كيف سيغيّرنا كوفيد 19؟ رؤى وآراء من حول العالم

ضفة ثالثة ـ خاص 9 أغسطس 2021
هنا/الآن
كمامة على مُجسم الكرة الأرضية في بروكسل/ بلجيكا (28/10/2020/Getty)



"كيف سيغيّر كوفيد ـ 19 العالم؟". وجّهت مجلة "نويما" (Noema) هذا السؤال إلى مجموعة من الأشخاص البارزين حول العالم، من مختلف الاختصاصات، فكانت هذه التصورات:



يوفال نوح هراري، مؤلف كتاب "العاقل"، "الإنسان الإله"، و"12 درسًا للقرن الواحد والعشرين":
في الشهور القليلة المقبلة، سيعيد السياسيون تشكيل العالم. وخلال تلك الشهور القليلة، سيغدو العالم سائلًا ومرنًا. إننا نستطيع أن نختار التعامل مع الأزمة الحالية من خلال التضامن والتعاون العالميين، وسينتج عن ذلك عالم أكثر توحدًا وانسجامًا، أو نستطيع اختيار التعامل مع الأزمة من خلال التنافس والعزلة الوطنية. وذاك على الأرجح سيجعلها أكثر حدّة، ويُنتج عالمًا أكثر تشظيًّا وعدائية.




ونستطيع، أيضًا، اختيار التعامل مع الأزمة بفرض أنظمة شمولية رقابية، أو بإعطاء الصلاحية للمواطنين، وضمان مزيد من الشفافية الحكومية. كذلك، يمكن للحكومات أن تختار إنقاذ الشركات القوية، وإضعاف النقابات العمالية أكثر فأكثر، أو تستطيع أن تستغلّ الفرصة لكبح جماح الشركات الكبرى، وتعزيز النقابات العمالية. علاوة على ذلك، تستطيع البشرية أن تقرّر إعادة بناء نظام النقل وقطاع الطاقة على أسسٍ أقل ضررًا بالبيئة، أو أن تركّز على انتعاش اقتصادي محدود، وتتخلى عن الاحتراس البيئي. وهنالك خيارات أخرى لا تعد ولا تحصى يتعين علينا القيام بها.
لقد أخذت هذه الأزمة السياسيين على حين غرّة، وما من خطة جاهزة لديهم حول ما يجب القيام به. ولذلك، هم منفتحون إلى حد كبير على الأفكار الجديدة؛ حتى المجنونة منها. لكنْ، ما إن يتم اتخاذ الخيارات، سيترسّخ نظام جديد، وسيصبح من الصعب أكثر فأكثر تجربة طريق جديدة. وأيًّا يكن من يستلم السلطة في عام 2021، فسيكون مثل شخص يأتي إلى حفلة بعد انتهائها، حيث لا شيء متبقٍ لفعله سوى غسل الأطباق المتّسخة. لكن الآن، وما دامت الحفلة مستمرة، يجب علينا أن نكون شديدي التركيز، ونساعد الحكومات على تبنّي السياسات الصائبة.

فلسطين ـ يافا.

***

هيلي تورنينج ـ شميت، رئيسة وزراء الدنمارك سابقًا:
على أشدّ مخاوفنا اليوم أن تكون هذا: ألا يغيّر الوباء إلا قليلًا، أو ألا يغيّر شيئًا على الإطلاق؛ أي أن يتغيّر كل شيء، لكن يبقى كل شيء على حاله.
فهذا على وجه التحديد ما حدث عام 2008: ربحنا الحرب، من حيث أنه تم تفادي انهيار اقتصادي شامل، لكننا خسرنا الأمان. بضعُ حزمِ دعمٍ مالي، متطلبات رأسِ مالٍ بنكي أعلى، وبنوك مركزية نشطة؛ لكن من دون وضع شبكات أمان، ومجرد بضع تغييرات هيكلية في كيفية عمل السوق العالمية.
فلماذا تكون هذه المرة مختلفة؟ عام 2008، كان هنالك مجموعة من القادة جاهزين، راغبين، وقادرين على العمل سويةً. أما اليوم، فهنالك غياب تام تقريبًا للتعاون الدولي. نحن نعلم ما هو المطلوب: رعاية صحية تتوفر لها الموارد الملائمة، ضمان اجتماعي ذكي ورؤوف، أسواق حسنة التنظيم تخدم الأعمالُ التجارية فيها المجتمعاتِ، لا العكس، وحكوماتٌ ومؤسسات متعددة الأطراف تعمل معًا لخدمة الصالح العام. في الواقع، ربما نستطيع الآن أن نرى هذه الحقائق بوضوح أكبر من أي وقت مضى.




