"متحف إريش كيستنر" في دريسدن.. نموذج للمتحف التفاعلي

ناصر ونوس 16 مارس 2022
أمكنة
"متحف إريش كيستنر"

 


يتوسط متحف الكاتب الألماني إريش كيستنر أحد أحياء "المدينة الجديدة" في العاصمة السكسونية دريسدن. ولا يبعد سوى عشرات الأمتار عن إحدى أشهر ساحات المدينة، وهي ساحة "ألبيرت بلاتس"، وخمس دقائق مشيًا على الأقدام عن "محطة قطارات المدينة الجديدة". وبجوار المتحف أقيم موقف لوسائل النقل العامة (الحافلات والترامات) سمي باسمه "موقف متحف إريش كيستنر" مما يعكس الاهتمام الذي توليه المدينة إلى أحد أهم كتابها.

إريش كيستنر هو أحد أشهر الكتاب الألمان الذين كتبوا للأطفال في القرن العشرين. وأحد الكتاب الألمان الذين بدأت حياتهم الأدبية في عشرينيات القرن العشرين، التي تعتبر المرحلة الذهبية في التاريخ الألماني. كتب القصص والروايات الموجهة للأطفال مثل "مؤتمر الحيوانات"، و"أنطون والنقاط"، و"عندما كنت صبيًا صغيرًا"، و"إيميل والمحققون" وهي قصة بوليسية بيع منها في ألمانيا وحدها أكثر من مليون نسخة. كما ألّف كتبًا للكبار مثل رواية "فابيان" ومسرحية "مدرسة الدكتاتور". ونالت أعماله العديد من الجوائز، وترجمت إلى نحو سبعين لغة.

المقهى كجزء من المتحف ومكان للقراءة  



ولد كيستنر في العاصمة السكسونية دريسدن عام 1899 ودرس التاريخ والفلسفة والمسرح في جامعة لايبزغ. وحصل على شهادة الدكتوراه في الأدب الألماني. وبالتوازي مع دراسته كان يعمل صحافيًا في جريدة "نيو لايبزيغر تسايتونغ". توجه للكتابة للأطفال جراء إيمانه بالقوى التجديدية للشباب حسب تعبيره. كان معارضًا للنظام النازي، النظام الذي أحرق كتبه في أثناء محرقة الكتب الشهيرة في برلين. ورغم اعتقاله مرتين من قبل الاستخبارات النازية إلا أنه لم يغادر ألمانيا. وعندما كان يُسأل عن السبب كان يقول إنه يريد أن يكون شاهدًا على جرائم النازية، إضافة إلى أنه لا يريد ترك والدته المسنة وحيدة، وهي التي كانت تربطه بها علاقة وثيقة بحيث بقيا يتبادلان الرسائل والبطاقات البريدية طيلة ثلاثين عامًا عندما كان يعيش في لايبزغ وبرلين.

من خلال البحث عما ترجم من أعمال كيستنر إلى العربية وجدنا كتابين فقط من كتبه، وهما رواية "مؤتمر الحيوانات" ومسرحية "مدرسة الطغاة".

نشرت رواية "مؤتمر الحيوانات" الموجهة للأطفال في عام 1949. وهي أول رواية لكيستنر بعد الحرب العالمية الثانية. وأتت فكرتها من مؤلفة كتب الأطفال جيلا ليبمان، التي كانت صديقة إريش كيستنر. حيث عرضت عليه فكرتها عن كتاب للأطفال تسيطر فيه الحيوانات على السياسة بدلًا من البشر من أجل ضمان السلام للأجيال القادمة. وتتحدث قصته عن مجموعة من الحيوانات التي تمثل جميع أنواع الحيوانات الموجودة في العالم. تجتمع المجموعة وتعقد مؤتمرًا دوليًا من أجل تحقيق السلام على الصعيد العالمي. المؤتمر يأتي ردًا على فشل سياسيي العالم في تحقيق مثل هذا السلام.

أما مسرحية "مدرسة الطغاة" التي صدرت طبعتها الألمانية الأولى عام 1956 وعرضت في العام التالي على أحد مسارح ميونيخ، فقد ترجمها إلى العربية المترجم المصري سمير جريس وراجعها عبد الغفار مكاوي وصدرت عن المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة. وموضوعها إساءة استخدام السلطة السياسية، وطرق التلاعب بعقول الناس لكي يصبحوا تابعين لها وخانعين ولا حول لهم ولا قوة.

صورة لكيستنر تتصدر غرفة الاستقبال وكتاب للأطفال ومسرحية له باللغة العربية  



توفي كيستنر في ميونيخ عام 1974. وفي سياق تكريمه قامت بلدية دريسدن بإنشاء متحف لأعماله. والمبنى الذي تحول إلى متحف إريش كيستنر هو في الأساس الفيلا التي تعود إلى عمه أوغسطين وتسمى باسمه "فيلا أوغسطين" ولا تبعد عن المكان الذي ولد وترعرع فيه كيستنر، وهو شقة في البناء ذي الرقم 66 من "شارع كونيغسبروكه"، إلا بضع مئات من الأمتار. افتتح كمتحف في الثالث والعشرين من شباط/ فبراير عام 2000 بمناسبة الذكرى المئة وواحد لميلاد الكاتب. وهو "أحد المشاريع الرائدة كمتحف مصغر تفاعلي متنقل خاص بالمجتمعات المحلية" حسب ما جاء في وصفه. وتعني عبارة "تفاعلي متنقل" أن المتحف يقيم فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية مستمدة في معظمها من أعمال كيستنر سواء في داخل المتحف أو خارجه، في أماكن متعددة من مدينة دريسدن ومحيطها، يشارك فيها الأطفال وأهاليهم.

في هذا المتحف نجد، إلى جانب مقتنيات كيستنر وصوره، المؤلفات الكاملة له بطبعاتها المختلفة، المجموعة والمتفرقة، وبترجماتها المختلفة، ومنها الترجمة العربية لـ "مؤتمر الحيوانات" و"مدرسة الطغاة". إلى جانب كتب لعدد من كتاب مدينة دريسدن، وعدد آخر من الكتاب الألمان. كما توجد الكتب الجديدة المخصصة للبيع للعموم، أو حتى للاستعارة الخارجية والداخلية، فالمتحف يضم مقهى في الطابق الثاني بوسع الزائر أن يأخذ الكتاب الذي يريد قراءته واصطحاب فنجان من القهوة، أو أي نوع آخر من المشروبات الساخنة أو الباردة، والجلوس إلى إحدى الطاولات أو على إحدى الأرائك، ومنها ما هو مطل على الفضاء الخارجي والشارع العام والاستمتاع بالجو الهادئ المناسب جدًا للقراءة والتأمل أو التفرج على المارة. وإذا كان الفصل ليس شتاء يمكن اصطحاب الكتاب والقهوة إلى حديقة المتحف والتمتع بجو القراءة في الطبيعة، سواء بالجلوس إلى إحدى الطاولات أو على أحد المقاعد تحت الأشجار وفوق الأعشاب والاستماع إلى زقزقة العصافير وحفيف أوراق الأشجار بفعل نسمات الهواء اللطيفة والنقية.

(الصور بعدسة كاتب المقال)