باسم فرات: قصيدة النثر ليست تطريبية

صدام الزيدي 7 نوفمبر 2018

قال الشاعر العراقي باسم فرات إن ما يميّز قصيدة النثر هو أنها قصيدة تُقرأ، وأكد أنه على الرغم من استسهال كثيرين كتابتها، فإن الشعر لا تخطئه الذائقة.

ونوه فرات، في حديث مع "ضفة ثالثة"، بأن "الفرق بين قصيدة النثر وقصيدة الوزن هو أن قصيدة النثر تُقرأ، لأنها ليست تطريبية، والإلقاء شرّ لا بدّ منه، بعكس النصوص الموزونة التي يدخل الإلقاء عاملًا مساعدًا في التلقي".

ومتحدثًا عن اشتراطات كتابة قصيدة النثر، قال فرات: "إذا كان هناك مَن يرى قصيدة النثر فرصة لكل مَن هَبّ ودب ليكتبها، فعلينا أن نتذكر مئات الآلاف ممن كتبوا النصوص الموزونة، لكن التاريخ لم يذكر لنا سوى مئات قد يجد حتى المختص نفسه في مأزق إن أراد أن يتذكر ألفًا منهم".

وأضاف: "إن الشعر المكتوب بالعربية يُعدّ الأغزر على الإطلاق بين اللغات، فإذا كان أبو تمام (ت 845م) في حماسته قد اختار لـ 351 شاعرًا (وحتمًا أنه لم يضع نماذج للشعراء الذين سبقوه وعاصروه قاطبة) فهذا يعني أن لدينا مئات أُخرى من الشعراء ممن ماتوا قبل".

كما تحدث فرات عن آخر مشاركاته الشعرية، حيث حل مؤخرًا ضيفًا على "بيت الشعر التونسي": "لم أكن أظن أن رحلة تونس ستتضمن نشاطًا شعريًّا، لكن الصديق الشاعر يوسف رزوقة اقترح ذلك ورتبه مع مدير بيت الشعر التونسي الشاعر أحمد شاكر ضَي، وكانت الأمطار الغزيرة التي سقطت على العاصمة تونس ولا سيما جنوبها قد أسفرت عن صعوبة في التنقل، إذ توقفت حركة القطارات، وعانى الناس من شحة المواصلات وتحولت الطرق الانسيابية إلى طرق وعرة بسبب كمية الأمطار التي لم تتمكن شبكات الصرف الصحي من أن تستوعبها، فبقيت تتبختر في الشوارع مسببة أزمة سير وتنقل واضحة جدًّا".

ومدونًا لجولة آثارية كما هي شعرية، يقول فرات: "في شارع الحبيب بورقيبة، ومن نهج (شارع فرعي) القاهرة، اصطحبني أحد الإخوة الشعراء، وكانت رحلة الوصول إلى بيت الشعر سيرًا على الأقدام، وعلى امتداد خمس وعشرين دقيقة، بحد ذاتها متعة حقيقية، ينطبق عليها القول إن المسافة التي نقطعها حتى الوصول إلى الهدف، أو مرحلة الصعود إلى القمة، لا تقل جمالًا وإغراءً من الوصول إلى الهدف أو إلى القمة؛ فبيت الشعر يقع في أحد أزقة المدينة العتيقة، بأسواقها المسَقَّفَة التي ذكرتني بأسواق المدن العراقية الـمُسَقَّفَة، والتي فقدنا معظمها بسبب جهل الجهات الحكومية بأهمية التراث".

غير أن الشاعر المسكون بدهشة العراق البعيد، المشتت بين المنافي والحزين لمآلات آثار مدينة بغداد، تثيره ملامح مدينة تونس العتيقة فتذكره ببغداد: "بغداد لم تغب عني لحظة، فعلى امتداد الطريق الموصل إلى بيت الشعر، في وسط تونس العتيقة حيث قلبها النابض بالحياة، كنت أتحدث بألم ومرارة مع الشاعر الذي اصطحبني عن جرائم الحكومات العراقية المتعاقبة بحق بغداد العباسية، وبحق بقية مدننا القديمة التي هي مناطق آثار لقدمها وعراقتها، واستجابتها للبيئة وطبيعة الطقس العراقي الحاد بين درجات حرارة مرتفعة جدًّا في الصيف، ودرجات حرارة منخفضة جدًّا في الشتاء".

وعن مشاهداته المكانية في تونس، يقول فرات: "تونس بلد يطفو على آثار، ففي كل مكان تجد أثرًا، وأما الفسيفساء، فلم أر بكثرتها مثلما رأيت في تونس، ومن أجمل ما رأيت أن أرضية بعض البيوت عبارة عن فسيفساء، وكأن الفسيفساء تقوم محل السجّاد في تونس القديمة، ولا أدري هل هناك بلد آخر يمكنك أن تمشي على فسيفساء أثرية عمرها يَكاد يعانق الألفين من الأعوام، أم أن هذا في تونس وحدها؟".  

