قراءات

سينما "الصورة ــ الحركة" لجيل دولوز..نحو نظرية لمفاهيم السينما(1-2)

تعامل فلاسفة أوروبا الحديثون ممن عاصروا انطلاقة الفن السينمائي مع السينما على أنها "حليف ملتبس" أو "حليف زائف" على حد تعبير برغسون، أما أدموند هوسرل فلم يأتِ على ذكر السينما، حتى سارتر لم يأتِ على ذكر الصورة السينمائية في دراسته عن المتخيّل. بينما سماها ميرلو بونتي "حليفاً ملتبساً". من هنا أتى اهتمام دولوز بالسينما، لا كفن رائد جديد، بل كأداة تُفتت أحد أعتى الثنائيات الضاربة بجذر الفلسفة وهي ثنائية الصورة ــ الحركة، فالفلسفة المادية لطالما دأبت على "أن تعيد بناء نظام الوعي بواسطة (حركات) مادية صرفة"، من جهة أخرى أرادت المثالية أن "تبني العالم بواسطة (صور) صرفة في الوعي"، ويجد دولوز أن السينما تتجاوز هذه الثنائية، فهي أعدت نفسها منذ ولادتها إلى تقديم "بداهتها المتمثلة بالصورة الحركة".

لا تتجاوز كتب دولوز المترجَمة إلى العربية عدد أصابع اليدين، وعلة ذلك تكمن أولاً بإشكاليات الترجمة العربية ومشكلاتها أولاً، وثانياً، للصعوبة البالغة التي تتصف بها لغة دولوز، حالها حال اللغة الاختصاصية التي كتب بها رواد الفكر المعاصر، فهي لغة وعرة، صعبة، واختصاصية، شديد التعقيد والتكثيف، وبالغة الدقة، لذلك تتطلب ترجمة دولوز مترجماً متمرساً باللغتين الفرنسية والعربية، ومطلعاً على أدق التفاصيل في الفكر والفلسفة المعاصرة، ومتبحراً بالتيارات النقدية الحديثة، وذلك ما كان عليه الناقد والمترجم السوري د.جمال شحيد، الذي تصدى إلى ترجمة منجز دولوز الفلسفي هذا إلى اللغة العربية في مجلدين ضخمين، سينما 1 الصورة ــ الحركة (400 صفحة)، وتبعه بترجمة المجلد الثاني سينما 2 الصورة ــ الزمن (462 صفحة) صدرا عام 2015، عن المنظمة العربية للترجمة التي ترجمت سابقاً كتاباً لجيل دولوز وهو "الاختلاف والتكرار" ترجمة وفاء شعبان. ويمكن وصف ترجمة شحيد للكتابين بالأمينة لمعنى ومحتوى ما يقوله دولوز من جهة، وللغة دولوز الاختصاصية المعقدة، والتي تعج بالمفاهيم الفلسفية من جهة أخرى، المفاهيم التي دأب شحيد على الإيغال والبحث في اللغة العربية لإيجاد مرادفات لها، فكانت بذلك الترجمة العربية جهداً جباراً ساهم في إيصال كتاب دولوز عن السينما للقراء العرب، لا سيما أنه الكتاب الذي يعد أحد أهم التنظيرات الفلسفية عن السينما إلى يومنا هذا.

في الفصل الأول، وتحت عنوان "أطروحات حول الحركة ـ التعليق الأول لبرغسون" يناقش دولوز أطروحات برغسون الثلاث حول الحركة، ويشير إلى خلط برغسون بين مفهومي الإدراك الطبيعي، والإدراك السينمائي "وفي هذا الصدد سنرى أن الظواهرية محقة حين افترضت وجود اختلاف نوعي بين الإدراك الطبيعي والإدراك السينمائي"، ولكن رغم عدم تفريق برغسون بين الإدراك الطبيعي والسينمائي، إلا أنه تبنى في كتابه التطور الخلّاق صيغة "الوهم السينمائي"، "ذلك أن السينما تلجأ فعلاً إلى معطيين متكاملين: مقاطع لحظية تسمى صوراً، وحركة أو زمن غير شخصي وأحادي الشكل ومجرد وغير منظور وغير مدرك "وموجود" في الجهاز وبواسطته يتم استعراض الصور تباعاً". وبالرغم من توقف برغسون عند حد معين، إلا أن أطروحاته حول الحركة "أتاحت تكوين وجهة نظر أخرى عن السينما بحيث لن تعود الجهاز المتطور لأقدم الأوهام، وإنما الجهاز الذي يجب تطويره كي يقدم الواقع الجديد".