نحن نعرف اليوم أننا لا يجب أن نعود إلى ما اعتدنا عليه. لكن السؤال هو: هل سينتخب الناس قادةً قادرين على خلق هذا العالم الجديد والجسور في مرحلة ما بعد الوباء؟ حسبما تبدو الأمور الآن، الإجابة عن ذلك السؤال هي "لا" مدوية، لكن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في تشرين الثاني/ نوفمبر حملت بصيص أمل.

لندن

***

إريك شميت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة غوغل:
يتطلب إيقاف الفيروس فصلًا وتباعدًا تامًا. لكن إيجاد لقاح، إعادة تشغيل اقتصاد العالم، ومنع تفشٍّ جديد للوباء، يتطلب تعاونًا مكثّفًا.
ولأول مرة يتوفر لدينا، أثناء أزمة عالمية، القدرات التكنولوجية اللازمة لمواجهة التحدي على مستوى عالمي. فالبيانات التي تنبثق من أحد أجزاء العالم يمكن أن تُحلّل وتُستعمل في جزء آخر من أجل إيجاد لقاح وتطوير الرعاية الطبية. كما أن تطبيقات تعقّب حالات الاحتكاك تستطيع أن تنقل البيانات حال حدوثها من أجل الحدّ من تفشٍّ مستقبلي للفيروس. كذلك، يمكن معالجة النقص في الإمدادات الطبية الأساسية بالطباعة ثلاثية الأبعاد، في حين أن التحليلات المبينة على الذكاء الاصطناعي، مرفقةً بتجميعاتِ البيانات الملائمة، يمكن أن تساعد في توزيع الإمدادات على نحو مجدٍ.




يمكن للوباء، أيضًا، أن يقودنا نحو تعاون أكبر ـ تمكّنه التكنولوجيا ـ في عالم ما بعد الوباء. لكن ذلك غير محتوم. فقد رأينا ردود فعل وطنية تعزّز المنافسات الجيوسياسية بين الدول. وقد شجّعت نقاطُ الضعف في سلاسل الإمداد الحكوماتَ على التوجه نحو حلول محلية، أو حلول تشمل عدة دول، لمعالجة تلك الثغرات في الإمدادات الطبية الأساسية. ومن الممكن أن يمتد ذلك الإجراء إلى مصالح استراتيجية أكثر اتساعًا. لقد جعل الفيروس بعض الدول الديمقراطية عرضة لتدخلٍ حكومي قسري من قبل حكومات سلطوية تنتهك الخصوصية الفردية، وتدعم السلطة المركزية. ويمكن لكل هذه الوسائل الموقتة أن تصبح سمات دائمة.
لقد أظهر الوباء، أيضًا، تفاوتًا داخل وعبر الحدود؛ فمن لديهم إمكانية الاتصال الرقمي هم أكثر جاهزية لمتطلباتِ "كل شيء عن بعد" المتعلقة بالتباعد الاجتماعي. يستطيع أطفالهم أن يتعلموا، ويستطيعون أن يعملوا عن بعد؛ حياتهم معرقلة، لكنها ليست محطمة. أمّا بالنسبة إلى آخرين، فالتباعد الاجتماعي يمزّق روابط أساسية، أو أثبت استحالة تطبيقه، ما أرغمهم على الاختيار بين المخاطر الصحية والمخاطر المعيشية. الكثير من أنماط "الحياة عن بعد" سوف تدوم بعد الوباء. ولذلك، نحتاج تعهدًا عالميًا بمنح الجميع التجهيزات الرقمية الضرورية لمعظم جوانب الحياة الحديثة.

