نظرية جديدة في الحكم
***
في الصالة الرياضية الملحقة بقصر الربيع، التقى تشاوشيسكو وهو يتمرن على الآلات، بالرجل الذي سوف يلهمه نظرية جديدة في الحكم.
بدا أ. س. مارتينيث شيخاً وسيماً في الستين من العمر، مكتنزاً قصير القامة، حليق الذقن وشاربه خفيف، شعره مُنعم ومصبوغ بصبغة سوداء، أنيق المظهر، تتضوع منه روائح عطور نفاذة، ويغطي رقبته بشال أحمر لكيلا يُلاحظ البهاق الذي يعاني منه.
قدّم نفسه بصفته مواطناً تشيلياً سُحبت منه جنسيته، انتسب إلى الحزب الاشتراكي التشيلي أثناء دراسته في الجامعة، وبعد الانقلاب الدموي عام 1973 الذي أطاح بالرئيس المنتخب سلفادور أليندي اعتقل وسجن لثلاث سنوات.
استمع إليه تشاوشيسكو فاغراً فاه ومحدقاً فيه بإعجاب. وبدون أيّ تحرج، وكأنه يؤدي وظيفة روتينية، فتح البروفسور حقيبته السامسونايت، وطلب من فخامته أن يأذن له بإجراء الفحوصات.
تنحنح تشاوشيسكو واحمرَّت وجنتاه وأمر بإخلاء الصالة؛ أنزل العبقري الذي يعرف كل شيء سرواله وباعد بين ساقيه، وقام البروفسور بالفحص مستخدماً العديد من أدوات القياس، ودوَّن في دفتر خشن الغلاف مصنوع من جلد الخنزير أرقاماً كثيرة، ثم استخدم ميزاناً إلكترونياً حساساً لوزن كُرتي تشاوشيسكو، ثم طلب منه أن يُغمض عينيه ويتخيل نفسه يُجامع السيدة الأولى، ضحك فخامته من أعماق قلبه: "هل تمزح؟؟ لو تخيلتها فإنك لن تراه بالمرة!". تحسباً لهذه المواقف، أخرج البروفسور من حقيبته صوراً إباحية وطلب من سيادته أن يُحدق فيها، فنجح الأمر أخيراً. ثم انهمك البروفسور في إجراء حسابات معقدة بآلته الحاسبة، وعندما استخلص النتائج قام بلِّم أدواته العجيبة وترتيبها في حقيبته.
سأله تشاوشيسكو وبخار الفضول يتصاعد من حنكه: "طمئنّي يا بروف". ابتسم مارتينيث مُظهراً أسنانه الحادة كأسنان سمك القرش: "البشارة سيدي الرئيس". انفرجتْ أسارير فخامته: "قل وعليّ مكافأتك". سوَّى مارتينيث شعيرات رأسه الخارجة عن مسارها المرسوم: "لقد أنعمتْ عليك الطبيعة بالقضيب الذهبي!". رنت كلمة "الذهبي" في أسماع تشاوشيسكو ووقعت موقعاً حسناً في نفسه. أردف مارتينيث وهو يستعين بالآلة الحاسبة: "لقد أثبتت الدراسات العلمية التي نشرتها جامعة السوربون أن متوسط الطول الطبيعي لآلة الذكورة هو 13 سم، وعندما نُطبق متوالية فيبوناتشي ونقوم بقسمة متوسط الطول (13 سم) على النسبة الذهبية (1.6 سم) فإن الناتج هو (8.125 سم)، وهذا الرقم المسمى بالرقم الذهبي المقدس ينطبق بدقة رياضية مذهلة على طول قضيبكم المفدى". حك الديكتاتور مؤخرته: "كلام مهم ولكنني لم أفهم منه شيئاً.. أنا بصراحة بليد في الرياضيات". نفث مارتينيث سحره بضحكة أنثوية ورفع يده مؤدياً التحية العسكرية مصوباً بصره إلى ما تحت سرة فخامته: "أهنئكم سيدي الرئيس، إن الرقم 8.125 سم هو رقم الحظ المطلق، وهو الطول النموذجي للأعضاء التناسلية الذكرية للملوك والرؤساء وعظماء التاريخ، أمثال نابليون بونابرت والإسكندر الأكبر وفلاديمير لينين وماو تسي تونغ والرفيق فيدل كاسترو". تنبه تشاوشيسكو إلى ستر عورته: "يا لي من ظالم غشوم، هل تصدق أيها البروف لم تبق سُبة في القاموس إلا وشتمته بها، وأين لي أن أعلم أنه على هذا القدر من الرفعة ونبل المحتد!".
