انطلقت مساء الثلاثاء الماضي في 14 مايو/ أيار فعاليات الدورة الـ77 لـ"مهرجان كانّ السينمائي الدولي" المُستمرة حتى يوم 25 من الشهر نفسه، بعد مراسم افتتاح مُعتادة، حيث جرى التعريف بلجنة تحكيم "المُسابقة الرئيسية"، التي يتنافس فيها 22 فيلمًا، وتترأسها هذا العام المُمثلة والمُخرجة الأميركية غريتا غريويغ، وأيضًا منح المُمثلة الأميركية المُخضرمة ميريل ستريب "السعفة الفخرية" للمهرجان تكريمًا لها ولمسيرتها السينمائية الحافلة، سلمتها لها المُمثلة الفرنسية المعروفة جولييت بينوش. وعقب حفل الافتتاح والاحتفاء بميريل ستريب، عُرض الفيلم الفرنسي الكوميدي "الفصل الثاني" للمخرج كُنتان دوبيو. ينتمي فيلم "الفصل الثاني" إلى نوعية الكوميديا الفلسفية، التي تحاول طرح ومناقشة عدد من الأفكار والموضوعات الراهنة، سياسيًا واجتماعيًا وإنسانيًا، دفعة واحدة، من خلال أربع شخصيات رئيسية تعاني وتحاول بذل أقصى جهدها للقيام بأدوارها السينمائية المعهودة إليها في فيلم قيد التنفيذ، يُخرجه الذكاء الاصطناعي. وذلك في خلط واضح وصريح ومُتعمد بين الواقع والخيال، الحقيقي والزائف. يتناول "الفصل الثاني"، الذي تدور أحداثه في مكان وزمان غير مُحددين، رغبة فلورنس (ليا سيدو) في تقديم حبيبها ديفيد (لويي جاريل) المُغرمة به إلى والدها غيوم (فينسنت لاندون)، إلا أن ديفيد المُنزعج من مُلاحقة فلورنس له، ولا يشعر بانجذاب نحوها، يُريد من صديقه، غريب الأطوار ويلي (رافائيل كوينار) أن يتعرف عليها ويُصادقها. بعد مشهدين افتتاحيين طويلين، وحوارات لا تتوقف، يشرح فيها ديفيد طبيعة العلاقة لصديقه ويلي، وتقنع فيها فلورنس والدها غيوم بضرورة مُقابلة حبيبها وتقبل علاقتهما، تجتمع الشخصيات الأربع في مطعم "الفصل الثاني" لأول مرة، وجهًا لوجه، لتتعقد الأمور وتتأزم علاقاتها المُضطربة أصلًا. من ناحية أخرى، افتتحت مساء يوم 15 الجاري، فعاليات مُسابقة "نظرة خاصة"، المُسابقة التالية في الأهمية لـ"المُسابقة الرئيسية" وتتنافس فيها الأفلام الأولى، أو الثانية، للمخرجين والمخرجات، بعرض الفيلم الرومانسي الإنساني الدافئ "عندما ينكسر الضوء" للمخرج الآيسلندي غونار رونارسون. سبق عرض الفيلم، ربما لأول مرة في تاريخ التظاهرة، حضور رئيسة المهرجان إيريس وبلوك، والمدير الفني تيري فريمون، لتقديم وعرض فيلم قصير لحركة "أنا أيضًا"، أو "مي تو"، يدعو لمُناهضة الاغتصاب! في "عندما ينكسر الضوء"، نرى كيف تُصارع المُراهقة أونا (إيلين هال) مع مشاعر الصدمة المُباغتة التي ألمّت بها بعد وفاة حبيبها ديدي (بالدور إينارسون)، وزميلها في الفرقة المُوسيقية إثر حادثة فاجعة. المُثير أن العلاقة بينهما لم تكن مُعلنة للجميع. وفوق ذلك، كان على أونا أن تخفي مشاعرها وتتعامل مع من حولها بطبيعية، خاصة أمام كلارا (كاتلا نيالسدوتري)، رفيقة ديدي التي كان على وشك الانفصال عنها قبيل وفاته، ومصارحته لها بحبه لأونا، ورغبته في الارتباط بها لأنه منجذب إليها.
