التفرغ الإبداعيّ في الأردنّ بين المقاولة والدعم

هنا/الآن
الحاصلون على جوائز التفرغ الابداعي في الاردن هذا العام

أُعلن في عمّان، مؤخرًا، عن أوّل دفعةٍ من المثقفين سيحصلون على مِنحٍ للتفرّغ الإبداعي من وزارة الثقافة بعد عودة نظام التفرغ من التجميد. تتضمن الدفعة أحد عشر مُتحصّلًا على التفرّغ في حقول الشعر، الرواية، القصّة، المسرح، الدراما، الموسيقى، التشكيل، وأدب الطفل. سيحصل كلّ واحدٍ منهم على مبلغ ماليّ يتراوح بين 15 ألفاً و3.5 آلاف دينار (نحو 21 ألف دولار أميركي إلى نحو 5 آلاف دولار)، بالإضافة إلى مدد زمنيّة محدّدة ( بين سنة و3 أشهر) لإنجاز مشاريعهم دون ضغوط العمل والحياة والموارد الماليّة. 

شبه فساد

كانت فكرة مشروع التفرّغ الإبداعيّ في الأردنّ قد انطلقت من أستاذ اللغويات ووزير الثقافة، الدكتور عادل الطويسي عام 2007، واستلف الطويسي الفكرة من النظام الأكاديميّ في بعض الجامعات الأردنيّة التي تمنح مدرسيها سنة تفرّغ للبحث تكون مدفوعة الأجر. انطلق المشروع وسط ترحيب من الوسط الثقافي الأردنيّ، غير أنَّه ترحيبٌ سرعان ما بدأ يتحوّل كلّما ابتعدنا عن العام 2007 إلى: انتقاد، احتجاج، اتهام، وخلافات في الإعلام، حتى لجأت الوزيرة، لانا مامكغ، إلى تجميده عام 2013 بسبب "أن فئة معينة ومحصورة من المبدعين كانت تحتكر الإبداع في الأردن" وفقًا لما صرّحت به لوسائل إعلام محليّة، وهو ما كان يتداوله بعض مثقفي الأردنّ حول وجود مافيا ثقافيّة وتنفيعات يتم من خلالها تبادل منح مشاريع التفرّغ. واعتصم الفنانون والكتّاب الأردنيون، وصيغت بيانات الشجب والاستنكار، بعد تجميد المشروع، وكانت رابطة الكتّاب الأردنيين على رأس قائمة من كالوا الاتهام للوزيرة والوزارة بأنَّ هذا الإجراء من شأنه "تجفيف مصادر وروافد العمل الثقافي".

رأي من داخل الوزارة 

يصف مصدر من داخل وزارة الثقافة في حديث مع "ضفة ثالثة" الجدل الذي دار حول هذا المشروع: "لم يكن هناك أي فساد كما تدّعي، ولو كان هناك فساد، لكان عليها أن تشهره، وتحاكم الفاسدين، ولكنّها كانت ترمي آذانها للذين لم يحصلوا على التفرغ لأنّهم لا يستحقونه (....) الوزير هو الذي يحدد اللجان بناء على تنسيب من المعنيين القائمين على المشروع في الوزارة".

ويُضيف المصدر الذي فضّل عدم ذكر اسمه: "المشروع جيّد جملة وتفصيلا، ولكن بعض الأغبياء فهموا أنّه مشروع لإنتاج نصوص أو أعمال مسرحية، وأنه مقاولة (خذ تفرغ وأعطني نصّا أو مسرحية أو لوحات فنية) الأمر ليس كذلك، الأمر اعتراف بالمبدع أولًا وأخيرًا، وإعطاؤه استراحة لينتج عملًا يحلم بإنتاجه وتمنعه ظروف الحياة، وبالتالي هو تكريم قبل أن يكون مقاولة.

حول النتاج الأدبيّ الذي أفرزه المشروع يقول: "لكن التطويرات الأخيرة حوّلته إلى مقاولة، هذا يستحق ثلاثة شهور، وهذا يستحق ستة، وهذا سنة، تماما كأي مقاولة لإنتاج أي عمل، والحقيقة، أن الذين حصلوا على التفرغ هذا العام كلّهم يستحقون، مما يعكس نزاهة اللجان المشكّلة للاختيار، وأما ماضي المشروع وما تمّ فيه سابقًا، فإنّه بحاجة إلى إعادة اطلاع على الأعمال جميعها".