استبقا تشاوشيسكو للغداء معه، ثم أمضيا المساء معاً وهما يُناقشان كيفية تطبيق مبادئ وأُسس علم بليتيسموغرافيا القضيب على إدارة شؤون الدولة.
ومنذ ذلك اللقاء الذي لم يفطن له المؤرخون، أخذت جمهورية رومانيا الاشتراكية بتطبيق نظرية "صدام الآلات" التي ابتكرها البروفسور أ. س. مارتينيث – قبل صموئيل هنتنغتون صاحب نظرية صدام الحضارات – وتخلت عن الاشتراكية اللينينية.
لقد أصبح عضو تشاوشيسكو – الذي يساوي طوله الرقم الذهبي المقدس – الأداة التي يُقاس بها ولاء المواطن، ودرجة وطنيته، وأهليته للمناصب الحساسة، بل وحتى صلاحيته ليكون جزءاً من الشعب الروماني.
وقد نصت النظرية التي عُمل بها سراً، على أن المواطن الذي له عضو أقصر من عضو (دانوب الفكر) يعد مواطناً صالحاً ومطيعاً للنظام واشتراكياً بالفطرة، وأن المواطن الذي ابتلي بعضو أطول من عضو (دانوب الفكر) فإنه يُصنف مشاغباً وميالاً لمعارضة الدولة وأقرب إلى خيانة الوطن، وفوق ذلك ينظر إليه بوصفه برجوازياً مُنحلاً بالولادة.
كما تنص النظرية في مرحلتها النهائية على القيام بحملة وطنية كبرى لتقصير الأعضاء التناسلية الأطول من عضو (صاحب القضيب الذهبي المبجل) وتطويل الأعضاء التناسلية الأقصر منه، للحصول على مجتمع مثالي ومتجانس وحائز على أعلى درجات التحضر والتقدمية.
***
بعد سنوات، استدعى فخامته العراف الغجري (إدمريسكو)، وكان هذه المرة رائق المزاج، معتداً بقوته، وطيف ابتسامة ساخرة تلوح على محياه.
قال للعراف: "لقد نجحتُ في التصدي للتعبئة التي كانت تجري ضدي". ارتعشت يد العراف وهو يشرب القهوة المرة، وتحدث بصوت مخنوق: "نعم.. حتى الآن". قطب فخامته جبينه: "مخطئ.. لقد انتصرت عليهم وإلى الأبد". قلب فخامته فنجانه على الطبق وانتظر بضع دقائق.
شعر (إدمريسكو) بالسم يسري في بدنه، تجلَّد متحملاً الألم وقرأ لتشاوشيسكو فنجانه: "قريباً، ربما في فصل الربيع، ستهب رياح عاتية وتقتلعك من جذورك". تهاوى العراف مُنسدحاً على الأرض والرغوة البيضاء تتجمع على جانبي فمه.
في ديسمبر/ كانون الأول 1989 انطلقت شرارة ثورة (ربيع الديمقراطية) من تيميشوارا، ثم انتشرت الاضطرابات إلى جميع أنحاء رومانيا، وحاول تشاوشيسكو الفرار من بوخارست بطائرة مروحية، ولكنه لم يتمكن من النجاة وأُعدم رمياً بالرصاص.