ميامي

***

لورين داستون، مؤرخة في مجال العلوم في معهد ماكس بلانك لتاريخ العلوم (مقتطف من مدونة"Critical Inquiry" في مجلة The Moment""):
لقد قذفنا الفيروس فجأة إلى الخلف نحو القرن السابع عشر: نحن نعيش الآن في لحظة النقطة صفر من المذهب التجريبي، حيث كل شيء تقريبًا متاح للجميع، تمامًا كما كان يومها لأعضاء المجتمعات العلمية الأولى ـ والآخرين جميعًا ـ تقريبًا حوالي عام 1660. فبالنسبة إليهم، كل الأسئلة الأساسية تقريبًا لم يكن لها إجابة متّفق عليها...
اليوم، في أوقات الجدّة الجذرية، واللايقين الجذري، الذي تبعثه الجدّة، مثل حبّار يخفي نفسه في الحبر الذي يبعثه، نُقذَف على نحو موقت رجوعًا إلى حالة النقطة صفر من التجريبية. مشاهداتٌ عرضية، علاقاتُ ترابطٍ وحوادثُ واضحة للعيان بالكاد تستحق الذكر في العادة، وعدد منشوراتٍ أقل بكثير في المجلات المحكّمة، كلّها جعلت الإنترنت يطنّ بافتراضاتِ أطباء، علماء فيروسات، اختصاصيّي أوبئة، علماء أحياء دقيقة، والمهتمين من العامة.
وفي أوقات اللايقين العلمي بدرجته القصوى، تصبح اليوم الملاحظة، التي تعامل عادة في العلم كالقريب البائس للتجربة والإحصاءات، قائمةً بذاتها. حالاتٌ مفردة دالّة، حالاتٌ شاذة عجيبة، أنماطٌ متحيزة، علاقاتُ ترابطٍ لا تزال أضعف من أن تصمد أمام التدقيق الإحصائي ـ ما يصلح منها وما لا يصلح ـ وكل حسٍّ سريري، لا المشاهدة وحدها، تُشحذ جميعًا بحثًا عن الأدلة.

برلين

***

صفية نوبل، أستاذ مساعد في مجال دراسات المعلومات، ومدير مشارك لمركزUCLA" " للاستقصاء الإنترنيتي النقدي:
إن الفقدان التدريجي وغير المباشر لحقوقنا، وإحداثَ قيود وعناصرَ تحكمٍ جديدة بحرياتنا الاجتماعية، الاقتصادية، والسياسية، هي كلها سماتٌ لـِـ"رأسمالية الكوارث". وكما تصف نعومي كلاين المسألة خير توصيف: تخلق رأسمالية الكوارث فرصًا من أجل زيادة التحكم، الثروة، والسلطة، على حساب عامة الشعوب، الديمقراطيات، والعمال. وبالتالي، إن الاستجابات لـِـ كوفيد ـ 19 سوف تُستَمد مباشرة من كتب قواعد اللعب هذه إذا لم نبقَ يقظين، حذرين، وصريحين حول الشروط التي يجب بالاستناد إليها التفاوضُ على صالحنا الجماعي.
أجرؤ، أيضًا، على القول إنه من غير المقبول أن ندع الأكثر هشاشة بيننا يدفعون ثمن تخلّينا الجماعي عن الحيطة. على سبيل المثال، يموت الأميركيون الأفارقة جرّاء الوباء بمعدلات أسرع من الأميركيين البيض، لأننا، كأميركيين أفارقة، أكثر عرضة لأن نكون فقراء، ومن دون رعاية صحية تستند إلى رب العمل، أو نعيشُ في جماعات تعاني من نقص الموارد في الوقت الذي يتمتع فيه جيراننا في الجهة المقابلة للمدينة بزيادة في الموارد إلى حد مخزٍ. من غير المقبول ألا نجمّع ثرواتنا الجماعية، وأن نترك الجميع، بدلًا عن ذلك، يتدبرون أمرهم وحدهم لإيجاد حلول، في حين أن كوفيد ـ 19، وكل الأوبئة التي ستليه، تعرّض حياة الجميع للخطر. إن هذا الوباء هو لحظة محاسبةٍ لفساد نظمنا. وإمكانية المحاسبة من خلال التجديد والإصلاح تتوفر الآن.