يفصل دولوز في الفصل الثاني في مفاهيم "الكادر، اللقطة، فيدرس الكادر كإطار يحتوي على عناصر، ويسهب في دراسة هذا الإطار فلسفياً، ويستشهد بكل من غودار وهيتشكوك ورينوار ويقرأ الفرق في الكادر بين كل منهم، ليخلص إلى نتيجة مفادها أن "ضبط الكادر هو فن اختيار الأجزاء بشتى أنواعها والتي تدخل في مجموع". وفي سياق حديثه عن اللقطة، يورد دولوز أول إشارة للصورة ـ الحركة، بعبارة أخرى، يضع أول ربط بين الصورة والحركة "فالصورة هي الحركة التي ينظر إليها من وجهها المزدوج: هي ارتحال أجزاء من مجموع يمتد في المكان، وهي تغير يحدث في كل يتحول في الديمومة"، هكذا، يعلن دولوز أن "اللقطة هي الصورة ــ الحركة". وقبل أن ينهي دولوز هذا الفصل يسعى للتفريق بين (الصورة تتحرك) وبين (الصورة ــ الحركة) فالأولى مرتبطة بفترة الكاميرا الثابتة، أي في أوائل إنتاج السينما، بينما انبعثت الثانية من جهتين "تحريك الكاميرا، فتصبح اللقطة هي نفسها متحركة، ومن جهة أخرى تتم أيضاً من طريق المونتاج".

يولي دولوز أهمية كبرى للمونتاج في كتابه، فالمونتاج هو "تلك العملية التي تعتمد على الصور/ الحركة لتستخلص كل شيء، أي الفكرة وصورة الزمن". ويفرق دولوز بين أربعة اتجاهات في المونتاج "الاتجاه العضوي للمدرسة الأميركية، الاتجاه الأيديولوجي الجدلي للمدرسة السوفيتية، الاتجاه الكمي للمدرسة الفرنسية قبل الحرب العالمية الثانية، والاتجاه التكثيفي للمدرسة التعبيرية الألمانية"، ويمايز بين تيارين أساسيين في الاتجاهات الأربعة السالفة، الأول أسسه المخرج الأميركي "غريفيث" أول من أولى أهمية للمونتاج، والذي أبدع ما يطلق عليه "بالمونتاج الموازي"، والثاني هو المخرج السوفيتي آيزنشتاين الذي أبدع مونتاج التعارض، ويكمن الفرق بين الاثنين بأن الأول اتجه تحو التعبير عن "عنصر عرضي، أو عن الطابع الاحتمالي للفرد"، بينما نرى أن طريقة الثاني "تتضمن بشكل أساسي تحديد النقاط اللافتة أو اللحظات الأثيرة"، ويضرب الجذر الفلسفي لمونتاج آيزنشتاين بالديالكتيك حيث يحل "مونتاج التعارض محل المونتاج الموازي ويخضع لقانون الأحد الجدلي الذي ينشطر ليشكل وحدة جديدة أرقى (..) وهذه هي خلاصة ثورة آيزنشتاين، إنه يرفد الجدلية بمعنى سينمائي خاص، وينتزع الإيقاع من تقييمه التجريبي أو الجمالي، كما فعل غريفيث، ويجعل من البنية العضوية مفهوماً جدلياً بصورة أساسية".

