانيها البطلة، تقع في غرام شاب يصغرها، وحين يعلم الزوج بالخيانة يعاقبها بمضاعفة الأعمال المنزلية الرتيبة اليومية، وتكريس حياتها لذلك. وفي العرض الثاني نتابع علاقة عجائبية تنشأ بين الزوجة وبائعة الهوى المعتادة على زيارة زوجها الخائن.
على نفس الوتيرة، يأتي مشروع "بنات إيزيس"، بالتعاون مع تجمع "تماسي للفنون" لإنتاج خمسة أفلام وثائقية عن شخصيات مسرحية نسائية بعيدًا عن الأضواء، وهو من ضمن المبادرات الهامة التي يجب أن تتبناها كل المهرجانات والفعاليات لتقدير من ابتعدت عنهم الأضواء ولم يشملهم الصيت الإعلاني. تضم القائمة د.عايدة علام، أستاذ السينوغرافيا والتقنيات المسرحية، سهام بنت سنية وعبد السلام، ممثلة ومترجمة وكاتبة مسرحية، نهاد أبو العينين، ممثلة بالثقافة الجماهيرية، ومنال إبراهيم، مخرجة مسرح مستقل، ومن الشباب ميريت ميشيل، المخرجة ومصممة الرقصات، الحائزة على جائزة الدولة التشجيعية.
أقام المهرجان أيضًا معرضًا للفن التشكيلي تحت عنوان "رائدات المسرح العربي" قدم ما يقارب من مئة بورتريه لرائدات المسرح من مصر والعالم العربي خلال نصف القرن الماضي، اشترك في المعرض 35 فنانًا عن طريق استكتاب عام أطلقه الملتقى العربي لرواد الكاريكاتير بالتعاون مع مهرجان إيزيس.
أما الورش والمحاور الفكرية، فقد لاقت دعمًا جيدًا من عدة أسماء عربية ومصرية ودولية، عن طريق المشاركة الحية خلال الفعاليات، أو عبر التواصل الإلكتروني. لم تخرج جميع مواضيع المحور الفكري عن المسألة النسوية: "حضور المرأة في المسرح المعاصر، إناث لوركا المعاصرات، الجسد الأنثوي وأمراض النساء كمساحات مقاومة، الغياب والحضور للمرأة في المسرح المصري.. إلخ".
من الورش الهامة التي قدمها المهرجان لشباب المسرحيين "ورشة إعداد ممثل" (معتزة صلاح عبد الصبور)، ومن هولندا "ورشة حرفية التمثيل للمونودراما" (آن ماري)، أما من ألمانيا "درس تأسيسي في مسرح المقهورين" (بربارة سانتوس)، فضلًا عن محاضرة تفاعلية أون لاين عبر تطبيق زووم لنورا أمين بعنوان "تجُسدات: صوت/حركة".