لوس أنجلوس

***

(Getty)                                                                                                                                                                                                                  


جون غراي، أستاذ فخري للفكر الأوروبي في كلية لندن للاقتصاد:
إن النظام العالمي الموجود قبل الوباء كان هشًّا للغاية. ولو لم يظهر الفيروس، كان حدثٌ آخر في آخر الأمر ـ انهيار في الاقتصاد ناجم عن عامل آخر، أو الإشارات الأولى لتغير مناخي خارج عن السيطرة، على سبيل المثال ـ سيجعل عصر ذروة العولمة شيئًا من الماضي.
لقد سرّع الوباء الكثير من المسارات التي كانت موجودة مسبقًا، مثل تراجع القوة الغربية، ضعف المؤسسات العالمية، وتشظي الاتحاد الأوروبي. لكنها باجتماعها معًا، تغيّر المشهد العالمي تغييرًا جذريًا. وإذا أضفنا إليها تمدّد دولة المراقبة في الصين والغرب لأغراض الرقابة البيولوجية، الهروب من التواصل المادي والحركة إلى الاتصال الافتراضي، وزيادة تدخل الدولة في الاقتصاد، تصبح النتيجة انتقالًا إلى مشهد متغيّر تغيرًا لا رجعة فيه.
ما من فرع في التفكير المعاصر يفوق الليبرالية التقدمية تغذيًا بالحنين إلى ماضٍ غير قابل للاسترجاع. إن المشروع الليبرالي، ضمنًا أو جهرًا، هو استعادة لنظام العالم في فترة ما بعد الحرب الباردة، قبل أن تهزّه الأزمة المالية. لكن الرسالة التي يحملها الفيروس هي هذه: "انسوا الأمر". فأيًّا تكن حسناته وسيئاته، ذلك العالم ولّى إلى غير رجعة. ويبدو أن قادة الصين، روسيا، والهند، قد أدركوا هذه الحقيقة. أمّا فيما إذا كان قادة الغرب سيدركون ذلك، أو يبقون عالقين في إنكار ليبرالي وحنين للماضي، فذلك أمر يكشفه المستقبل.

بريستول

***

دافيدي كازاليجو، شخصية بارزة في حركة النجوم الخمسة الإيطالية:
يخوض جيلنا الآن حربه. لكنها حرب معكوسة، فالأطباء على الخطوط الأمامية، والجيش يحمل التوابيت. لدينا أبطالٌ يحاربون يوميًا تمامًا كما لدينا فارّون يتركون الخنادق بتصاريح عبور مزيفة تمكنهم من تجاوز القواعد. ولدينا نشرة بأسماء الذين يسقطون كل مساء. لدينا مصانع حوّلت إنتاجها إلى إمداداتِ ومعدات هذه الحرب. ولدينا أناسٌ أفضل ما يمكن أن يساهموا به في هذه المعركة هو أن يلزموا بيوتهم، ولا يكونوا سببًا في مزيد من الإصابات.




مرارًا وتكرارًا، دخلنا حقبًا جديدة يصبح فيها طبيعيًا ما اعتقدنا أنه مستحيل. وبعد كلّ هزّة للنظام تميل عصور اقتصادية جديدة إلى المجيء. على سبيل المثال، لقد ساعد الطاعون الدمّلي في وضع نهاية للعالم المبنيّ على النظام الكنسي، بما أن الناس لم يتمكنوا من الصلاة للخروج من البلاء، وبدأوا يتطلعون إلى عالم مبنيّ على العلم من أجل إيجاد حلول. لقد بدأنا اليوم نستكشف أماكن مجهولة محددة على الخريطة بعلامة "تنانين هنا" (في إشارة إلى وجود مناطق خطرة، أو غير مستكشفة). واكتشفنا أن العالم يحوي أكثر بكثير مما ظنّنا.
يشكّل الوباء اليوم هزّة جديدة للمجتمع. وما اعتقدنا أنه مستحيل ـ ما وضعنا عليه علامة "تنانين هنا" ـ بات اليوم متاحًا للاستكشاف.

