هيفاء سبيع ترسم اليمن في "بينالي سنغافورة"
تسع جداريات
تضمن معرض "الحرب والإنسان" تسع جداريات، منها ثلاث سبق أن رسمتها هيفاء سبيع في اليمن: الأولى جدارية بعنوان "تفجير التعليم"، تصور استهداف العملية التعليمية والمدارس من قبل الطائرات، واستخدامها كمنشآت عسكرية من قبل الميليشيات، والثانية عن المجاعة الأشد
في تاريخ اليمن؛ مجاعة شهدتها الحديدة وحجة، وغيرهما من المدن، في سنوات الحرب، رسمتها هيفاء مصورةً "طفلا من عظام" يعاني من سوء التغذية جراء المجاعة.
وفي الجدارية الثالثة، رسمت هيفاء "ضحايا الألغام الفردية" التي يتم زرعها من قبل أطراف الصراع، وضحاياها غالباً من الأطفال والنساء، والجدارية عبارة عن ساق مبتورة، سبق أن رسمتها في اليمن قبل سنوات".
بقية الجداريات الست الأخرى هي جداريات جديدة لفنانة الغرافيتي هيفاء سبيع، الأولى بعنوان "حمائم سبأ"؛ رسمت فيها "معبد أوام"؛ يعد من أشهر المعابد اليمنية القديمة. وجدارية ثانية بعنوان "قتلة السلام"، تتحدث عن حمامة سلام لا تكترث لمن يريد النيل منها ومن السلام الذي تمثله، "السلام" الذي هو "فوهة بندقية!".
الثالثة بعنوان "طفولة على الهامش"، عن الأطفال المشردين والمهمشين الذين لا مأوى لهم سوى أرصفة الشوارع. الجدارية الرابعة بعنوان "قيمة الإنسان"؛ ترمز إلى ما أصبحت عليه قيمة الانسان اليمني في فترة الحرب، وهي جدارية ذات بعد فني عميق. تقول هيفاء سبيع في هذا الصدد: "ما لمسته فعلاً أن قيمتنا في اليمن هي رصاصة واحدة، لذلك استخدمت في هذه الجدارية صورة لمخزن رصاص (مخزن بارود). بالطبع قمت بالتقاط صورة لمخزن الرصاص الحقيقي، وفي داخله رصاص حي، فتلك هي قيمة اليمني اليوم، للأسف".
ثمة جدارية خامسة بعنوان "النساء يصنعن السلام"، وترمز إلى قوة النساء في إمكانية تحقيق السلام، فالمرأة كائن لطيف وحمامة سلام، إضافة إلى القوة التي تمتلكها".
جدارية أخرى حملت اسم "رصاصة"، تقول هيفاء عنها: "استلهمتها من رصاصة حقيقية اخترقت نافذة غرفتي ذات يوم وأنا نائمة، الحمد لله لم تصبني بسوء، لكنها أصابت وتراً في روحي، كما أصابت باب غرفتي، وقفص عصافيري!".
تنوه هيفاء سبيع أنها حرصت قدر المستطاع أن تقدم الجداريات التسع صوراً حقيقية تنقل الواقع الأليم في اليمن، في ظروف الحرب التي تمضي في عامها الخامس على التوالي. وعن إقبال الزوار والنجاح الكبير لمعرض "الحرب والإنسان"، قالت سبيع: "الإقبال كان كبيرا والحمد لله وذلك لكون "بينالي سنغافورة" حدث مهم بالإضافة إلى أن سنغافورة بلد يهتم بالفن والفنانين ويدعم الأعمال الفنية المختلفة. ولقد أبهجني كثيراً انطباع الناس عن الجداريات".
رحلة شاقة
في طريق رحلتها إلى سنغافورة، تلبيةً لدعوة مهمة جرى الترتيب لها منذ عام ونصف، اجتازت "سبيع" في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، رحلة شاقة ومضنية للوصول أخيراً إلى "بينالي سنغافورة". ثلاثة أيام من السفر، وعشرات نقاط التفتيش. تقول هيفاء: "تمت دعوتي من قبل متحف الفن السنغافوري، وهو الجهة المنظمة لبينالي سنغافورة 2019، واستغرقني التحضير للمعرض حوالي السنة والنصف. استغرقت رحلتي ثلاثة أيام للوصول إلى سنغافورة؛ سافرت يوماً كاملاً من صنعاء حتى سيئون، للسفر من مطار سيئون الدولي (شرق اليمن)، ومن ثم يومان للوصول إلى سنغافورة، طبعاً هذه الصعوبة كانت بسبب الحرب والعقبات التي
فرضت على المواطن اليمني عندما يفكر بالسفر! نقاط تفتيش متعبة ومرهقة، بالإضافة إلى طول الطريق، فداخل المدينة الواحدة هنالك عدة نقاط تفتيش، وأغلبها تتبع الطرف نفسه، لكن أطراف الحرب لا يهمها سوى مصالحها، حتى لو كانت هذه المصالح سبباً في إرهاق المواطن اليمني".
تخرجت هيفاء سبيع في قسم المحاسبة في جامعة صنعاء، واتجهت قبل سنوات للتعبير عن هموم اليمنيين بالرسم على الجدران، تقودها موهبتها، وروح نضالية سلاحها الريشة والألوان، لتنجز حملات وجداريات بصنعاء "فن الغرافيتي". تطل هيفاء من نافذة للجدران الصامتة على العالم، متحديةً نظرة المجتمع اليمني تجاه المرأة المبدعة. وتسعى سبيع إلى نقل معاناة اليمنيين، وإيصال رسالة فنية للعالم تلخص أحوالهم وعذاباتهم.
تنحدر هيفاء سبيع من أسرة إبداعية، فهي أخت لشاعر وصحافي معروف هو نبيل سبيع (من شعراء قصيدة النثر اليمنية - جيل التسعينيين)، وأخت أيضاً لفنان غرافيتي معروف يمنياً وعالمياً هو مراد سبيع.
تدين هيفاء لأسرتها وزوجها دعمها وتشجيعها لمواصلة شغفها بالرسم على الجدران، فلولا دعمهم لكانت انطفأت إشراقات كثيرة في روحها، أمام القمع والضيق بكل مساحة للفن والابداع في اليمن. كما تقول.
مُنِعت هيفاء سبيع أكثر من مرة من تنفيذ جداريات في اليمن: "التعسفات تطال الجميع، وأعتقد أنها تطال من يتحدث عن الحرب أكثر. نحن نمر بأسوأ فترة يعيشها اليمن، فترة تعسفات من الداخل ومن الخارج على حد سواء. مررت بلحظات سيئة بسبب التعسفات، لكنها لن تثنني".
إلى ذلك، ترى هيفاء سبيع أن فن الغرافيتي (فن الشارع/ الغرافيك) في اليمن "تطور وأصبح أكثر انتشاراً، لكنه في الآونة الأخيرة قلّ بسبب الحرب، وبسبب التعسفات الشديدة ضد أي فنان يرسم، على الرغم من محاولة استخراج التصاريح اللازمة قبل الرسم. لكن حتى بعد الحصول على الإذن من قبل السلطات لا يُسمح لنا بالرسم، بل ويتم تهديدنا تحت وطأة السلاح".