الحمار

عبدالله جنوف 12 أغسطس 2023
يوميات
(عبد العزيز القرجي)
قبل أربعين عامًا كان أكثر سكّان القرية مزارعين، يملكون الغنم والدواجن والدوابّ، وكانت الحُمُر مؤدّبة بالزجر الشديد والضرب، فإذا أفلتت من حبل، أو انتهزت غفلة، هاجت وأكلت... وكثيرًا ما يكون ذلك في الهواجر والناس نيام.. يتصايح الناس: بهيمْ مطلوقْ.. ويهرع صاحب الزرع إلى زرعه، وصاحب الماء إلى مائه، وربّ الأتان إلى أتانه المربوطة تحت الزيتونة... ويجري من أصيب زرعه، أو أتانه، ومن لا هدف له، والنساءُ والصبية، وراء البهيم المطلوق... وتتداخل الأصوات: ـ بهيم من هذا؟ ـ بهيم الحاج حمد... ـ لا لا، الحاج حمد بهيمه أسود... ـ إمّالا بهيم الحاج منصور... ـ صحيح؟
يحتاج تحديد هويّة الحمار إلى وقت واختلاف وجري... ويتبادل اللاهثون جملًا محفوظة من قصص صبية رمحتهم الحمرُ في وجوههم وصدورهم... وتتغامز أعين شامتة بروايات أُتن اعتُدي عليها... والحمار في قمّة نشاطه وهيجانه يجري وينهق... ويدلي غير مكترث بأعداء غريزته... حتّى حيلة الآنية الفارغة التي تُخدع بها الدوابُّ عادةً لا تنطلي عليه... ثمّ يطوّقونه ويقبضون عليه... يعاند بآخر ما فيه من وحشيّة وغريزة قبل العودة إلى رُتبته المعهودة... يلفّ عْظَيِّمْ طرف الحبل حول رقبته ويضربه بطرفه الآخر... ويسوقه إلى الحاج منصور الذي سمع الصياح وعرف الخبر ولم يخرج من بيته.
ـ ألا تلاحق حمارك يا حاج؟
ـ ألاحقه وأنتم حيّ كامل يطارده؟ أتخافون منه؟ إنّما هو حمار...