ميلانو

***

أونورا أونيل، أستاذة فخرية للفلسفة في جامعة كامبريدج، عضو مجلس اللوردات، حائزة على جائزة بيرجروين عام 2017:
يحاول البعض أن يتوقعوا ما الذي سيتغيّر بعد الوباء ويعيدنا إلى "الطبيعي". آخرون يفكرون مليًا في ما ينبغي تغييره. لكن التوقع والنقاش العملي أمران مختلفان للغاية.
كما أن فكرة "الوضع الطبيعي" في حد ذاتها قد لا تقدم مقياسًا جيدًا للمستقبل. لقد جلبت العولمة ثروات هائلة للبعض، متوسطات دخل مرتفعة، مزيدًا من التفاوت، سلاسل إمداد أطول من ذي قبل، واتفاقات اقتصادية أكثر تعقيدًا؛ بالإضافة إلى الاحتباس الحراري والوباء. لكنْ، هل هذه أشياء طبيعية؟
إن زيادة التعرض لأحداث بعيدة يمكن أن يدعم السلع الخاصة، من حيث الأرباح والاستهلاك. إلا أن الاتفاقات القائمة على أساس السوق لا توفّر، ولا تستطيع أن توفّر، السلع العامة، أو التضامن اللازم من أجل الصحة العامة والأمان البيئي. الكثير من المسائل العملية التي نواجهها اليوم متعلقة بدعم السلع العامة؛ ومنها مثلًا سيادة القانون، ووضع معايير تنظيمية مجدية. كذلك، تتطلب السلع العامة تنسيقًا في العمل، ودعمًا من الهيئات العامة، ومن عامة الناس، على حد سواء. وبدلًا من محاولة التكهن بأسئلة مثل: متى وكيف ستعود الحالة الطبيعية، علينا أن نعمل لأجل مستقبل يحمي السلع العامة بالغة الأهمية لمستقبل البشر.

كامبريدج، إنكلترا

***

جاريد دايموند، مؤلف كتاب "أسلحة، جراثيم، وفولاذ":
يتعلّق الدرس الرئيسي الجديد الذي نتعلّمه اليوم بتوسع مفهوم الهوية الوطنية. إن الهوية المشتركة هامة للعالم لكي يواجه المشاكل العالمية، لكن الناس يتشاركون القليل من الشعور بهوية عالمية. وقد تساعدنا الأزمة الحالية في تنمية ذلك الشعور بإيضاحها أننا جميعًا على القارب ذاته؛ كل الناس في كل مكان من العالم. فنحن ندرك اليوم أن كوفيد ـ 19 هو مشكلة الجميع، تمامًا كما التغير المناخي، استنزاف الموارد، انعدام المساواة، وخطر الأسلحة النووية.

لوس أنجلوس

***

لي جينغلين، أستاذ في جامعة بكين العادية:
في المرحلة المسماة بـِـ"فترة الربيع والخريف" في الصين القديمة، بين القرنين الثامن والخامس قبل الميلاد، عاش رجل دولة متنور باسم "زي تشان" من ولاية تشنغ. وفي أحد الأيام، أمر المسؤولون في الولاية زي تشان أن يدمّر مدرسة يجتمع فيها السكان المحليون لانتقاد سياسات الحكومة. لكن حين وصل إلى المدرسة، فكّر زي تشان بأن النقاش العلني يساعد الحكومة على الاطلاع على الرأي العام. ولذلك، رفض الأمر، وسمح للمدرسة بالبقاء مفتوحة.
كان تصرف زي تشان متماشيًا مع الفلسفة الكونفوشيوسية السياسية، وقد دعاه كونفوشيوس "رجلًا خيّرًا". إن السياسة الكونفوشيوسية تركّز على البشر؛ هدف السياسة فيها ليس السياسة ذاتها، بل معيشة البشر. وهكذا، ترتكز الشرعية السياسية على قدرة القادة على التقاط إرادة الناس. ومن أجل فهم إرادة الناس، ينبغي السماح لهم بالتعبير بصراحة تامة.
في النتيجة، ينبغي أن يكون للحكمة الكونفوشيوسية القائلة بالحكم الخيّر أهمية فعليّة في التفكير السياسي لمرحلة ما بعد كوفيد ـ 19.

بكين

***

متجر لزينة عيد الميلاد يعرض حقن لقاح وكمامات في دبلن/ إيرلندا عشية عيد الميلاد (24/ 12/ 2020/ Getty)                                                                                                                                                                                       

 

دامبيسا مويو، خبيرة اقتصاديّة ومؤلفة كتاب "مساعدة ميتة":
على الرغم من أن بلدانًا عديدة ستقوم على الأرجح بعرقلة الهجرة عبر ممراتها الرسمية، كالمطارات، والمرافئ، والمعابر الحدودية؛ فإنه يمكن للوباء العالمي أن يسبّب تدفقًا في الهجرة العالمية الفوضوية، لا سيما من بلدان العالم النامي إلى النظم الاقتصادية المتطورة.
هنالك اليوم أكثر من 70 مليون لاجئ ونازح حول العالم، وفقًا لإحصائيات لجنة الإنقاذ الدولية. كما تواجه أعداد هائلة من البشر بيئات ذات نمو اقتصادي متدنٍّ، أوضاع معيشية سيئة، وتغيرًا مناخيًا مدمّرًا. وإن من شأن هذا الوباء العالمي أن يعزّز إلى حد كبير ضعف نظم الرعاية الصحية في البلدان الفقيرة، وإمكانية تعرّض سكانها للخطر.