الفيلم المُنتظر
يعود الأميركي المخضرم فرانسيس فورد كوبولا بفيلمه الضخم "ميغالوبوليس" إلى مُسابقة المهرجان بعد 45 عامًا من حصوله على "السعفة الذهبية" الثانية له عن فيلم "القيامة الآن" (1979). سبقتها أوّل "سعفة ذهبية" له عن فيلمه "المُحادثة" (1974). بلغت مُيزانية "ميغالوبوليس" 120 مليون دولار، ومن بين أبطاله آدم درايفر، وجون فويت، ولورنس فيشبرن، وشيا لابوف، وداستن هوفمان. الفيلم الذي انتظر الجميع عرضه مساء أمس الخميس 16 مايو/ آيار، ويُعرض في نسختين، واحدة في "آيماكس" بمجمع الصالات الضخم بعيدًا عن قاعات المهرجان، ونسخة أخرى عادية في أماكن العرض المعتادة، هو المشروع الذي يُخطط له كوبولا منذ الثمانينيات، وأجهض تنفيذه مرات عدة، منها غداة أحداث 11 سبتمبر/ أيلول. هذه المرة، مَوَّلَ كوبولا الفيلم بنفسه من ثروته التي جناها من تجارة النبيذ. فيه، على حد قوله، وضع خلاصة ما تعلمه في السينما منذ مُراهقته، والمُفترض أننا سنشهد ذروة أسلوبه وطموحه الفني والفكري. فهل يتسنى هذا لكوبولا وهو في عمر الـ84؟ مع هذه العودة، الجميلة والمُفاجئة، للحضور "الكاني" وعُشاق السينما قاطبة، يتساءل المرء، أكان ثمة داع لأن يعود كوبولا للمُنافسة أو المُزاحمة في مُسابقة المهرجان، أو كان من الأفضل له أن ينأى بنفسه عن المزاحمة، لكونه صار أكبر من الجائزة نفسها؟ من ناحية أخرى، تُثار أسئلة أخرى حول الطموح الفني، والأنا، ونرجسية المُبدع، وغيرها، تصب في النهاية حول أسباب ألا يطمح كوبولا ليكون أول من يقص الشريط ويُدشن نادي أصحاب "السعفة الثلاثية"، أو الحاصلين عليها لثلاث مرات؟
على أية حال، سواء فاز كوبولا "بسعفة ذهبية" ثالثة، وسَطَّر اسمه لأول مرة في التاريخ بـ"هاتريك" مُستحق، أو خرج من دونها، فسوف تظل هذه الدورة، بصرف النظر عن مستواها وتقييمها على مُختلف المُستويات الفنية، هي الدورة التي مثَّلَت عودة العملاق الأميركي الكبير إلى "الكروازيت"، ومُسابقة "كانّ" بعد 45 عامًا، وغياب لأكثر من عقد عن الإخراج السينمائي. ستظل هذه الدورة خالدة في الأذهان تحت عنوان: "دورة كوبولا"، أو "دورة عودة كوبولا".
مُشاركات عربية
من دون مُبالغة، يمكن وصف المُشاركة العربية ضمن فعاليات مهرجان "كانّ" هذا العام بالباهتة. وذلك مُقارنة بالعام الماضي مثلًا، إذ شاركت في أغلب أقسام المهرجان مجموعة من الأفلام المُهمة والرائعة والمُتميزة جدًا، القصيرة والطويلة، بلغت تقريبًا 15 فيلمًا، أو أكثر. بداية من "المسابقة الرئيسية" للمهرجان، وانتهاء بأفلام الطلبة. ناهيك عن المُشاركة في لجان التحكيم المُختلفة. هذا العام، لا تقترب المُشاركات من مثيلتها في العام الفائت، حيث الغياب الملحوظ للأفلام الروائية الطويلة! ما يطرح علامات استفهام لا نهائية حول عشوائية المُشاركات العربية، المُتذبذبة من عام لآخر في مُختلف المهرجانات الدولية. وإن كانت هذه هي حال المُشاركات العربية في "كانّ"، وبعد حضور لا يكاد يُذكر أبدًا في مهرجان "برلين السينمائي الدولي" في فبراير الماضي، فإن الأمور لا تُبشر بالخير فيما يتعلق ببقية المهرجانات الدولية، خاصة مهرجان "فينيسيا السينمائي الدولي" بعد أشهر قليلة. المُثير في الأمر أن هذا التراجع يأتي رغم الدعم المُقدم من جهات عدة، على رأسها مُؤسسة الدوحة، وصندوق ومهرجان البحر الأحمر، ومهرجان الجونة، وميتافورا، وآفاق، وغيرها. بداية، لا يوجد فيلم واحد ناطق باللغة العربية، أو يتناول موضوعًا عربيًا، داخل "المُسابقة الرئيسية" هذا العام. حتى فيلم المُخرج الجزائري الأصل، كريم عينوز، غير عربي. الفيلم برازيلي تمامًا، قلبًا وقالبًا، وناطق بالبرتغالية. ولولا إضافة اسم المخرجة اللبنانية نادين لبكي إلى عضوية لجنة التحكيم لما كان للحضور العربي من ذكر في ما يتعلق بالمسابقة. أما في قسم "نظرة ما"، والذي شهد في السنوات الماضية مُشاركات جادة ولافتة ومتميزة، أهلتها لانتزاع جوائز غير مُسبوقة في هذه التظاهرة، فليس فيه هذا العام سوى الفيلم السعودي "نورة" لتوفيق الزايدي، والفيلم الصومالي "القرية المُجاورة للجنَّة" لمحمد هراوي. ويشترك الفيلمان في كونهما أول سعودي وصومالي يُعرضان في فعاليات مهرجان "كانّ" على الإطلاق، وفي هذا القسم العريق الذي تأسس عام 1978.