 

وعن لقاءاته الشعرية في تونس، قال فرات: "في بيت الشعر التونسي أحاطني الجميع بمحبة وارفة، ولاحظت أن ثمة مَن يعرفني عبر ما اقترفته في كتابة الشعر ونشره، فمحاولاتي في كتابة القصيدة – وأنا رجل لا أملّ من التجريب – وجدت استحسانًا عند الحضور، ولكن ما قالته لي شاعرة وناقدة وأكاديمية تونسية حين كنا نسير بعد انتهاء الأمسية أعدّه أكثر دقة وقولها شهادة أعتز بها، حيث أكّدَت أن نصوصي تُظلم في الإلقاء فهي تحتاج أن تُقرأ أكثر من مرة، لوفرة المحذوف والإحالات وانفتاحها على ثقافات متعددة مُغَمّسة بالتجربة الشخصية".         

 سيرة

باسم فرات شاعر عراقي من مواليد 1967.

شارك في عدد كبير من الأمسيات الشعرية في مناطق مختلفة من العالم.

يكتب الشعر منذ الصبا، واتّضح اهتمامه بالشعر قبل سنّ العاشرة، ثم بدأ بنشر قصائده في الصحف والدوريات العراقية، بدءًا بجريدة "العراق" عام 1987.

توفي أبوه وهو صغير، في عام 1969، دفاعًا عن جارته، فانتقل إلى حضانة جدته، وعمل منذ صباه الباكر خبازًا، ثم عمل في صناعة التحف النحاسية، ثم عمل بالتصوير الفوتوغرافي، وهي المهنة التي احترفها بعد ذلك.

ترك مقاعد الدراسة عام 1988، فتم تجنيده في الخدمة العسكرية الإلزامية لمدة أربع سنوات.

وفي الثالث والعشرين من نيسان/ أبريل 1993 غادر العراق إلى الأردن، ثم تقدَّم بطلب للجوء السياسي عام 1996، وانتقل إلى نيوزيلندا عام 1997، وأطال الإقامة بها، وشارك في كثير من اللقاءات الثقافية والندوات الشعرية، ونشر قصائده في معظم مجلاتها الأدبية، وتمَّت استضافته في الإذاعة الوطنية النيوزيلندية مرات عدة، للحديث عن تجربته الشعرية وتجارب الآخرين. انتقل عام 2005 إلى هيروشيما. ثم انتقل عام 2008 إلى جمهورية لاوس، وانتقل عام 2011 إلى الإكوادور، ثم إلى الخرطوم (السودان) عام 2014.

صدرت له في المنافي بعض المجموعات الشعرية بالعربية. وأولها "أشدّ الهديل"، دار ألواح - مدريد 1999، وآخرها "فأسٌ تطعن الصباح"، صهيل للأنباء والنشر - القاهرة 2018.

وصدرت له بالإنكليزية في نيوزيلندا: هنا وهناك، 2004؛ القمر الذي لا يجيد سوى الانتظار، 2006؛ لا قارب يجعل الغرق يتلاشى، 2010. وهي أول ثلاثة كتب تصدر في نيوزيلندا مترجمة من العربية.

وصدر له في مدريد (بالإسبانية) تحت ظلال المنافي، 2007.

كما صدرت له كتب في أدب الرحلات وفي السيرة.

وضمَّته أنتولوجيات عراقية وعربية بأكثر من لغة، إنكليزية وإسبانية ورومانية. كما تم اختياره في مجموعة أنتولوجيات صدرت في نيوزلندا. وصدرت عنه عدة دراسات وكتب.

كتب عن تجربته الشعرية والكتابية عشرات النقاد والكتاب والشعراء العراقيين والعرب والأجانب.

وفرات مهتم بالهوية وتصحيح الأخطاء الشائعة المتوارثة، وبتوضيح الاختلافات بين المصطلحات التي لها علاقة بالهوية، والأقليات وسردياتها وخطابها، وكتبَ سلسلة مقالات في هذا الشأن، ابتدأت بمقالته "العراق الجغرافية المُـغَيَّبَة"، والتي كانت ردًّا على ادعاءات باطلة تزعم أن العراق وطن اصطنعه الإنكليز، موضحًا بالأدلة التاريخية والاقتصادية أن العراق إقليم جغرافي واضح المعالم.

كلمات مفتاحية

شعر عربي حديث قصيدة النثر