نيويورك

***

باتريك سون شيونغ، جرّاح، مخترع، عالم، ومالك صحيفة "لوس أنجلوس تايمز":
صحيح أن وباء كوفيد ـ 19 هو كابوسٌ صحي، لكنه حلمٌ علمي، أيضًا. فلقد جعل العلماء من كافة أنحاء العالم يتعاونون على الفور، كما لم يفعلوا قبلًا، مدركين أننا جميعًا معًا في هذا الأمر؛ وأنه في مجال إيجاد علاج ولقاح لعدوى عالمية، أنا في حاجتك بقدر ما أنت في حاجتي.

لوس أنجلوس

***

باسكال لامي، المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية:
ما سنشهده على الأرجح في أعقاب جائحة كوفيد ـ 19 هو إعادة تقييم للمرونة الوطنية وللاستقلال الاستراتيجي، ما سيؤدي في دوره إلى إعادة تشكيل سلاسل الإمداد العالمية، وزيادة في المخازن المؤقتة والمخازن الاحتياطية. كذلك، إن المبدأ الاحترازي القائل بأن "الوقاية خير من العلاج" في ما يخص الأخطار المحتملة سوف يحلّ محلّ إطار الحمائية المفهوميّ. وسيصبح اقتصاد الأعمال المستقلة
gig economy")" القائم على نظام الوظائف المؤقتة) أكثر اندماجًا في مسألة الرعاية الصحية، حيث ستغدو "الأزمة الرمادية" المتعلقة بإدارة المجتمعات المسنّة أكثر مركزية.
كذلك، سيصبح النظام الوستفالي القديم المبني على أساس الدول ـ الأمم متباينًا؛ ستغدو الأمم صلبة، والاتحاد الأوروبي سائلًا، والعالميّ غازيًّا.

باريس

***

دافيد برين، فيزيائي وكاتب خيال علمي:
كان هنالك مرة شخص يدعى هيمان مينسكي، وقد حظيت رؤاه حول طبيعة الاستقرار في النظم البشرية بالكثير من الاهتمام. تقول الفكرة، بشكل أساسي، إنه خلال أوقات الاستقرار الكبير ـ مع أخذ الاستمرارية كأمر مسلّم به ـ يراكم الناس كميات من المخاطرة أكبر من أي وقت مضى، من دون الاحتراز من حدوث الحالة العكسية. وتحدث "لحظة مينسكي" عندما يعود عدم الاستقرار على نحو مفاجئ، فتتزعزع الأمور وسط كثير من الألم. ربما يتكيف الجميع حينها معًا، مخلّصين أنفسهم من العادات السيئة وجاعلين الأمور تتحسن، بتوظيف مزيد من الحكمة. أو، قد تسير الأمور على النحو الذي وصفه كارل ماركس مع هزّاتٍ تغربل الطبقة الرأسمالية وتُفقِر العمال، مؤدية إلى ثورة.