كيف تتولد الصورة ــ الحركة؟ وما هو منشأها؟ يجيب دولوز أن هناك نوعين من الآلات المولدة للصورة الحركة في السينما، النموذج الأول يتمثل بـ "الآلة الذاتية الحركة، وهي آلة بسيطة تتمتع بآلية الساعات الجدارية"، بينما يتمثل النموذج الثاني بـ"نموذج الآلة البخارية والنارية، الآلة ذات الطاقة الجبارة التي تنتج الحركة انطلاقاً من شيء آخر، ولا تتوقف عن تأكيد تنافر يربط حديها". لا يقصد دولوز باصطلاح "الآلة" الآلة الميكانيكية، بل يزيح هذا الاصطلاح ــ كما عادته ــ ليصبح يعني الآلة المنتجة للحركة والصورة، ويعتمد على هذا الاصطلاح للآلة في توضيح الفرق بين المدرسة الفرنسية ــ التي اعتمدت على الآلة لإنتاج الحركة، والمدرسة السوفيتية التي رأت "أن الآلة والإنسان يشكلان وحدة جدلية نشطة تتجاوز التعارض القائم بين العمل الآلي والعامل البشري. أما الفرنسيون فتصوروا الوحدة الحركية في كمية الحركة في آلة، وتصوروا كمية توجيه الحركة داخل الروح، وطرحوا هذه الوحدة كدرب آلام يجب أن يؤدي إلى الموت". كذلك يخرج دولوز الجذور الفلسفية للاتجاهات الأربعة المؤسسة للمونتاج للسينما: العضوي/ الفعال الأميركي، والجدلي/ العضوي السوفيتي، والكمي/النفسي الفرنسي، والتكثيفي/ الروحي الألماني.

للصورة الحركة أنواع مختلفة، الصور/ الإدراك، والصور/ الفعل، والصور/ الانفعال العاطفي، ويفرد دولوز فيما بعد فصلاً لكل نوع من هذه الأنواع، إلا أنه يعتمد بداية في تمييزها على ألمعية صاموئيل بيكيت في فيلمه "الفيلم" الذي أخرجه بيكيت وأداه المخرج والممثل الأميركي "باستر كيتن". تكمن ألمعية بيكيت حسب دولوز في إيراد أنواع الصورة ـ الحركة الأساسية، فالفيلم في كتله الثلاث يعكس أنواع الصورة الحركة، بداية نرى كيتن يصعد على الدرج تجاه الغرفة، ثم نراه يجلس في الغرفة، ونهاية نجده يتأرجح مغمض العينين، "الفترات الثلاث التي ميزها بيكيت هي: الشارع، الدرج، الغرفة، ونقترح تمييزاً مختلفاً، الصورة/ الفعل التي تجمع الشارع والدرج، الصورة/ الإدراك بالنسبة للغرفة، وأخيراً الصورة/ الانفعال العاطفي بالنسبة للغرفة الخفية وغفوة الشخصية في الأرجوحة". يشدد دولوز على النوعية لا الجزئية في الأنواع الثلاثة، فهي أنواع الصورة الحركة وليست أجزاء من كل، فـ"ما من فيلم على الإطلاق صُنع من نوع واحد من الصور"، لهذا كان المونتاج هو التعشيق بين هذه الأنواع الثلاثة وهو "تنظيم الصور/ الحركة، أي التنسيق بين الصورة/ الإدراك، والصورة الانفعال العاطفي، والصور/الفعل".

"الصعوبة تكمن في معرفتنا كيف تظهر في السينما الصورة/ الإدراك الموضوعية، والصورة/ الإدراك الذاتية. ما الذي يميزها عن بعضها البعض". ذلك التفريق هو موضوع الفصل الخامس في الكتاب، وينطلق فيه دولوز من تفريق برغسون للوعي الذاتي "عندما تتغير الصور بالنسبة إلى صورة مركزية ومفضلة" والوعي الموضوعي "كما هو في الأشياء عندما تتغير الصور كافة بالنسبة إلى بعضها البعض وتتبدل في وجوهها وأجزائها كافة". ويسهب دولوز في هذا الفصل في دراسة الصورة/ الإدراك، مستخدماً لغة علمية مختصة وموسوعية كما في قوله "في الصورة السينمائية لا بد من التكلم عن إدراك غازيٍّ، لا عن إدراك سائل. فإذا انطلقنا من حالة جامدة لا تكون فيها الجزئيات حرة في تنقلها (في الإدراك الكتلوي أو البشري)، لانتقلنا من ثم إلى حالة سائلة تتجول فيها الجزئيات ويندمج بعضها في بعض، ولكننا نصل أخيراً إلى حالة غازية يحددها المسار الحر لكل جزيء".

