فكرية شحرة: ما ينقص الرواية اليمنية ناقد لا يجامل

صدام الزيدي 9 أكتوبر 2024


فكرية شحرة كاتبة وروائية يمنية من مواليد محافطة إب (وسط اليمن)، انتقلت عائلتها وهي في الرابعة من العمر إلى حاضرة مدينة إب وهنالك التحقت بالتعليم النظامي وفي المرحلة المتوسطة تزوجت وأكملت تعليمها الثانوي والجامعي وهي زوجة وأم لأطفال، غير أن أعباء الحياة اليومية لم تكن لتمنع - أو لتشكل عائقًا- أمام اهتمامها بالكتابة حيث بدأت في كتابة القصص القصيرة في عمر مبكر، قبل أن تجد نفسها في أجواء كتابة المقال الصحافي الذي استحوذ على نسبة كبيرة من اشتغالها.

تخرّجَت في جامعة إب- كلية التربية عام 2001 تخصص دراسات عربية. ولاحقًا، بعد أكثر من عقد على ذلك، وجدت باكورتها القصصية "نصف روح" طريقها إلى النور في عام 2014، تبعتها باكورة روائية "عبير أنثى" عن دار نينوى للنشر- دمشق، 2015. وبحلول 2024 الجاري بلغت حصيلة إصداراتها القصصية 4 مجموعات منها: "هكذا يموتون" عن دار العهد للنشر؛ "فتيات الغربة" وهي مجموعة حاصلة على منحة التفرغ للكتابة من مفردات 2020؛ "نافذة وأربعون جدارًا" عن الدار العربية للعلوم ناشرون، 2022. وفي الرواية أصدرت إجمالًا 4 روايات منها: "قلب حاف" عن دار نينوى، 2016؛ ثلاثية "صاحب الابتسامة" عن الدار العربية للعلوم ناشرون، وأعيد طباعتها في كتاب واحد تحت عنوان "شمس أوام"، 2020؛ "الثجة" عن أروقة للنشر- القاهرة، 2020، طبعة أولى وعن دار الشواهين طبعة ثانية، 2022؛ "لحى زهرية" وهي أحدث رواياتها (غير المنشورة)، ترشحت للقائمة القصيرة لجائزة "كتارا" للرواية العربية في دورة الجائزة 2024. وإلى ذلك، صدر لها كتاب بعنوان "الرجل بعيون أنثى" عن دار الشواهين للنشر، هو عبارة عن مقالات أدبية. لها كتابان مخطوطان يتضمنان مجموعة مقالات ونصوص أدبية.

وشحرة هي عضو ملتقى السرد العربي، وعضو رابطة الأدب الإسلامي في القاهرة، حيث تقيم منذ سنوات.

هنا حوار معها:

(*) لنبدأ الحديث من روايتك الأخيرة "لحى زهرية" التي ترشحت للقائمة القصيرة لجائزة كتارا. ما موضوع الرواية وهل تمضي على خطى رواياتك السابقة التي لا تغادر البيئة اليمنية بتمظهراتها الاجتماعية والسياسية؟

يمكنني ذكر الملمح الأهم في موضوع الرواية وهو تأثير الحرب على نفسية الإنسان، وتداعيات هذا التأثير من سلوك وغيره. لكن طبعا هنالك فكرة في الرواية أترك للقارئ معرفتها حال صدورها إن شاء الله.

بالنسبة إلى كون رواياتي وقصصي القصيرة لا تغادر البيئة اليمنية بكل تضاريسها المختلفة فرواية "لحى زهرية" تمضي على ذات الخطى. وأنا لا أعدّه عيبًا في كتابات الراوي لأن المحلية تنحصر في ذهني بالأسلوب الذي يتبعه الكاتب، هل هو موجّه للداخل عن هذه البيئة أم أنه موجّه للخارج عن هذه البيئة. وأجد أن أجمل الروايات هي ما كتبت عن بيئة الكاتب وأخرجت للعالم الآخر صورة عن وطنه وبيئته وعاداته وتقاليده وما يحدث من أحداث مهمة في بلده.