سان دييغو

***

إليف شفق، روائية تركية ـ بريطانية:
إنها بداية النهاية بالنسبة إلى العولمة؛ على النحو الذي نعرفها به، على الأقل. كما أن التكامل الاقتصادي العالمي في القرن الماضي، كتصوّر وكتطبيق، سيتحطم تمامًا. إنها لمفارقة كبيرة بالفعل أننا، في الوقت الذي نعاني فيه من مشاكل عالمية متفاقمة ـ أو بكلمات أخرى، في وقت نحن فيه بأمس الحاجة إلى تعاون وتضامن عالميين ـ سوف نشهد تزايد زخمِ التوجه المعاكس نحو مزيد من الانعزالية.
مع ذلك، أتوقع، أيضًا، أن نشهد مزيدًا من "الأقلمة". إذ ستشكّل دول عديدة على الأرجح كتلًا إقليمية لكي تتعاون في العديد من المسائل. وفي الوقت ذاته، سيكون هنالك أناس يضغطون من أجل نوع جديد من العالمية. ليس العولمة الاقتصادية التي كانت سائدة في القرن الماضي، بل روح جديدة من العالمية تقتصر على عدد من المسائل، كالصحة والبيئة. خلافًا لذلك، للأسف، ستكون هذه فرصة ذهبية للأشكال القديمة والجديدة من القومية.
لقد ولّى منذ زمن بعيد التفاؤل الذي كان موجودًا في أواخر التسعينيات وأوائل الألفينيات. وبتنا في مواجهة مباشرة مع عصر التشاؤم. لم يعد شيء راسخًا قط. وسيكون لتلاشي الثقة بالمؤسسات الرئيسية تداعياتٌ لا يمكن تخيّلها.
في الوقت الحالي، يبدو الشعبويون في أوروبا هادئين نسبيًا، وهذا قد يوهمنا بأن زمنهم قد انتهى. لكن ذلك ليس صحيحًا. فخلال الوباء وبعده، سنشهد غالبًا اضطرابات جوهرية في المجتمع وفي الاقتصاد؛ وسيشكّل ذلك تربة خصبة للديماغوجيين الشعبويين.
لقد لاحظنا، أيضًا، مدى أهمية عمل الممرضين، سائقي سيارات الإسعاف، عمال السوبر ماركت، وعمال التوصيل. ونتذكر أنه في المملكة المتحدة، أثناء ملحمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تعرّض مهاجرو دول الاتحاد الأوروبي للتقليل من قيمتهم بصورة منهجية، بينما يطري الجميع اليوم على عملهم الدؤوب ومساهمتهم في المجتمع. لذلك، على السياسيين من الآن فصاعدًا أن يفكروا مليًّا قبل أن يعودوا إلى استخدام تعابير مثل عمال "قليلو المهارة"، أو "غير ماهرين".
علينا، أيضًا، أن ننتبه إلى الأشكال المختلفة لتصاعد السلطوية. لدينا اليوم، ضمن أوروبا، دولة سلطوية هي هنغاريا. وقد استخدم رئيس وزرائها فيكتور أوربان الوباءَ كحجة لتوطيد سلطته وإسكات معارضيه. كذلك، سيمرّ الاتحاد الأوروبي في وقت عصيب جرّاء فقدان التوازن بين "مركزه" و"أطرافه"، وعليه أن يتذكر المُثل الديمقراطية الليبرالية التي يجب أن تكون في صميمه.




في هذه الأثناء، في تركيا، يحاول رجب طيب أردوغان أن يستفيد من البلبلة، ولن يتردد في استخدام اللاجئين كورقة مساومة من أجل تعزيز تفرده بالسلطة. أما الصين، سنغافورة شبه السلطوية، والهند، فتضعنا جميعها أمام التوتر المتزايد بين الحريات الفردية، وتعدي الدولة. أخيرًا، نحتاج جميعًا، من الآن فصاعدًا، لأن نصبح مدافعين أكثر حماسة عن حقوق الإنسان.

لندن

***

جوزيف ناي، العميد السابق لكلية جون كينيدي الحكومية في جامعة هارفارد:
حتى الآن، من الواضح أن كلًّا من الولايات المتحدة والصين، أول وثاني أكبر الاقتصادات، استجابتا لكوفيد ـ 19 بميلٍ نحو تفسيرات تنافسية قصيرة الأمد محصلتها صفرية، مع القليل جدًا من الاهتمام بالمؤسسات والتعاون. بينما على القادة، بدلًا من الدعاية التنافسية، أن يتحاوروا حول أهمية "السلطة مع" بدلًا من "السلطة على" الآخرين، وأن يُعدّوا أطرًا ثنائية الأطراف ومتعددة الأطراف من أجل تعزيز التعاون. كذلك، يجب على الولايات المتحدة والصين، لأجل أسباب نفعية ذاتية وإنسانية، أن يقودا مجموعة العشرين نحو اتحاد أوروبي جديد، بمنح إسهامات سخية. وعلى صندوقِ تمويل كوفيد ـ 19 أن يكون مثل خطة مارشال متاحًا لجميع الدول.
فإذا اخترنا هذه الطريق، قد يقودنا كوفيد ـ 19 إلى عالم أفضل. لكن إذا استمررنا في الطريق الحالي، فسيؤدي الفيروس إلى تسريع المسارات الموجودة وحسب، نحو شعبوية قوموية واستخداماتٍ سلطوية للتكنولوجيا. وربما لن يكون من المتأخر اختيار طريق جديد في نهاية هذه السنة المشؤومة، لكن الوقت بدأ يداهم العالم.