يفتتح دولوز الفصل السادس من الكتاب بتعريف الصورة/ الانفعال العاطفي على أنها "الصورة المضخمة، والصورة المضخمة هي الوجه" ويسهب في مناقشة ذلك فيحطم عبارة "لقطة وجهية مضخمة" ليتعداها نحو ثنائية فلسفية لقراءة "الوجه/ اللقطة المضخمة"، وهي: "الانشداه" الذي يحمل معه (إعجاب، ذهول)، و"الرغبة" (حب، ضغينة...)، فإما أن تكون اللقطة الوجهية حاملة لسلسلة مكثفة تعمر بـ"الرغبة" كما عند آيزنشتاين، أو عاكسة ناشئة عن "الانشداه والإعجاب" كما عند غريفيث. وأما لماذا لا يوجد "لقطة وجهية مضخمة" فلأن الوجه "بذاته هو لقطة مضخمة، ولأن اللقطة المضخمة هي بذاتها وجه، وكلتاهما تشكلان التأثر والصورة/التأثير العاطفي".

"يبدأ عملنا بالوجه البشري (..) وتعتبر إمكانية التقرب من الوجه البشري هي الابتكار الأول والميزة الكبرى للسينما"، ينطلق دولوز من المقتبس السابق للمخرج السويدي إنغمار بيرغمان، ليحطم اصطلاحاً آخر وهو "لقطة الوجه المقربة"، معتمداً على بيرغمان كون الأخير هو المخرج الذي أكد "على العلاقة الأساسية التي تربط بين السينما والوجه واللقطة المقربة". ولتحطيم الاصطلاح السالف يبدأ دولوز من تحديد وظائف الوجه وهي: الفردانية، أي ما يميز ويطبع كل إنسان، والاجتماعية، أي ما يُظهر دوراً اجتماعياً، والعلائقية أو التواصلية، لأنه لا يؤمن الاتصال بين شخصين فقط، بل يؤمن لدى الشخص الواحد الاتصال مع ذاته، ولا تتحلل هذه الوظائف إلا في اللقطة المقربة، وليس لقطة الوجه المقربة "لأنه لا توجد لقطة مقربة لوجه. اللقطة المقربة هي الوجه، ولكنها تحديداً الوجه الذي تحلل من وظائفه الثلاث".

في الفصل الثامن، وتحت مسمى "من التأثر إلى الفعل الصورة/ الغريزة"، يعرّف دولوز الأخيرة على أنها "الطاقة التي تستحوذ على قِطَع العالم الأصلي"، وهي التي التفتت إليها الطبيعانية في السينما، التي ينسبها دولوز إلى مخرجين كبيرين، ستروهايم ولويس بونويل، فرغم أن الأول محسوب على التعبيرية الألمانية، والثاني على السوريالية، بيد أن دولوز يرى أن حضور الصورة/ الغريزة في عملهما، يجعلهما ممثلين الطبيعانية الأبرز في السينما لا سيما "أن وضع بونويل كان منذ البداية ملتبساً مع السوريالية مثلما كان وضع ستروهايم كذلك مع التعبيرية: لقد استخدمها ولكن لغايات أخرى، هي غايات الطبيعانية الكلية القدرة". ويسهب دولوز في قراءة أعمال بونويل التي يلتمس فيها أثراً نيتشوياً قائماً على مفهوم "العود الأبدي" فبونويل "قد وضع قوة التكرار في الصورة السينمائية". كذلك يشير إلى أن سينما بونويل تؤكد أنه تجاوز الطبيعانية من الداخل "من دون أن يتخلى عنها إطلاقاً".

