حين مضى

سما هلسة 1 أبريل 2020
قص
لوحة للرسام الإيطالي Getty) Gaspare Diziani)
ألم في رأس المعدة، فرح غير مبرر حين يمر من أمامها، حين يقول لها "صباح الخير"، تشعر بالدوار، وكأنه قال لها أحبك.
إنها تنغمس في تفاصيله، صوته تلك الحشرجة، طول أصابع اليدين، هي التي تهتم بالتفاصيل، لا يهمها ما يحمله الطبق بقدر طريقة ترتيبه، ومقدار الحب الذي يحمله مقدمه، لا يهمها أن تشرب القهوة في موعدها بقدر مذاقها، وشكل فنجانها، ومقدار الرغوة على وجهها، أضاعت حياتها في التفاصيل ونسيت القصة!
هي لم تحبه، لكنها غرقت في تفاصيله، أحبت كل التفاصيل وأدمنتها، أحبت طريقة حديثه والتواء فمه حين يتحدث، كلامه الذي يكرره، فأصبحت تعرف ما سيقول، تفاصيل عينيه، حين تلمع فرحا، وحين تنطفئ مللاً، وحين تبرق أملاً، وحين تقهر حزنا.
كم من الوقت يحتاج الحب حتى يكبر فينا يوما شهرا عاما. هي لا تذكر تفاصيل يوم معين أحبته فيه، ولا وقتا، تذكر فقط أنه صادف الخريف، أيلول ربما، كان فصلا كئيبا زينه سهر الليالي، وخفقان القلب.
البدايات دائما تشبه النهايات، تحمل فيها كثيراً من المشاعر تكون مفعمة بألق الحماس وخوف الاستمرار.
ها هو الآن أمامها، عيناه منطفئتان، فقدا بريقهما وألقهما، عيناه التي كانت ترسم بهما أحلامها وترى نفسها عجوزا تتكئ على كتفه، وتحمل أحفادها بيديها، تراهما الآن يستحقان منها الشفقة لا أكثر.
علمتها أنانيته أن تحب نفسها أكثر، وتهتم بعملها أكثر، وتقرأ أكثر، وتكون امرأة حرة أكثر.
أخبرها يوما أن المرأة لا تكون امرأة إلاّ حين تستقل، تستقل من كل شيء، من تبعيتها لأي ذكر تقابله في حياتها، تستقل ماديا ومعرفة وثقافة، تستقل حين تعرف كيف تصلح سيارتها إذا تعطلت، وتسيّر حياتها كما تريد، وتتحرر من فكرة طبخة اليوم، والدجاجة المحمرة، لديك لا يعرف إلاّ النهش.
وكانت كما أراد، تعلمت كل شيء، إلاّ أن تخسر أنوثتها. تعلمت كيف تصبح شخصاً عملياً.. بلا مشاعر، وبلا قيود.
هو الذي علمها كل هذا وشكل منها امرأة حديدية، لا تعرف إلا النجاح، هو بكل ما علمها إياه، وبكل الخذلان الذي منحها إياه، صنع منها امرأة لا يستحقها رجل.

*كاتبة من الأردن

كلمات مفتاحية

السرد القصصي القهر الإنساني أدب إسقاطات