ماساتشوستس

***

بيل جوي، مخترع ومؤسس مشارك لشركة Sun Microsystems:
كان الطبيب واللاهوتي الألماني، ألبرت شفايتزر، قد قال مرة: "لقد فقد الإنسان القدرة على التنبؤ بالأشياء والحيلولة دون وقوعها. سوف ينتهي به الأمر إلى تدمير العالم".
ولقد تم تحذيرنا مرارًا بأننا نتجاوز حدود تحمّل الكوكب، وأن هذا يخلق تهديدات وجودية، أخطرها ضروبٌ من الانفلات، وفقدان السيطرة، تتزايد باطرادٍ أسّيّ. وبينما نزيد الضغط نحو حدود الكوكب وأبعد منها، سوف تتفاعل تلك الانفلاتات وتتسارع. لقد تدبرنا جميعًا أمر التجاهل الطائش لتحذيراتٍ، مثل الأغطية الجليدية، ذوبان جليد غرينلاند والتندرا، والتهديد بأن انفلاتًا ما قد يجعلنا نخسر غابات الأمازون، لكنّنا اليوم مهزومون من انفلاتٍ لا نستطيع تجاهله؛ جائحة كوفيد ـ 19 التي يعود نشوؤها في جزء كبير منه إلى تعدّينا على البيئة.
إن العودة باقتصادنا وطريقة عيشنا إلى الطبيعيّ القديم سيشكّل تحديًا كبيرًا. لكننا، إذا تمكّنا من ذلك، فإن كلّ ما نفعله هو الاستمرار بتضخيم وتسريع ظهور مزيد من الكوارث باطرادٍ أسيّ. وبالانتقال الجذري وحده إلى حياة أقلّ أثرًا ـ مستثمرين في الصحة العامة، مستهلكين أقلّ وبطريقة قابلة للاستدامة، وبإعادة تنظيم وسائل النقل، شبكات الكهرباء، وغيرها ـ نستطيع أن نمنع التدهور الاقتصادي والبيئي الواسع والدراماتيكي. إن وقت العمل من أجل تبنٍّ واسعٍ وجريء لوضعٍ طبيعيّ جديد وقابل للاستدامة، هو الآن.

لوس أنجلوس

***

بينغ سونغ، مدير معهد بيرجروين مركز الصين:
معظم استجابات الدول الغربية لكوفيد ـ 19 تعكس نموذج "مسؤولية أصحاب الشأن" الذي تقدم الحكومة فيه الإفصاح والصراحة التامة حول عملية اتخاذ القرارات، وبيانًا تحذيريًا حول النجاح المحتمل للاستراتيجية المتّبعة والمخاطر التي تنطوي عليها. في المقابل، إن ممارسات الحكومات ذات النظام الأبوي، مثل الصين، والتي يوجد فيها رابط قوي بين الأسرة والدولة، تتسم بطريقة اتخاذ القرارات في حالة الطوارئ بعيدًا عن أنظار العامة في المرحلة الأولى، مع تعديلات لاحقة منسقة تراسلية ومستمرة تبعًا للحالة المتغيرة والشعور العام.
ولكّل من النموذج الأبوي، ونموذج مسؤولية أصحاب الشأن، حسناته ومخاطره. فالنموذج الأبوي ينذر بفرض تدابير جاهزة تطبق على الجميع بتكلفة بشرية هائلة. كما أن انعدام الشفافية فيه، في ما يخص عملية اتخاذ القرار، قد يأتي بنتائج عكسية وذاتية التدمير. أما نموذج أصحاب الشأن ـ حيث الشفافية مثمَّنة، والخصوصية مبجَّلة ـ فهو يعكس روح الديمقراطية، ومشاركة المواطنين في صنع القرار. لكن مدى فعالية صنع القرارات ووضعها موضع التنفيذ في أوقات الأزمات يبقى محلّ شك.
في النتيجة، ما من نظامِ حكمٍ حديث خالٍ من العيوب، ومن المهم أن يتعلّم واحدنا من الآخر. فالتزمت الأيديولوجي في كلا الجانبين خطيرٌ وغير حكيم.

هونغ كونغ

***

رابط النص الأصلي:
https://www.noemamag.com/yuval-harari-elif-shafak-dambisa-moyo-eric-schmidt-how-covid-will-change-us

ترجمة: سارة حبيب.