بعد أن استفاض في الحديث عن النوعين الأولين للصورة ـ الحركة (الصورة الإدراك/ والصورة/ الانفعال العاطفي" يتناول دولوز ثالث الأنواع وهو الصورة/ الفعل، ويقسمها إلى شكل كبير وآخر صغير، أما الشكل الكبير فهو "ينطلق من الوضع إلى الفعل الذي يعدل الوضع" مشكلاً بذلك صيغة SAS، (وضع ـ فعل ـ وضع جديد)، ويؤكد دولوز هنا أن الوضع أو الفعل هما حدان مترابطان ومتعارضان في ذات الوقت "فالفعل بحد ذاته هو مبارزة بين قوتين وهو سلسلة من المبارزات، مبارزة مع الوسط ومع الآخرين ومع الذات. أخيراً فإن الوضع الجديد الناجم عن الفعل يشكل ثنائياً مع وضع الانطلاق. وهذا حال مجمل الصورة/ الفعل، أو على الأقل شكلها الأول". ويعتبر الفيلم الوثائقي أحد رعاة هذا النوع للصورة الفعل كما يشير دولوز، مضيفاً إليه "الفيلم النفسي الاجتماعي" الذي قدمه المخرج الأميركي كينغ فيدور في أفلامه "الجمهور، مشاهد في الشارع"، وأفلام الويسترن الأميركية. أما الشكل الصغير للصورة/ الفعل، فهو ينطلق من أسس مختلفة عن الشكل الكبير، ينطلق "من الفعل إلى الوضع ويهدف إلى فعل جديد، فالفعل هذه المرة هو الذي يكشف عن الوضع، أو عن قطعة منه أو عن ملمح من ملامحه، فيطلق فعلاً جديداً"، مشكلاً بذلك صيغة ASA (فعل ــ وضع ـ فعل جديد)، وأبرز مثال على الشكل الصغير للصورة/ الفعل هو أعمال "تشارلي شابلن، وباستر كيتن"، ففي مجموعة "أفلام شارلو، لا يكتفي المرء يإيجاد قوانين الشكل الصغير، بل يمسك بها في منشأها"، بينما تتبدى فرادة باستر كيتن بعمله على الأهزولة و"بالطريقة التي يرفع فيها الهزل الساخر إلى شكله الكبير"، كما يتميز كيتن وشابلن في عملهما على الصورة الفعل بأن الأول أُغرم بالآلات "تفاعل مع الآلة/ البيت والآلة/ السفينة، ومع الآلة/ القطار، والآلة/ السينما (..) ومثل هذه الآلات جعلت من كيتون مهندساً معمارياً دادئياً بامتياز". بخلاف شابلن "الذي اهتم بالأجهزة وعادى الآلة".

ينهي دولوز الجزء الأول من كتابه بفصل معنون بـ"أزمة الصورة الفعل" ويرجع فيه ــ كما على امتداد الكتاب ــ إلى عالم الإشارات بيرس ليمايز بين ثلاثة اصطلاحات أساسية للعلامة عند بيرس (واحدية، اثنينة، تثليثية)، ويمثل لهذه الاصطلاحات في السينما بواحدية "لانغدون" فهو "يمثل الصورة/ العاطفة الشديدة الصفاء التي لا تتفعل في أي مادة أو أي وسط بحيث تدفع حاملها إلى نوم لا يقاوم"، بينما تتجلى الاثنينية عند "لوريل وهاردي" حيث الصراع المستمر مع المادة والوسط والنساء والآخرين، أما التثليثية فتتبدى مع "الإخوة ماركس"، إذ إن الإخوة الثلاثة هم "مجموع لا ينقسم (...) وتكمن عظمتهم في أنهم أدخلوا الصورة الذهنية إلى الأهزولة الساخرة".

أخيراً، وقبل أن ينتقل دولوز بالقارئ إلى الجزء الثاني (الصورة ــ الزمن)، يشير إلى تمايز الصورة/ الفعل بين هيتشكوك واستوديو الممثلين في أميركا، مؤكد أن هيتشكوك هو أول من أخرج الفيلم السينمائي من حدين اثنين (المخرج/ الفيلم المراد صنعه) إلى ثلاثة حدود "المخرج والفيلم والجمهور الذي يجب أن يدخل الفيلم"، دافعاً هيتشوك بذلك التشويق إلى حدوده القصوى حيث يصبح المشاهد أول من يعرف الروابط.