مسؤوليّة الدولة

ترى الشاعرة مها العتوم، التي حصلت على منحة التفرغ لهذا العام، في فكرة هذا المشروع بأنها عدم ترك المبدع وحده في عمليّة الإبداع. تقول العتوم: "الكتابة والعمل الإبداعي بصُوره المختلفة ليس مسؤوليّة المبدع وحده، وإنما الدولة والمؤسسة الثقافيّة مسؤولةٌ أيضًا، ولا بدَّ من أن تعمل على تحقيقها، والدفع بمبدعيها إلى الإنجاز، وبالتالي فالقيمة الحقيقيّة لمشروع التفرغ ليست ماديّة، بل إن المبدع قد لا يُنجز المطلوب في إطار التحديد الزمنيّ الذي تضعه الوزارة، ولكنه بالضرورة سيمتلئ بالرغبة في العطاء والإنجاز في زمن صار يتساءل فيه الكاتب هذا السؤال العبثي أحيانًا: لماذا أكتب؟".

وتضيف العتوم في رؤيتها لما بعد مرحلة التفرّغ: "هناك حاجة فرديّة خاصة بالمبدع، وحاجة أخرى جمعيّة تتمثل في المؤسسة التي لا ينبغي أن يتوقف دورها عند حدود منح التفرغ، بل متابعة الأعمال المنجزة وتقييمها، للتعديل على التجربة بما يدفع بها إلى الأفضل".

يُشار إلى أنَّ مشروع الشاعرة العتوم التي حصلت من خلاله على منحة التفرّغ يقوم على "تجربة المرأة" و هو مشروع تقول فيه بأنَّه "مشروعي أصلًا في كتابتي الشعريّة منذ البداية، وهو كذلك بدون نيّة مسبقة، لقد اكتشفت أنه سؤال مركزيّ في تجربتي ظللت في دواويني الشعرية المتلاحقة أحاول الإجابة عليه، ولم أفعل، ولن أفعل، لأنَّ الكتابة في النهاية هي فتح أبواب جديدة للأسئلة. لكن الجديد هذه المرة أنني واعية أكثر لأسئلتي، ولدي نصوص جاهزة أصلا صارت تتبلور فيها هذه الأسئلة المتعلقة بوجود المرأة والقضايا الإشكالية المختلفة المتعلقة بحضورها الإنساني والإبداعي". 

مقاولة ثقافيّة

جرى التعديل على النظام القديم 2007 في 2016 وخُفض من خلال التعديل عمر المُتقدم من أربعين عامًا إلى خمسة وثلاثين عامًا، بالإضافة إلى خفض الأعمال الإبداعية المنشورة من قبل المُتقدّم في الحقل الإبداعي إلى مُؤَلَّفين فرديين في حقل التفرغ الأدبي المطلوب، وثلاثة أعمال من الحقول الأخرى. ورحبّ الكثيرون بالتعديلات غير أن ثمة صوتًا آخر.

تمنّت العتوم أن تكون مدة التفرّغ أطول، وسبب ذلك برأيها "أن القلق الزمني قد يهدد المشروع، أو على الأصح يهدد الشاعر في العمل تحت التهديد الزمني، ربما لو كانت مدة السنة لكل المشاريع لكان أفضل، ولأعطى هذا فرصة للمبدع للشعور بالحرية الكافية التي تحتاجها الكتابة، خاصة أنَّ هذه الزيادة الزمنيّة تواكبها زيادة ماديّة سوف تُريح الكاتب من التفكير الواقعيّ وتمنحه فرصة للإخلاص لمشروعه الإبداعي".

تتقاطع الحاصلة على منحة التفرّغ الإبداعي هذا العام عن حقل القصة القصيرة، جميلة عمايرة، مع ما ذهب إليه المصدر الذي تحدثنا إليه من داخل وزارة الثقافة في مشكلة المدة الزمنيّة التي تُمنح للحاصل على التفرّغ. تقول عمايرة: "إنّ الحُكم على الكاتب مسبقًا بالزمن الذي سوف يستغرقه العمل المراد إنجازه، ولا أعرف كيف تم تقدير الوقت مثلا بإنجاز مجموعة شعرية أو قصصية  خلال ثلاثة أشهر!، يعني أنك هنا تضع الكاتب / المبدع  في زاوية ضيقة وتقول له: الآن عليك الكتابة وإلا فلا ....".

وتضيف عمايرة: "الكاتب ليس مقاولًا لدية مدة محددة لتسليم مشروعه، وإلا سيكون أمام استحقاقات أخرى". وتتساءل: "لا أعرف إلى ماذا استندت اللجنة في تقييم المشاريع المقدمة للتفرغ ومنحها الوقت المحدد وتقييد الكاتب بزمن للإنجاز، خاصة وأن المشاريع المقدمة ما تزال أفكارا وخططا في رأس الكاتب / الفنان. أنت هنا أمام مبدع وثمة رؤى للكتابة وأحلام ومزاج قد يكتب المبدع عشرات الصفحات في ليلة واحدة وقد لا يكتب سطرًا". 

