شجرة البنادق
سيطر عليّ هاجس بأنه سيُلقي عليّ القبض، لا محالة، لأنه لم يكن لديّ من عمل محدّد فلا أنا بالطالب في الحقيقة، ولا بالموظف، أي أنّ موقفي غير سليم، قانونيًا، حسب الأعراف والتعليمات العسكرية الراهنة التي تخضع لها البلاد. لم يكن أمامي سوى أن أقول لرجل الأمن، أنا خرّيج مسرح، متذكّرًا دراستي في أكاديمية الفنون الجميلة. وقد بدأ موقفه يتغيّر كما شكله. شرعنا بالمشي الوئيد مبتعدين عن مكان الدورية، في الوقت الذي أخذ يُظهر مزيدًا من اللين والتودّد، قال لي وقد صار يحرّك شفتيه بطريقة ملفتة، مقلّدًا فيها ابتسامة أحد نجوم السينما، وقد اختفى تمامًا شكل وجهه الأول، ساعةَ طلب مني أوراقي، ليتحول إلى وجه عادي حليق، بالأبيض والأسود، وقد شعرت أن هذه الابتسامة أو الحركة مألوفة لديّ، كأن تكون لأحد المطربين أو ممثلي السينما القدامى. قال بأنه كان قد مثّل مع واحد من المخرجين المصريين المعروفين دورًا قصيرًا، في ما مضى، ولا أعرف لمَ تبادر لي أنه يقصد حسام الدين مصطفى أو هنري بركات. انتبهت إلى أننا صرنا في مكان جديد هو منطقة الحجاز في دمشق، حيث اعتلينا جسرًا حديديًا صغيرًا للمشاة، يقع على مقربة من مدخل سوق الحميدية. كنت أشعر بالتحرّر والتخلص من الخوف، كما لاحظتُ أنه صار يُبدي علامات بناء صداقة، وقد بدا أصغر سنًا وبوجه يوحي بالألفة والطمأنينة. ولمزيد من تعزيز الثقة بيننا قال لي، أليس والدك هو من يملك معملًا للأثاث المنزلي في المنطقة الصناعية، ليؤكّد بعد ذلك، بأنه اشتغل في هذا المعمل لفترات مختلفة. وفيما نحن نهمّ أن نودّع بعضنا كان صوت الراديو ينبعث من المحال والأسواق القريبة، مُسترعيًا الانتباه إلى أنّ بيانًا هامًا سيصدر بعد قليل.
(جنوب السويد، كانون الثاني/ يناير 2020)