أن تكون فناناً فقيراً ومريضاً في المغرب

محمد بنعزيز 25 ديسمبر 2018
هنا/الآن
الممثل المغربي التحفي

 

"ليت المسرح مملكة والممثلين أمراء"،

بهذه الأمنية افتتح شكسبير مسرحية "هنري الخامس"، تكشف الأماني أن الواقع يناقضها. كل شخص يتمنى ما ينقصه، هنا عينات متتابعة وقعت خلال عام 2018 في مغرب اليوم:

"الممثل عبد اللطيف التحفي في حالة صحية حرجة ويتطلب الأمر نقله على وجه السرعة إلى المستشفى العسكري. تكاليف العلاج باهظة لذا نتمنى أن يتدخل الملك لإنقاذ حياته".

نشر الخبر على صفحات فيسبوك وتتابعت التعليقات الطيبة الحنونة والأدعية السخية:

الله يشفيه ويبعد عنه كل مكروه من خيرة الممثلين ثقافة وسلوكا، ندعو له بالشفاء اللهم اشفه قبل الدواء وأنت على كل شيء قدير، اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين

لم تغير الأدعية المباركة شيئا من الواقع الذي لا يرتفع فجدد صاحب الخبر طلبه "أرجوكم انشروا الخبر بسرعة لننقذ حياة الفنان".

علق الناقد السينمائي المغربي عبد الكريم واكريم على المنشور "إلى متى سيظل الفنانون والمثقفون المغاربة عُرضة لعوادي الزمن والاضطرارِ لمَدِّ اليد طلبا للعون واستجداء الشفقة، إنه لمن المهين لفنان شهد مجده فوق خشبات المسارح وعلى شاشات السينمات وأغرمت بأدواره الجماهير وصفقوا لها أن تكون نهايته عرضة للشفقة. تبا لبلد لا يقدر فنانيه".

بعد أيام مات الممثل. وبعد أيام مرض آخر، أكثر شهرة وأعرق في الميدان، الممثل عبد الله العمراني الذي ظهر في فيلم "السراب" 1979 لأحمد البوعناني وفي فيلم "مكتوب" لنبيل عيوش 1997 وفي الفيلم القصير لهشام الولي "الملك لير" 2017.

بعد نشر الخبر في الصحافة نقل الممثل إلى المستشفى العسكري بالرباط وهو المستشفى الوحيد الذي يوفر علاجا حقيقيا في المغرب. العسكر لا يمزحون.

كتب رئيس مهرجان مغربي باكيا "حاليا يوجد محمد اعريوس السيناريست ورئيس الجامعة الوطنية للأندية السينمائية في المغرب سابقا بأحد مستشفيات مدينة الرباط ويتطلب إنقاذه إجراء عملية مكلفة جدا، وهو بحاجة للمساعدة سواء من أشخاص ذاتيين أو مؤسسات". بعد مدة قصيرة مات السيناريست.

بعده مات مغن شعبي مغربي بعد أن خرج في فيديو يتسول مساعدة، مغنٍ ردد المغاربة أغنياته طويلا:

من يفتح قلبي سيجد أنه نبتت فيه غمة

لو كان الحظ يباع لاشتريت منه غراما

لو كان الحظ يكترى لرهنت صحتي

لو كان القلب يفتش لرأيت كل شيء

اغفر لي يا قلبي فقد جرحتك بيدي

 كان المغاربة يرقصون على هذا الوجع الذي أداه ميمون الوجدي، وقد كتب فنان سخي بكلماته "كنت أتمنى من أهل الفن والثقافة أن يكونوا أول المساندين والمبادرين لدعم عميد فن الراي المغربي الشاب ميمون الوجدي في محنته الصحية".  

جل الفنانين المغاربة الأوائل فقراء بدخل جد منخفض ومؤقت وبمستوى تعليمي ضعيف إلا فيما ندر، والعزاء الوحيد لهم هو تزاحم الشباب لالتقاط الصور برفقتهم. 

الخلاصة أن من حق المغربي أن يكون فنانا ومثقفا. ولكن أن يعول على العيش من الفن والثقافة فهذا علامة انفصال تام عن الواقع المغربي. ذات مرة وقف شعراء على باب سلطان مغربي أسس مدينة مراكش فقال "إن الشعراء يطلبون الخبز".

في المغرب أن تكون فنانا دون دخل قار فهذا يؤثر على استقلاليتك. يحرمك من الاستمرار في التكوين ومن ثمة في الإبداع.   

في المغرب يستحسن ألا تكون كاتبا أو صحافيا أو ناقدا سينمائيا. لتترك كل ما يتعلق بالمواظبة على المطالعة والكتابة. من ينشغل بالإبداع ينتهي فقيرا. يستحسن أن كون مديرا لشيء ما، مدير جمعية أو مهرجان أو متعهد حفلات، هكذا تصل لمصادر التمويل. التمويل يعطى للمنظمين لا للمبدعين.

آخر إهانة في ديسمبر 2018 صدر حكم ضد الممثل المسرحي عبد اللطيف الخامولي بطرده من المنزل الذي يكتريه لأنه لم يدفع. لا يملك الخامولي منزلا وهو الذي مثل في فيلم "درب حلاق الفقراء" 1982. وقد أعلن الاتحاد المغربي لمهن الدراما تضامنه مع الفنان ببلاغ. ممثل يؤدي دور الوغد في عدة أفلام يتصرف في الحياة ببراءة ويجد نفسه بلا منزل في شيخوخته ويتسول الدعم. قديما كتب سيرفانتيس في الدون كيخوته "لا قيمة للشهرة بدون ربح" ص 974.