"نورة" هو الروائي الأول الطويل لتوفيق الزايدي، بطولة ماريا بحراوي، التي تقوم بدور شابة يتيمة أمية تعيش في قرية نائية، وتواجه تحديات زواج مدبر. يشاركها البطولة يعقوب فرحان، في دور رسَّام فاشل ترك الرسم وتحول إلى مدرس، يلعب دوره يعقوب الفرحان، ويساعد الفتاة الصغيرة على تحقيق أمنياتها في بيئة ريفية قمعية. كان الفيلم قد فاز بالجائزة الأولى في مسابقة للأفلام التي تنظمها هيئة الأفلام السعودية، ثم شارك في مسابقة الدورة الثالثة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي، وفاز بجائزة أفضل فيلم سعودي. الفيلم هو أول فيلم روائي طويل سعودي مُصَوَّر بالكامل في "مدينة العلا". أيضًا، الفيلم الصومالي "القرية المجاورة للجنة"، من تأليف وإخراج محمد هراوي، هو أول فيلم يُعرض في مهرجان "كانّ" مُصَوَّر بالكامل في الصومال. تدور الأحداث حول عائلة تُواجه تحديات في تحقيق أهدافها الفردية، ومُواجهة تعقيدات الحياة الحديثة، مع تسليط الضوء على مشاعر الحب والثقة والمرونة، ودورها المحوري في توجيه مسار الشخصيات. الفيلم بطولة أكسمن كالي، وفاراكس كاناب، وأكسميد إبراهيمين، وأحمد محمود صلبان. يُذكر أن هذه التظاهرة التي يشارك فيها 18 عملًا هذا العام، من بينها 8 أفلام أولى، ويترأسها الممثل والمخرج وكاتب السيناريو والمنتج الكندي كزافييه دولان، تشارك في عضويتها المخرجة وكاتبة السيناريو المغربية أسماء المدير.
العروض الأولى والأفلام القصيرة
تشهد تظاهرة "العروض الأولى"، ضمن 6 أفلام تُعرض فيها، جديد المغربي نبيل عيوش، "الكل يُحب تودة". وذلك، بعد آخر مُشاركة له قبل عامين بفيلم "عَلِّي صوتك".
يروي فيلم عيوش الجديد قصة سيدة تُحارب من أجل ضمان مُستقبل أفضل لابنها الأصم الأبكم. الفيلم بطولة نسرين الراضي. أما أفلام "كانّ" القصيرة فخلت هي الأخرى من أي مُشاركة عربية، باستثناء إسناد رئاسة لجنة التحكيم إلى المُمثلة المغربية لبنى أزابال.