"لحى زهرية"

(*) هل توقعت وصول "لحى زهرية" إلى القائمة القصيرة لكتارا، وكيف تقبلت هذا الخبر؟

الحقيقة أني شاركت قبلًا في دورات "كتارا" ولم يحالفني الحظ. وكان هاجسي أن رواياتي ربما لا ترقى إلى مستوى المسابقات... لذا أنا أعمل على تطوير نفسي وأسلوبي وأشتغل على مقدرتي هذه صقلًا ونحتًا. "لحى زهرية" هي الرواية الخامسة لي مع أربع مجاميع قصصية فيها عشرات من القصص القصيرة أيضًا. أجد أني وصلت إلى مرحلة تشبعت فيها إلى حد ما من فن الرواية قراءة ودراسة وأني قادرة على كتابة شيء جيد.

الحقيقة كان لدي أمل بأن تفوز لكن التوقعات هذه لا أثق بها كثيرًا. لذا مثّل لي صعودها إلى القائمة القصيرة فرحة كبيرة وشهادة عظيمة أنني كتبت شيئًا جيدًا.


(*) صدرت لك حتى الآن 4 روايات و4 مجموعات قصصية، إضافة إلى كتاب مقالات وهو إنجاز غزير نوعًا ما إذا ما نظرنا إلى فترة صدور هذه الأعمال بين عامي 2014 و2024. فإلى أي مدى يمكننا القول إن اليمن أرض خصبة للكتابة السردية وكيف تماهيت مع هموم الإنسان اليمني وتفاصيل يومياته مستفيدةً من كل هذه الظروف كمحفِّز على الكتابة؟

هنالك فكرة خاطئة حول مدة إصداراتي وحصرها في عشر سنوات لتسعة كتب.

أولًا: أنا لا أعتبر عشرة كتب في عشر سنوات غزارة في الإنتاج بل بطء وتأنٍّ كبيران. تستحضرني رواية "المحاكمة" لكافكا والتي كتبت في ليلة واحدة.

ثانيًا: أكتب قبل العشر هذه بأكثر من عشر سنوات. لكن لم يتح لي النشر أو الطبع أو حتى الظهور. كان حولي ظروف معينة لا تتيح لي هذه الأمور.

لكني وأنا في الجامعة وقبلها كنت أكتب قصصًا قصيرة طبعت فيما بعد ضمن المجموعات التي صدرت مؤخرًا.

شيء آخر كوني متفرّغة للكتابة، لم أمارس وظيفة ما سوى لعام واحد، فقد قسّمت وقتي بين القراءة والكتابة وعمل البيت.

أما بالنسبة لخصوبة الواقع اليمني في إنتاج الأدب والأدباء فأؤكد لك أن هنالك قدرات ومواهب دفنت أو مدفونة أكثر بكثير ممن استطاع أن يشقّ له طريقًا كي يكتب ويبدع. البيئة اليمنية مُحفِّزة فعلًا كي يُخرِج الكاتب مارده الخاص ويغيِّر واقعه أو على الأقل يحاول وهو يستقي إبداعه من بيئته.

(*) طبعًا لا ننسى أن المقال الصحافي أخذ منك الكثير وكان يفرض نفسه في مشوارك الإبداعي. حدّثينا عن تجربتك في كتابة مقالات الرأي الصحافية وكيف كنت توزّعين وقتك بين المقالة والسرد؟

في البداية فرضت وجودي عبر المقالة السياسية، ذلك لأن هذا اللون كان المتاح حينها كي أُخرِج وحش الكتابة داخلي. والحقيقة أني كنت أكتب المقالة بجرأة وقوة لأني ناقمة على كل شيء. كانت القصص والنصوص تذهب إلى أدراج الملفات. أما المقالة فكنت أرسلها عبر الفاكس بكثير من التعب.