بعد مرحلة التفرّغ

"المسألة ليست مجرد إضافة كتب إلى المكتبة العربية المتخمة بالرداءة؛ فالعمل على المشاريع بعد الانتهاء منها هو الأهم، لأن التنقيح والتهذيب وإعادة النظر برأيي هو ما يميز الأعمال الإبداعية العالمية"- تُلخص العتوم رؤيتها في مرحلة ما بعد المدة الزمنيّة الممنوحة للمُتفرّغ.

وتضيف: "إعادة النظر والمراجعة مرة تلو مرة هو الأهم، وهو ما يجعل زيادة مدة التفرغ في مصلحة الكاتب والكتابة، ويقدم للمكتبة العربية إضافة نوعية لا كمية ترفع من قيمة المشروع، وتدفع إلى تحسينه وتطويره".

 تُنهي العتوم حديثها بالقول: "لا أريد الخوض في تفاصيل مغامرة لا أعرف عم سوف تسفر، لكن الكتابة والكتابة الشعريّة هي مغامرة صيد، وقد أعود بأسماك كثيرة، وقد أعود بمحارة ولؤلؤة، وقد أعود خالية الوفاض. المهم أنني أذهب بكامل رغبتي وشغفي وقلقي، وهذا هو الشعر"، فيما تذهب عمايرة إلى حيّز آخر في رؤيتها لفلسفة المشروع، إذ تعتقد أن المشكلة الأساسيّة تكمن في وجود "سياسة ثقافية جديدة" مع كل وزير جديد، مما ينفي التراكميّة والبناء على ما تمَّ تأسيسه ودعمه نحو الأفضل.

يُشار إلى أن مشروع عمايرة التي مُنحت من خلاله التفرّغ الإبداعيّ، يبحث في مشكلات الفرد في مجال ثورة الاتصالات الحديثة، وما تحدثه من تبدلات وتغييرات بالمفاهيم وتحولات بالقيم والسلوكيات والأعراف والثوابت واللغة.

ستتطرق المجموعة التي تبنى من عشر قصص / حكايات، على معاينة الموقف بجوهره  والمسألة برمتها في أماكن مختلفة في مدينة عمان وخارجها، والبلدات والقرى (الأرياف) والمخيم. 

المتفرغون 

يُذكر أنَّ 52 مبدعًا من مختلف الحقول الإبداعيّة تقدموا لمنح المشروع لعام 2017-2018، واستثنت اللجنة التنظيميّة خمسة منهم "لعدم استيفاء شروط نظام وتعليمات المشروع".

وجاءت النتائج على النحو التالي:

يحيى القيسي عن مشروع روائي بعنوان "حيوات" وبمدة زمنيّة لإنجاز المشروع سنة كاملة.

جميلة عمايرة عن القصة القصيرة ومجموعة قصصية حول موضوع "أثر الاتصالات" وبمدة زمنيّة 6 أشهر.

في حقل الشعر: د. مها العتوم عن مشروعها الشعري حول "تجربة المرأة" وبمدة زمنيّة 6 أشهر، وعمر شبانة عن ديوانه "قصيدة من مقاطع"- 6 أشهر.

أدب الطفل: الشاعر إيهاب الشلبي عن شعر للأطفال بعنوان "فرحًا تطير نوارسي"، بمدة زمنيّة 3 أشهر، والقاصة إيمان مرزوق عن مجموعتها القصصية "مغامرات فتاة الهايك" وبمدة زمنيّة 3 أشهر.

الفن التشكيلي والنحت والتصوير الفوتوغرافي: الفنان غسان مفاضلة عن مشروع أعمال نحتية بعنوان "الإنسان والمكان" بمدة زمنيّة 6 أشهر، والفنان كمال أبو حلاوة عن معرضه التشكيلي "انطباعات.. مكان وأثر" وبمدة زمنيّة 3 أشهر.

الموسيقى: اختير الفنان عامر الكسواني عن مشروع تأليف موسيقي بعنوان "إن jazz التعبير"، كما اختير في حقل المسرح المخرج فراس المصري عن إنتاج وإخراج مسرحية بعنوان "تايكي تختار حامل السر" وبمدة زمنية سنة كاملة لهما، وفي حقل الدراما اختير الفنان بكر القباني عن كتابة نص سيناريو بعنوان "جمعة القفاري/ يوميات نكرة"- 3 أشهر.

كلمات مفتاحية

أدب عربي حديث الإبداع العربي الأدب الأردني