نصف شهر المخرجين
أما في تظاهرة "نصف شهر المُخرجين والمُخرجات"، أو "أسبوعا صُنَّاع السينما"، بعد التعديل الأخير للاسم، فتشهد عرض الفيلم الروائي الطويل الثاني للمصرية هالة القوصي، بعنوان "شرق 12". تدور أحداث الفيلم في إطار من الفانتازيا الساخرة في عالم مُغلق خارج الزمن، يتمرد فيه المُوسيقار الشاب "عبده" على "شوقي البهلوان" الذي يُدير المكان بخليط من العبث والعنف، و"جلالة" الحكاءة التي تخفف عن الناس بحكايات خيالية عن البحر الذي لا يعرفه أحد، ويخطط "عبده"، مستعينًا بموهبته مع الشابة "ننة"، لكسر قبضة "شوقي"، ونيل الحرية في عالم أرحب. بهذا الفيلم تعود مصر إلى مُسابقة التظاهرة بعد 33 عامًا تقريبًا من عدم المُشاركة. يُذكر أن الفيلم تم تصويره على خام 35 مم "ألوان"، و16 مم "أبيض وأسود"، في تجربة مُماثلة لفيلمهما السابق القصير "لا أنسى البحر"، وهي من التجارب الفريدة والقليلة في السينما المصرية والعربية، حيث لا يتم التجريب عادة في استخدام الخام الفيلمي، والدمج بين الألوان والأبيض والأسود، أو بين نوعين للفيلم الخام. وذلك لأمور عدة، من أبرزها الاحترافية الشديدة المطلوب تنفيذها من جانب المُخرج ومُدير التصوير، وتكلفة الخام نفسه وتوفره، ناهيك عن تكاليفه، ومخاطره، وصعوباته الكثيرة. ما يتطلب كثيرًا من الانضباط والصرامة والدقة، مُقارنة باستخدام الوسيط الرقمي مثلًا. كما يُعرض، أيضًا، في التظاهرة نفسها الفيلم الفلسطيني "إلى أرض مجهولة"، لمهدي فليفل. يروي الفيلم قصة لاجئيْن فلسطينييْن من مُخيم "عين الحلوة" في لبنان تقطعت بهما السُبل في أثينا، خلال مُحاولتهما الهرب إلى شمال أوروبا. يقع الصديقان في خديعة يفقدان إثرها المبلغ المالي المُخصص للهجرة، لينجرفا في سلسلة من الأحداث غير المُتوقعة لاسترجاع المبلغ. كان فليفل قد قدَّمَ عددًا كبيرًا من الأفلام الوثائقية والتسجيلية القصيرة اللافتة، مُنذ أن بدأ مسيرته السينمائية قبل 20 عامًا، ومن أهم أعماله "عالم ليس لنا"، و"رجل يغرق"، و"إلى أرض مجهولة"، وهو أول أفلامه الروائية الطويلة.
ويشارك في مسابقة الأفلام القصيرة ضمن هذه التظاهرة الجزائري الفرنسي "بعد الشمس" لريان مسيردي، واللبناني "طهر" إخراج ليا صقال.
أسبوع النقاد
في تظاهرة "أسبوع النُقاد" التي تُنظمها جمعية النُقاد في فرنسا، يُعرض الفيلم المصري "رفعت عيني للسما"، من إخراج ندى رياض، وأيمن الأمير. الفيلم تدور أحداثه عبر قصص 3 مُراهقات ومُتابعة حلمهن في عالم الفن. بين حكاية "ماجدة" التي تحلم بالسفر إلى القاهرة لدراسة المسرح لتُصبح ممثلة، وحكاية "هايدي" التي تحلم بأن تصبح راقصة باليه، وحلم "مُونيكا" أن تصبح مُغنية مشهورة. ضمن قسم "عروض خاصة"، يُعرض الفيلم المغربي "عبر البحر" لسعيد حميش بن العربي. يتناول الفيلم قصة الشاب "نور" (27 عامًا)، الذي هاجر بطريقة غير شرعية إلى مرسيليا. يكسب عيشه مع أصدقائه من العمل كتاجر صغير، ويعيش حياة احتفالية غير تقليدية. لقاء نور مع الشرطي الكاريزمي "سيرج"، وزوجته "نويمي"، يقلب حياته رأسًا على عقب. يرصد الفيلم محاولات "نور"، من عام 1990 إلى عام 2000، لمُغالبة الصعاب والنضج والتمسك بأحلامه. وفقًا للمُخرج، يدور الفيلم حول "مُوسيقى الراي، والحب والصداقة"، مُشيرًا بشكل خاص إلى الراي باعتباره بطلًا مُهمًا في الفيلم. سيكون فيلم ختام "أسبوع النقاد"، بعنوان "أنيمال" للمُخرجة وكاتبة السيناريو الجزائرية الفرنسية إيما بينستان، ويُعرض خارج المُنافسة. الفيلم بطولة عليا عمامرة، المُمثلة المغربية الفرنسية الواعدة. تدور أحداث الفيلم في منطقة "كامارج" بفرنسا، حول الشابة نجمة، التي تتدرب للمُشاركة والفوز في بطولة لمُصارعة الثيران، يُهيمن عليها الذكور. لكن الأمور تنحرف بعد أن ينطلق ثور هائج ويتسبب في حوادث قتل غامضة للشباب في الجوار، ما يُرعب المُجتمع.
أفلام الطلبة
ضمن القسم المُخصص لعرض الأفلام القصيرة، من تنفيذ طلاب معاهد ومدارس السينما حول العالم، يُشارك "رجل الراب" للبناني يوحنا عبد النور، و"سن الغزال" للفلسطيني سيف حماش.