تنوعت مقالاتي. كتبت في عدة صحف ومجلات وصار لي عمود خاص في أكثر من موقع. حتى أتى الوقت الذي طغى فيه السرد على كتابة المقال وصرت أتجنب الصيغة المقالية كي لا تفسد الأسلوب الأدبي للسرد. حتى توقفت عن كتابة المقال بانتظام في 2020. صارت مقالاتي هي النادرة وإن كتبت فبأسلوب أدبي.

لم يكن هنالك تضارب في وقت الكتابة بين المقال والسرد فكتابة مقال لا تأخذ أكثر من ساعة تحت تأثير حمّى الفكرة. السرد نفَسه طويل ويحتاج إلى تأمل وليس حمّى لحظية.

(*) لنعد إلى الرواية. في رأيك، إلى أي مدى صار للرواية اليمنية التي تُكتب الآن حضور في المشهد العربي بالنظر إلى غزارة ما كُتِب في العقد الأخير من روايات. وماذا عن المستوى الفني والأسلوبي لبناء وتسريد الرواية اليمنية الراهنة؟

الحقيقة وصلتني خلال السنوات الماضية عشرات من المسوّدات للرواية اليمنية لشباب وشابات يكتبون أولى أعمالهم من أجل تقييمها. للأسف المستوى الفني والأسلوب غالبًا ضعيف حتى لو وجدت الفكرة الجيدة. الأعمال ذات المستوى الجيد قليلة جدًا. لكن هذا لا ينفي أن هنالك روايات فوق الجيدة. ونعزو ذلك لكونه العمل الأول وأنا أنصح دائمًا بالقراءة ودراسة فن الرواية أثناء القراءة وكأنك تلميذ أمام معلم يعطيك درسًا عمليًا للكتابة.

أما عن الحضور فهو حضور طفيف جدًا للرواية اليمنية، وما زال الروائيون اليمنيون المعروفون في العالم العربي فقط معدودين على الأصابع. نعاني محلية النشر وقلة الدعاية وندرة التوزيع والترويج.

(*) هنالك أكثر من جائزة تخصّص لتشجيع الكتابة الروائية اليمنية، ظهرت فعالياتها منذ سنوات قليلة. كيف ترين إلى هذا التفاعل وما الذي ينقص الرواية اليمنية، برأيك؟

فكرة إطلاق جائزة للسرد أمر عظيم ومشجع، لكن قبول الأعمال الرديئة أو الضعيفة ضمن قوائم الفوز جريمة في حق الكاتب قبل غيره.

الحقيقة أن ما ينقص الرواية العربية وليس اليمنية هو ناقد حقيقي لا يجامل ولا يراعي شعور الكاتب. ينقصنا القارئ المتذوق للأدب. لعل ما حفزني لتجويد ما أكتبه هو قارئ متذوق أو صديق قام بمقام الناقد علّمني بعيوب نصي.

(*) هنالك "كتابان مخطوطان" لم يريا النور بعد؛ ماذا عنهما؟

دائمًا ما أنصح غيري بكلمة "لا تستعجل النشر". أعتقد أني وصلت إلى هذه القناعة. أكتب ثم أترك ما أكتب شهورًا وربما سنينًا وأعود كي أنقِّح وأزيد وأحذف أيضًا.

الرواية إذا خرجت من بين يديك لم تعد ملكك، هكذا يقال. أما أنا فأرى أنها مثل الكلمة تخرج من فمك لا تستطيع ردّها أو تغييرها.

المخطوط الأول هو عبارة عن نصوص ورسائل حب عنونته باسم "مزن" لا أدري متى سوف أصدره حقيقةً رغم جهوزيته. والثاني كتاب مقالات شبيه بكتاب "الرجل بعيون أنثى" عن العلاقات الإنسانية بشكل عام وهذا أيضًا لا أدري متى سأصدره. وطبعًا كُتِبا على مدار سنوات طويلة مثل كتاب "الرجل بعيون أنثى". لذا لست على عجلة من أمري بنشرهما.